مجلة لباب العدد 8

يبحث الكتاب معضلة الفراغ الاستراتيجي والتجزئة (1971- 2018)) فيما يقوم بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية من علاقات قبل إنشاء المجلس وبعد تأسيسه. كما يتناول مسارات التعاون والصراع في تلك العلاقات، وتطورها خلال العقود الثلاثة الأخيرة من القرن العشرين، ومطلع الألفية الثالثة، وكذلك العوامل المحلية والإقليمية والدولية التي أثَّرت وتؤثر فيها سلبيًّا أو إيجابيًّا. ويسعى الكتاب لمؤلفه، الدكتور محمد صالح المسفر، بصفة عامة إلى محاولة فهم العلاقات الخليجية-الخليجية وتقييمها في إطار التداخل بينها وبين السياسات الإقليمية والدولية ودراسة اتجاهاتها والبحث في مصير الدول الخليجية.

٢٠٢٠ - نوفمبر / تشرين الثاني 8 العدد

Contents

المحتويات

Strategic Studies

دراسات استراتيجية

Kamel Bounab The Crisis in Yemen: Internal Influences and External Actors Driss Kssim Moroccan-Gulf Relations: Contexts and Causes of Tension Mohamed El-Moctar El-Shinqiti Gamal Hamdan’s Views of the Libyan Geopolitics and their lasting Strategic Implications Mohammad Gazi Aljamal U.S-China Conflict and its Impact on the International System Khudair Abbas Ahmad Al-Nadawi Poverty in Iraq: From an Economic Phenomenon to a Social and Political Dilemma Reflecting on Reflection Tools: A Critical Review of the Uses and Gratifications Theory in the Ecosystem of Digital Media Saddek Rabah Rationalising the Youth’s Ethical Practices in Digital Spaces Book Review Karim Mejri War in the Age of Trump: The Defeat of ISIS, the Fall of the Kurds, the Conflict with Iran Media Studies Nacer eddine Layadi

كمال بوناب الأزمة في اليمن: المؤثرات الداخلية والفواعل الخارجية إدريس قسيم العلاقات المغربية-الخليجية: سياقات وأسباب التوتر محمد المختار الشنقيطي

13

49

83

رؤية جمال حمدان للجغرافيا السياسية الليبية ودلالاتها الاستراتيجية الباقية محمد غازي الجمل الصراع الأميركي-الصيني وأثره علىالنظام الدولي

127

خضير عباس أحمد النداوي الفقر في العراق والتحول من ظاهرة اقتصادية إلى مأزق اجتماعي وسياسي دراسات إعلامية نصر الدين لعياضي ة التفكير: َّ د ُ التفكير في ع مراجعة نقدية لنظرية الاستخدامات والإشباعاتفي البيئة الرقمية الصادق رابح ترشيد الممارسات الأخلاقية للشبابفي الفضاءات الرقمية قراءةفيكتاب كريم الماجري الحربفي عصر ترامب هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، سقوط الأكراد، الصراع مع إيران.

163

205

233

275

مــع صــدور هــذا العــدد تنهــي (لبــاب) عامهــا الثانــي، مدفوعــة بــإرادة قويــة اء العـرب َّ للاسـتمرار علـى نهجهـا العلمـي، وتناولهـا لقضايـا وملفـات تشـغل القـر والناطقــن بالعربيــة فــي كل مــكان مــن العالــم. ا، كمـا ً تـدرك (لبـاب) أن اسـتمرارية الصـدور هـي مسـؤولية قبـل أن تكـون امتيـاز تتفهـم أن الإصـرار علـى تنـاول قضايـا تشـغل المهتمـن والنخـب الفكريـة والثقافيـة ـا مـع الثبـات علـى المنهـج الـذي يميـز المجـ ت ً والأكاديميـة، يجـب أن يترافـق دوم العلميــة المحكمــة ولاســيما فــي موضوعيــة التنــاول ودقــة المعلومــات، ومصداقيــة الخلاصـات والنتائ ـج. جــاء صــدور لبــاب ومنــذ العــدد صفــر، فــي وســط ســياق اســتراتيجي معقــد ـا، ولذلـك، كان مـن المهـم أن تكـون المجلـة الفتيـة قـادرة ّ ً ـا ودولي ّ ً ومتشـابك، إقليمي علـى مواكبـة التحـولات العميقـة الجاريـة، لكـن الأهـم أن تتمكـن مـن تحقيـق هـذه المواكبـة بشـكل نوعـي، يسـتجيب لمتطلبـات البحـث الأكاديمـي، ويرضـي احتياجات ـا م ـن الجم ـع ب ـن جانب ـي المواكب ـة َّ ن َّ جمه ـور المجل ـة م ـن المعرف ـة، ونزع ـم أنن ـا تمك والنوعي ـة، ونأمـل أن نسـتمر فـي هـذا الطري ـق. فـي هـذا العـدد بحـوث مختـارة متنوعـة تنقسـم مـا بـن الاسـتراتيجي والإعلامـي، ا جاريـة، متحولـة بطبيعتها، ً وتتنـاول طائفـة مـن القضايـا المهمـة، يعـالج بعضهـا أحداث ا لجوهـر ّ ً ـا أساسـي ّ ً ـا معرفي ً لكـن بحثهـا بشـكل منهجـي يوفـر فـي كل الأوقـات أساس افتتاحية العدد وهي تنهي عامها الثاني: لباب والالتزام بخدمة الجمهور

| 8

ع ـن عل ـى متابع ـة التطـورات المتصل ـة، مهمـا حصـل مـن تغيي ـر ُ بنيتهـا الداخلي ـة، ي فـي شـكل الظاهـرة، ومظاهرهـا العامـة. موضــوع الغــ ف لهــذا العــدد، يتنــاول مراجعــة جديــدة ومتجــددة لفكــر عالــم الجغرافي ـا المصـري الراحـل، جمـال حمـدان، مـن خـ ل اختي ـار رؤيت ـه للجغرافي ـا ـا لأفـكار وتحليـ ت حمـدان التـي ً ف َّ كث ُ ـا م ً ض ْ السياسـية الليبيـة، قدمـت الدراسـة عر ــا فــي كتابــه “الجمهوريــة العربيــة الليبيــة: دراســة فــي الجغرافيــا ً وردت خصوص بــر منــذ ذلــك الحــن ُ ، واعت 1973 السياســية” الــذي صــدر لأول مــرة فــي عــام ـا فـي ميدانـه. أهميـة المراجعـة النقديـة الجديـدة التـي يقدمهـا الأسـتاذ ّ ً ـا مرجعي ً كتاب المشـارك فـي جامعـة قطـر، محمـد المختـار الشـنقيطي، تكمـن فـي أنهـا توفـر فرصـة مهمـة للكشـف عـن الـدلالات السياسـية والاسـتراتيجية لطبيعـة الجغرافيـا السياسـية للصـراع فـي َ أعمـق ٍ فـي ليبيـا، وربطهـا بالسـياق الليبـي الراهـن، بمـا يعـن علـى فهـم هـذا البل ـد وعلي ـه. وق ـد كان م ـن ب ـن الخلاصـات الجدي ـرة بالتأم ـل ف ـي الدراسـة عــد الخامــس الــذي اقترحــه الشــنقيطي إلــى جانــب الأبعــاد الأربعــة للجغرافيــا ُ الب السياسـية الليبي ـة، كمـا قدمهـا حمـدان قب ـل نحـو نصـف قـرن. حـول اليمـن، يتضمـن الع ـدد دراسـة لأسـتاذ العل ـوم السياسـية ف ـي جامع ـة عناب ـة بالجزائـر، كمـال بونـاب، بعنـوان “الأزمـة فـي اليمـن: المؤثـرات الداخليـة والفواعـل الخارجي ـة”، وهـي بحـث معمـق حـاول تفسـير الوضـع اليمن ـي الراهـن مـن خـ ل التأثيــر الداخلــي المتمثــل فــي الانقســامات الطائفيــة والقبليــة، والتأثيــر الخارجــي ال ـذي يجـد مظاهـره الواضحـة ف ـي تشـابك المصـالح الإقليمي ـة، ومسـؤوليتها عـن مـن السـ م. ٍ مـن الحـرب أو بعـض ٍ توجي ـه المشـهد اليمن ـي نحـو مزي ـد سـعى البحـث إلـى معالجـة هذيـن العنصرين، عبـر الربـط بـن الأهميـة الجيوبوليتيكية

9 |

افتتاحية العدد

لليمــن والأهــداف الاســتراتيجية المتضاربــة للقــوى الإقليميــة، مــع بــروز ضــرورة إبسـتمولوجية للإقـرار بـأن أدوار الأحـزاب والجيـش والإعـ م والـرأي العـام، تحظـى ا في اليمـن، وهـي القبيلة ً بأهميـة لا تقـل عـن أهميـة المؤثـرات الداخليـة الأكثـر نفـوذ والطائفيـة المسـتجدة، غيـر أن الإفـراز الأبـرز لهـذا التـآزر بـن مـا هـو خارجـي ومـا ـد بطبيعـة الحـال فـي مأسـاة إنسـانية خطيـرة وتعقيـدات إضافيـة فـي َّ هـو داخلـي تجس ـا. ّ ً ـا وإقليمي ّ ً يمني ً المشـهد المعقـد أصـ ا إلــى قناعــة بوجــود ً تنــاول البحــث الثالــث العلاقــات المغربية-الخليجيــة، مســتند “توتـر” فـي علاقـة الربـاط مـع بعـض الـدول الخليجيـة، وهـي قناعـة سـعى الباحـث المغربـي فـي العلاقـات الدولي ـة، إدريـس قسـيم، إلـى محاولـة تحليلهـا مـن خـ ل المراجعـة للعلاقـات الطويلـة بـن الطرفـن، ليصـل إلـى أن عوامـل موضوعيـة وأخرى ذاتيـة مرتبطـة بسـياقات إقليميـة ودوليـة ورهانـات داخليـة، دفعـت بهـذه العلاقـات ـا مـن خلالهـا ً إلـى مسـتويات غيـر مسـبوقة مـن التوتـر، حتـى بـات التسـاؤل مطروح مـع ذلـك، بـأن هـذا “التوتـر” لا يوحـي ُّ حـول مسـتقبل هـذه العلاقـات، لكنـه يقـر ولا يـدل علـى أن العلاقـات المغربية-الخليجيـة وصلـت إلـى طريـق مسـدود أو إلـى نقطـة عـدم العـودة، ويقتـرح جملـة “شـروط” لاسـتعادة حيويتهـا. بحـث آخـر فـي هـذا العـدد حـول واحـدة مـن القضايـا الدوليـة الأساسـية فـي الفتـرة الحالي ـة وربمـا ف ـي المسـتقبل، وهـو “الصـراع الأميركي-الصين ـي” وهـو ينطل ـق م ـن تسـاؤل رئيـس حـول تأثيـر الصعـود الصينـي والتراجـع الأميركـي علـى شـكل النظـام الدولــي، وإلام تشــير المؤشــرات الاقتصاديــة والجيوســتراتيجية بهــذا الخصــوص. وقـد حـاول الباحـث فـي الشـؤون السياسـية، محمـد غـازي الجمـل، الإجابـة عـن هــذا التســاؤل ذي الطبيعــة العالميــة، مــن خــ ل اســتعراض عناصــر القــوة لــكل

