توقفــت الحافلة، وفتحــت أبوابها.. صار وقت اللقاء مــع ميدان لم أكن واثقا في أنني سأجد فيه مكانا أقف فيه بعيدا عن قذيفة منفلقة أو شظايا مركبة استهدفها صاروخ أو سقط فوقها خطأً، فتناثرت أجزاؤها في المكان، أو شجرة قُتلت كما قتل البشر هنا.. التساؤالت مجددا تقتحم رأسي وال إجابات بعد، ال شيء سيحسم األمر سوى التسليم والنزول والوقوف بقلب صحفي تعرّض لما تعرّض له خالل سنوات عمله الخمس عشرة. لم يكن الموقف ســهال، كل المشــاهد كانت دمارا، قادنا الجيش الروسي إلى أحد المصانع في مدينة ماريوبول، وكل ما أحاط به كان مدمرا، قلت لنفسي تمهّــل، فكّر قليال قبل أن يقودك حماســك إلى الترويــج أو تبني قصة مثلومة التفاصيــل أو منقولــة من جانب دون آخر، اكتفيت بتصوير الدمار وكنت أبحث عــن األهــم، عن المدنيين وما حل بهم، قال لي أحــد المكلفين بالتواصل مع الصحفيين في الجيش الروسي بلكنة عربية ثقيلة -تعلمها من خدمته في سوريا قبل سنوات- إنه ال يوجد مدنيون في هذه المنطقة وإننا سنراهم الحقا. في كل مكان ذهبنا إليه خالل ذلك اليوم الطويل، لم نر مدنيين إال ما ندر، وأخيرا شاهدت عددا من المارة في استراحة زرنا خاللها حديقة الحيوانات في ماريوبول، حاولت التحدث إليهم، على قلّتهم لم يُجبني أكثرهم. رجل كبير في . تبادرت إلى ذهني، ممّا رأيته وسمعته " الدمار طال كل شيء " السن فقط قال لي خالل ساعاتي األولى في أوكرانيا من جانب االنفصاليين، صور من بلدي العراق خــ ل الحــرب بين القوات العراقية وتنظيم الدولة في الموصل، تذكرت ما لم يغب عن مخيلتي أصال، بل أنعشــه في ذاكرتي ذلك الرجل المســن حين قال . " الدمار طال كل شيء " مرت الســاعات سريعة، وانتهينا من اليوم األول دون إنجاز محدد، جمعنا صــورًا فقــط حينها، وبقيت أنتظر معرفة ما لم أعرفه بعد وهو كثير. على عكس ما كنت أتوقعه قبل أيام، وأنا أتابع وأقرأ كل شيء عن المنطقة التي سأزورها، عن منطقة حرب ســتكون آثارها على األقل مثل كل حرب، جاء ما شــاهدته بعيني أضعاف ما توقعته، تعلمت من هنا أال أتوقع شــيئا قبل أن أراه، وقبل أن أغوص في تفاصيل مشــهد أو صورة على الشاشة، فالميدان يختلف وسيختلف
129
Made with FlippingBook Online newsletter