Together Apart-(A)

التـي ينعـم أهلهـا بسـائر وسـائل الرفاهيـة والمتعـة، تلـك المدينـة التـي كان البـؤس والشــقاء وســيئ الأســقام عدوهــا اللــدود، غيــر أن دوام الحــال مــن المحــال، فقــد اسـتيقظت المدين ـة عل ـى ي ـوم ل ـم ت ـر في ـه ضـوء الشـمس ولا ن ـور القمـر لا لذهـاب ضـوء الشـمسولا لغيـاب نـور القمـر ولكـن بسـبب عمـى البصائـر الـذي غشـي القلوب وغلفهـا بظلمـة طمسـت ضـوء الشـمس وخسـفت نـور القمـر، فقـد اجتاحـت هـذه المدين ـة جائح ـة أذهل ـت العق ـول، وث ـارت لأجلهـا أف ـراد وشـعوب، وهـزت أركان دول عظمـى بـا حـدود، واندلعـت لأجلهـا حـروب بيـن مسـعور ومجنـون. لقـد فاقـت كل وصـف، وعصفـت كل عصـف، وقصفـت كل قصـف، ونسـفت كل نسـف، وتخطت كل حـد، فكـم فطـرت مـن قلـوب، وقصمـت مـن ظهـور وأدمـت مـن عيـون وأرقـت مـن جفـون، وأصاب ـت مـن جنـون، وطـاردت مـن ظنـون، وأهرمـت مـن سـنون، وشـيعت مـن جنـازات بيـن آبـاء وبنـون، وأمهـات وعمـوم، وجـدات وجـدود، فألقـوا فـي لحـود ودفنـوا بـا صـاة جنـازة يشـهدها شـهود. لا تظنـوا يـا سـادة بـأن قلمـي يخـط روايـة مـن نسـج الخيـال بـل هـي أحـداث نعيشـها كلنـا صغيرنـا وكبيرنـا، جاهلنـا وعالمنـا، غنينا وفقيرنـا، ذكرنـا وأنثانـا، هـذه القصـة التـي تختلـف فـي أبطالهـا عـن جميـع القصـص التـي كتبـت علـى مـر الدهـور، فهـذه القصـة أبطالهـا جميـع سـكان الكـرة الأرضيـة مــن مشــرقها إلــى مغربهــا ومــن شــمالها إلــى جنوبهــا، ولكنــي ســأقتصر هنــا إلــى الإشـارة لبعـض رموزهـا للعجـز عـن احتوائهـا كلهـا. حين دوى صوت سـيارات الإسـعافشـاقّا ظلم 2019/11/17 بـدأت النكبـة فـي يـوم الليـل ممزقًـا سـكونه بعـد أن أرخـى علـى الكـون سـدوله، وتوقفـت بالقـرب مـن أحـد البيـوت الفارهـة الواقـع فـي أحـد المراكـز التجاريـة والصناعيـة الهامـة لمدينـة الأحـرف السـعيدة، وفـي لمـح البصـر تحولـت المدينـة مـن ليـل إلـى نهـار، إذ لـم يبـق بيـت مـن البيـوت إلا وأنـار مصابيحـه وفتـح نوافـذه وأبوابـه ليسـتطلع الخبـر ويكـون شـاهدًا لمـا يجـري علـى البشـر، واكتظـت الشـوارع بالجمهـور بعـد أن كانـت خاليـة تمامًا مـن المارة وكأنهـم يحضـرون جنـازة عـرسفـي وضـح النهـار، ومـا مـن أحـد إلا ودفعـه الفضـول للتعـرف علـى هويـة المصابيـن وأسـباب الإصابـة، وفي لحظـة صمت ارتسـمت الصدمة علــى الوجــوه وفتحــت الأفــواه دهشــة لمشــاهدة (ص) أحــد الشــخصيات القياديــة البـارزة والـذي يمثـل أحـد الدعائـم الأساسـية لهـذا المركـز التجـاري محمـوً مـع بعـض مـن أفـراد عائلتـه مـن قبـل المسـعفين علـى حمـالات لنقـل المرضـى، كان يبـدو علـى بعـضمنهـم أنهـم يعانـون مـن صعوبـة فـي التنفـس، وتزاحمـت الأفـكار والظنـون

65

Made with FlippingBook Online newsletter