صراع القوى الكبرى في الهندوباسيفيك

يستعرض الكتاب مفهوم "الهندوباسيفيك" أو المحيطين الهندي-الهادي، ويرصد أطوار وخلفيات صعوده وبروزه، وكيفية ارتباطه بما يعرف بالفضاءات المتخيلة أو الخرائط الذهنية، التي تلعب دورًا حاسمًا ومهمًّا في فهم تطورات العالم المعاصر. ويتتبع التطورات الإستراتيجية التي تشهدها منطقة الهندوباسيفيك، بحسبانها مركز التحولات التي يُتوقع أن تكون الأكثر تأثيرًا في الواقع الدولي ومستقبل العلاقات الدولية، أمنيًّا وعسكريًّا وإستراتيجيًّا واقتصاديًّا.

الهندوباسيفيك

يف صراع القوى الكبرى

إعادة تخيل الخريطة اإل ستراتيجية سيا آل

عبد القادر دندن

1444 2022

املحتويات مقدمة..................... ................................................................... 5 الفصل األول: وقت إعادة ﲣيل اﳋريطة.. مفهوم وخلفيات صعود اهلندوابسيفيك..... ................... ...... 14 املبحث اﻷول: هل ابسيفيك.. منطلقات معرفية وجينالوجية ........ طبيعة وتطور مفهوم ا ندو 17 ......... املبحث الثاﱐ: .... ابسيفيك عوامل تبلور اهلوية والبنية اﳉيوبوليتيكية واﳉيواقتصادية للهندو 30............ الفصل الثاين: مقاربة اهلندوابسيفيك لدى دول الرابعي اإلسرتاتيجي.. ﳏورية األمن البحري والصني 56........... .. هلندوابسيفيكي اﻷكثر تطرفا املبحث اﻷول: الوالايت املتحدة اﻷمريكية.. التوجه ا ......... 59........ املبحث الثاﱐ: الياابن.. مهد الفكرة العرّاب......................................... 70............ املبحث الثالث: اهل ند.. قدَم ﰲ اهلندي وأخرى ﰲ هلادي........................ ........ 78.......... املبحث الرابع: أسرتاليا .. أول مُتب رمسيًّا ملفهوم اهلندوابسيفيك.............. ........ 87.............. الفصل الثالث: ري اإلسرتاتيجي الصيﲏ.. معارضة قوية اهلندوابسيفيك يف التفك ورهاانت حساسة... 100............ ني ﲡاه اهلندوابسيفيك.. من الصمت اﳊذر إﱃ املعارضة الصاخبة ...... املبحث اﻷول: موقف الص 103 املبحث الثاﱐ: الرهاانت والتحدايت الرئيسية للصني ﰲ نطاق اهلندوابسيفيك .......... 109............ الفصل الرابع: الرتتيبات االقتصادية واألمنية لدول الرابعي اإلسرتاتيجي يف اهلندوابسيفيك.................... 142 املبحث اﻷول: الرتتيبات االقتصادية والتجارية.. تعزيز شبكة املصاحل واالعتماد املتبادل ............ . 144

3

أو : ال اهلندوابسيفيك اﳊرة واملفتوحة.. قاطرة التعاون ﰲ ا ة. ملنطق ....... 144........................... : اثنيا إطار العمل االقتصادي للهندوابسيفيك من أجل االزدهار...... ........... . 157............... : اثلثا مبادرات ومشاريع أخرى........... .... ................................ 162................ املبحث الثاين: الرتتيبات األمنية والعسكرية.. متطلبات البيئة املضطربة ............. 172........... أو : ال منتدى اﳊوار اﻷمﲏ الرابعي (Quad) .. هل يؤسس لناتو آسيوي؟ .............. 173........ : اثنيا اتفاق أوكوس الثالثي.. أسرتاليا ﳓو الواجهة........... .......... 185........................ الفصل اﳋامس: إلسرتاتيجي يف اهلندوابسيفيك اب ........ االستجاابت الصينية إلسرتاتيجية وترتيبات دول الر عي ا 203 املبحث اﻷول: استجاابت اقتصادية.. الثروة ﰲ خدمة التطلعات اإلسرتاتيجية... ......... 205......... املبحث الثاﱐ: استجاابت عسكرية.. االستعداد لألسوأ............................... 228.......... املبحث الثالث: استجاابت دبلوماسية.. ﲢركات على أصعدة متعددة........... ........ 250......... الفصل السادس: املستقبل إبجياز.. اهلندوابسيفيك بني اﲡاهات التعاون والصراع.... 269........... املبحث اﻷول: السيناريو الصراعي............. ........ 271....................................... املبحث الثاﱐ: السيناريو التعاوﱐ...................... ....... 274................................ املبحث الثالث: املتغريات الداخلية واﳋارجية املؤثرة ﰲ مستقبل املنطقة... .......... 277............... اﳋامتة.................... ...... 281........................................................... املراجع.................... ..... ........... ................ 287...............................

4

مقدمـــة

ليست خريطة العامل وما ﲢويه من قارات ومناطق برية وﲝريةبذلك القدر من البساطة والوضوح الذي تبدو عليه، ف معاملها وتضاريسها ليست فقط نتاجا لقوى الطبيعة الﱵ اجتهد ت ﳊقب كثرية ﰲ ﳓتها وقولبتها حﱴ بدت على ما هي عليه، بل اﲣذت أبعادا وقراءات أخرى عندما تدخل اإل نسان ﰲ ﲢويرها وفهمها مبا يتناسب و أهدافه ومصاﳊه، فكانت النتيحة أن وض ع عمل الطبيعة جانبا، وبدأت إدراكات الناس وتوجهاهتم ﰲ صياغة اﳋريطة تضفي عليها هت تصورا م وإﳛاءا م، ا ي مب هت تعدى الدالالت الطبيعية اﳉامدة، فاﳋريطة ﰲ أيدي أصحاب املصاحل من اﳋرباء واﳉيوبوليتيكيني واإلسرتاتيجيني وصناع القرار، تنتقل إﱃ مستوى أعلى من الديناميكية و التعقيد والتوجيه اﻷ ا مم يديولوجي واملصلحي، ملتخي لة، يسهم ﰲ عمليات ﲣيل وإعادة ﲣيل اﳋرائط اﳉغرافية، ومنحها صفة الذهنية وا الﱵ من تدر الهلا خ ك تلك اﳋرائط بشكل ﳐتلف عن هيئتها الطبيعية اﻷوﱃ، فتنتشر على اﳋريطة الواحدة توصيفات ﳐتلفة ملناطق وفضاءات متعددة، ووراء كل منها تقف رغبة ﰲ ﲢقيق هد ف ما، أو منع خصم أو عدو من ﲢصيل منفعة معينة، لتتحول اﳋريطة إﱃ رقعة شطرنج يتنافس عليها العبون كثر لكل منهم امل توجهاهت ا مم تباينة، يضفى عليها طابع الكينونة اﳊية بعد أن كانت من قبل منتوجا جامدا ذا صبغة طبيعية ﲝتة، وقد تولدت عن كل ذلك مفاهيم وتوصيفات وتسميات جديدة، عكست كل رتاتيجية منها طموحات وتطلعات إس متضاربة، بقدر ما تتباين طموحات وتطلعات كل طرف وﲣيله ل إل تلك الفضاءات اﳉغرافية، وسعيه عادة تشكيلها ورمسها وقراءهتا وفق ا ملصاﳊه ومصاحل حلفائه، الﱵ تتعارض مع مصاحل خصومه وأعدائه. إل إن املفاهيم اﳉيوبوليتيكية الﱵ تزخر هبا ﳐتلف الكتاابت السياسية وا رتاتيجية، تنحدر س من تلك العمليات املعقدة لتخيل الفضاءات اﳉغرافية و ابتكار هل مسميات ا، يصعد ﳒم بعضها لفرتة من الزمن مث ﳜفت ويرتاجع بعدها، ليفسح اجملال لتوصيفات أخرى تتناسب مع التحوالت اﳉديدة،