| 10

مـن الطرفـن، وكذلـك التطلعـات أو المطامـح، وفـرص تحقيقهـا، ويخلـص إلـى أن المؤشـرات الاقتصاديـة والسياسـية والعسـكرية تؤشـر إلـى تقـدم الصـن على المسـتوى العالم ـي، مقاب ـل تراجـع متسـارع للهيمن ـة العالمي ـة للولاي ـات المتحـدة. لكـن تمركـز الق ـوة الصيني ـة حـول الاقتصـاد، هـو بحـد ذات ـه مصـدر ضع ـف؛ إذ إن العلاق ـات ــا، ولــن تســتطيع ً الاقتصاديــة لوحدهــا تتناقــض مــع المصلحــة الاســتراتيجية أحيان الصـن أن تصبـح دولـة عظمـى إلا حينمـا تتحـرر مـن هـذا الأمـر. حـول العـراق، تضمـن العـدد دراسـة حـول “الفقـر فـي العـراق” وتحولـه مـن كونـه م أسـتاذ الاقتصـاد الدولي َّ ظاهـرة اقتصاديـة إلـى مـأزق اجتماعـي وسياسـي، وفيـه قد فـي كليـة الفارابـي الجامعـة، خضيـر عبـاس، معطيـات وإحصائيـات أظهـرت انتشـار ظاهـرة الفقـر فـي العـراق، سـواء أكان ذل ـك بتدن ـي مسـتوى التنمي ـة البشـرية فـي ر للنفــط بعــد ِّ العــراق إلــى مرتبــة (متوســط)، برغــم أن العــراق ثانــي أكبــر مصــد ملايـن عاطـل، وانخفـاض 5 السـعودية، أو بارتفـاع أعـداد العاطلـن إلـى أكثـر مـن ا، لذلــك ّ ً دولار ســنوي 5955.11 نصيــب الفــرد مــن النــاتج المحلــي الإجمالــي إلــى ممـا 35% أو الفقـر متعـدد الأبعـاد بنسـبة وصلـت إلـى 20% ارتفعـت نسـبة فقـر الدخـل مليـون شـخص. 13 يعنـي أن أكثـر مـن ثلـث سـكان العـراق هـم مـن الفقـراء، أي فـي حقـل الدراسـات الإعلاميـة، تضمـن العـدد بحثـن؛ كان الأول لأسـتاذ الإعـ م ة َّ ــد ُ ، نصــر الديــن لعياضــي، عنوانــه “التفكيــر فــي ع 3 والاتصــال بجامعــة الجزائــر التفكيـر: مراجعـة نقديـة لنظريـة الاسـتخدامات والإشـباعات فـي البيئـة الرقميـة”. لـدت وسـادت لمعالجـة ُ تتمركـز الدراسـة حـول نظريـات الإعـ م الكلاسـيكية التـي و الإع ـ م التقلي ـدي، وطبيع ـة قدرته ـا عل ـى معالجـة ظاه ـرة الإع ـ م الجدي ـد ب ـكل متغيراتهـا الجوهري ـة، ومـن ب ـن ذل ـك مـا يتعل ـق بالجمهـور. يضـع الباحـث نظري ـة

11 |

افتتاحية العدد

“الاس ـتخدامات والإش ـباعات” تح ـت المراجع ـة لمعرف ـة م ـدى مس ـاهمتها ف ـي فه ـم التحـولات التـي تعيشـها وسـائل الإعـ م فـي المجتمـع المعاصر ومـا إن كانـت صالحة ومناسـبة لدراسـة الإعـ م فـي المجتمـع الرقمـي. البحـث الإعلامـي الثانـي كان بعنـوان “ترشـيد الممارسـات الأخلاقيـة للشـباب فـي الفضـاءات الرقميـة”، وفيهـا يقـوم أسـتاذ الإعـ م والاتصـال بجامعـة قطـر، الصـادق رابـح، بتقصـي إشـكالية الممارسـات الأخلاقي ـة الت ـي تطرحهـا الفضـاءات الرقمي ـة وعلاقتهـا بالشـباب، وتقـوم رؤيتهـا علـى أن المفاهيـم والقضايـا المفصليـة فـي هـذه الفضـاءات التفاعلي ـة تكم ـن ف ـي الهوي ـة، والخصوصي ـة، والمصداقي ـة، والمش ـاركة. اهـا الشـباب فـي إعـادة تعريـف َّ وتهـدف إلـى اسـتجلاء الطـرق والآليـات التـي يتبن هـذه المفاهي ـم والقضاي ـا وصياغـة مضامينهـا عب ـر فعـل الممارسـة. تتأسـس مقارب ـة الدراسـة علـى وصـف ومقارنـة دلالات المفاهيـم والقضايـا الأربعـة فـي الفضاءيـن، الم ـادي والافتراضـي، وفحـص وتقيي ـم المزاي ـا والمخاطـر الأخلاقي ـة الت ـي تب ـرز إل ـى السـطح فـي هـذه الفضـاءات الافتراضيـة. ا، وفـي البـاب الثابـت (قـراءة فـي كتـاب)، يقـوم كـريم الماجـري بتقـديم قـراءة ً أخيـر معمقــة فــي الكتــاب الجديــد “الحــرب فــي عصــر ترامــب: هزيمــة تنظيــم الدولــة الإســ مية فــي العــراق والشــام، ســقوط الأكــراد، الصــراع مــع إيــران”، للكاتــب والمحلــل السياســي البريطانــي، باتريــك كوبيــرن. صــدر الكتــاب فــي الولايــات ا، وهـو يتنـاول أبـرز أحـداث السـنوات الثلاثـة الحاسمـة منـذ اعتـ ء ً المتحـدة مؤخـر .2016 دونال ـد ترام ـب كرسـي الحك ـم ف ـي الولاي ـات المتحـدة، ع ـام أصـدر كوبيـرن هـذا الكتـاب، مباشـرة بعـد نشـر كتابـه “صعـود الدولـة الإسـ مية”، وفـي الكتـاب الجديـد تنـاول قضايـا أساسـية تتمحـور حـول “المواجهـة بـن الولايـات

| 12

؛ وســقوط حلــم 2017 المتحــدة وإيــران؛ وهزيمــة تنظيــم الدولــة الإســ مية، عــام الأكـراد ف ـي تأسـيس دول ـة خاصـة به ـم، والانتفاضـة العراقي ـة الت ـي اندلع ـت م ـع م ـع عملي ـة اغتي ـال 2020 ... وينته ـي الكت ـاب ف ـي أوائ ـل الع ـام 2019 نهاي ـة الع ـام الجنــرال الإيرانــي، قاســم ســليماني، قائــد فيلــق القــدس الإيرانــي (ومعــه القائــد العراقـي، أبـو مهـدي المهنـدس، نائـب رئيـس هيئـة الحشـد الشـعبي)، ومـا تبـع ذلك مـن تأثيـرات علـى العـراق وإيـران وزيـادة تـأزيم العلاقـات بـن طهـران وواشـنطن، ا أكثـر مـن أي وقـت مضـى، رغـم عـدم ً حتـى إن انـدلاع حـرب بينهمـا بـات وشـيك ـع فيـه إلـى تداعيـات َّ ـف كتابـه بملحـق تحليلـي تطل ِّ رغبتهمـا فـي وقوعهـا. وختـم المؤل مـا بعـد الحـدث.

دراسات استراتيجية

الأزمة في اليمن: المؤثرات الداخلية والفواعل الخارجية The Crisis in Yemen: Internal Influences and External Actors * Kamel Bounab - كمال بوناب ملخص: ــم فيهــا َّ تعالــج الدراســة أبعــاد الأزمــة الحاليــة في اليمــن، والتــي تتحك بـة تزيـد َّ عوامـل داخليـة وفاعلـون خارجيـون، وتـرى أن مشـاكل اليمـن مرك ـا؛ فإضافـة إلـى معانـاة البلـد مـن أزمـة ًّ ـا وإقليمي ًّ مـن تعقيـد الوضـع محلي عط ـى ُ إنسـانية غي ـر مسـبوقة يج ـد اليم ـن نفسـه الي ـوم أم ـام صع ـود م وه ـو الطائفي ـة. ويه ـدف البح ـث إل ـى معرف ـة مسـتقبل ٍّ ومس ـتجد ٍ واف ـد اليمـنفيظـل غيـاب رؤى واضحـة للأطـراف الفاعلـة لإدارة الأزمـة اليمنيـة ا. ًّ ا وعسـكري ًّ سياسـي : اليمـن، الأزمـة الإنسـانية، القبيلـة، الطائفيـة، الفاعلـون كلمـات مفتاحيـة الخارجيون. Abstract: This study highlights that the ongoing crisis in Yemen is governed by internal and external actors, and that Yemen’s problems are multifaceted. Besides an unprecedented humanitarian crisis, Yemen faces sectarianism. The study also aims to foreshadow Yemen’s future in the absence of clear visions among the main actors to manage the Yemeni crisis, both politically and militarily. Keywords : Yemen, Humanitarian Crisis, Tribe, Sectarianism, External Actors.

* د. كمال بوناب، أستاذ محاضر بقسم العلوم السياسية في كلية الحقوق بجامعة عنابة، الجزائر. Dr. Kamel Bounab, Professor of International Relations, Department of Political Sciences at Annaba University, Algeria.

| 16

مقدمة ـا، عديـد الاتهامـات ً عام 33 واجـه علـي عبـد الله صـالح، الـذي دامـت فتـرة حكمـه ـد اختي ـار معارضي ـه ووضعه ـم ف ـي مواجه ـة َّ ف ـي طريق ـة تسـيير نظام ـه؛ حي ـث تعم بعضهـم البعـض، كمـا اسـتغل المصـالح الخارجيـة لصالحـه، ونجـح فـي التغلـب علـى المبعوث ـن الأجان ـب بإحـكام قبضت ـه عل ـى دينامي ـات المحسـوبية فـي الداخـل، ومـع ـت مـن سـيطرة علـي عبـد الله صـالح خـ ل العقـد ِ فل ُ ذلـك أخـذ التـوازن السياسـي ي ـع إع ـادة توزي ـع المق ـدرات العس ـكرية والاقتصادي ـة ْ ، عل ـى وق 21 الأول م ـن الق ـرن ـا باتفـاق تقاسـم السـلطة بـن النخـب. ً بـر مساس ُ لفائـدة نجلـه، أحمـد علـي، مـا اعت راهــن علــي عبــد الله صــالح فــي حكمــه علــى تقاســم مبيعــات النفــط الخــام، ـا فـي بعـض الأحيـان قنـوات غيـر رسميـة، ومـع بلـوغ مبيعـات النفـط اليمنـي ً ف ِّ ظ َ و ُ م ، بـرز نـزاع النخـب حـول العوائـد، وأصبحـت شـبكة الرعايـة 2002 ذروتهـا، عـام ـا مـن الشـعب اليمنـي ً ـا عريض ً ديرهـا صـالح غيـر مسـتدامة؛ مـا جعـل قطاع ُ التـي ي يفقـد ثقتـه فـي النظـام، وكانـت ثمـة رسـائل قويـة عـن الإقصـاء السياسـي وغيـاب ــا مــع انتفاضــات الربيــع ً تزامن 2011 العدالــة الاجتماعيــة لتنفجــر الأوضــاع عــام العربـي؛ حيـث وقـف اليمنيـون علـى سـوء تسـيير أصـول الدولـة الـذي اسـتمر لثلاثـة اليمـن إلـى الوقـوف علـى الجهـة الخطـأ فـي الجـدول الـدوري لتطـور ِ عقـود، دفعـت ـا بـدول جنـوب الصحـراء فـي مؤشـرات التنميـة عبـر معدلات ً البشـرية، وأصبـح قرين الجـوع المرتفعـة ومـوت الأطفـال حديثـي الـولادة، ومـا زاد فـي ثقـل كاهـل المجتمـع ـا تنتشـر البطالـة بينهـم. ً عام 25 ِّ والدولـة هـو أن ثلاثـة أربـاع السـكان دون سـن ل اليم ـن إل ـى س ـاحة غي ـر ُّ وف ـي أعق ـاب الربي ـع العرب ـي اس ـتبعد دبلوماس ـيون تح ـو واجتياحهــم 2014 مســتقرة، لكــن خــروج الحوثيــن مــن الجبــال الشــمالية عــام

