أن تفقـدوا أحبتكـم! عـودوا إلـى منازلكـم فالبعـد شـهر والقـرب عمـر». عـاد الأولاد إلـى بيوتهـم مسـرعين، ومنـذ ذلـك اليـوم لـم تعبـر شـوارع الحي غيـر أرجل المتبضعي ـن ال ـذي خرج ـوا مـن بيوتهـم لشـراء مـا يلزمهـم مـن أدوي ـة ومسـتلزمات المنـزل وقـد لبسـوا القفـازات ووضعـوا الكمامـات، وسـرعان مـا عـادوا إلـى منازلهـم مهروليــن، واســتمررنا فــي التواصــل عبــر وســائل التواصــل الاجتماعــي والهاتــف، وواصلنـا حمـات التوعيـة ونشـر الأخبـار التـي نتلقاهـا مـن المصـادر الموثوقـة حـول نســب الانتشــار والمناطــق المتضــررة، فبعــد أن وصــل الفيــروس أوج انتشــاره بــدأت النسـب فـي الانخفـاض بالت ـدرج بفضـل الت ـزام أفـراد المجتمـع. وفـيصبيحـة يـوم ربيعـي تمازجـت فيـه خيـوط الشـمسمـع حبـات المطـر، سـمعت صـوت زغاريـد مـن بيـت جارتنـا الخالـة عائشـة التـي كانـت قـد أجلـت إقامـة حفـل عـرس ابنتهـا بسـبب انتشـار الوبـاء، ثـم أطلـت مـن الشـرفة وبـدأت تنـادي بأعلـى صوتهـا «يـا أهـل الحـي الصابري ـن عل ـى الب ـاء! لقـد هزمن ـا الوب ـاء، انقشـع الضب ـاب وجل ـت الغمـة، شـاهدوا الأخب ـار؛ العال ـم يحتفـل بالانتصـار عل ـى عدون ـا، لقـد هزمن ـا كورون ـا». سـارعنا بفتـح التلفـاز وكانـت جميـع القنـوات تبـث خبـر توقـف انتشـار الجائحـة واكتشـاف لقـاح وبدايـة توزيعـه فـي كافـة أنحـاء العالـم. وهــب الجميــع يفتــح الأبــواب الموصــدة منــذ زمــن يتبادلــون التهانــي ويوزعــون الحلويــات والمشــروبات وكأن يــوم العيــد قــد حــل بغيــر ميعــاد، تعالــت الزغاريــد وتمازجــت مــع أهازيــج الأطفــال، ولــم يقطعهــا ســوى صــوت الأذان أن حــي علــى الصـاة حـي عل ـى الفـاح، فسـارع الجميـع إل ـى الجوامـع ليصل ـوا صـاة الجماعـة التـي حرمـوا منهـا منـذ بدايـة الحجـر المنزلـي، وبعـد خـروج أهالـي الحـي مـن الجامـع اتجهنـا إلــى المقبــرة مــع إمــام الجامــع لزيــارة قبــر الخالــة خديجــة والترحــم عليهــا.
44
Made with FlippingBook Online newsletter