5

ومع طبيعة تصورات القوى املتعاملة مع اﳋريطة، ومستوى قوهتا وقدرهتا على تغيري الدالالت اﳉ يوبوليتيكية ل بعض ا ملناطق املتنافس عليها، وال مبالغة إن قلنا إ ن تتبع تطور عملية ﲣيل وتشكيل اﳋرائط العاملية، يعطينا فكرة عن توزيع القوة ونوعية الفاعل املهيمن ﰲ فرتة زمنية ما، و يوضح لنا كذلك نوعية الصراع اﻷ يديولوجي والفكري السائد ﲞصوص ر قعة معينة من اﳋرائط، فقد كان البحر اﻷبيض املتوسط على سبيل املثال إابن اهليمنة الرومانية يعرف على اﳋرائط ابسم ﲝر الروم، ويصفه الرومان بـ"ﲝران" أتكيدا لسيادهتم وسيطرهتم عليه، مث اختفت هذه التسمية مبجرد ضعف اإلمرباطورية الرومانية وزواهلا وانتهاء هيمنتها عليه، وكانت العالقات الدولية توصف ابﻷطلسية ﰲ الفرتة الﱵ كانت فيها القوى املتمركزة حول احمليط اﻷطلسي خاصة اﻷمريكية واﻷوروبية، مل ال هي اهيمنة ﰲ الع قات الدولية، وكانت خطوط التجارة واملواصالت البحرية اﻷ كثر اكتظاظا هي تلك الﱵ ﲣرق عباب هذا احمليط، ولكن قبل عقود قليلة بدأ توصيف جديد للعالقات الدولية أبهنا ابسيفيكية، أي نسبة إﱃ الباسيفيك أ و احمليط اهلادي، بعد أن تغري مركز القوة واﳉاذبية االقتصادية والتجارية واإلسرتاتيجية من هلادي، اﻷطلسي ﳓو ا كما شهد القاموس اﳉيوبوليتيكي تداول عدد من املفاهيم املرتبطة بتطوير رؤى ذهنية ملناطق من العامل أصبحت تعرف فيما بعد ابﳋرائط الذهنية، مثل الشرق اﻷوسط، وآسيا الباسيفيك أو آسيا احمليط اهلادي، وأورواسيا، و اﻷركتو- ابسيفيك الذي يتعلق ابلربط بني احمليط اهلادي واحمليط املت جمد الشماﱄ، واﻷهم من كل ذلك هو مفهوم "منطقة اهلندوابسيفيك" أو "منطقة هل ا ندي-ا ادي"، هل ﻷنه اجملال ا لتفاعلي اﻷ كثر أتثريا ﰲ مسار ومستقبل العالقات الدولية حاليا، وﻷنه انحية أخرى. موضوع وﳏور كتابنا هذا من يعكس مفهوماهلندوابسيفيك بشكل كبري كل ما أوردانه سابقا من تدخل بشري ﰲ توجيه اﳋرائط الطبيعية، والسعي إلعادة تشكيلها وﲣيلها وتص ميمها، ودور القوة واإلدراكات اإلسرتاتيجية واﳉوانب املعرفية ﰲ حل خلق فضاءات جيوبوليتيكية جديدة، واستحداث مناطق تنافس ونفوذ ومصا دولية، رمبا تتحول إﱃ ساحات حرب، إذا فشلت الرتتيبات اإلقليمية ﰲ التحكم ﰲ ﳎرايت الصراع الدائر هناك، وإحالل اﻷمناط التعاونية ﰲ ذلك الفضاء بشكل أقوى وأ ريا هتا الصراعي كرب من نظ ة.

6

يربز ا هلندوابسيفيك اليوم ﰲ الواثئق اإلسرتاتيجية واﳋطاابت السياسية والكتاابت اﻷكادميية بكثافة، وينافس بشدة مفهوم آسيا الباسيفيك الذي كان مهيمنا وسائدا ﰲ فرتة سابقة، م مل اﳉيواسرتاتيجي بني قوى مؤيدة هلذا املفهوم و وهو شاهد على انقسام العا تبنية له، وعلى رأسها ال ال و ايت املتحدة اﻷمريكية والياابن واهلند وأسرتاليا، و تشمل هذه ال ال قوى دو متوسطة مثل كوراي اﳉنوبية وإندونيسيا ودول اآلسيان عموما، و دوال رية ضعيفة وصغ كبعض الدول اﳉزرية ﰲ احمليط اهلادي مثل مملكة تونغا،ﰲ حين تقف الصني على رأس القوى الكربى املعارضة هلذا املفهوم واملتمسكة مقابل ذلك مبفهوم آسيا الباسيفيك، ﻷهنا ترى ﰲ املفهوم املستحدث هتميشا هلا ولدورها، ومتكينا لقوى من خارج املنطقة مثل الوالايت املتحدة اﻷمريكية واهلند، وتعبريا عن نزعة توسعية إمربايلية جديدة ﲢت غطاء مفهوم تصفه نه أب مصطنع و غري بريء. أمهية املوضوع: تنبع أمهية هذا العمل من أمهية النطاق التفاعلي اإلسرتاتيجي الذي يتناوله أ ابلدراسة والتحليل، أال وهو منطقة اهلندوابسيفيك و منطقة ا - هلندي اهلادي، فهذا ال فضاء اﳉيوبوليتيكي الذي يعترب مستحداث من حيث توظيفه ﰲ السياق اﳉيوسياسي، مرشح ﻷن يكون موطن التطور ات والتحوالت الدولية اﻷكثر أ مهية وحسما ﰲ ﲢديد مستقبل النظام الدوﱄ والعالقات الدولية ﳛ ملا اب عموما، لنظر ويه من قوى ورهاان ت وقضااي وﲢدايت وفرص، فهو نطاق للتفاعالت الدولية الصراعية منها والتعاونية ، سواء على مستوى العالقات بني الوالايت املتحدة اﻷمريكية ابن واهلند وأسرتاليا وحلفائها هناك، وعلى رأسهم اليا (دول الرابعي اإلسرتاتيجي) ، ودول أخرى مثل آلسيان والدول اﳉزرية ﰲ كوراي اﳉنوبية ودول ا احمليط اهلادي، أو على مستوى العالقات بني الوالايت املتحدة وحلفائها من جهة، والقوى املنافسة هلا ﰲ املنطقة وعلى رأسها ا لصني بدرجة أوﱃ، مث كوراي الشمالية وروسيا بدرجة اثنية من جهة أخرى. كما أ اهل ن تتبع وفهم حركية التفاعالت ﰲ منطقة ندوابسيفيك، الﱵ تعد مركز اﳉذب االقتصادي والتجاري واإلسرتاتيجي حاليا، مفتاح لفهم واقع ومستقبل العالقات الدولية املعاصرة، فهناك ترتكز أهم القوى العاملية وأكثرها أتثريا، مثل الوالايت املتحدة اﻷمريكية والصني وروسيا واهلند

7

وغريها، كما أن ﳐرجات الصراع بني تلك القوى ﰲ ذلك الفضاء املمتد عرب احمليطني اهلندي واهلادي -وهو اﻷهم عامليا ح اليا من حيث التبادالت التجارية و التأثريات اإل جمل سرتاتيجية-تفسح ا ال لفهم ال معامل التغيري ﰲ مراكز القوى والتأثري الدولية مستقب ، وتسمح باستجالء رب إشكاليات أك ، تتعلق ابالنقسام الكبري واملتجدد للعامل بني شرق وغرب، اﻷول تقوده الصني وروسيا، والثاﱐ تتزعمه ملتحدة اﻷمريكية وحلفا الاي ؤها الغربي الو ت ا و ن، و القوى ذات امليول القيمية الغربية، وإن كانت تقع ﰲ نطاق الشرق اﳉغراﰲ مثل أسرتاليا ونيوزيلندا. األهداف: يندرج وراء أتليف هذا العمل اﻷكادميي عدد من اﻷهداف واﻷغراض املتعلقة ابﳉانب املعرﰲ والعلمي، ومسايرة التطورات اإلسرتاتيجية اﳊاصلة ﰲ عامل اليوم، وميكن تلخيص أهم تلك اﻷهداف فيما يلي: - التعريف مبفهوم اهلندوابسيفيك، ورصد أطوار وخلفيات صعوده وبروزه، وكيفية ارتباطه مبا يعرف ابلفضاءات املتخيلة أو اﳋرائط الذهنية، الﱵ تلعب دورا حامسا وهاما ﰲ فهم تطورات عاملنا املعاصر. - تتب ع التطورات اإلسرتاتيجية الﱵ تشهدها منطقة اهلندوابسيفيك، ﲝسباهنا مركز التحوالت الﱵ يتوقع أن تكون اﻷكثر أتثريا ﰲ الواقع الدوﱄ ومستقبل العالقات الدولية، أمنيا وعسكراي وإسرتاتيجيا و اقتصاداي. - إلسرتاتيجي بني منظور كل من القوى معرفة منطلقات وأسس التباين ا املؤيدة هلذا املفهوم، وعلى رأسها ما يعرف بدول الرابعي اإلسرتاتيجي (الوالايت املتحدة اﻷمريكية والياابن وأسرتاليا واهلند)، والقوى املعارضة له وﰲ مقدمتها الصني، وﳎرايت إدارة الصراع القائم بني اﳉانبني هناك، عرب آليات واستجاابت ﳐتلفة منها اﻷمنية واالقتصا دية. - سدّ ثغرة ﰲ الدراسات اإلسرتاتيجية العربية ﰲ هذا اجملال، الﱵ مازالت ﲢتاج إﱃ ﲝوث وكتاابت أكثر ﲣصصا وت عمقا ﰲ معاﳉة هذه التطورات، وخصوصا ﰲ منطقة اهلندوابسيفيك الﱵ متتد