17 |

الأزمة في اليمن: المؤثرات الداخلية والفواعل الخارجية

العاصمـة، صنعـاء، وفـرار الرئيـس، عبـد ربـه منصـور هـادي، ومـا تبـع ذلـك مـن تدخ ـل ق ـوات التحال ـف بقي ـادة المملك ـة العربي ـة الس ـعودية؛ جع ـل اليم ـن مح ـور ـاه َّ لـي لنظـام حكـم ثيوقراطـي يتبن َّ أو ٍ مناكفـات طائفيـة وإقليميـة معقـدة؛ بـن بنـاء الشـيعة الزيدي ـون الذي ـن سـيطروا عل ـى مرتفع ـات الشـمال لأزي ـد مـن أل ـف سـنة، ـا م ـع الش ـيعة الاثن ـي عش ـرية المنتش ـرة ف ـي إي ـران، ّ ً ـا وعقائدي ّ ً ويتقاطع ـون أيديولوجي وب ـن الس ـعودية المناف ـس الإقليم ـي لإي ـران، والت ـي تداف ـع باس ـتمرار ع ـن الأهمي ـة ة الش ـافعيي. وعلي ـه، نتس ـاءل: إل ـى أي َّ الجيوس ـتراتيجية لليم ـن وع ـن حق ـوق الس ـن م الانقسـامات الطائفيـة والقبليـة وتشـابك المصـالح الإقليميـة المتضاربـة في ِ سـه ُ ت ٍّ حـد مـن السـ م؟ ٍ مـن الحـرب أو بع ـض ٍ توجي ـه المشـهد اليمن ـي نحـو مزي ـد يقــود هــذا الســؤال الإشــكالي إلــى طــرح الفرضيــة الآتيــة التــي تســتدعي أبعــاد الأزمـة التحقـق مـن صحتهـا: بقـدر مـا أدت التدخـ ت الإقليميـة فـي اليمـن إلـى 2015 غيـر مسـبوق للأوضـاع الإنسـانية (أكثـر مـن عشـرة آلاف قتيـل بـن عامـي ٍّ د َ ـر َ ت ذل ـك م ـع نش ـوء ظاه ـرة َ ـد َ عاض َ حس ـب منظم ـة الأمم المتحـدة) بق ـدر م ـا ت 2017 و الطائفيـة كمعطـى وافـد ودخيـل ومسـتجد علـى البيئـة السوسيوسياسـية فـي اليمـن. ا، بالخصـوص، علـى المنهجـن، الوصفـي التحليلـي والمقارن، يسـعى البحث ً واعتمـاد إلـى معالجـة الإشـكالية والفرضيـة السـابقتي عبـر الربـط بـن الأهميـة الجيوبوليتيكيـة لليمــن والأهــداف الاســتراتيجية المتضاربــة للقــوى الإقليميــة، مــع بــروز ضــرورة إبسـتمولوجية للإقـرار بـأن أدوار الأحـزاب والجيـش والإعـ م والـرأي العـام، تحظـى ا فــي اليمــن، وهــي ً بأهميــة لا تقــل عــن أهميــة المؤثــرات الداخليــة الأكثــر نفــوذ القبيلـة والطائفيـة المسـتجدة، غيـر أن الإفـراز الأبـرز لهـذا التـآزر بـن مـا هـو خارجي ـد فـي مأسـاة إنسـانية خطي ـرة تناقضـت مـع طبيعـة التسـامي َّ ومـا هـو داخل ـي تجس

| 18

ع ـاءات التدخ ـل الأجنب ـي، وطرح ـت بدوره ـا سلس ـلة م ـن ِّ الت ـي ترتب ـط ع ـادة باد السـيناريوهات عـن مسـتقبل اليمـن. . الأهمية الجيوبوليتيكية لليمن 1 ا فـي الركـن الجنوبـي الغربـي مـن شـبه ً يقـع اليمـن فـي جنـوب غـرب آسـيا، وتحديـد المملكـة العربيـة السـعودية؛ حيـث تتلامـس معظـم ً ه شـما ُّ الجزيـرة العربيـة، وتحـد حـدود الدولتـن ضمـن الصحـراء الكبـرى أو الربـع الخالـي، وإلـى غايـة “معاهـدة ه مــن ُّ ” لــم يكــن هنــاك ترســيم لهــذه الحــدود بــن البلديــن، وتحــد 2000 جــدة . أمـا مـن الجنـوب 1992 ـق علـى الحـدود معهـا عـام ِ ف ُّ مـان التـي ات ُ الشـرق سـلطنة ع ه البحـر الأحمـر مـن ناحية ُّ اليمـن خليـج عـدن وبحـر العـرب، فـي حـن يحـد ُّ فيحـد ـر مـن الجـزر، منهـا مجموعـة َ ب َ ت ْ ع ُ الغـرب. وينتشـر فـي الميـاه اليمنيـة الإقليميـة عـدد م ة وجـزر حنيـش جنـوب البحـر َ ـد ْ ي َ د ُ جـزر كمـران فـي البحـر الأحمـر بالقـرب مـن الح الأحمـر، وجـزر بـريم داخـل مضيـق بـاب المنـدب الـذي يفصـل بـن شـبه الجزيـرة ـقطرى التـي تقـع بالقـرب ُ العربيـة وإفريقيـا، فـي حـن أن أهـم وأكبـر الجـزر هـي س .)1( مـن خليـج عـدن

19 |

الأزمة في اليمن: المؤثرات الداخلية والفواعل الخارجية

)2( ) تبرز التقسيم الإداري للجمهورية اليمنية 1( خريطة رقم

ملي ـون 27 أل ـف كيلومت ـر مرب ـع، ويتجـاوز ع ـدد سـكانه 555 تبل ـغ مس ـاحة اليم ـن الشــروع َّ إلــى غنــى البلــد بالثــروات المعدنيــة والنفطيــة التــي تم َ شــير ُ )، وأ 3( نســمة ،)And Gourlin( فــي اســتغلالها، وقــد نشــر المهنــدس الفرنســي، أندريــه غــورلان ا مـن المقـالات الموجـزة التـي تشـير إلـى ً الـذي أقـام فـي اليمـن لفتـرة معتبـرة، عـدد م فري ـق م ـن منظم ـة الأغذي ـة َّ بل ـد يمتل ـك إمكاني ـات اقتصادي ـة ضخم ـة، كم ـا ق ـد ، إحصائي ـات ع ـن إمكاني ـات 1956 والزراع ـة التابع ـة لمنظم ـة الأمم المتح ـدة، س ـنة هائل ـة وتوصي ـات بخصـوص توسـيع القاعـدة الزراعي ـة واسـتثمار الث ـروة السـمكية وتطويــر البنــى التحتيــة وتصنيــع الثــروات المعدنيــة والاســتفادة مــن المــواد الأوليــة لتدعيــم الميــزان التجــاري، كمــا اهتمــت ذات البعثــة بمعالجــة مشــكلات تحســن طـرق تربيـة حيوانـات الفـرو علـى أسـاس أن تصديـر الجلـود اليمنيـة أتـى فـي المرتبـة

| 20

.)4( ِّ ُ الثاني ـة ف ـي قائمـة صـادرات اليمـن بع ـد ال ـن شـرف اليمـن علـى ثلاثـة مسـطحات مائيـة؛ البحـر الأحمـر وخليـج عـدن وبحـر ُ وي ٌّ ـل مضي ـق ب ـاب المن ـدب المدخـل الجنوب ـي للبحـر الأحم ـر، وهـو ممـر ِّ الع ـرب، ويمث ــل بــن المحيــط الهنــدي والبحــر المتوســط عبــر البحــر الأحمــر ثــم قنــاة ِ ص َ مائــي ي السـويس، ومـا زاد مـن اتسـاع مزايـا اليمـن وقوعـه علـى شـرايي التجـارة العالميـة؛ عبـر مضيـق بـاب ُّ بـن نفـط العـرب والصناعـة الغربيـة، وتمـر ٍ وصـل َ لـة ِ ـل ص ِّ إذ يمث 60% مـن النفـط المسـتورد مـن الولايـات المتحـدة الأميركيـة و 38% المنـدب مـا نسـبته ـف مينـاء عـدن كأفضـل موانـئ السـاحل َّ صن ُ مـن نفـط أوروبـا. مـن جانـب آخـر، ي بمخروطـن بركانيـن، تحميـه ٍ شـبه مغلـق ٍ عميـق ٍ ا لتموقعـه فـي خليـج ً الجنوبـي نظـر ـا مـن الريـاح الموسميـة؛ ويشـار كذلـك إلـى أن اليابـان وأوروبـا ً ا وجنوب ً الجبـال شـرق تعتمـدان بصـورة كبيـرة علـى البحـر الأحمـر وبحـر العـرب للنقـل البحـري للبتـرول، كمـا أن البحـر الأحمـر يمتـاز عـن نظيـره، البحـر المتوسـط، بأنـه منطقـة مائيـة مفتوحة ا للقواعـد والأسـاطيل ً ـا جيـد ً لـه أن يكـون مكان َّ ـر فيهـا الحركـة والمنـاورة، مـا خو َّ تتيس .)5( البحريـة . جذور الأزمة وإرث الماضي الثقيل 2 ا علـى نشـوء مفهـوم الدولـة الوسـتفالية؛ ورغـم ً ل اليمـن كفكـرة كان سـابق ُّ تشـك َّ إن عـدم وجـود حـدود مسـتقرة وتعري ـف دقي ـق إلا أن التجـار الع ـرب كان ـوا يشـيرون ـي ِّ ُ )؛ فقـد ذكـر أبـو عبـد الله البخـاري أن البلـد 6( بالفعـل إلـى كيـان جغرافـي مميـز ن البخـاري كذلـك مـدح َّ باليمـن، لأنـه يقـع علـى يمـن الكعب ـة المشـرفة، وقـد دو .)7(” والحكمـة يمانيـة ٍ يمـان ُ م لأهـل اليمـن “الإيمـان َّ ـى الله عليـه وسـل َّ النبـي صل وعقـب انتشـار الدعـوة المحمديـة، اسـتوطن الزيديـون المرتفعـات الشـمالية فـي اليمن،

21 |

الأزمة في اليمن: المؤثرات الداخلية والفواعل الخارجية

وإضاف ـة لاسـتقائهم شـرعية حكمه ـم م ـن الدف ـاع ع ـن خـط النسـب أو السـ لة، ـا خـ ل فت ـرات ً فق ـد آمن ـوا كذل ـك بمعتق ـد “الخـروج” ضـد الاضطه ـاد، خصوص سـوء الحكـم أو سـيطرة سـلطة جائـرة. وبحسـب عالـم الأنثروبولوجيـا، بـول دريـش )، فـإن سـ لة القاسمـي كان لهـا الفضـل فـي إرسـاء معالـم أول نظـام Paul Dresch( .)8( سياسـي شـمال اليمـن ل مـن حاضرتـن جغرافيتـن: الجمهوريـة َّ نظـر إلـى اليمـن علـى أنـه يتشـك ُ ـا؛ ي ّ ً تاريخي العربي ـة اليمني ـة (ش ـمال اليم ـن)، وجمهوري ـة اليم ـن الديمقراطي ـة الش ـعبية (جن ـوب ؛ حي ـث 1918 اليمـن)، وقـد خضـع الجـزء الشـمالي لسـيطرة العثماني ـن إلـى غايـة ،1948 ـى الإمـام يحيـى، زعيـم الطائفـة الزيديـة، السـلطة، وبعـد اغتيالـه، عـام َّ تول ، وفـي ذات السـنة 1962 خلفـه ابن ـه الإمـام أحمـد ال ـذي حكـم حت ـى وفات ـه عـام تم ـت الإطاحـة بحك ـم الإمام ـة عب ـر انق ـ ب ق ـاده ضب ـاط الجي ـش الذي ـن أعلن ـوا قيــام نظــام حكــم جمهــوري. أمــا الجــزء الجنوبــي فقــد اســتولى فيــه الشــيوعيون ، وبعـد سـنوات مـن العـداء بـن 1967 علـى السـلطة عقـب انسـحاب بريطانيـا عـام الطرف ـن ووس ـاطة جامع ـة ال ـدول العربي ـة لوق ـف إط ـ ق الن ـار، تم إع ـ ن اليم ـن ، وتنصيـب علـي عبـد الله صـالح كأول 1990 مايو/أيـار 22 ـدة، فـي َّ جمهوريـة موح .)9( رئي ـس لهـا ا لـه فـي تركـة الماضـي؛ فالدولـة لـم تكـن ً ويجـد النـزاع الحالـي فـي اليمـن جـذور ـي وهوياتـي، كمـا أن اليمـن ِ ل َ ب َ لهـا القـدرة الكافيـة لضمـان الـولاء فـي ظـل تشـرذم ق أفق ـر دول ـة ف ـي شـبه الجزي ـرة العربي ـة- محـاط ب ـدول الخلي ـج الغني ـة ُّ ـد َ ع ُ -ال ـذي ي بالنف ـط، وهـو مـا جعل ـه عرضـة لموجـات متتالي ـة مـن التدخـ ت الأجنبي ـة. فف ـي خمسـينات وسـتينات القـرن الماضـي، كان مؤيـدو الثـورة مدعومـن مـن مصـر، فـي

