Together Apart-(A)

منـا كأننـا الوبـاء بعينـه، لـم أعتقـد يومًـا أنـه مرتـاب إلـى هـذه الدرجـة، يغضـب كلمـا سـمعنا نتحـدث عـن أعـراض الوبـاء أو انعكاسـاته، وقـد لاحظـت الـدم يغـادر وجهـه عندمـا سـمع أن السـلطات تقـوم بجمـع قائمـة بأسـماء الأشـخاص الذيـن تواصلوا مع مـراد لإخضاعهـم للحجـر الصحـي، وفـي يـوم مـن الأيـام أعلمنـا خالـد أنـه قـرر الذهـاب لزيــارة صديــق لــه يقطــن فــي المدينــة المجــاورة، وأصــر علــى المغــادرة لكــن أمــي حاول ـت منعـه بشـتى الطـرق حت ـى أنهـا أغلقـت ب ـاب المن ـزل بالمفت ـاح وأخفت ـه ف ـي أحـد الأماكـن السـرية التـي يعجـز حتـى أعتـى المحققيـن عـن اكتشـافها، فاضطـر إلـى مصارحتنـا وقـال إنـه لـم يكـن صادقًـا معنـا فـي الأيـام الماضيـة وأنـه لـم يكـن ينـوي الذهـاب إلـى بيـت صديقـه، بـل إلـى كوخنـا الصغيـر فـي حقـل الزيتـون الـذي كان قـد بنـاه جـدي لنحتمـي بـه ونلجـأ لـه عنـد تسـاقط الأمطـار فـي فصـل جنـي الزيتـون وقـد اشـترى مـا يلزمـه مـن أكل واحتياجـات أساسـية، إلـى أن تظهـر نتيجـة تحليـل الفيـروس ال ـذي أجـراه بسـبب زيارت ـه لمـراد واختلطـه مـع أبنـاء الحـي، وأعلمنـا أن ـه حـرص علـى اتب ـاع كافـة الإجـراءات لعـزل نفسـه وطل ـب أن نسـامحه عل ـى إخفـاء الأمـر. اقتنعـت أمـي بقـرار خال ـد وفتحـت البـاب ومنحتـه مـا يل ـزم مـن فـراش وغطـاء وطلبـت منـه أن يطمئنهـا ويعلمهـا إذا مـا ارتفعـت حرارتـه أو لاحـظ أيّـا مـن أعـراضهـذا الفيـروس، ودعنـا خالـد دون عنـاق أو ملمسـة متمنيـن أن يعـود إلـى بيتنـا سـالمًا، ورغـم حزننـا علــى فراقــه إلا أننــا كنــا نعلــم أنــه القــرار الصائــب وأننــا ســنطمئن عليــه مــن خــال الهاتـف كمـا أن أبـي وعـده بزيارتـه لتوفيـر كل مـا يلزمـه مـن احتياجـات. أثب ـت لن ـا خال ـد أن ـه عل ـى درجـة عالي ـة مـن الوعـي وأن ـه لا يري ـد أن يكـون سـببًا فـي إيـذاء عائلتـه وأحبتـه، لكـن لـم يكـن جميـع أبنـاء الحـي علـى هـذه الدرجـة مـن الوعـي فقـد واصـل بعـض المراهقي ـن الاجتمـاع فـي الزقـاق وكأن شـيئًا ل ـم يكـن لا سـيما بعـد أن سـمعوا أن كورونـا لا يفتـك بغيـر كبـار السـن وتأكـدوا مـن ذلـك بعـد علمهـم بتعافــي مــراد، وأرادوا الاطمئنــان علــى أنفســهم وأنهــم فــي بــر الأمــان فتوجهــوا لزيـارة مـراد، ومـا إن قرعـوا بـاب منزلـه حتـى فتـح البـاب واستشـاط غضبًـا وبـدأ بالصـراخ فــي حالــة هســتيرية حتــى ســمع أهالــي الحــي كلهــم «الزمــوا بيوتكــم ولا تكونــوا أنانيي ـن لكـي لا ترجعـوا نادمي ـن، تباعـدوا ولا تتواعـدوا... ليتن ـي بقي ـت بعي ـدًا وعاشـت حبيبتـي عمـرًا مديـدًا... عـدت إلـى حضنهـا بعـد غيـاب دهـر ورميتهـا فـي حضـن القبـر. ألا تفهمـون أن التقـارب خطـر وأنن ـا فـي زمـن صـار في ـه القـرب مـن البعـد أمـرّ، أل ـم تفهمـوا الـدرس؟ إن لـم يكـن المـوت لكـم واعظًـا فمتـى تتعظـون؟ مـاذا تنتظـرون؟

43

Made with FlippingBook Online newsletter