8

جغرافيا وجيوبوليتيكي ا وجيواقتصاداي إﱃ املنطقة العربية وال سيما منطقة اﳋ ليج العريب، والدول العربية حمليط اهلندي. اﻷخرى املطلة على ا اإلشكالية البحثية: ال ميكن أن مير ابتكار مفهوم مثل اهلندوابسيفيك، دون أن يثري ضجة أكادميية وجيوبوليتيكية وحﱴ إعالمية، أو يثري قلق وتوجس وﳐاوف قوى معينة ترى فيه مدخال لتحقيق مصاحل قوى منافسة و هلا، ال سيما أنه قد استحدث لتوصيف وﲢليل منطقة حيوية ﰲ عاملنا املعاصر، و هنالك إمجاع على كوهنا حاليا املركز االقتصادي والتجاري للعامل، وﲢتوي على أهم طرق وخطوط املواصالت البحرية، وتتقامسها أكرب القوى العاملية سواء عسكراي أو اقتصاد أ اي وتكنولوجيا. ومع حالة االستقطاب الﱵ بدأت تشهدها املنطقة، وخاصة بعد تبﲏ ا لوالايت املتحدة اﻷمريكية الرمسي للمفهوم، وصياغتها إلسرتاتيجيتها اﳋاصة اب كسب هلندوابسيفيك، و ها لعدد من القوى املؤثرة ﰲ املنطقة إﱃ جانبها، ونقصد بذلك الياابن واهلند وأسرتاليا، و مجعها معا ﰲ إطار منتدى اﳊوار اﻷمﲏ الرابعي، ومبادرات اقتصادية وﲡارية متعددة، ارتفع منسوب القلق لدى القادة واإلسرتاتيجيني الصينيني، الذين يرون ﰲ التطور اﳊاصل على أبواب الرب الرئيسي الصيﲏ، وتبﲏ اهلندوابسيفيك مفهو م ا وإسرتاتيجية، خطوة موجهة ضدهم ابﻷساس، وانعكاسا لسعي حثيث ﳓو احتواء بكني وإضعافها، وتقييد طموحاهتا العاملية واإلقليمية، الﱵ انتقلت ﳓو آفاق أرحب وأكثر عملية، و ال سيما منذ البدء ﰲ تنفيذ مشروع اﳊزام والطريق على أرض الواقع، فإﱃ أي مدى ميكن أن يؤثر استحداث وتبﲏ اهلندو ابسيفيك مفهوما ّي افي رت سرد وتوجها إس اتيجي األمن واالستقرار ومناحي الصراع يف املنطقة خصوصا و العالقات الدولية عموما، و ال سيما يف ظل االستقطاب اﳊاد يف املنطقة بني القوى املتبنية للمفهوم رتاتيجي من جهة وعلى رأسها دول الرابعي اإلس ، من ملعارضة له والقوى ا جهة أخرى ويف مقدمتها القوة الصينية؟ مل اإلطار انهجي: يكتنف دراسة مثل هذا النوع من املواضيع التعقيد والتشابك بني عوامل ال ومتغريات عديدة مؤثرة ﰲ ﳎرى وسري اﻷحداث والتحو ت، وذلك ﻷ هنا دراسات قائمة على ﲢليل قضااي مستحدثة وتطورات آنية، وهلا قدر كبري من الديناميكية واﳊركية العملية والتحليلية الﱵ تؤثر ﰲ

9

االﲡاهات املستقبلية لألحداث، ولذلك ﳛتاج ﲢليل تفاعالت منطقة متشعبة مثل اهلندوابسيفيك، إﱃ توظيف مقارابت ﲢليلية ومناهج وأدوات أو تقنيات متنوعة تتناسب وتنوع القوى والعوامل املؤثرة، واإلسرتاتيجيات والسياسات املتبعة، لذلك يـب ملنهجي هلذا العمل على إل ما يلي: ﲎ ا طار ا - املقاربة الواقعية: وهي ضرورية لدراسة وتتبع سياسات املصلحة والقوة السائدة ﰲ منطقة ابسيفيك، و ذلك ﻷ اهلندو ن منطلق تطوير وصياغة هذا املفهوم، واستحداث هذا الفضاء اﳉيوبوليتيكي اﳉديد، يتم ربطه مرارا وبشكل أساسي لدى الكثريين، ابلصراع ﰲ املنطقة بني دول الرابعي ا إلسرتاتيجي (الوالايت املتحدة اﻷ مريكية والياابن واهلند وأسرتاليا) والقوة الصينية الصاعدة، الﱵ طورت قدرات وإ مكاانت اق تصادية وتكنولوجية وعسكرية هائلة، وقلق الطرف اﻷول من صعودها، والسعي إلحداث توازن إسرتاتيجي معها مث إعاقة تقدمه ا أكثر، ، ومن ومعارضة الطرف الثاﱐ لسياسات احتوائه وإضعافه من جانب الطرف اﻷول، وﲣطيط بكني هلندسة وبناء نظام أمن ﰲ املنطقة ﳜدم مصاﳊها، و نع وجو مي د أي قوة أو قوى من خ ال ارج آسيا ﰲ ذلك النطاق التفاعلي، و سيما أن املنطقة تعج ابلقضااي النزاعي ة واﳋالفية اﳋطرية، الﱵ ميكن أ ن تكون منطلقا لتأجيج الصراعات وزعزعة االستقرار. - املقاربة الليربالية: تفيد هذه املقاربة ﰲ ﲢليل وتسليط الضوء على دور ومكانة العوامل االقتصادية ﰲ أمناط التعاون والصراع ﰲ املنطقة، وكشف النقاب عن البعد اﳉيواقتصادي للهندوابسيفيك، مبا أن امل نطقة هي موطن القوى االقتصادية والتجارية اﻷ أتثريا عامليا، ومقر طرق كثر العامل وخطوط مواصالت التجارة والشحن البحرية اﻷكثر اكتظاظاﰲ ، و وجود املبادرات واملشاريع االقتصادية ﰲ صلب إسرتاتيجية اهلندوابسيفيك الﱵ تتبعها الوالايت املتحدة اﻷمريكية وحلفاؤها هناك، ﰲ مواجهة القوة واملبادرات االقتصادية العمالقة واﳊيوية للصني، وتشابك التفاعالت بني اقتصادات املنطقة، وكثافة عوامل االعتماد املبتادل بينها، واعتماد مستقبل االقتصاد العاملي على االستقرار واالزدهار ﰲ هذا اﳉزء اﳊيوي من العامل.

10

- املقاربة البنائية: ليس اهلندوابسيفيك ﳎرد فضاء جغراﰲ أو جيوبوليتيكي أو اقتصادي فقط، بل إن لديه أيضا بعدا بنائيا بوصفه ال هيك اجتماعيا وقيميا ومعيار وثقافيا، اي وهذا اﳉانب من تشكيل الت التحالف وهندسة املنطقة ال ميكن إغفاله، نظرا لدور القيم واملعايري السائدة ﰲ تفسري حا (التعاون) أو العداء (الصراع) داخل هذا الفضاء، مثل قيم الدميقراطية واﳊرية واالنفتاح الﱵ ريها، وغ ابعي اإلسرتاتيجي من أهم مربرات تعاوهنا وﲢالفها، ﲡعلها دول الر و تتهم الصني مبعاداة هذه القيم وبتبﲏ معايري ﳐالفة هلا، وهو ما يفسر قسما من التنافر املوجود بني الطرفني، واملقاربة البنائية هي اﻷقدر على كشف هذا اﳊيز املعياري من تفاعالت اهلندوابسيفيك. - منهج ﲢليل النظم: تتأثر عالقات القوى املعنية بتفاعالت اهلن دوابسيفيك، إبسرتاتيجيات وسياسات تتم على ث ة الث مستوايت رئيسية، ف منها ما هو ذو صلة ابﻷهداف واملصاحل املتبلورة داخل كل دولة أي املستوى الداخلي، وخاصة تلك املؤثرة ﰲ املنطقة، الﱵ متتلك قدرا من التأثري والنفوذ يكفي ل توجيه مسار التفاعالت، ومنها ما يتعلق ابلتطورات والرهاانت اإلقليمية أي املستوى اإلقليمي ، ومنها كذلك ما يتصل ابلتحوالت على مستوى النظام الدوﱄ كله، ومنهج ﲢليل النظم هو اﻷنسب ملواكبة وتتبع هذه الديناميكية ﰲ التحليل، ة ملستوايت الثالث وﰲ االنتقال بني ا الداخلية إلقليمية والدولية ، لتميزه ﲝركي وا ته ومبرونة استيعابه للتفاعالت ذات الطبيعة واملستوايت املتعددة، كما أنه يتسع ليدرس الرتتيبات املؤسسية املختلفة اﻷمنية واالقتصادية، الﱵ تتبناه ا دول املنطقة لتحقيق أهدافها وأجنداهتا، سواء كانت تر تيبات دول الرابعي اإلسرتاتيجي، أ ها رتتيبات املضادة الﱵ تنتهج و ال الص ني. - تقنية ﲢليل املضمون ( Content Analysis ) : ، ملضمون يتم االعتماد كذلك على تقنية ﲢليل ا ملا هلا من دور ﰲ ﲢليل ﳐتلف التقارير واﳋطاابت والبياانت وحﱴ اﻷرقام واإلحصاءات وبقية اﻷشكال التوضيحية املختلفة، الﱵ تسهم ﰲ ﲢليل أعمق، وفهم أكرب إ الستناد لألدوات الﱵ يتم ا ليها ﰲ فهم التطورات اإلسرتاتيجية ﰲ املنطقة ومآالهتا ، وﲢديد التوجهات اإلسرتاتيجية واالقتصادية ابسيفيك. والقيمية ملختلف اﻷطراف املؤثرة ﰲ تفاعالت اهلندو

