العدد18

123 |

تتشكل في نظم مختلفة باختالف األزمنة والبيئات يطل من خاللها العقل على مجمل البنية االجتماعية ومستلزماتها؟ الواضح أن فقدان هذه الثقافة جعل الفكر الذي ينبثق عن مفهوم الهوية الثبوتي فكرًا قاطعًا وحَدِّيًّا ال يتصور للمجتمع واإلنسان عالئق أخرى غير العالئق الدينية التنميطية فال يعترف بالمجال السياسي االجتماعي وبضوابطهما الخاصة. السياسة ثقافة أو ال تكون عندما تختزل الهوية مجال االجتماع البشري وحراكه في البعد الظاهري للدين فإنها تصبح كيانًا ناجزًا وذاتًا افتراضية النقطاع صلتها بأي واقع تاريخي مما يُفقدها إمكانية التطور والنمو ويقلِّص عالمية رسالتها. مثل هذا التوجه في فهم الهوية ينتهي إلى االعتقاد بأن مشــاكل المســلمين وعوامل ضعفهم موجودة في الواقع السيء الذي يعيشونه فقط وليس فيما يحمله المسلم من رؤية وتصورات عن ذاته وتاريخه وعن اآلخر. تلــك هي هوية االنطواء على الذات صونًا لها من دواعي التعدد واالختالف اللذين يشمالن العالَم من حولها بما يعتمل فيه من حركة وتفاعل دائبين. ينســى دعاة هذه الهوية القلقة حضاريًّا حقيقتين: األولى إنســانية وهي أن األصالة ليســت تكرارًا لألصل وإال غدت مـــسخًا وانحدارًا بصوره الرائعة إلى صور حائلة زائلة. أما الحقيقة الثانية فهي أن الهوية في داللتها اإلســ مية الرســالية تنطلق من التصــور القرآني للوجود بأنه خلق يزداد ويرتقي بالتدرج واالختالف مع اســتيعاب .) 34 نوعي لمقتضيات واقع هذا التحول( مؤدى هاتين الحقيقتين في المجال الحضاري-السياسي هو أن يهتدي كل جيل بما ورثه من آثار أسالفه من غير أن يعوقه ذلك التراث في تفكيره وحكمه وحل مشكالته وهي تدير " اإلســ م السياسي " الخاصة. إشــكال هذه الخصوصية في واقع حركات الحكــم أنهــا انزوت في التنظيــم وعناصره فأنهكت التنظيم وشــتتت والء عناصره ليتضاءل وزنها في حاضنتها الشعبية قبل أن تنتهي مكانتها في الحكم. مصدر هذا االنتكاس في التباس األولويات اإلستراتيجية المحلية وما ينجر عنها من

Made with FlippingBook Online newsletter