| 22

حـن كانـت هنـاك قـوى مؤيـدة للملكية تدعمهـا المملكـة العربيـة السـعودية؛ لذلك مـن الواضـح أن الوضـع فـي اليمـن قبـل وبعـد اسـتيلاء الحوثيـن علـى العاصمـة، ، مـا هـو إلا اسـتمرار لديناميـات الصـراع شـمال- 2014 صنعـاء، فـي سـبتمبر/أيلول .)10(1990 جنـوب قبـل اندماجهمـا عـام ـا، يوصـف اليمـن بأنـه مجتمـع قبلـي؛ حيث تـؤدي الـولاءات القبليـة وعلاقات ّ ً تقليدي هـات الطائفيـة فقـد ُّ ـا فـي السياسـات المحليـة، أمـا التوج ً ا حاسم ً القبائـل وقاداتهـا دور ش ـار ع ـادة إل ـى حرك ـة أنصـار الله ُ كان ـت محصـورة ف ـي دوائ ـر سياسـية مغلق ـة، وي (الحوثي ـن) الت ـي تأسسـت كحركـة ديني ـة وسياسـية أوائ ـل التسـعينات ف ـي محافظـة صعـدة، وانخرطـت فـي أنشـطة مسـلحة تسـتهدف قـوات الأمـن، إلا أن الانقسـامات ؛2011 ـا مـع بدايـة الاحتجاجـات عـام ً الطائفيـة بـدأت تتجلـى بشـكل أكثـر وضوح حيـث عمـد بعـض الجماعـات إلـى جـذب الأفـراد للقتـال ضـد جماعـات أخـرى، .)11( وشـرع هـؤلاء فـي تعريـف ذواتهـم علـى أسـاس انتماءاتهـم الطائفيـة . خريطة الانقسامات الطائفية والقبلية 3 ــل الأولــى ِّ ث ُ يــرزح اليمــن تحــت وطــأة الانقســامات الطائفيــة والقبليــة؛ حيــث ي القبليـة الجانـب الانتمائـي ِّ ـذ َ غ ُ الدافـع الأيديولوجـي أو الفكـري للانقسـام، فيمـا ت ع ـد القوم ـي الأوس ـع أو ال ـولاء الوطن ـي للأم ـة ُ والعصب ـي الضي ـق عل ـى حس ـاب الب اليمني ـة، ويمك ـن ملاحظ ـة ذل ـك م ـن خـ ل ه ـذه الأبع ـاد. : تشريح الطائفية ً أولا ي ـد ِ ع ُ ) إل ـى أن الطائفي ـة جـرح ق ـديم ف ـي المنطق ـة أ Vali R. Nasr( يشـير فال ـي نصـر فتحــه بفعــل رغبــة شــعبية فــي الديمقراطيــة والكرامــة والوحــدة الوطنيــة، وأن

23 |

الأزمة في اليمن: المؤثرات الداخلية والفواعل الخارجية

عـاءات المملكـة العربيـة السـعودية بوجـود ِّ انسـحاب المبعوثـن العـرب مـن سـوريا واد ــا أحمــر، تحمــل دلالات عــن ّ ً أطمــاع إيرانيــة فــي اليمــن واعتبارهــا البحريــن خط ،)Daniel Byman( )، أمــا دانيــال بيمــان 12( مواجهــة طائفيــة قادمــة فــي المنطقــة فيؤكـد أن الطائفيـة نتيجـة ثانويـة مريـرة للربيـع العربـي، فقـد فتـح انهيـار الحكومـات ل َّ ا، وسـه ً فـي الشـرق الأوسـط المجـال للشـوفينيات الدينيـة للقيـام بـدور أكثـر نفـوذ ذلـك انتشـار وسـائل التواصـل الاجتماعـي وتمكـن الرسـائل الطائفيـة مـن الوصـول .)13( إلـى أكبـر قـدر ممكـن م الحالـة الطائفيـة فـي انحبـاس الأزمـات السياسـية، وهـي مـن أصعـب الأوضاع ِ ـه ْ س ُ ت معقـدة لا هـي متحركـة نحـو َّ ههـا الدولـة والمجتمـع، فالأوضـاع تبـدو جـد ِ اب ُ التـي ـا عنـد تداخـل ً الأمـام، ولا هـي متغيـرة لفتـح آفـاق جديـدة، وتـزداد الأوضـاع تأزم الداخـل الوطن ـي المتع ـدد بالضغ ـط الدول ـي والخـارج الإقليم ـي المؤث ـر، لاسـيما إذا ــا ً ناضــل كل طــرف مــن الداخــل لتحقيــق أجندتــه الخاصــة التــي تصطــدم حتم .)14( باسـتراتيجيات الأطـراف الأخـرى ولـم يكـن اليمـن عبـر تاريخـه بمنـأى عـن الدعـوات الطائفيـة؛ إذ تزخـر كتـب التراث اليمن ـي بصـور شـتى مـن التعصـب وأحـداث التضيي ـق والعن ـف، وحـروب واسـعة بـن دول الفـرق والطوائـف الدينيـة، مثـل: الخـوارج والقرامطـة والإسماعيليـة، وتشـير الإحصائيـات إلـى أن نسـبة الزيديـة فـي اليمـن الشـمالي قبـل الوحـدة كانـت تصـل ن ِّ عتب ـر المكـو ُ ، ف ـي حـن ي 0.2% ، أم ـا نسـبة الإسماعيلي ـة فه ـي لا تتجـاوز 35% إل ـى .)15( ا ً ي، المنتسـب للمذهـب الشـافعي، هـو الأكثـر انتشـار ِّ ـن ُّ الس ــرف عــن محافظــة صعــدة أنهــا المعقــل التاريخــي للحوثيــن؛ حيــث ُ ــا، ع ّ ً تاريخي سـادت أحـكام فقهي ـة زيدي ـة متشـددة، لدرجـة أن الإمـام المت ـوكل، إسماعي ـل ب ـن

| 24

القاسـم، من ـع، ف ـي الق ـرن الس ـابع عش ـر، زواج الفاطمي ـات م ـن الرجـل العرب ـي، معارضــة شــديدة مــن الفقيــه الزيــدي، صــالح بــن ْ وهــي الأحــكام التــي لاقــت ــاج التابعــة لهــذه َّ م َ ). وفــي الوقــت الحالــي، وداخــل قريــة د 16( مهــدي المقبلــي د بـن َّ المحافظـة، ارتسـمت معالـم صـراع طائفـي لاح فـي الأفـق؛ صـراع قـديم يتجـد ية، وهـذه المـرة بظهـور شـخصية مقبـل بـن ِّ ـن ُّ الأصـل والمتحـول، أي بـن الزيديـة والس ـا العـادات والتقاليـد التـي ً ـس دار الحديـث السـلفية متحدي َّ هـادي الوادعـي الـذي أس صاحبـت المذهـب الزيـدي. وفـي مقابـل انتشـار المـد السـلفي أنشـأ الحوثيـون حركـة رفــت بـ”الشــباب المؤمــن”، أمــا علــى الصعيــد السياســي والحركــي فقــد ُ ثقافيــة ع اختـار الحوثيـون لأنفسـهم اسـم “أنصـار الله”، فـي مقاربـة لفظيـة وتوظيفيـة لـ”حـزب فـي التسـمية لـ”أنصـار الشـريعة” ٍ ظاهـرة ٍ الله” فـي لبنـان، علـى الرغـم مـن محـاكاة .)17( هـات تكفيريـة ُّ فـرع تنظيـم القاعـدة، والتـي يعتبرهـا الحوثيـون حركـة ذات توج عـرف باليمـن السـفلي، بمـا فـي ذلـك مناطـق ُ ة فـي مـا ي َّ ـن ُّ الشـافعيون الس َّ لقـد اسـتقر هامــة والســهل الســاحلي الجنوبــي، وقامــت هــذه الأقاليــم علــى نظــام القــرى ِ ت ا ً الصغيــرة التــي تعتمــد علــى البنــى القبليــة وعلاقــات المالــك والمســتأجر، ونظــر لطبيعـة التضاريـس غيـر المحصنـة والهيـاكل الاجتماعيـة والاقتصاديـة غيـر المتماسـكة فق ـد كان اليم ـن الس ـفلي وش ـعوبه أكث ـر عرضـة للهيمن ـة الخارجي ـة. أم ـا الزيدي ـون الشـيعة فقـد اسـتوطنوا الأراضـي الجافـة فـي المرتفعـات، وكانـت هن ـاك عملي ـات هجـرة مسـتمرة مـن الأراضـي الفقيـرة إلـى نظيراتهـا الغنيـة فـي الجنـوب والغـرب، )- مـن أزمـات إدارة Christopher Ward( وهـو مـا ضاعـف -حسـب كريسـتوفر وارد مته ـا معالجـة معضل ـة المي ـاه الن ـادرة ف ـي اليم ـن، ِّ ن ـدرة الم ـوارد الحيوي ـة، وف ـي مقد .)18( هـي الأخـرى مـن أن تصطب ـغ بل ـون طائفـي ُ والت ـي ل ـم تن ـج

25 |

الأزمة في اليمن: المؤثرات الداخلية والفواعل الخارجية

، بقي ـت الق ـوات الحوثي ـة مس ـيطرة عل ـى مس ـاحات 2017 إل ـى غاي ـة بداي ـات س ـنة ـا سـيطر عليهـا تنظيـم ً كبيـرة مـن أراضـي اليمـن، فـي مقابـل مسـاحات أقـل حجم ـه س ـهامه للمحافظ ـات الجنوبي ـة، َّ القاع ـدة ف ـي ش ـبه الجزي ـرة العربي ـة، وال ـذي وج ، قــادت 2016 والمــكلا عاصمــة حضرمــوت، وفــي أبريل/نيســان َ ــن ْ خاصــة أب ـل الخريطـة الآتيـة السـيطرة ِّ )؛ وتمث 19( الإمـارات قـوة مقاتلـة يمنيـة لاسـتعادة المـكلا .2017 ا مـن يناير/كانـون الثانـي ً الإقليميـة للمجموعـات المسـلحة فـي اليمـن اعتبـار ) توضح السيطرة الإقليمية للمجموعات المسلحة في اليمن 2( خريطة رقم )20(2017 اعتبارًا من يناير/كانون الثاني

مواقع تسيطر عليها القوات الحكومية ولجان المقاومة الشعبية والحلفاء القبليون. مناطق تسيطر عليها قوات الحوثي وقوات الحكومة السابقة. مناطق يسيطر عليها تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية. جيوب الحراك الجنوبي ولجان المقاومة الجنوبية المدعومة من التحالف العربي.