11

تقسيم ﳏتوى الكتاب: ينبﲏ التصور املنهجي لسرد وتوظيف التحلي هذا الكتاب، على االنطالق بداية من جانب املفاهيم واﳋلفيات املتعلقة بربوز وصعود اهلندوابسيفيك، وصوال إﱃ إلقاء نظرة موجزة على املستقبل، وعلى التوقعات بشأن مسار اﲡاهات الصراع والتعاون ﰲ املنط قة، وبني هذا وذاك، البد من املرور بعناصر ﲢليلية متعلقة بتطور مفهوم وإسرتاتيجية مل اهلندوابسيفيك لدى القوى الرئيسية اﻷربع ا تبنية هلذا املفهوم (الوالايت املتحدة اﻷمريكية ﰲ الت واملعلومات الواردة والياابن واهلند وأسرتاليا) ، وموقف الصني من هذا التطور اﳊاصل من ﳐتلف اﳉوانب، وترتيبات وسياسات دول ال رابعي اإلسرتاتيجي لتنفيذ أهد افها وﳐططاهتا ﰲ املنطقة، وصوال إﱃ استجاابت الصني املختلفة لتلك الرتتيبات وال سياسات املتبعة من طرف خصومها اإل سرتاتيجيني ﰲ املنطقة، وعليه يتم تنفيذ هذا التصور عرب ستة عناصر ﲢليلية رئيسية (تتخللها بعض العناصر الفرعية)، وهي: أو - ال تتبّ ع جذور مفهوم اهلندوابسيفيك وتطور هذا املصطلح، وخلفياته اﳉغرافية واﳉيوبوليتيكية، ودور سياسات ومصاحل القوى الكربى ﰲ استحداثه، واﳉدل املعرﰲ الذي أاثره هذا املفهوم، عرب ﲢليل معم ق ملختلف اإلشكاالت املرتبطة به ، ومبا يعرف ابلفضاءات ا ملتخيلة أو اﳋ رائط ال ذهنية عموما. - اثنيا دراسة مسار تطور عملية تبﲏ ما يعرف بدول الرابعي اإلسرتاتيجي أي الوالايت املتحدة اﻷمريكية واهلند والياابن وأسرتاليا ملفهوم اهلندوابس يفيك، وا الال لد ت الﱵ اﲣذها هذا املفهوم ﰲ كل دولة، والعوامل والظروف الﱵ كانت وراء تطوره وتبنيه هناك ملفهوم ﰲ كل منها، ، وخصوصيات هذا ا رغم ما بينها من اتفاق عام حول مبادئ وأسس مشرتكة. - اثلثا الوقوف على املوقف الصيﲏ املعارض هلذا املفهوم، واﻷسباب واملرب رات الﱵ تقف وراء ذلك املوقف الرافض له ، وأهم الرهاانت اإلسرتاتيجية الﱵ هتم الصني ﰲ منطقة اهلندوابسيفيك، مثل قضااي اتيوان، وﲝري الصني اﳉنويب والشرقي، ومأزق مضيق ملقا، ومح اية ممرات املالحة ال بحرية ﰲ احمليطني اهلندي واهلادي وغريها.

12

رابعا- تتبّ ع أهم الرتتيبات اﻷمنية واالقتصادية الﱵ تبنتها دول الرابعي اإلسرتاتيجي لتشكيل هتا، مثل منتدى اﳊوار اﻷمﲏ الرابعي (الكواد املنطقة وفقا ملصاﳊها وتصورا ) ، واتفاق أوكوس الثالثي، و امل التدريبات واملناورات العسكرية الثنائية و تعددة اﻷطراف، و املبادرات االقتصادية مثل اهلندوابسيفيك اﳊرة واملفتوحة، وإطار العمل االقتصادي للهندوابسيفيك من أجل االزدهار، ومبادرات أخرى متفرقة تتبناها القوى الرئيسية ﰲ املنطقة. خامسا- رصد االستجاابت الصينية إلسرتاتيجية اهلندوابسيفيك وما تفرضه عليها من ﲢدايت، وسعي الصني ملواجهتها عرب آلي ات اقتصادية مثل مبادرة اﳊزام والطريق، وإقامة مناطق ﲡارة حرة، وأتسيس مؤسساهتا املالية اﳋاصة وغريها، واستجاابت عسكرية عرب تطوير قدراهتا العسكرية خاصة البحرية منها، وعرب اآللية الدبلوماسية الﱵ تعمل على الرتويج لتصوراهتا للمنطقة وللنظام الدوﱄ رب كله، وت ز سلبيات إسرتاتيجية اهلندوابسي فيك املستحدثة، وأهم القوى والتنظيمات الﱵ تستند إليها ﰲ موازنة ومواجهة مصادر التهديد املختلفة. سادسا- إلقاء نظرة على مستقبل اهلندوابسيفيك، وأهم السيناريوهات الﱵ ﲢكم تطور املنطقة واﲡاهها ﳓو التعاون أو ﳓو الصراع، والتحدايت الرئيسية الﱵ تواجه هذا املفهوم والدول املتبنية له، الﱵ ميكن أ ن تؤثر سلبا في استمرار سياساهتا هناك، ومدى إمكانية ﳒاحها ﰲ ﲢقيق أهدافها.

13

الفصل األول

وقت إعادة تخيل الخريطة.. مفهوم وخلفيات صعود الهندوباسيفيك

14

رمبا ال تكون هنالك توطئة ومنطلق أكثر مالءمة وعمقا ملناقشة العملية املعقدة لصياغة مفهوم للهندوابسيفيك وتعريفه،و الوقوف على خلفيات ودوافع صعوده وتبنيه، من مقولة الربوفيسور اﻷسرتاﱄ "روري ميدكالف" (Rory Medcalf) ، الدبلوماسي السابق، واحمللل ﰲ مكتب التقييم الوطﲏ، و مدير كلية اﻷمن القومي ﰲ اﳉامعة الوطنية اﻷسرتالية، والباحث املؤثر ﰲ تشكيل إطار عمل حول اهلندوابسيفيك ﰲ الدوائر " أبسرتاليا: اﻷكادميية واﳊكومية لقد حان الوقت إلعادة ﲣيل اﳋريطة آلسيا، اإلسرتاتيجية بعد أن عفا الزمان على مفهوم آسيا الباسيفيك، وصعود مفهوم اهلندوابسيفيك بدال عنه، هو ال ميثل ﳎرد تغيري مللصقات وتسميات على اﳋريطة، بل وهو ما تطور له انعكاساته الفعلية على واقع اﻷ من الدوﱄ واالستقرار" ( 1 ) . ذلك ﻷ ن اهلندوابسيفيك يندرج ضمن املفاهيم اﳉغرافية املتخيلة ذات اﻷبعاد اﳉيوبوليتيكية ابﻷساس، إضافة إﱃ معطيات وعناصر أخرى، ويربز مكمن الصعوبة ﰲ تعريف مثل هذا النوع من املفاهيم، ﰲ كونه معقدا من حيث تركيبته وكيفية إدراكه، ﻷنه ي ال رتبط فقط ﲝدود ومكوانت ملية، املنتشرة ﰲ أي وتضاريس اﳋريطة اﳉغرافية العا كتاب عادي للجغرافيا، أو على أي ﳎسم للكرة اﻷرضية، بل تتحكم فيه عوامل تتجاوز متطلبات اﳉغرافيا الطبيعية، وتتداخل فيه، فضال عن ذلك عنا صر جيوبوليتيكية، وجيواقتصادية، وجيوثقافية أو حضارية، ومصاحل إسرتاتيجية متضاربة. ﰲ مثل هذه اﳊاالت، يكون فهم وإدراك ا - إلنسان - رباء أو صناع القرار املتمثل هنا ﰲ اﳋ ملنطقة جغرافية ﳏددة، ولكيفية توظيفها ﳋدمة مصاحل معينة أو تقويض مصاحل مضادة، هو الفيصل ﰲ منح منطقة ما على رقعة اﳋريطة توصيفا وتعريفا وحدودا وأدوارا معينة، تتعدى طبيعة اﳉغرافيا الثابتة والساكنة، لتدخل ﰲ الدائرة الديناميكية للجيوبوليتيك واملصاحل والتسييس والصراع بني اﻷمم، لنكون أمام عمليات "تشكيل" (Formation) ، و"تصميم" (Design) ، و"ﲣيل" (Imaginin) ﳋرائط

1- Rory Medcalf, China and the Indo-Pacific : Multipolarity, Solidarity and Strategic Patience, Paper delivered for Grands enjeux stratégiques contemporains – Chaire en Sorbonne Université Paris 1 Panthéon-Sorbonne, (March 12, 2018). p. 1.

