أحد عشر عامًا على ثورة 17 فبراير الليبية المسارات، العثرات،…

ما و ارء الجدل حول عملية وضع الدستور النهــج الديمقراطي الذي ارتضاه جل الليبيين خيارًا مصيريّا بعد عقود من الدكتاتورية وتسلط الفرد وتميز العائلة الحاكمة يقضي بأن تحدد الأغلبية ملامح المرحلة والسياســات العامة، إلا أن ذلك لا يجدي في مرحلة تأسيســية تتلاطم فيها أمواج الصراعات والنزاعات السياسية والأيديولوجية والجهوية والعرقية. ولقد قامت الثورة وهناك شــريحة واسعة من الليبيين خاصة في الشرق لا يدركــون أن هناك مكونــات ليبية غير عربية وتتحدث بلغة خاصة ولها تقاليدها الاجتماعيــة والثقافيــة المختلفة، وقس على ذلك مــدى وعي المجتمع، الذي خضع لتجهيل وتزييف وعي لفترة طويلة، بمســائل غاية في الأهمية فيما يتعلق بالاســتقرار والســلم الاجتماعي، وبهويــة المجتمع، ونظــام الحكم في بعديه السياسي والإداري. وكان من بين إشــكاليات وضع دســتور البلاد الضغط للإسراع في إنجاز المهمة على حساب استيعاب الرأي العام للدستور ومسؤوليته في إقراره، وذلك من خلال حوارات ونقاشات تنزل إلى مستويات عدة وتتسع لتشمل كل المناطق وكل الفئــات. فقد تجاذبت هذه الموازنة آراء عدة بين من يرى ضرورة التوعية ونقل مسؤولية إقرار الدستور إلى الرأي العام بغض النظر عن الوقت المستغرق، وبين من يتخوف من إطالة أمد إعداد الدســتور الذي هو الضمانة للاســتقرار والمانع من تدهور الوضع بسبب النزاعات. وقد شاب عملية وضع الدستور ما شابها من توتر وتجاذبات، فتحقيق مبدأ الحياد ليس سهلا في ظل حالة الاستقطاب الفكري والسياسي والجهوي وحتى القبلي والمناطقي التي لونت المشهد السياسي الليبي. الاتجــاه إلى احتواء النزاعــات المناقضة لمبدأ الحياد لأجل تعزيز التوافق عند وضع الدســتور اقتصر على إقصاء الأحزاب السياسية، ولأن أداء الأحزاب السياسية في المؤتمر الوطني كان غير مرضي، ونزاعها كان ذا مردود سلبي فقد صار اســتبعادها من انتخابات هيئة وضع الدســتور مبررا، فتم ذلك من خلال إلغــاء نظام القوائم والاقتصار على النظــام الفردي. والغريب أن جل الأحزاب والكتل السياســية في المؤتمر الوطني العام جنحت إلى مطلب إبعاد الأحزاب عن عملية وضع الدستور.

98

Made with FlippingBook Online newsletter