| 26

جـرى توظيـف الإنترنـت بشـكل مؤثـر لنقـل الخطـاب الطائفـي فـي حـرب اليمـن؛ ملاي ـن تغري ـدة عربي ـة ب ـن فبراي ـر/ 7 حي ـث اتضـح -مـن خـ ل تحلي ـل أكث ـر مـن ا ً ت دور َّ أن منصـات شـبكات التواصـل الاجتماعـي أد 2015- شـباط وأغسـطس/آب ). فف ـي أعق ـاب عملي ـة عاصف ـة الح ـزم 21( ـا ف ـي تغذي ـة الأح ـداث العنيف ـة ّ ً محوري ارتفعـت التغريـدات التـي تحتـوي علـى محتـوى مناهـض للشـيعة بشـكل دراماتيكي، ا خـ ل الفتـرة السـابقة: #المملكـة العربيـة ً وكان الهاشـتاغ العربـي الأكثـر اسـتخدام الســعودية، #عاصفــة الحــزم، #اليمــن، #إيــران، #الحوثيــن؛ وقــد جــرى إعــادة .)22( مليـون مـرة 1.4 تغريـدة #العربيـة السـعودية لوحدهـا أكثـر مـن : المشهد القبلي ً ثانيا ـا ضمـوره وتضـاؤل ّ ً ض نظري َ فتـر ُ ـا مـن تنظيمـات مـا قبـل الدولـة، ي ً القبيلـة نمط ُّ ـد َ ع ُ ت أهميتــه السياســية مــع تشــكيل الدولــة القوميــة، فالعلاقــة بــن الدولــة والقبيلــة Max( تناقضيـة وتخضـع للمحصلـة الصفريـة، فـولادة الدولـة، بحسـب ماكـس فيبـر َّ ابـن خلـدون أن الأوطـان كثيـرة القبائـل قـل ُّ قـر ُ لت نهايـة الوراثـة، وي َّ )، شـك Weber .)23( أن تسـتحكم فيهـا دول ـة ـرف بالعربي ـة الس ـعيدة واليم ـن الخضـراء وأرض الجنت ـن، ف ـإن ُ ورغ ـم أن اليم ـن ع أفضـل توصي ـف ل ـه، حس ـب سمي ـر العبدل ـي، ه ـو “مه ـد القبيل ـة” أو “اليم ـن هب ـة القبيلـة” بسـبب الـدور الفاعـل الـذي أدتـه القبيلـة منـذ وجودهـا فـي جوانـب الحيـاة السياســية والاجتماعيــة والاقتصاديــة. ومــن ميــزات القبائــل اليمنيــة اســتقرارها مئـات السـني، وتفاخرهـا بأنهـا أصـل العـرب ومنبـع حضارتهم، ِّ الجغرافـي علـى مـر لهــا بســهولة لفكــرة الاندمــاج فــي الدولــة المركزيــة. وتنقســم القبائــل ُّ وعــدم تقب ع َّ ـر، وتتفـر َ ي ْ م ِ رئيسـن: البطـن الأول: كهـ ن، والبطـن الثانـي: ح ْ ـن َ ن ْ ط َ اليمنيـة إلـى ب

27 |

الأزمة في اليمن: المؤثرات الداخلية والفواعل الخارجية

.)24( منهمـا قبائ ـل يمني ـة عدي ـدة ــن شــيوخ القبائــل مــن أداء أدوار سياســية مؤثــرة، فعلــى مســتوى الســلطة َّ وقــد تمك مـن مجمـوع أعضـاء مجلـس الشـورى المنتخـب، عـام 58% لوا حوالـي َّ التشـريعية شـك يرية إلى ْ م ِ ل شـيوخ القبائـل الح َّ هامـة تحـو ِ ، وفـي المناطـق الجنوبيـة والشـرقية وفـي ت 1921 إقطاعيـن، وبـرز التمايـز الاجتماعـي بـن الشـيوخ وبقيـة الأفـراد فـي هـذه المناطـق، .)25( طـن كهـ ن ُ ان التابعـة لب َ ـد َ م َ فيمـا اسـتمر الطابـع المسـاواتي فـي قبائـل ه ا للنظـام الرسمـي؛ حيـث يمكـن وصـف ً ا مجـاور ّ ً ـا سياسـي ً ـل القبيلـة اليمنيـة نظام ِّ ث ُ و العلاقـة بـن الدولـة والقبيلـة بـ”التقابليـة”؛ فالقبيلـة فـي الجـزء الشـمالي مـن اليمـن صفــت كقــوة حربيــة متحركــة تتخــذ علاقتهــا مــع الدولــة ثــ ث صــور؛ إمــا ُ و الصـراع ف ـي ح ـال استش ـعار القبيل ـة أن الحضـور المرك ـزي للدول ـة يه ـدد وجوده ـا ـول فـي الدولـة والهمينـة ُ ل ُ الاجتماعـي المسـتقل، وإمـا التحالـف القسـري، وإمـا الح علـى مفاصلهـا، علـى عكـس الشـطر الجنوبـي الـذي غلبـت عليـه ثقافـة مدنيـة لكـن .)26( فـي قال ـب شـمولي بفعـل هيمن ـة حكـم الحـزب الواحـد وأشـار نجيـب الريـس إلـى أن المشـكلة اليمنيـة تكمـن فـي أن الدولـة تتصـرف وكأنهـا مجموعـة مـن ُ ذلـك رفـض ُ قبيلـة، فـي حـن تتصـرف القبيلـة وكأنهـا دولـة، شـاهد المشـايخ التصديـق علـى قانـون منـع السـ ح الـذي حاولـت الحكومـة تقديمـه مرتـن .)27(1997 و 1992 لمجلـس النـواب عامـي ويتضـح أن القبيلـة كانـت ذات وزن مؤثـر فـي الحيـاة السياسـية اليمنيـة، ولـم تكـن هنــاك مشــكلات طائفيــة بائنــة؛ حيــث ســاد التعايــش بــن الزيديــة والشــافعية، ـا تتعل ـق بإس ـاءة ً هم ُ ب ـن أتب ـاع المذهب ـن، غي ـر أن هن ـاك ت ٌ صدام ـات ُ ول ـم تط ـف مثيـل المذهبـي والجهـوي الشـكلي فـي َّ الدولـة لإدارة مسـألة الطائفيـة؛ إذ اكتفـت بالت

| 28

ديـن، ْ هـم مـن الزي ُّ ل ُ السـلطة دون مشـاركة حقيقيـة، كمـا منحـت شـيوخ القبائـل، وج ديـة رأس الدولـة”، أي حصـر رئاسـة ْ امتيـازات ماليـة كبيـرة، وأبقـت علـى قاعـدة “زي ـا علـى المناصـب العليـا فـي الجيش ً الدولـة فـي الطائفـة الزيديـة، وهـو مـا ينطبـق أيض .)28( والأجهـزة الأمنيـة م ـن ب ـول دري ـش ٌّ ن ـة م ـن التغيي ـر، فق ـد أشـار كل َّ حص ُ ل ـم تكـن القبائ ـل اليمني ـة م ) إلـى Steve Caton( ) وسـتيف كاتـون Shelagh Weir( ) وشـيلاغ ويـر Paul Dresch( ليـة. َ احتماليـة حـدوث تغييـرات فـي اليمـن مـن شـأنها أن تقلـب شـكل الهرميـة القب فهنــاك مؤشــرات قويــة علــى أن التعليــم وتحســن الفــرص الاقتصاديــة، وانخــراط ـن فـي برامـج دكتـوراه في جامعـات أجنبيـة ووجودهم فـي مؤسسـات اجتماعية ِ لي َ ب َ ق كغـرف التجـارة والأحـزاب السياسـية والمنظمـات غيـر الربحيـة، كلهـا مؤشـرات تدل ل هـو ُّ علـى حـدوث تغييـر مرتقـب فـي بنيـة القبيلـة، ومـن أكبـر دلالات هـذا التحـو ) وانضمامهـم 29( تـرك العديـد مـن رجـال القبائـل لأسـلحتهم ضـد رغبـة شـيوخهم لأحـد أطـراف الصـراع؛ ففـي مـأرب، علـى سـبيل المثـال، يسـير القتال وفـق خطوط ر الصـراع باعتبـاره ثـورة ضـد مـا يربـو علـى ألـف عـام ِّ ـو ُ قبليـة صرفـة؛ حيـث ص س مـن قبائ ـل المرتفع ـات الشـمالية والنخب ـة الصنعاني ـة. أمـا َ مـن الاضطهـاد الممـار لي ـة َ التحال ـف الأب ـرز ف ـكان الاندم ـاج السـلس ب ـن تنظي ـم القاعـدة وجماعـات قب كـى ْ ية موحـدة ضـد الحوثيـن، وبانفـراط الجيـش اليمنـي أذ ِّ بغـرض إنشـاء جبهـة سـن م نفسـه علـى أنـه خـط الدفـاع الأخيـر فـي مواجهـة َّ تنظيـم القاعـدة الطائفيـة وقـد .)30( التوسـع الحوثـي . الحسابات الاستراتيجية للقوى الإقليمية في حرب اليمن 4 ا فـي المشـهد اليمنـي، وهـو مـا يتضـح ً ا كبيـر ً تـؤدي المصـالح الإقليميـة المتضاربـة دور

29 |

الأزمة في اليمن: المؤثرات الداخلية والفواعل الخارجية

مــن خــ ل مصــالح القــوى الإقليميــة الثلاثــة الرئيســة المؤثــرة فــي معادلــة القــوة اليمني ـة. : السعودية والحفاظ على العمق الاستراتيجي ً أو ـف السـعودية علـى أنهـا مـن الـدول القليلـة فـي المنطقـة التـي لهـا تعامـل ناجـح َّ صن ُ ت ف ـي تشـكيل مسـار الاحتجـاج وتطورات ـه ً ا فع ـا ً م ـع المحتجـن؛ إذ إنه ـا ت ـؤدي دور مصالحهـا فـي الأسـاس، فقـد جـادل بعـض الباحثـن أن الـدول ُ اللاحقـة بمـا يخـدم ا فـي شـرعية النظـام، أو ً تعمـد إلـى توظيـف بطاقـة الطائفيـة حـن تستشـعر تشـكيك جـدتصعوبـات فـي السـيطرة علـى الاضطرابـات الداخليـة، وبالمثـل، تعتقـد َ متـى و خدمت كأداة للثـورة المضـادة خـ ل الاحتجاجـات ُ مضـاوي الرشـيد أن الطائفيـة اسـت فـي المملكـة، والتـي كشـفت بدورهـا عـن نوايـا وأولويـات الريـاض تجـاه أحـداث .)31( المنطقـة، والتـي تراهـن بشـكل أسـاس علـى الحفـاظ علـى الوضـع القائـم ويظـل اليمـن غيـر المسـتقر مصـدر تهديـد للأمـن القومـي للسـعودية، ويحفـل تاريـخ الريـاض بتدخـ ت فـي الشـؤون الداخليـة لليمن حتى قبـل توحيد الشـمال والجنوب؛ حي ـث كان ـت هن ـاك رعاي ـة واسـعة لشـبكة متداخل ـة مـن القبائ ـل اليمني ـة، والت ـي كانـت بدورهـا بوابـة تحافـظ بهـا السـعودية علـى تأثيرهـا فـي الديناميـات السياسـية ن ـت َّ ). وبتكريس ـها الم ـال لقي ـادات قبلي ـة وديني ـة وسياس ـية تمك 32( الداخلي ـة لليم ـن السـعودية مـن السـيطرة علـى المشـهد السياسـي فـي اليمـن لعقـود مـن الزمـن، وهـو مـن حلفائهـا ٍ ل بعـض ُّ بعـد تحـو 2011 يتضـاءل من ـذ عـام َّ النفـوذ ال ـذي مـا انفـك إل ـى إي ـران ودول أخ ـرى، إضاف ـة إل ـى أن صع ـود الحوثي ـن واس ـتقواءهم بالس ـ ح والترويـج لنسـجهم علاقـات وديـة مـع طهـران، قـد ضاعـف مـن صعوبـات الريـاض فـي الحفـاظ علـى بنيـة الـولاء السياسـي التقليديـة فـي اليمـن.