15

مناطق معينة من العامل، مبا بتناسب مع أهداف وغاايت القوى القائمة على عملية إعادة قراءة وﲣيل اﳋريطة اﳉغرافية.

16

املبحث األول:

طبيعة وتطور مفهوم الهندوباسيفيك.. منطلقات معرفية وجينالوجية

من العمليات الصعب ة جغرافيا وجيوسياسيا، عملية التحديد الدقيق المتداد وﳎال مناطق معينة من اﳋريطة العاملية، خصوصا إذا كانت تلك املناطق تصنف ضمن ما يعرف جغرافيا بـ"الفضاءات املتخيلة" (Imagined Spaces) أو "اﳋرائط الذهنية" (Mental Maps) ، فمن الناحية العملية ميكنفهم اﳋريطة اﳉ غرافية للعامل بثالث طرق ﳐتلفة ( 1 ) : األوﱃ: تعطي معﲎ للعامل عرب معامله اﳉغرافية، مثل اﻷراضي، والبحار، واهلضاب، وشبه اﳉزر، والبحار، واحمليطات. الثانية: يتم فيها إدراك العامل ﲝسب حدوده السياسية من قارات، ودول، وجزر، وﲝار إقليمية، وجرف قارية، ومناطق اقتصادية حصرية. الثالثة: يتم فيها إدراك و فهم اﳋريطة عرب ﲣيل فضاء يتعدى املذكورين أعاله، وبتعبري أبسط خريطة ذهنيةمقتطعة من الفضاء اﳉغراﰲ، لتكون مبثابة فضاء ﲣيلي (Imaginative Space) ، و"اهلندوابسيفيك " هو إحدى هذه اﳋرائط الذهنية، الﱵ انلت اهتماما كبريا ﰲ وقتنا اﳊاﱄ، ومثل أي "فضاء متخيل"، هنالك عدم اتفاق حول ما مييز هذا الفضاء ومن يتخيله.

1- Udayan Das, What is The Indo-Pacific, From The Diplomat site, July 13, 2019. At : https://thediplomat.com/2019/07/what-is-the-indo-pacific/, accessed October 22, 2020.

17

وقد أكد كل من "ويلكينس" (Wilkins) و"كيم" (Kim) ، ﰲ معرض ﳏاولتهما لتعريف اهلندوابسيفيك على هذا "الطابع املتخيل" للمفهوم، بقوهلما: "ميكن اليوم فهم اهلندوابسيفيك أبنه تشكيل ﳋريطة ذهنية جديدة، عرب عوامل دافعة سياسية وأ يديولوجية ، للوصول إﱃ رؤية مشرتكة حول نظام أمن إقليمي" ( 1 ) . وتتضح هنا العالقة بني اﳉ غرافيا وتشكيل الفضاءات املتخيلة ذات الطبيعية السياسية واإلسرتاتيجية، حيث إ اثبتة أبي ن الصلة حال بني البﲎ واجملاالت اﳉيوبوليتيكية واﳉيوسرتاتيجية والفضاءات اﳉغرافية، فهي تتطور مبرور الزمن ابملوازاة مع التغري ﰲ اإلسرتاتيجيات اﳉيوبوليتيكية لدى الفواعل املعنية، وأيضا مع التحوالت ﰲ توزيع القوة إقليميا وعامليا ( 2 ) ، وكما يقول "جريارد تووال" ) (Gerard Toal ، ﰲ كتابه "اﳉيوبوليتيك النقدي: سياسة كتابة الفضاء العاملي" (Critical ) Of Writing Global Space Geopolitics: ThePolitics : "تتعلق اﳉغرافيا ابلقوة، ورغم أنه غالبا ما يـُفرتَض أهنا بريئة، ف إن جغرافية العامل ليست من نتاج الطبيعة، بل هي نتاج اتريخ من الصراعات بني القوى املتنافسة حول القوة، لتنظيم واحتالل وإدارة فضاء جغراﰲ"، ( 3 ) لذلك تتجه املناطق واﻷقاليم حاليا، إﱃ أن ات تكون أقل ثبا وسكوان ، فاﳉغرافيا أصبحت ابﻷساس أكثر تصورية (More Conceptually) ، (أي أهنا ﲣضع ملنطلق التخيل والتصميم من طرف خرباء اﳉيوبوليتيك وصناع القرار، أكثر من ركوهنا ملنطق

1- Gabriele Abbondanza, Whither the Indo-Pacific? Middle power strategies from Australia, South Korea and Indonesia, International Affairs Vol 98,N° 2, (2022). p. 407. 2- Gamini Keerawella, Repositioning South Asia in the Indo-Pacific Region: Changing Geo- politics and Geo-strategies, In:Security and economic challenges in the Indo- Pacific,(Kathmandu, Nepal, Consortium of South Asian Think Tanks and Political Dialogue Asia Programme, Konrad Adenauer Stiftung,2020). p. 62. 3- Alexey V. Kupriyanov, Constructing The Arcto-Pacif,Russia in global affairs, December 24, 2020. https://eng.globalaffairs.ru/articles/constructing-arcto-pacific/. Accessed January 15, 2023.

18

الطبيعة والتضاريس)، فاﳉيوبوليتيك الكالسيكي ("املوقع" كتموضع فيزايئي ﰲ املنطقة)، ي تقاطع مع اﳉيوبوليتيك النقدي ("املوقع" كأهداف إدراكية، وﳐاوف، وتطلعات) ( 1 ) . وتزداد الصعوابت املتعلقة بتحديد وتعريف املفاهيم اﳋاصة ابلفضاءات املتخيلة واﳋرائط الذهنية، إذا علمنا أن هنالك ارتباطا بني املفاهيم املعرفية والسياسات العملية، وكيف أن املفاهيم ليست بريئة أو ﳏايدة، كما أهنا مشحونة بعوامل ﲡعل من النجاح ﰲ فرضها معرفي ا، خطوة ﳓو ﲢقيق اهليمنة واملصاحل ﰲ الواقع العملي، وقد قارب ذلك الباحث الكبري ﰲ الدراسات اﻷمنية "ابري بوزان" ( Barry Buzan ) ولو من خالل مفهوم اﻷمن، غري أنه ميكن إسقاط ذلك على مفاهيم وﳎاالت أخرى مبا فيها موضوع ﲢليلنا هنا. ﰲ كتابه "الناس، الدول وا ﳋوف: مشكلة اﻷمن القومي ﰲ العالقات الدولية" (People, states, and fear: The national security problem in international relations) الصادر عام 1983 ، لفت "بوزان" االنتباه إﱃ هذه القضية اهلامة، من خالل ﲢليله للتجاذابت الﱵ متيز مفهوم اﻷمن، حيث قال: "عندما يتعلق اﻷمر ابﻷمن فليس هنالك صراع بني اﻷمم ( Among Nations ) فحسب، بل بني املفاهيم أيضا (Among Notions) ، فكسب اﳊق ﰲ تعريف اﻷمن ال يوفر فقط إمكانية الوصول إﱃ املصادر، بل اﳊصول أيضا على سلطة لصياغة تعاريف وخطاابت جديدة حول اﻷمن"، ﲣدم مصاحل وأهداف الطر ف القادر على فرض تصوراته ومفاهيمه ( 2 ) . امل هذا املنطلق املتشعب بني عرﰲ و ال عملي، الذي ال يفصل صراع اﻷمم والدول عن صراع املفاهيم واملصطلحات واﻷدوات التحليلية من مناذج ونظرايت تدخل مجيعها ﰲ نطاق ﳏاولة كسب السلطة املعرفية، الﱵ تعد ممهدة ومكملة للسلطة املهيمنة الﱵ تسعى القوى الكربى ﰲ النظام الدوﱄ لكسبها وفرضها على بقية اﻷطرا ف، ميكن سحبه أيضا على التضارب اﳊاصل ﰲ مفاهيم أخرى،

1- David Scott, The Indo- Pacific”— New Regional Formulations and New Maritime Frameworks for US-India Strategic Convergence, Asia-Pacific Review, Vol. 19, No. 2, (2012). p. 87. 2- Ronnie D. Lipschutz (Ed), On security, (New York, Colombia university press, 1998). P.p. 9, 10.

