العدد18

45 |

والجنوب جيران ضعاف يخشــون ســطوتها. ومع ذلك فهي لم تقنع بقوتها الذاتية، بل نسجت حولها حلفًا من الفضاء الحضاري الغربي، الذي تجمعه عقائد المسيحية البروتستانتية والكاثوليكية، وجذور الثقافة اليونانية والرومانية. ويمكن التأمل أيضًا في حال الصين وروسيا اللتين تدركان اليوم حاجة كل منهما لألخرى في مواجهة التحدي الغربي، رغم الحجم الهائل لكل منهما، وما تحت يدها من قوة جبارة. إن شــروق الشــرق وغروب الغرب الــذي نعيش بوادره اليــوم يوجب على العالم اإلسالمي البدء الفوري في بناء المناعة الذاتية، من خالل تشكيل قوة دولية إسالمية، ال شــرقية وال غربية، تدرأ عنه خطر التحول إلى ســاحة مواجهة جديدة بين القوى البريــة الكبرى والقوى البحرية الكبرى. ومن دون بناء هذه المناعة الذاتية، وتحقيق Crush " منطقة ارتطام " وحدة اإلرادة اإلســتراتيجية، فإن العالم اإلســ مي ســيظل بين القوى الشــرقية والقوى الغربية، على النحو الذي وصفه عالِم الجغرافيا Zone )، الذي صاغ هذا المصطلح، 1953 - 1870 السياســية البريطاني، جيمس فيرغريف ( وصفًــا للمناطق الهشَّــة من العالم التي تتكالب عليهــا القوى البرية الكبرى والقوى .) 91 البحرية الكبرى( ويستطيع المسلمون أن يستلهموا تاريخهم في هذا السياق؛ فالطير اإلسالمي العمالق -بحكم توسُّــطه بين الشــرق والغرب- قد عَرف في تاريخه الطويل حاالت قبض وبسْــط دائميْن: فهو في فترات القوة ينبســط ويمد أجنحته مشرِّقًا ومغرِّبًا، على نحو ما حدث أيام الفتوحات اإلسالمية األولى، ثم خالل قوة اإلمبراطورية العثمانية. أما في فترات ضعفه فينقبض وينحشــر بين القوى البرية الكبرى على تخومه الشــرقية، والقــوى البحريــة على تخومه الغربيــة. وربما وصل األعداء إلى قلبــه أحيانًا كما حدث أثناء العاصفة المغولية، والحمالت الصليبية، واالســتعمار الحديث. فالخيار اإلســتراتيجي الصحيح للعالم اإلســ مي دائمًا هو خيار القوة واالنبســاط، ال خيار الضعف واالنقباض. بيْد أن بناء قوة دولية إسالمية ذات شأن يستلزم شروطًا عسيرة التحقُّق، منها تجاوز عــدد مــن المعضــ ت البنيوية داخل الدول اإلســ مية، وتحقيق اســتقالل القرار اإلستراتيجي لدُوَله المحورية، وتعميق التعاون بينها، على نحو ما حدث في أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية. ومن المؤكد أن تحقُّق هذه الشــروط سيســتغرق وقتًا،

Made with FlippingBook Online newsletter