| 30

ل الحوثي ـن ف ـي فت ـرة وجي ـزة م ـن فرق ـة قبلي ـة ُّ لق ـد واجه ـت الس ـعودية م ـأزق تح ـو ـا بعـد الدعـم الـذي حظـي بـه الحوثيـون ً متنافـرة إلـى قـوة عسـكرية منظمـة، خصوص مـن قـوات فـي الجيـش مواليـة للرئيـس السـابق، علـي عبـد الله صـالح، وكـذا سـعي الحـرس الثـوري الإيرانـي، وشـريكه، حـزب الله اللبنانـي، إلـى تحويـل الحركـة الحوثيـة نحـو حـروب الجيـل الرابـع أو الحـروب غيـر التماثليـة. ويبـدو أن اللقـاء الـذي جمـع ، قد 2018 ا رفيـع المسـتوى مـن الحوثيـن مـع حسـن نصـر الله، فـي أغسـطس/آب ً وفـد ـى مخـاوف السـعودية مـن احتماليـة ظهـور “حـزب الله جنوبـي” فـي اليمـن، رغـم َّ زك .)33( الضعـف الشـديد الـذي أصـاب الحوثيـن عقـب اغتيـال علـي عبـد الله صـالح ويتعاطـى المنظـور الاسـتراتيجي السـعودي مـع اليمـن كعمـق اسـتراتيجي وجـزء مـن نفــوذ الريــاض، ويتقاطــع مــع الحســابات الاســتراتيجية للحليــف الأميركــي الــذي يتطلــع للتأكــد مــن وجــود ســيطرة علــى بــاب المنــدب وخليــج عــدن وجزيــرة ا لشـحنات التجـارة ً ا مؤث ـر ّ ً اسـتراتيجي ً ِّ عتب ـر ب ـاب المن ـدب محـو ُ سـقطرى؛ حي ـث ي البحريـة وإمـدادات الطاقـة الدوليـة التـي تربـط منطقـة الخليـج عبـر المحيـط الهنـدي بالبحـر الأبيـض المتوسـط والبحـر الأحمـر. إن أهميـة بـاب المنـدب قـد تضاهـي قيمة قن ـاة السـويس التـي تربـط التجـارة وخطـوط الشـحن بـن إفريقيـا وآسـيا وأوروبـا، ـا حيـال تغيـرات الوضـع فـي اليمـن لمـا لـه مـن ً وحتـى إسـرائيل أبـدت بدورهـا قلق تأثيـر علـى قطـع وصولهـا إلـى المحيـط الهنـدي عبـر البحـر الأحمـر، ومـن ثـم منـع .)34( غواصاتهـا مـن الانتشـار السـهل ف ـي الخلي ـج لتهدي ـد إي ـران إن اســتيلاء الحوثيــن علــى مزيــد مــن الأراضــي وحيازتهــم لعــدد معتبــر مــن الأســلحة الثقيلــة بمــا فيهــا الصواريــخ الباليســتية، دفــع الســعودية إلــى الشــروع ، وحســب برازانتــا كومــار 2015 مــارس/آذار 26 فــي عمليــة عاصفــة الحــزم، فــي

31 |

الأزمة في اليمن: المؤثرات الداخلية والفواعل الخارجية

ـا مـن انطلاقهـا، كان ً يوم 27 ) فـإن نجـاح أهـداف العمليـة، بعـد Prasanta Kumar( ا، ورغـم ذل ـك ألق ـى هـذا التدخـل بتأثي ـره عل ـى الجغرافي ـا السياسـية ف ـي ً محـدود غـرب آسـيا. ويكمـن التحـدي الحقيقـي فـي إعـادة جميـع أصحـاب المصلحـة إلـى طاول ـة المفاوضـات والتوصـل إل ـى تواف ـق آراء بشـأن خطـة طري ـق مسـتقبلية، وهـو الهـدف ال ـذي ارت ـأت السـعودية أن تحققـه بعملي ـة عسـكرية أخـرى (عملي ـة إعـادة الأمـل)، والتـي هدفـت إلـى حمايـة المواطنـن ومواصلـة مكافحـة الإرهـاب ودعـم جهـود الانخـراط فـي سياسـات التعـاون لاسـتعادة السـ م والاسـتقرار، إضافـة إلـى الإصـرار علـى طلـب التنسـيق الدولـي لمنـع وصـول أي أسـلحة للحوثيـن عبـر الجـو أو ـا وتغطـي مسـاحة ً البحـر، ومـن ثـم يتضـح أن عمليـة إعـادة الأمـل كانـت أوسـع نطاق ـم الحوثي ـن ْ وس ِ أكب ـر مـن القضاي ـا وتشـمل مب ـادرات عسـكرية وتسـوية سياسـية. وب بالإرهـاب تتطلـع الريـاض إلـى ألا يكـون لهـذا الفصيـل دور مسـتقبلي فـي طاولـة ـا للعملي ـات العسـكرية الت ـي ينجـم عنه ـا ً المفاوضـات؛ الأم ـر ال ـذي يتطل ـب تكثيف

.)35( تفاق ـم الأزم ـات الإنسـانية : النفوذ الإيراني في اليمن ً ثانيا

بإيـران، ْ ـم ُ ـى العديـد مـن رجـال الديـن الشـيعة الزيديـن تكوينهـم الدينـي فـي ق َّ تلق وكان ذل ـك بمنزل ـة قن ـاة لاس ـتمرار النف ـوذ الإيران ـي وسـط الحوثي ـن؛ الأم ـر ال ـذي دفـع القاضـي اليمنـي، حمـود الهتـار، إلـى التصريـح بـأن الحوثيـن يطمحـون إلـى هـت َّ إنشـاء دولـة فـي شـمال اليمـن وجنـوب المملكـة العربيـة السـعودية، كمـا وج واشـنطن والري ـاض اتهام ـات لطه ـران بدع ـم م ـادي بوجـود وحـدات شـبه قتالي ـة لهـا فـي اليمـن، خاصـة عقـب الاسـتيلاء علـى سـفن إيرانيـة محملـة بالأسـلحة فـي .)36( هـة للحوثي ـن َّ مانـي والت ـي كانـت موج ُ السـاحل الع

| 32

وبعـد طـرد أسـامة بـن لادن مـن السـودان، تنـازل الإيرانيـون عـن خططهـم لتطويـق السـعودية مـن الغـرب غيـر أنهـم لـم يتخلـوا عـن هدفهـم الأوسـع وهـو تعزيـز قـوة الـردع الإيرانـي مـن خـ ل تكثيـف نوعـي لاسـتراتيجية المنطقـة المحرمة/منـع الولـوج ).ويمكـن تعريـف A2/AD( ا بــ ً ) التـي تعـرف اختصـار Area-Denial/Anti-Access( سـتخدم لمنـع أو تقييـد ُ هـذه الاسـتراتيجية بأنهـا عائلـة مـن القـدرات العسـكرية التـي ت نشـر الق ـوات المعارضـة ف ـي مسـرح عملي ـات مع ـن؛ والملاحـظ أن الق ـوة البحري ـة ٌ )؛ واقـع 37( ) لإنشـاء نقـاط اختنـاق فـي الممـرات الحيويـة A2/AD( الإيرانيـة تسـتخدم ـر عن ـه محمـد صـادق الحسـيني بـ”صرن ـا سـ طي المتوسـط والخلي ـج، والمحي ـط َّ عب .)38(” الهنـدي والبحـر الأحمـر )39( ) تُظهر موقع إيران بالنسبة لمضيقي هرمز وباب المندب 3( خريطة رقم

) خــ ل الحــرب الإيرانية-العراقيــة لتعطيــل شــحنات A2/AD( ــت اســتراتيجية َ ف ِّ ظ ُ و ح الجنـرال الأميركـي، جـون أبـي زيـد، َّ ، صـر 2006 النفـط فـي مضيـق هرمـز، وفـي م ـة ف ـي المق ـام َّ ب ـأن الاس ـتراتيجية البحري ـة للح ـرس الث ـوري الإيران ـي كان ـت مصم ا علـى وكلائهـا فـي المنطقـة ً الأول لمن ـع الصـادرات النفطي ـة، وتراهـن طهـران كثي ـر

33 |

الأزمة في اليمن: المؤثرات الداخلية والفواعل الخارجية

ح َّ )، مدفوعـة بورقـة اسـتراتيجية رابحـة صـر 40( لتعطي ـل حركـة المـرور فـي الخلي ـج به ـا ي ـد الله ش ـير م ـردي، وه ـي أن جمي ـع ط ـرق م ـرور النف ـط م ـن ب ـاب المن ـدب ـن الحوثيـن مـن ُّ )، وحتـى قبـل تمك 41( والسـويس ومضيـق هرمـز تحـت سـيطرة إيـران إلـى أن طهـران كانـت تبحـث 2009 شـرت عـام ُ العاصمـة اليمنيـة، أشـارت تقاريـر ن .)42( ـة غربـي اليمـن َّ عـن طـرق للاسـتثمار فـي مينـاء ميـدي التابـع لمحافظـة حج ،2012 ونش ـرت جامع ـة الإم ـام الحس ـن المرتبط ـة بالحـرس الث ـوري الإيران ـي، سـنة وثيقـة معنونـة بـ”اسـتراتيجية المثلـث البحـري: الحـرب البحريـة غيـر النظاميـة”، دعت مصـالح إي ـران، وذل ـك بتعطي ـل مثل ـث النق ـاط ُّ إل ـى درء أي هجـوم محتمـل يمـس إل ـى مضي ـق ملق ـا، ً البحري ـة الممت ـد م ـن مضي ـق هرم ـز إل ـى ب ـاب المن ـدب وصـو ) الـذي يسـتند إل قـدرات الصواريـخ A2/AD( وإضافـة لاعتمـاد المخطـط التقليـدي البريـة والبحريـة والمضـادة للسـفن ونشـر الألغـام البحريـة، يجـب توفيـر تكتيـكات حـرب العصابـات غيـر المتماثلـة لنشـر قـوارب عملياتيـة سـريعة، وقـوارب انتحاريـة .)43( يديرهـا الإنسـان ل ـت فرصـة ذهبي ـة لإي ـران الت ـي َّ ، مث 2014 إن سـيطرة الحوثي ـن عل ـى صنع ـاء، عـام عت وتي ـرة توقي ـع اتفاقي ـات التع ـاون الاقتصـادي م ـع الحوثي ـن ف ـي مج ـالات َّ س ـر ـدت بتزوي ـد اليم ـن بالمش ـتقات َّ النف ـط والكهرب ـاء والنق ـل الج ـوي والبح ـري، وتعه النفطيــة وإنشــاء محطــات لتوليــد الكهربــاء فــي محافظــات عــدن والحديــدة ). وكان التماثــل الطائفــي وتموقــع اليمــن فــي خاصــرة الســعودية عامــل 44( وتعــز جـذب لتطويـق المملكـة مـن الجنـوب، وهـو مـا أكـده علـي رضـا زكانـي بـأن إيـران بات ـت تسـيطر عل ـى أرب ـع عواصـم عربي ـة، بي ـروت وبغ ـداد ودمشـق وصنع ـاء، وأن الث ـورة اليمني ـة ل ـن تقتصـر عل ـى اليم ـن وحدهـا، وسـوف تمت ـد بع ـد نجاحه ـا إل ـى

