العدد18

47 |

وقصة نجاح االتحاد األوروبي جزء من قصة نجاح أكبر، هي وحدة الفضاء الحضاري الغربي، الذي يشمل دول أوروبا الغربية، والواليات المتحدة، وأستراليا، ونيوزيلندا، وهي دول تفصل بين بعضها مســاحات شاسعة ال نظير لها في الجغرافيا اإلسالمية. فقــد نجحت الكتلــة الحضارية الغربية في توحيد اإلرادة اإلســتراتيجية بين دولها، مع احتفاظ كل دولة باســتقاللها السياســي. ولعل نجاح الغــرب في توحيد إرادته اإلستراتيجية -رغم المسافات الشاسعة التي تفصل مكوناته- وفشل العالم اإلسالمي المعاصر في ذلك، يدل على أن قضية الوحدة تتوقف على اإلرادة السياسية والحيوية الثقافية أكثر مما تتوقف على أي أمر آخر. فحتى الفاصل الكبير الذي تحدثنا عنه من قبل بين العالم اإلســ مي البري والعالم اإلســ مي البحري، ال يمنع وحدة اإلرادة اإلستراتيجية، تمامًا كما لم تمنع ذلك المحيطات العريضة التي تفصل أميركا الشمالية عن أوروبا، وتفصل أستراليا ونيوزيلندا عن بقية الفضاء الحضاري الغربي، وال مثل لهذه المسافات الشاسعة بين مكونات العالم اإلسالمي. ولبيان ذلك يكفي أن نعرف أن أستراليا، التي هي جزء من المنظومة الغربية، تبعد عن كل من الواليات المتحدة وبريطانيا أكثر من خمسة عشر ألف كيلومتر، وهما أقرب الدول الغربية أرحامًا ثقافية واجتماعية إلى األستراليين، وأوثقهم حلفًا سياسيًّا وعسكريًّا معهم. فوحدة اإلرادة اإلســتراتيجية ممكنة رغم بُعد المســافات، بشــرط أن تكون طوعية وعمليــة، ويكون لها أســاس ثقافي متين. ولعل أكثــر التنظيرات جدِّية في موضوع ،) 1903 - 1849 الوحدة اإلسالمية بهذا المعنى هي ما تقدَّم به عبد الرحمن الكواكبي ( )، ألن ك ّل من 1973 - 1905 )، ومالك بن نبي ( 1971 - 1895 وعبد الرزاق السنهوري ( المفكرين الثالثة انطلق من استلهام مثال وحدوي عملي معاصر، ولم ينشغل بترديد المواعظ النظرية عن األخوَّة اإلســ مية، أو بالسعي إلى استنساخ تاريخ إمبراطوري إسالمي مضى وانقضى. فقد اســتلهم الكواكبــي فكرة الوحدة الفيدرالية األميركيــة واأللمانية، فنظَّر للوحدة اتِّحاد إسالمي تضامني تعاوني، يقتبس ترتيبَه من قواعد اتحاد " اإلســ مية في شكل ). واســتلهم الســنهوري مثــال عصبة األمم -المنظمة 93 ( " األلمانيين واألمريكانيين عصبة " الدولية التي نشــأت في حقبة ما بين الحربين العالميتين- فدعا إلى تأســيس تجمع شتات الشعوب المســلمة، وتضمن لها مكانة دولية، مع احترام " أمم شــرقية

Made with FlippingBook Online newsletter