51 |
ورغــم الحياد اإلداري فــي العملية االنتخابية الذي باتت تعرفه االســتحقاقات في المغرب، إال أن هذا الحياد يكون سلبيًّا في كثير من األحيان، ويعد شك ًل من أشكال الطعن في نزاهة االنتخابات في المغرب. فظاهرة توظيف األموال في تدبير الحمالت االنتخابية ما زالت مستمرة، وهي معطى ذاتي مرتبط بثقافة الناخب والمنتخب، وهذا ما يفســد نزاهة االنتخابات. فقد وقع االنتقال من تحكُّم اإلدارة في رســم التوازنات االنتخابيــة القبليــة إلى تحكم المال فــي التأثير على المواطنين لكســب أصواتهم االنتخابية، وإن كان األمر يرجع لطبيعة الثقافة السياســية الســائدة سواء أكانت لدى الناخب أم المنتخَب، إال أن اإلدارة تُعد مسؤولة عن تحقيق النزاهة االنتخابية وضمان تكافؤ الفرص بين المنتخبين كافة. لهــذا، ال يمكــن الحديث عن انتقال انتخابي حقيقي في المغرب، إال بتكريس ثقافة المشــاركة السياســية باعتبارها تجســيدًا لحق من حقوق المواطنة، التي تجعل من المواطن محددًا لمســار من يبت في القرارات التي تهم شأنه العام، وبالنتيجة القطع مع الممارسات المشينة، مثل توظيف المال في الحمالت االنتخابية، التي تنقص من مسار نزاهة العملية االنتخابية ومن قيمة صوت المواطن في تحقيق التمثيلية السياسية الحقة، واستكمال مسار إرساء الديمقراطية وتمتينها. ويُعد التقطيع االنتخابي الســائد، كما ســبقت اإلشــارة إلى ذلك، أحد العوائق أمام عملية االنتقال السياسي االنتخابي في المغرب؛ حيث تظل الخريطة االنتخابية بعيدة عن تحقيق مبدأ التمثيلية نظرًا لغياب شرط المساواة بين الدوائر االنتخابية من جهة، وللتفاوت بين الدوائر االنتخابية من حيث مساحاتها، وكتلتها االنتخابية، ثم لدخولها فــي المنطق االنتخابي القديم. وعليه، فــإن بديل االنتقال من حالة عدم النزاهة إلى النزاهــة االنتخابية هو مبدأ المســاواة االنتخابية الذي يمثِّــل أهم معايير االنتخابات الديمقراطية. فال يمكن الحديث عن اســتكمال فعالية مســار اإلصالح الدســتوري إال بالنظر إلى المخرجات المترتبة على هذا اإلصالح، ســواء أكان على مستوى القوانين المنظمة، وعلى مســتوى فعالية المؤسســات المنتخبة، أو على مستوى شفافية ونزاهة العملية االنتخابية، التي تحقق وظيفتها في تكريس الديمقراطية المنشــودة، أو على مســتوى الثقافة والممارســة السياســية المنتجة للفعل السياســي المعبِّر عــن هذا اإلصالح الدستوري.
Made with FlippingBook Online newsletter