19

إنه إلنسان وغريها، بل ميتد ﳓو التوصيفات اﳉغرافية مل "رؤى ذهنية واﳉيوبوليتيكية الﱵ تعطي ﳋريطة العا ومتخيلة" (Mental and Imagined Visions) ، يعرب كل منها عن تصورا ت قوى معينة ملناطق ﳐتلفة من العامل، خاصة تلك الﱵ تعد موطنا ملصاحل وأهداف إسرتاتيجية حيوية، وميكن أن يدخل ﰲ هذا السياق مثال مفهوم الشرق اﻷوسط، وما يطرحه آلن من حيث منشؤ ه من جدل ﳊد ا ال وتوظيفاته، فض عن توصيفات جغرافية أخرى ال ﲣلو من شحنات سياسية وإسرتا تيجية ومصلحية، على رأسها مفهوم اهلندوابسيفيك ( 1 ) . مثل اإلرهاب والدميقراطية واﳊرية وحقوق ا وبذلك يتضح كما يؤكد "غابرييل أبوندانزا" (Gabriele Abbondanza) ، أن الربط بني املصطلحات املفاهيمية واعتبارات املمارسة السياسية العملية، يكشف التعقيد الذي مييز البيئة اإلسرتاتيجية ﻷي نطاق تفاعلي مبا ﰲ ذلك نط اق اهلندوابسيفيك ( 2 ) ، ﻷن النقاش بشأن كيفية تعريف مناطق معينة، قد يبدو ظاهراي متمحورا حول كلمات وخرائط واتريخ، غري أن تلك الكلمات واﳋرائط والتاريخ ميكنها أن أتخذ قوة وفاعلية مادية، وذلك عندما يتعلق اﻷمر بقرارات وسلوك ومصاحل الدول ﰲ العالقات الدولية، فاﳋرائط ﰲ ذهن صانع الق رار والقادة السياسيني، يكون هلا أتثريها الفعلي والعملي على املسائل الدبلوماسية، واﳉيواقتصادية، واملنافسة اإلسرتاتيجية، واﳊرب والسالم. . ملرحلة، الﱵ فالتاريخ مهم، واﳋرائط مهمة أيضا، خصوصا ﰲ هذه ا تعمل فيها اﻷمم القوية على إعادة كتابة التاريخ، وإعادة رسم اﳋرائط، لتربير سلوكها وسياساهتا اإلسرتاتيجية ( 3 ) . ويدعم "روري ميدكالف" بدوره هذا الطرح بقوله إن استعمال مفهوم اهلندوابسيفيك: "يعيد صياغة اﳋريطة الذهنية لبعض أكثر أجزاء العامل أمهية إسرتاتيجية، وكما يذكران بذلك "روبرت كابالن" فإن كيفية صنع وتسمية اﳋرائط أمر هام أيضا، ﻷهنا تؤثر ﰲ كيفية فهم "القوي " للعامل" ( 4 ) وتبني ،

1 - عبد القادر دندن،"إستراتيجية الصين في الصراع حول الهندوباسيفيك"، السياسة الدولية، عدد 231 ، (القاهرة، مركز األهرام للدراسات السياسة واإلستراتيجية، يناير/كانون الثاني 2023 )، ص .60 2- Gabriele Abbondanza. Op. Cit. p. 407. 3- Rory Medcalf. Op. Cit. p. p 3, 4. 4- John Hemmings, Australia’s Economic, Infrastructural and Security Objectives in the Indo - Pacific, In:Axel Berkofsky and Sergio Miracola (Eds), Geopolitics by Other Means. The Indo-Pacific Reality, (Milano, Ledizioni Ledi Publishing, February 2019).p. p 120, 121.

20

عملية تتب ع بلورة واستعمال مفهوم اهلندوابسيفيك، و كيف أنه بدأ كـ"واصف إقليمي" (Regional Descriptor) ، ملنطقة جغرافية تضم دوال ﲝرية منتشرة عرب احمليطني اهلندي واهلادي، وخاصة الياابن وأسرتاليا واهلند والوالايت املتحدة اﻷمريكية، هلا تصورها اﳋاص ﳊدود اهلندوابسيفيك، وأعطت للمنطقة وصفها وتسميتها اﳊالية، ﻷن لديها القوة الكافية لفعل ذلك (وﳏاولة تعميمه ومنحه الشرعية االستعمالية الالزمة)، وهي تفعل ذلك ﻷغراض وأهداف ومصاحل ﳏددة ( 1 ) . ل قد أاثر تطوير مفهوم اهلندوابسيفيك نقاشا واسعا ﰲ اﻷوساط اﻷكادميية واإلسرتاتيجية، ال حول اﻷمهية املتزايدة الستعماله ﰲ حقل العالقات الدولية، ورغم أنه فإن انشئا، يزال يعترب مفهوما قدرته على ﲢويل اﳋطاابت اإلقليمية تعد كبرية جدا ( 2 ) ، كما ينظر إﱃ تطوير هذا املفهوم ﰲ خطاب السياسات اﳋارجية واإلقليمية، على أنه أحد أكثر التطورات أمهية ﰲ العقدين املاضيني، فقد انتقل من خطاابت السياسة اﳋارجية، إﱃ مقاربة ابﲡاه ديناميكيات إقليمية مت تبنيها من طرف عدد من الدول، كما يتقاطع املفهوم كذلك مع عدد من املناطق اﳉغرافية، وعدد من الفروع ) جيوبوليتيك، وأمن ﲝري، وﲡارة، وتنمية... ( ، وعدد من الدول القومية ( 3 ) . بشكل عام ومبفهوم واسع، وبعيدا عن التباينات السائدة ﰲ ﲢديد نطاق اهلندوابسيفيك بني ﳐتلف الدول، فإنه يقصد به املنطقة الﱵ تضم االمتداد البحري وما يتبعه من أراض برية، تصل بيناحمليطيناهلنديواهلادي ﰲ وحدة واحدة، تبدأ من ني إطاللة سواحل اﻷمريكيت حمليط ا ادي على ا هل شرقا، حﱴ حمليط ا ندي هل حدود ا لقرب اب من ﲝر العرب وحﱴ سواحل شرق القارة اب اإلفريقية غر ، ومن

1- Troy T. Lee-Brown, The rise and strategic significance of the Indo- Pacific, Thesis submitted for the degree of doctor of philosophy of the University of Western Australia, Political sciences and international relations school of social sciences, January 2021. p. 5. 2- Vignesh Ram, The Proposal for an Indo-Pacific Treaty of Friendship and Cooperation: A Critical Reassessment, Journal of ASEAN Studies, Vol. 3, No. 1 (2015). P. 22. 3- John Hemmings (Ed), Infrastructure, ideas and strategy in The Indo-Pacific, (London, Henry JacksonSociety, March 2019). p. 12.

21

اﳊدود البحرية للهند ودول جنوب وشرق وجنوب شرق آسيا ا ، حﱴ مش ال السواحل اﻷسرتالية جنواب ( 1 ) .

1 - منى مصطفى، "عودة أوراسيا: تجدد االهتمام األكاديمي بالترابط الجغرافي بين أوروبا وآسيا"، سلسلة أوراق أكاديمية، العدد رقم 6 ، أبوظبي ، مركز المستقبل لألبحاث والدراسات المتقدم، إبريل/نيسان 2019 ، شوهد يوم 10 ديسمبر/كانون األول : 2022 . في https://futureuae.com/ar/Release/ReleaseArticle/794

22

ابسيفيك اﳉغرافيا العامة للهندو

اﳋ ريطة رقم ( 01 :)

Source:Darshana M. Baruah, What island nations have to say on Indo-Pacific geopolitics?, Carnegie Endowment for international peace, March 2022. p. 2. ورغم االعتقاد الذي يسود ﲝداثة املفهوم، وربط بروزه ﰲ اجملال اﳉيوبوليتيكي واﳉيواقتصادي خصو صا ف ابلنصف الثاﱐ من العقد اﻷول للقرن اﳊادي والعشرين، إن البحث ﰲ اﻷصل اﳉينالوجي واإليتيمولوجي للمفهوم من حيث ظهوره وتوظيفاته واجملاالت البحثية الﱵ استعمل فيها أوال، ﳛيلنا إﱃ ما هو أبعد من ذلك بكثري. هلندوابسيفيك ﲡُمع أهم اﻷدبيات الﱵ درست مفهوم ا من حيث نشأته واترﳜه، على كون أول ذكر له ﰲ بعده اﳉيوبوليتيكي كان ﰲ بداية العشرينيات من القرن املاضي، عندما استعمل عامل اﳉيوبوليتيك اﻷملاﱐ "كارل هاوسهوفر" (Karl Haushofer) املصطلح اﻷملاﱐ (Der Indopazifische Raum) أي "فضاء اهلندوابسيفيك" سنة 1920 (1) . انطلق "هاوسهوفر" من االفرتاض أبن وحدة احمليطني اهلندي واهلادي هي أكثر مالءمة من ا مل اهلندوابسيفيك قد مت شقها وفصلها ﲝدود وصفها أب فصلهما، وأكد أن الوحدة الطبيعية لعا هن

1- Shahana Thankachan, India and the Free and Open Indo-Pacific: Present, Global affairs journa, N°2, (facultad de derecho, Universidad de Navarra, March 2021). P. 12.

