العدد 15 – أغسطس آب 2022

| 18

ال يقبل السلفيون ذلك ويصرون على كون وسائل الدعوة مبنية كلها على التوقيف؛ ذلك أن حال األمة اإلسالمية ال يصلح عندهم إال بما صلح به األولون وأصلحوا. فالطريق إلى إصالح الناس هو السبيل الذي درج عليه النبي صلَّى عليه وسلَّم ودرج عليه صحابته. وهذه الســبل هي على سبيل التحديد: الخطب المشروعة، مثل خطبة الجمعة والعيدين، والحلقات العلمية، واإلفتاء، والجهاد في ســبيل الله، والنصيحة ألئمة المســلمين وعامتهم. أما غيرها من الوســائل التي تستعملها الحركات الدعوية األخرى فهي بدعية، مثل الســماع المجرد، وتلحين القصائد، والتغني بها، والتمثيل والمســرحيات، وغيرها مما اعتاد عليه اإلسالميون في أنشطتهم الدعوية. والخالصة أنه ال يجوز بحال اتخاذ وسائل دعوية غير شرعية ال دليل عليها في السنَّة وال سوابق لها عند الصحابة. يدل هذا االختالف على وجود نوع من التدين المحدَّد بدقة لدى الســلفيين، فبينما يلزم الســلفيون أنفســهم بأنواع محددة من العبادات الحصرية، ويعارضون كل تدين متسامح إزاء التطويرات التي تطرأ على الصيغ العبادية األصلية. ومن داخل االتجاه السلفي نفسه، نجد اختالفًا في درجة االنتصار لصيغ معينة من العبادات، فإزاء القول الســلفي التقليدي بأن األصل في وسائل الدعوة هو التوقيف، يرى االتجاه المعتدل خالف ذلك، ويعتبر أن روح العبادة وســرها ليس هو أن يؤديها المســلم على وجه )، منتقدًا 11 مخصوص، بل هو امتثال أوامر رســول الله واإلذعان لشــرع الله تعالى( بذلك االتجاه األول بدعوى أن محاربة البدع وذمها أصبح في نظره أكثر أهمية من التربيــة على العبادات الصحيحة.. ومناديًا بضرورة التدرج في الدعوة وعدم الصدع بها، والتوجه نحو تكوين نخب من شأنها أن تمارس الدعوة على نطاق أوسع. ومن جانبهم، يتَّهم السلفيون التقليديون هذا التيار على خلفية تساهله في نبذ البدع وقبوله التعاون مع المبتدعين، فضًل عن إغفال إصالح عقائد العامة. أما بخصوص التيار السلفي الجهادي، فهو يقيم سُلَّمًا تفضيليًّا بين مختلف العبادات، فيُعــد الجهاد، وليس محاربة البدعــة العبادية، هو روح العبادة وأن اإلقبال عليه هو الذي يحدد درجة االنتماء إلى اإلسالم مميِّزًا بذلك بين المسلم العادي الذي يؤدي ). وبذلك 12 فرائضــه التعبديــة، والمؤمن الذي يؤدي عبادة العبــادات وهي الجهاد( اســتطاع أقطاب الســلفية الجهادية أن يزيدوا من راديكالية األفكار السلفية التقليدية لكي تصبح ســامية ومرغوبة بحماس، لكونها ال تقف عند التأدية الصحيحة للشعائر

Made with FlippingBook Online newsletter