| 34

.)45( داخــل الأراضــي الســعودية ـح تصري ـح زكان ـي إل ـى مش ـروع إي ـران المتعاظ ـم لتوس ـيع “اله ـ ل الش ـيعي”، ِّ ويلم لا تنفصـل طبيعـة الأهـداف المبتغـاة مـن دور إيـران فـي اليمـن عـن أهـداف ً وإجمـا طهـران العامـة فـي كل المنطقـة، وهـي تنـدرج فـي إطـار اسـتراتيجية شـاملة لتوسـيع ــا مــن تصــورات مرتبطــة بالثقافــة السياســية والذاكــرة ً النفــوذ والهيمنــة، انطلاق ع ـن توجي ـه رسـالة مفاده ـا أن ـه لاب ـد م ـن مراع ـاة مصـالح ً )؛ فضـ 46( التاريخي ـة إيــران فــي المنطقــة، والحيلولــة دون تهديــد مصالحهــا أو تجاهلهــا فــي أي ترتيبــات .)47( ومشــاريع مســتقبلية : مصالح الإمارات في اليمن ً ثالثا ) إلـى ثلاثـة عوامـل أسـهمت فـي تشـكيل الثقافـة Andrea Rugh( يشـير أندريـا روغ : المشـاركة البريطانيـة المتناميـة فـي ً السياسـية لقـادة الإمـارات العربيـة المتحـدة، أو ـا: الحصـول علـى كميـات هائلـة ً ـا: التحضـر، ثالث ً شـؤون الإمـارات المتصالحـة، ثاني ). وقـد أكـدت تجربـة الإمـارات علـى نمـوذج 48( مـن الثـروة عقـب اكتشـاف النفـط ـر سـخاء الدولـة الريعيـة َّ عـة للثـروة بـدل أن تكـون محتكـرة لهـا؛ حيـث وف ِّ دولـة موز ) تعبي ـر “الشـرعية Stephen White( للأسـرة الحاكمـة مـا أطلـق عليـه سـتيفن وايـت الباعثــة علــى الســعادة”، وهــي شــرعية مســتقاة مــن نمــط معــن مــن الرعايــة .)49( الاجتماعي ـة والرف ـاه الاقتصـادي وجدانيـة وتاريخيـة مـع اليمـن، فالأسـرة الحاكمـة فـي ٍ وترتبـط الإمـارات بعلاقـات جي ـرة تنحـدر م ـن عشـيرة الحفيت ـات الشـرقيي الذي ـن ينتسـبون إل ـى مال ـك ب ـن ُ الف سـنة، 2000 فه ـم، وق ـد غـادروا اليمـن عق ـب انهي ـار سـد مـأرب قب ـل أكث ـر مـن ،)50( ـا لباقـي الإمـارات، بالمذهـب الشـافعي ً ـد شـرقيو الفجي ـرة، خلاف َّ لذل ـك يتعب

35 |

الأزمة في اليمن: المؤثرات الداخلية والفواعل الخارجية

هـو مـورد التجـارة الأول فـي علاقـات ُّ ُ وفـي منتصـف القـرن التاسـع عشـر كان الـن .)51( الطرف ـن عتبــر الإمــارات القــوة الثانيــة فــي التحالــف العربــي فــي اليمــن، وهــي القائــد ُ وت ـا تعـارض، ً الفعلـي لعمليـات التحالـف جنـوب اليمـن، واللافـت هـو تبايـن، وأحيان 2016 مـدت الإمـارات منـذ عـام َ سياسـاتها مـع المملكـة العربيـة السـعودية؛ حيـث ع ألـف 30 إلـى بنـاء تشـكيلات شـبه عسـكرية، معظمهـا مـن السـلفيي، يبلـغ تعدادهـا فـرد، وأطلقـت علـى هـذه القـوة، التـي تنشـط خـارج هيئـة الأركان اليمنيـة، تسـمية “الحـزام الأمن ـي”، وتوج ـد ف ـي ع ـدن ولحـج وأب ـن وحضرم ـوت وش ـبوة والمه ـرى .)52( وسـقطرى ـل المصلحـة الرئيسـة للإمـارات فـي السـيطرة علـى مئتـي كيلومتـر مـن َّ ـا، تتمث ّ ً ظاهري السـاحل اليمنـي، وهـي دعامـة مركزيـة فـي مخطـط أبوظبـي لتصبـح قـوة عظمـى فـي مجـال الطاقـة، وتشـمل هـذه المنطقـة موانـئ الجنـوب علـى سـاحل خليـج عـدن والبحـر العربـي، ومضيـق بـاب المنـدب وجزيـرة سـقطرى، وتـدرك الإمـارات أهميـة ـدة وسـقطرى للأميركي ـن؛ ْ دي ُ خـاء بالنسـبة للبريطاني ـن، وكـذا أهمي ـة الح ُ عـدن والم ز أواصـر التعـاون والتفاهـم مـع لنـدن وواشـنطن حـول الخطـوط ِّ عـز ُ مـا مـن شـأنه أن ي .)53( العريضـة لتقاسـم النفـوذ ة الخـ ف السـعودي-الإماراتي؛ مـا دفع َّ ، تفاقمـت حـد 2019 ا مـن منتصـف ً واعتبـار أبوظبـي إلـى تخفيـض وجودهـا العسـكري فـي اليمـن، مقابل تعزيـز الدعـم لجماعات جنـوب اليمـن التـي لديهـا خلافـات ظاهـرة مـع فصائـل تدعمهـا السـعودية. وقـد ا للعمــل مــع عناصــر الإخــوان ً تفاقــم الخــ ف بعــد أن أبــدت المملكــة اســتعداد المسـلمي ف ـي اليم ـن. والواق ـع أن خـ ف الطرف ـن لي ـس بمسـتجد؛ حي ـث أنه ـت

| 36

ج ـت بوصـول ِّ و ُ ، نزاع ـات حدودي ـة ب ـن الطرف ـن، ت 1974 “معاه ـدة ج ـدة”، ع ـام إماراتـي، مقابـل سـيطرة رسميـة للإمـارات علـى ّ ٍ السـعودية إلـى خليـج إيـران عبـر ممـر ـظ أن تق ـارب الدولت ـن أسـهم ف ـي َ لاح ُ ي ٍ م ـواز ٍ ق ـرى بواحـة البريمـي. وم ـن منظـور عرقلـة خطـط مجلـس التعـاون الخليجـي طويلـة الأمـد لإنشـاء قـوة بحريـة وقيـادة عسـكرية مشـتركة مقرهـا البحريـن، وذلـك بفعـل تشـكيل الطرفـن، فـي ديسـمبر/ ، للجنـة تعـاون مشـتركة كمجموعـة فرعيـة عـن مجلـس التعـاون 2017 كانـون الأول .)54( الخليجـي صــراع اليمــن انتقــادات غيــر مســبوقة للإمــارات بشــأن الآثــار الإنســانية َ لــب َ وج المترتبــة علــى الانتهــاكات، وكانــت أخطــر الاتهامــات هــي احتفــاظ الإمــارات بش ـبكة سـرية م ـن الس ـجون ف ـي اليم ـن، وتس ـليح ميليش ـيات مناهضـة للحوثي ـن، ت عليه ـا َّ ه ـم الت ـي رد ُّ ومرتبطـة بتنظيم ـي القاعـدة و”الدول ـة الإسـ مية”؛ وهـي الت حكومـة أبوظبـي بتوجيـه إعلامهـا إلـى تسـليط الضـوء علـى المسـاعدات الإنسـانية مليـار دولار 1.25 مليـارات دولار، منها 4 متهـا للشـعب اليمنـي، والمقـدرة بــ َّ التـي قد .)55(2018 ســنة ْ حــت ِ ن ُ م ا ً الإمــارات الأكثــر حضــور ُّ ــد َ ع ُ وبشــكل عــام؛ وعــودة إلــى العمليــات الميدانيــة، ت ؛ حي ـث تنتش ـر الق ـوات 2015 ا عل ـى الأراضـي اليمني ـة من ـذ ع ـام ً ا ونف ـوذ ّ ً عس ـكري الإماراتيـة بشـكل مباشـر فـي ثـ ث مناطـق عسـكرية مـن أصـل سـبع مناطـق تغطـي العمليـات العسـكرية فـي اليمـن. ولئـن كانـت الإمـارات تشـترك مـع دول التحالـف ـل فـي إسـقاط الحوثيـن، واسـتعادة مؤسسـات الدولـة اليمنية، َّ فـي دوافـع معلنـة تتمث ومحارب ـة ب ـؤر الإره ـاب، وتأم ـن خط ـوط الملاحـة الدولي ـة، فإنه ـا تحتف ـظ لذاته ـا أنبـوب نفـط لسـاحل محافظـة ِّ بأهـداف تشـمل إيجـاد بديـل لمضيـق هرمـز عبـر مـد

37 |

الأزمة في اليمن: المؤثرات الداخلية والفواعل الخارجية

ض ُّ المه ـرة عل ـى بحـر الع ـرب، يكـون ف ـي مق ـدوره تصدي ـر النف ـط ف ـي حـال تع ـر إيــران، إضافــة إلــى أن بــروز الإمــارات خــ ل ِ بــل ِ مضيــق هرمــز للإغــ ق مــن ق العقـود الماضيـة كمركـز دولـي فـي الملاحـة البحريـة جعلهـا تـرى أيـة محاولـة لتطويـر ا لأمنهـا القومـي وعلاقاتهـا الاقتصاديـة المتعاظمـة، ً د ِّ مينـاء عـدن الاسـتراتيجي مهـد ع ـة م ـع الرئي ـس، عل ـي َّ ، الاتفاقي ـة الموق 2012 ـا بع ـد أن ألغ ـى اليم ـن، ف ـي ً خصوص .)56(2008 عب ـد الله صـالح سـنة ـا وضبابيـة فـي مقاربـات الـدول الإقليميـة الثلاثـة تجـاه ً إذن، يتضـح أن هنـاك تضارب التعامـل مـع الأزمـة فـي اليمـن، وقبـل التطـرق إلـى التداعيـات الإنسـانية الخطيـرة ـت مسـاءلة الـدور الناعـم الـذي باتـت تضطلـع َ ب َ ج َ لهـذا السـباق حامـي الوطيـس، و ـان فـي الأزمـة؛ فعلـى مـدى العقـود الأربعـة الماضية آثـرت السـلطنة أن َ م ُ بـه سـلطنة ع النزاعـات الخليجيـة ِّ ـوازن فـي حـل ُ نظـر إليهـا باعتبارهـا الوسـيط المفيـد والطـرف الم ُ ي والعربيـة. فالتركيـز علـى التنميـة الداخليـة وجـذب السـياح والاسـتثمارات الأجنبيـة ـا قـد يلحـق بـه َّ دفـع البلـد، الـذي يتميـز بمـوارده المتواضعـة، إلـى محاولـة النـأي عم .2018 ا مـن ً كذلـك بـدء َ مـان المحايـدة” لـم تبـق ُ ر، غيـر أن سمعـة “ع َّ تصـو ُ مـن أذى م ضـة لأن تكـون َّ مـان ذاتهـا معر ُ ، تجـد ع 1939 فكمـا هـو شـأن بلجيـكا وبولنـدا، سـنة ة َّ ضحيــة لأطم ـاع الق ـوى الجيوبوليتيكي ـة المتنافس ـة ف ـي اليم ـن، وم ـا زاد م ـن ح ـد مانـي هـو تفاقـم الأزمـة الدبلوماسـية بـن دول ُ الضغـط علـى نجـاح دور الوسـاطة الع الترويـج لبنـاء مجـرى مائـي ِّ السـعودية إلـى حـد ُ مجلـس التعـاون الخليجـي، وبلـوغ رهـا عـن دول المجل ـس، وهـو الأم ـر ْ بت َّ ـا وم ـن ث ـم ّ ً يه ـدف إل ـى عـزل قطـر جغرافي ا مـن السـلطان الراحـل، قابـوس بـن سـعيد، ودوائـر ً تأييـد ْ الـذي يبـدو أنـه لـم ينـل ،144% مـان إلـى قطـر بنسـبة ُ نـع القـرار المقربـة منـه؛ حيـث ارتفعـت صـادرات ع ُ ص