23

حمليطني على أدلة بداية ﰲ برهنته على وحدة ا

مصطنعة وجائرة وتعسفية، واعتمد "هاوسهوفر"

مستمدة من علم اﻷحياء البحرية، وعلوم البحار واحمليطات وجغرافيتها ( 1 ) .

وقد يـَعجَب البعض من العالقة بني اجملالني اﳉيوبوليتيكي واﳉغراﰲ أو اﳊيوي، غري أن املفاهيم اﳉيوبوليتيكية غالبا ما ﲡد ﰲ مفاهيم اﳉغرافيا مصدر إهلام هلا، فمفهوم اهلندوابسيفيك ﳚد أصوله ﰲ "املفهوم اﳉغراﰲ اﳊيوي اإلقليمي لبحار اﻷرض" (The Bio Geographic Regional Concept إن مجع املفهوم اﳉغراﰲ اﳊيوي بني احمليطني اهلندي واهلادي، استثار ﳐيلة ﳏللني جيوبوليتيكيني وصناع قرار الستعارة امل فهوم، للربط بني احمليطني ولكن جيوبوليتيكي ا هذه املرة، كما كان عليه اﳊال ﰲ املفهوم اﳉغراﰲ اﳊيوي ( 2 ) . وهذا ما كان "هاوسهوفر" سباقا إﱃ ا لقيام به، حني اعترب أن اﳉغرافيا اﳊيوانية البحرية Of The Earth ’ s Seas) ف الف اجملالني، ، ورغم اخت تفصل احمليط اﻷطلسي عن اهلندوابسيفيك، ﰲ حني أهنا تربط احمليط ني اهلندي واهلادي معا بفضل وحدة اﳊياة البحرية بينهم ا واتصا مهل ا معا، وهنا استند "هاوسه وفر" على وحدة اﳊياة اﳊيوانية البحرية لشرعنة إعادة دمج وربط اﳊياة التارﳜية اإلنسانية أو البشرية املشتتة ﰲ املنطقة، فاﳉغرافيا اﳊيوانية البحرية ﲝسبه - مثل وحدة مسار - رتالية واآلسيوية سباحة اﻷمساك من مدغشقر إﱃ السواحل اﻷس لديها ما ميكن أن تعلمه للمجتمعات السياسية أكثر مما تفعله االتفاقيات الدولية، كما دعم فكرته الحقا ﲝجج اترﳜية أنثروبولوجية، مفادها أن البشر ﰲ البداية كانوا مجيعهم مييلون إﱃ هتدئة البحار اﳋاصة هبم ، وعرب الزمن شرعنت أعراف اجملتمعات التقسيم السوسيو- سياسي للبحار، وإعادة رسم حدود البحار هو مشروع معاصر بشكل جلي ( 3 ) . ومن انحية جيبوليتيكية، جعل "هاوسه وفر" من الصني واهلند مركز ثقل منطقة اهلندوابسيفيك، مل وتوقع عودة آسيا بقوة إﱃ ا سرح العاملي، ابالعتماد على ا لتاريخ اﳊضاري والثقاﰲ واإلنساﱐ واهلواييت

1- Hansong Li, The “Indo - Pacific”: Intellectual Origins and International Visions in Global Contexts, Modern Intellectual History, N° 19, (Department of Government, Harvard University ,2022). P. 8 10.

2- Vignesh Ram. Op. Cit. p. 23. 3- Hansong Li. Op. Cit. p. 811.

24

للحضارتني الصينية واهلندية، و ﰲ أتثري ذلك دورمها ﰲ مستقبل عالقات القوة مستقبال فيما أمساه "احمليط ا - هلندي اهلادي اﻷكرب"، ومها اللتان تعززان التخيالت املكانية للهندوابسيفيك ( 1 ) . وكانت أعمال "هاوسهوفر" موجهة أساسا من انحية ضد ما أمساه بـ"القوى الكولونيالية اﻷورو-أمريكية"، أي الوالايت املتحدة اﻷمريكية والقوى االستعمارية اﻷوروبية التقليدية، ورفض سعيها للربط بني احمليطني اهلندي واﻷطلسي (Indo-Atlantic Space) ، ومن انحية أخرى ﳓو بناء تصورات جيوبوليتيكية ﰲ خدمة اﻷمة اﻷملانية الﱵ خرجت منهارة بفعل آاثر اﳊرب العاملية اﻷوﱃ، ني لتحطيمها عرب وسعي اﻷوروبي اتفاقية فرساي 1919 ( 2 ) . هذه املياه البحرية، هي ما اعتربه عامل جيوبوليتيكي آخر سنة 1944 وهو "نيكوالس سبيكمان" (Nicholas Spycman) حمليطي الذي يربط املنطقة كلها ، "الطريق البحري ا بعضها ب بعض من حيث القوة البحرية"، وقبل ذلك ﳚعلنا هذا الطرح نستحضر اﳉيوبوليتكي البحري الشهري "ألفريد ماهان" (Alfred Mahan) ، وتركيزه على اعتبارات القوة البحرية ﰲ احمليطني اهلندي واهلادي، وهذه اﳋلفيات اﳉيوبو ليتيكية هي ما يربط احمليطني اليوم بشكل عملي وموسع ( 3 ) . إذن فمفهوم اهلندوابسيفيك ليس حديثا، وليس أمريكيا من حيث أصوله، ولكن تطوره إﱃ مفهوم إسرتاتيجي معرتف به هو ما يعترب جديدا ومرتبطا ابستعماله بكثافة ﰲ هذا اجملال ﰲ العقدين اﻷولني من القرن اﳊادي والعشرين، فأصول املفهوم تعود إﱃ العلوم الطبيعية خاصة البحرية منها، للداللة على منطقة بيوجغرافية واسعة من املياه الدافئة للمحيطني اهلندي واهلادي، وترقية االستخدام

1- Gurpreet S. Khurana, What is the Indo-Pacific? The New Geopolitics of the Asia-Centred Rim Land, In:Axel Berkofsky and Sergio Miracola (Eds), Geopolitics by Other Means. The Indo-Pacific Reality. Op. Cit. P. 13.

2- Hansong Li. Op. Cit. p. 825. 3- David Scott. Op. Cit. p. 88.

25

الكامل والسليم للموارد املائية اﳊية املتاحة ﰲ مياه احمليطني، وسُجل ظهور للمصطلح سنة 1948 ضمن أعمال ﳉنة مصائد اﻷمساك التابعة ملنظمة التغذية والزراعة (الفاو) ( 1 ) . وَرَد املفهوم فيما بعد ﰲ عدة خطاابت ﰲ الدوائر اإلسرتاتيجية اﻷسرتالية، وجاء ذكره أيضا ﰲ الورقة الﱵ أعدها الباحث النيوزيلندي "بيرت كوزينس" (Peter Cozens) سنة 2005 ، لصا ﳎلة حل "شؤون ﲝرية" (Maritime Affairs) ( 2 ) . ومنذ سنة 2006 اكتسب مفهوم اهلندوابسيفيك أمهية ﰲ اﻷدبيات اهلندية، عندما أصبح مفهوما أكاد ا ميي وإسرتاتيجي ا متداوال ( 3 ) ، ويرى الكثري من الباحثني أنه يعود الفضل فيربوز "منطقة اهلندوابسيفيك" موضوعا للتفكري اإلسرتاتيجي لعضو معهد دراسات الدفاع والتحليالت ﰲ نيودهلي، اﳋبري البحري اهلندي "قوربيت خوراان" (Gurpreet Khurana) ، إبصداره ملقال "أمن خطوط املواصالت: آفاق التعاون بني اهلند والياابن" (Security of Sea Lines: Prospects for India-Japan Cooperation) ، ﰲ يناير/كانون الثاﱐ 2007 ضمن ﳎلة "التحليل اإلسرتاتيجي" (Strategic Analysis) ، إذ استخدم هذا املصطلح ليشري إﱃ فضاءين سياسيني وإسرتاتيجيني يضمان احمليطني اهلادي واهلندي معا ( 4 ) . شكل خطاب "آيب" ركيزة لربوز وتطور املفهوم، لنرى بعد ذلك ﲢول املفهوم وانتقاله من ﳎرد مصطلح ﰲ خطاب السياسة اﳋارجية للياابن ﰲ عهد "آيب"، إﱃ مقرتب خاص ابلديناميكيات اإلقليمية املتبناة من طرف عدد من الدول، ليتقاطع املفهوم مع عدد من املناطق اﳉغرافية، واجملاالت (اﳉيوبوليتيك، اﻷمن البحري، التجارة، التنمية...)، وسلسلة من الدول املعنية هبذه التطورات.

