Together Apart-(A)

القطـاع الصحـيّ، رأي ـت نفسـي ملئ َـتْ غمامـةً موحِل ـةً فاحمـة الل ـون تلب ّـدت بعضهـا فـوق بعـض. وبعدئـذٍ كانـت تتبـدّد متحوّلـةً إلـىضيـقٍ أحـاول حصـره فـي ركـنضيّـقٍ. وكــي لا نقــعَ أُســارَى فــي براثــنِ ذٰلكــمُ الغــمّ، جعلنــا نشــاهد قديــمَ العــروض السّـينمائية السـاخرة. فـكأن النـاسفـي مشـاهدها التـي مـ ت بيتنـا قادمـة مـن قبـل خمسـين سـنةً مضَـتْ يتصافحـون ويقترب ـون مـن بعضهـم البعـض غي ـر آبهي ـن بمـا يُسـمّى «المسـافة الاجتماعي ـة»؛ وكان ـت تل ـك الح ـركات أشـد م ـا يلف ـت انتباهـي. لأن الزمـان لـم يبلـغ بعـدُ هـٰـذا العصـرَ الـذي أعيـش فيـه والـذي يعـي بِهـٰـذا القـدر معنـى «الإدراك الانتقائــيّ». ولقـد أدركـت أيّ سُـخفٍ كان بخيال ـي ال ـذي رسـمته حـول غـزارة إنتاجـي ل ـو أن ّـي أُودِعـت الســجن. لأننــي كنــت ســأقرأ وأدوّن الملحظــات وســأكون شــاهدةً علــى لمعــان أفــكار جديـدةٍ فـي رأسـي وانطفائهـا، ولـٰـكنّني لـن أجُـرّ قلمي لأسـطرَ تلـك الأفكار. وكنتسأشـعر كأنّ نفسـي يسـوقها سـريعًا نَهَـرٌ لا أعـرف تضاريسـه. فلعـلّ النهـر يلقـي ب ـي فـي مـكان أعرفـه، أو لعلـه ينتهـي بـي فـوق صخـورٍ جافـةٍ تمامًـا فيتركنـي فـي ديـارٍ غريبـةٍ أجنبيّـةٍ. ومـعَ أننـي أدّعـي الإيجابيـة دومًـا فـي تفكيـري، لـٰـكنّ عقلـي الباطـن لا بـدّ أنـه يتهيّـأ فـي أعماقـه لأسـوأ الأحـداث؛ ولا بـدّ أنّـه يفـرض علـيّ مـن غيـر أن يستشـيرني سياسـة صارمـةً حازمـةً؛ حتّـى قضـى علـى الحافـز الفكـريّ الـذي يدفعنـي لكتابـة حكايـات قـد لا يتسـنّى لهـا أن تُطبَـعَ بعـد الآن، وقـد لا يمكّـنُ أحـدٌ مـن قراءتهـا. وهـا قـد فهمـت بعـد أسـابيع أننـي لـم أكـن أكتـب لأعـرِفَ نفسـي فحسـبُ، بـل كنـت أكتـب لأجعـل بينـي وبيـن الآخريـن صلـةً. لـذا فقـد أوقـفَ محـركاتِ نفسـي الفكريـةَ أن تلـك الصّلـة سـتختفي. اليـومَ يومـي الثامـنُ والعشـرون الـذي أمضيـه فـي البيـت. وقـد علّمتني هـٰـذه الأيام الثمانـي والعشـرون مـا علّمتنـي. فعلـى سـبيل المثـال بيّنـت لـي أن اتبـاع طُـرُزِ الأزيـاء وبـاءٌ سـارٍ لا حاجـة لـه البتّـة. فقـد لاحظـت أن الثيـابَ التـي أترعَـتْ خزاناتـي وأدراجـي عـن آخِرِهـا قـد صـار تنوّعُهـا وغرابتُهـا أمـران مـا أغنانـا عنهمـا. فقـد بـدا أن حياتنـا يمكـن أن تمضـي بثوبـي نـومٍ وثلثـةِ جـواربَ وبزّتَيـنِ رياضيّتَيـنِ. وانتبهـتُ إلـى أن للشـمس قـوّةً سـاحرةً؛ إذ رأيتهـا ترسـم البسـمةَ علـى وجهـي فـي لحظـة بزوغِهـا مـن بيـن السـحابِ. ولـم تكـنْ مـن قبـلُ خـالَ سـعيي وتراكُضـي بيـن المـدن إلا سـببًا لإسـدال سـتارتي الشمسـية.

179

Made with FlippingBook Online newsletter