| 38

للصـادرات القطريـة غيـر النفطيـة منـذ ٍّ مـان أكبـر متلـق ُ ، كمـا أصبحـت ع 2017 سـنة بـدء الحصـار المفـروض علـى الدوحـة. ـدة (الت ـي يزي ـد سـكانها ْ دي ُ عل ـى ذل ـك، ف ـإن الهجـوم الإمارات ـي عل ـى الح ً ع ـ وة ،2015 ألـف نسـمة) طـرح عديـد المخـاوف الأمنيـة للسـلطنة. ومنـذ عـام 700 عـن مـان بجديـة لتقـديم المسـاعدة الإنسـانية والطبيـة للمدنيـن المتضرريـن مـن ُ عملـت ع الحـرب فـي اليمـن، وقامـت بنقـل المصابـن بجـروح بالغـة إلـى مستشـفيات مسـقط مـن اتهامـات التحالـف الإماراتي/السـعودي ْ م َ لتلقـي العـ ج، ورغـم ذلـك لـم تسـل لعبـة ْ بأنهـا مجـال بحـري وبـري لتدفـق الأسـلحة الإيرانيـة إلـى الحوثيـن. لقـد أبانـت القـوى الجيوبوليتيكيـة فـي الخليـج عـن أنـه مـن الصعـب علـى السـعودية والإمـارات ا لموقـف البحريـن، إلا أن ذلـك، ً صبـح شـبيه ُ مانـي لصالحهـم لي ُ تطويـع الموقـف الع بالمقابـل، أسـهم فـي تنميـة الشـكوك عـن طموحـات إيـران فـي احتضـان مسـقط، مـان تدافـع عـن موقفهـا الحيـادي وتسـعى جاهـدة ُ وعلـى ضـوء هـذا، مـا زالـت ع .)57( لإثبـات مصداقيتهـا لـدى جميـع الأطـراف المتخاصمـة . التداعيات الإنسانية للحرب في اليمن 5 كشـفت الأرقـام، التـي أبلـغ عنهـا مكتـب الأمم المتحـدة لتنسـيق الشـؤون الإنسـانية، ر عـدد السـكان ِّ ـد ُ عـن بلـد يعيـش أكثـر مـن نصـف سـكانه علـى عتبـة الفقـر، وق مليـون نسـمة. ومنـذ 21.2 الذيـن هـم فـي حاجـة إلـى مسـاعدة إنسـانية عاجلـة بــ ألـفضحيـة، عـ وة 30 بـدء الغـارات الجويـة لقـوات التحالـفجـرى الإبـ غ عـن وا مـن الب ـ د أو طلب ـوا اللجـوء فـي ُّ ا فـر ً شـخص 127.620 ملي ـون ن ـازح و 2.7 عل ـى مــان، العضــو الوحيــد فــي مجلــس التعــاون ُ مــكان آخــر، أغلبهــم فــي ســلطنة ع ر عـدم الانضمـام إلـى التحالـف الـذي تقـوده السـعودية، وكان َّ الخليجـي الـذي قـر

39 |

الأزمة في اليمن: المؤثرات الداخلية والفواعل الخارجية

مـن إفـرازات القتـال كذلـك التدهـور السـريع فـي الأوضـاع المعيشـية؛ حيـث جـرى ـا يحصلـون علـى ً مليون 14.4 مليـون شـخص فـي حاجـة إلـى مـأوى، و 2.7 إحصـاء ـا لا يحصلـون علـى مـاء نظيـف، وهـو الوضـع الـذي ً مليون 19.3 طعـام غيـر آمـن، و تفاقمـت خطورتـه بعـد الفيضانـات التـي اجتاحـت اليمـن فـي نوفمبر/تشـرين الثانـي ، إلـى 2017 )، وقـد أدى انتشـار وبـاء الكوليـرا، عـام 58(2016 وأبريل/نيسـان 2015 .)59( الاشـتباه فـي إصابـة مـا يزيـد عـن مليـون شـخص

)60( ) تبين صعوبة وصول المنظمات الإنسانية إلى المناطق المتضررة 4( خريطة رقم

م تقريـر مجلـس حقـوق الإنسـان نتائـج تفصيليـة عـن الانتهـاكات والتجـاوزات َّ قـد ؛ حيث تركـت الأزمة 2019 وإلـى غايـة 2014 المرتكبـة فـي اليمـن منـذ سـبتمبر/أيلول الإنسـانية آثارهـا علـى المرافـق الصحيـة والتغذيـة والإسـكان الآمـن، وبشـكل غيـر مليـون يمنـي، الذيـن يحتاجـون 24.1 متناسـب مـع الفئـات الاجتماعيـة، فمـن بـن ـا هـم مـن النسـاء والأطفـال، ومـن ً مليون 18.2 ، إلـى الحمايـة والمسـاعدة الإنسـانية

| 40

،2019 و 2018 منهـم نسـاء وأطفـال. وفـي الفتـرة بـن 83% ملايـن نـازح 3.3 بـن ملايــن امــرأة وفتــاة معرضــة للعنــف 3 ر صنــدوق الأمم المتحــدة للســكان أن َّ ــد َ ق ضـات لخطـر القت ـل َّ ألـف فت ـاة وامـرأة معر 120 القائـم علـى الن ـوع الجنسـاني، وأن .)61( نتيجـة أشـكال مختلفـة مـن العنـف وعقــب اســتنزاف قدراتهــم القتاليــة، واجــه الحوثيــون اتهامــات بتجنيــد الأطفــال وإقــرار عقوبــة الإعــدام للفاريــن مــن ســاحات القتــال، وقــد أشــارت إحــدى .)62( ألـف طفـل في سـن العاشـرة 16 الدراسـات إلـى اسـتقطاب أنصـار الله لحوالـي

41 | ) يبرز إحصائيات وتوقعات مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية 1( شكل رقم )63( بشأن الأوضاع الإنسانية المتأزمة في اليمن الأزمة في اليمن: المؤثرات الداخلية والفواعل الخارجية

إن معانـاة اليمـن مـن تدميـر جزئـي للبنيـة التحتيـة، وعـدم دفـع الرواتـب وتسـديد ؛)64( النفقــات التشــغيلية للقطــاع العــام، قــد أوصــل البــ د إلــى حافــة الانهيــار د ف ـي من ـح الائتم ـان ُّ حي ـث تشـهد أزم ـة سـيولة نقدي ـة دفع ـت البن ـوك إل ـى الت ـرد للتجــار الســاعي لاســتيراد الســلع الأساســية. وقــد انخفضــت احتياطــات النقــد إلـى أقـل مـن 2014 مليـارات دولار أواخـر عـام 4.7 الأجنبـي للبنـك المركـزي مـن

| 42

،50% ، وتزايـد عجـز الموازنـة العامـة بأكثـر مـن 2016 مليـار دولار فـي سـبتمبر/أيلول وتم دفـع رواتـب موظفـي المرافـق الصحيـة والمعلمـن وباقـي العاملـن فـي القطـاع 6.9 ملي ـون شـخص مـن موظفـي الدول ـة و 1.25 عـة، ممـا ت ـرك ِّ العـام بطريقـة متقط مــن الســكان) دون دخــل منتظــم، فــي 30% ملايــن ممــن يعولونهــم (مــا يقــارب )؛ لذلـك ليـس 65( ـا فـي الأسـعار ً ـا فـي السـلع وارتفاع ً وقـت تشـهد فيـه البـ د نقص مـن الغريـب أن توصـف الأزمـة الإنسـانية فـي اليمـن بأنهـا الأسـوأ فـي العالـم؛ وقـد ـه مكتـب الأمم المتحـدة لتنسـيق الشـؤون الإنسـانية إلـى مخاطـر المسـتقبل الغامـض َّ نب ا إلـى إحصائيـات الواقـع المتـأزم. ً لليمـن اسـتناد . مستقبل الحل السياسي في اليمن 6 يحتــاج اليمــن إلــى إعــادة اســتنهاض مؤتمــر الحــوار الوطنــي الــذي انعقــد فــي ا، وراعـى ً عضـو 565 ، وهـو مؤتمـر اسـتيعابي شـارك فيـه 2013 منتصـف مـارس/آذار هـذا المؤتمـر التركيبـة اليمنيـة المتنوعـة والفاعلـة فـي المشـهد السياسـي، بمـا فـي ذلـك حـزب المؤتمـر الشـعبي العـام الـذي ترأسـه الرئيـس السـابق، علـي عبـد الله صـالح. )، فــإن الحــوارات الوطنيــة تنطــوي Katia Papagianni( ــا لكاتيــا باباجيانــي ً ووفق ضي ـة ب ـن الجن ـاة والضحاي ـا، وميزته ـا هـي الابتع ـاد عـن عق ـد َ ر َ عل ـى تقاطع ـات ع صفقـات علـى مسـتوى النخبـة عبـر فسـح المجـال لمصـالح متنوعـة للتأثيـر فـي مسـار المفاوضـات، فهـدف الحـوارات هـو المسـاعدة علـى التعافـي وتسـوية الخلافـات بـن الأطـراف المتناحـرة عل ـى أن يشـمل الحـوار إشـراك شـرائح واسـعة مـن المجتمـع، شـمل ُّ فالحـوار الوطنـي كمـا جـاء فـي وصـف برنامـج الأمم المتحـدة الإنمائـي هـو لم .)66( ـر عـن المجتمـع الكبيـر َّ مجموعـة متنوعـة مـن الأصـوات لإنشـاء نمـوذج مصغ إن إفشـال الحـرب للوحـدة الاندماجيـة يضـع اليمـن أمـام خياريـن، إمـا العـودة إلـى

Page 1 Page 2 Page 3 Page 4 Page 5 Page 6 Page 7 Page 8 Page 9 Page 10 Page 11 Page 12 Page 13 Page 14 Page 15 Page 16 Page 17 Page 18 Page 19 Page 20 Page 21 Page 22 Page 23 Page 24 Page 25 Page 26 Page 27 Page 28 Page 29 Page 30 Page 31 Page 32 Page 33 Page 34 Page 35 Page 36 Page 37 Page 38 Page 39 Page 40 Page 41 Page 42 Page 43 Page 44 Page 45 Page 46 Page 47 Page 48 Page 49 Page 50 Page 51 Page 52 Page 53 Page 54 Page 55 Page 56 Page 57 Page 58 Page 59 Page 60 Page 61 Page 62 Page 63 Page 64 Page 65 Page 66 Page 67 Page 68 Page 69 Page 70 Page 71 Page 72 Page 73 Page 74 Page 75 Page 76 Page 77 Page 78 Page 79 Page 80 Page 81 Page 82 Page 83 Page 84 Page 85 Page 86 Page 87 Page 88 Page 89 Page 90 Page 91 Page 92 Page 93 Page 94 Page 95 Page 96 Page 97 Page 98 Page 99 Page 100 Page 101 Page 102 Page 103 Page 104 Page 105 Page 106 Page 107 Page 108 Page 109 Page 110 Page 111 Page 112 Page 113 Page 114 Page 115 Page 116 Page 117 Page 118 Page 119 Page 120 Page 121 Page 122 Page 123 Page 124 Page 125 Page 126 Page 127 Page 128 Page 129 Page 130 Page 131 Page 132 Page 133 Page 134 Page 135 Page 136 Page 137 Page 138 Page 139 Page 140 Page 141 Page 142 Page 143 Page 144 Page 145 Page 146 Page 147 Page 148 Page 149 Page 150 Page 151 Page 152 Page 153 Page 154 Page 155 Page 156 Page 157 Page 158 Page 159 Page 160 Page 161 Page 162 Page 163 Page 164 Page 165 Page 166 Page 167 Page 168 Page 169 Page 170 Page 171 Page 172 Page 173 Page 174 Page 175 Page 176 Page 177 Page 178 Page 179 Page 180 Page 181 Page 182 Page 183 Page 184 Page 185 Page 186 Page 187 Page 188 Page 189 Page 190 Page 191 Page 192 Page 193 Page 194 Page 195 Page 196 Page 197 Page 198 Page 199 Page 200

Made with FlippingBook Online newsletter