1- Ram Babu Dhakal, Indo-Pacific Strategy from Nepali and South Asian Regional Cooperation Perspectives, In:Security and economic challenges in the Indo-Pacific. Op. Cit. p. 221. 2- Shahana Thankachan. Op. Cit. P. 12. 3- Pooja Bhatt, Evolving Dynamics in the Indo- Pacific Deliberating India’s Position, Journal of Indo-Pacific Affairs, Fall 2018. p.71. 4- Kaewkamol Karen Pitakdumrongkit, The Impact of the Trump Administration’s Indo - Pacific Strategy on Regional Economic Governance, Policy Studies N° 79, (The East West center series, Honolulu, Hawai‘i, 2019). p. 3.

26

و قد نظّ ر الكثري من ﳔب السياسة اﳋارجية واﻷكادمييني هلذا املفهوم عرب منطلقات وتصورات هت ﳐتلفة، ونقلواإليه ﳐاوفهم وتوقعا م وأهدافهم اﳋاصة ( 1 ) ؛ لتتواﱃ بعدها استعماالت هذا املفهوم ﰲ اﳋطاب السياسي والواثئق اإلسرتاتيجية والدبلوماسية للعديد من الدول، وعلى رأسها أسرتاليا والوالايت املتحدة اﻷمريكية واهلند وغريها، إذ كانت أسرتاليا سباقة حﱴ قبل الوالايت املتحدة اﻷمريكية والياابن إلىوضع مصطلح "اهلندوابسيفيك" ضمن واثئقها القومية الرمسية، وكان ذلك ﰲ ورقة الدفاع البيضاء اﻷسرتالية سنة 2013 هل ، ﰲ معرض التأكيد على اتصال ا ند ابحمليط اهلادي، وضرورة تعزيز الع القات السياسية والعسكرية معها ﰲ مواجهة الصني، لتكون بذلك أول دولة تتبﲎ مفهوم اهلندوابسيفيك ﰲ أدبيات إسرتاتيجيتها الرمسية( 2 .) وأتخرت الوالايت املتحدة اﻷمريكية ﰲ توظيف هذا املفهوم ﰲ عقيدهتا اإلسرتاتيجية إﱃ غاية ديسم / رب كانون اﻷول 2017 ، حني ورد أول ذكر له ﰲ الواثئق الرمسية اﻷمريكية ﰲ تقرير إسرتاتيجية اﻷمن القومي اﳉديدة (NSS) ، الﱵ أعلنت بداية عهد جديد من التنافس اإلسرتاتيج ي، مع إعادة توجيه الوالايت املتحدة إلسرتاتيجيتها ﳓو "منطقة اهلندوابسيفيك"، ابملوازاة مع التمدد الصيﲏ هناك اقتصاداي وعسكراي ( 3 ) . وابلنسبة للهند فاهلدف النهائي إلسرتاتيجيتها ﰲ منطقة "اهلندوابسيفيك"، هو خلق "نظام متحرك للتوازانت اﳉيوبوليتيكية" (Mobile System Of Geopolitical Balances) ، ﰲ ظل النفوذ املتنامي للصني، والفوائد املتولدة عن حضور الوالايت املتحدة اﻷمريكية والدول الغربية ﰲ املنطقة ، وجاء ذكر

1- John Hemmings (Ed). Infrastructure, ideas and strategy in The Indo-Pacific.Op. Cit. p. 12. 2 - منى مصطفى، مرجع سابق. 3- Kevin Rudd, " Strategic Trends across The Indo-Pacific region " , The Interpreter features, TheLowy Institute, New York,7 May 2019. At:https://www.lowyinstitute.org/the- interpreter/strategic-trends-across-indo-pacific-region, accessedSeptember 30, 2022.

27

املفهوم مرارا ﰲ الكثري من خطاابت القادة اهلنود (وزراء خارجية ورؤساء وزراء ومسؤولني عسكريني)، وكذلك ﰲ العدي د من الواثئق اإلسرتاتيجية والدبلوماسية الرمسية ( 1 ) . وبعد أكثر من عام من املفاوضات والنقاشات، خلصت دول ﳎموعة اآلسيان العشر إﱃ ابهلندوابسيفيك، خالل قمة ابنكوك ا نعقدة صياغة رؤيتها اﳋاصة مل بني 20 و 23 يونيو/حزيران 2019 ، وكانت إندونيسيا هي التي قادت مساعي بلورة رؤية موحدة لدول املنطقة هلذا املفهوم، لعدم ترك دول املنظمة على هامش التطورات اإلسرتاتيجية اﳉديدة، ورغبة إندونيسيا ﰲ لعب دور قوة متوسطة قائدة ومسؤولة ﰲ املنطقة، ووقوع دول اآلسيان ﰲ قلب منطقة اهلندوابسيفيك، وينطلق منظور اآلسيان للهندوابس يفيك من اقتناع مفادها ﲢول آسيا احمليط اهلادي واحمليط اهلندي إﱃ مركز ديناميكيات النمو االقتصادي العاملي، ومتوضع اآلسيان ﰲ قلب التحوالت اﳉيوبوليتيكية اﳊاصلة، وحيوية دورها ﰲ الصراع املستمر بني الصني والوالايت املتحدة اﻷمريكية، ومعاانهتا من تداعيات اﳊر ب التجارية الﱵ نشبت بني اﳉانبني، ولذلك يؤكد تقرير رؤية اآلسيان للهندوابسيفيك، ضرورة حفاظ املنظمة على دورها املركزي ﰲ البنية اإلقليمية الصاعدة ﰲ جنوب شرق آسيا، وجعل اآلسيان قاطرة لقيادة التعاون واﳊوار ﰲ اهلندوابسيفيك، ودعم النظام القائم على القواعد، و مبادئ الشفافية، واالنفتاح، واﳊرية، وااللتزام بدفع التعاون االقتصادي ﰲ املنطقة، واﳊفاظ على حرية املالحة، ومواجهة كل ما ينعكس سلبا على اﻷمن البحري، لتكون ابلتاﱄ رؤية متمحورة حول اﳉوانب اﳉيواقتصادية ابﻷساس ( 2 ) . واتسع نطاق االهتمام مبفهوم اهلندوابس يفيك ﳓو عدد من الدول اﻷوروبية اهل امة، ففي زايرته ﻷسرتاليا ﰲ 2 اي مايو/أر 2018 ، قدم الرئيس الفرنسي "إميانويل ماكرون"

1- Vladislav Gulevich, " India and the Indo-Pacific: challenges and near-future agenda " , International affairs intelligent readers’ choice, 4/2/2019. At:https://en.interaffairs.re/events/812-india-and-the-indo-pacific-challenges-and-near-future- agenda.html, accessed August 31, 2022. 2- Premesha Saha, ASEAN’s Indo - Pacific Outlook: an analyse, June 28, 2019. https://www.orfonline.org/expert-speak/aseans-indo-pacific-outlook-an-analysis-52542/. Accesse December 22, 2022.

28

(EmmanuelMacron) ﲡاه منطقة اهلندوابسيفيك، الﱵ وردت ابلتفصيل ﰲ ورقة وزارة اﳋارجية الفرنسية، وﰲ أكتوبر/ تشرين اﻷول سنة 2020 قدمت وزارة اﳋارجية اﻷملانية ورقة مماثلة حددت فيها رؤيتها اإلسرتاتيجية للمنطقة، كما اندت بريطانيا ابعتبار يك هلندوابسيف "منطقة ا " جزء ا من التأصيل لصعود بريطاﱐ عاملي بعد اﳋروج من االﲢاد اﻷورويب ﰲ إطار الربيكست ( 1 ) . هكذا انتشر استعمال املفهوم بشكل تدرﳚي عرب العامل، وخاصة لدى الدول الرئيسية املعنية ا إلسرتاتيجية الفرنسية اﳋطوط الكربى ل بتفاعالت املنطقة، حيث بينت دراسة حول عدد مرات ورود مصطلح اهلندوابسيفيك ﰲ العناوين الرئيسية لألخبار، أنه ظهر 2899 مرة ﰲ ﳐتلف العناوين اإلخبارية فيما بني 1988 و 2017 ، ت صدرهتا اهلند بـ 1130 مرة، والوالايت املتحدة اﻷمريكية بـ 905 م رة، و ني ظهر ﰲ الص 674 مرة، وأسرتاليا 664 مرة، والياابن 465 مرة، وبدرجة أقل ﰲ إندونيسيا 125 مرة، وسنغافورة 64 مرة، وفيتنام 74 مرة، وهو ما يوضح تباينا ﰲ عدد مرات ورود املصطلح بني القوى الرئيسية والقوى رية، الصغرى ﰲ املنطقة، حيث يعد استعمال املفهوم أقل تواترا لدى هذه اﻷخ ﰲ حين يعترب أكثر جاذبية ابلنسبة للقوى الرئيسية، وقد سجل املصطلح االنتشار اﻷكرب ﰲ استعماله ووروده ﰲ العناوين الرئيسية ووسائل اإلعالم املختلفة بعد سنة 2017 ، وابلضبط بعد تبﲏ الوالاي ت املتحدة اﻷمريكية ﰲ شهر ديسم /رب كانون اﻷول من تلك السنة ملفهوم اهلندوابسيفيك ﰲ وثيقة إسرتاتيجية اﻷمن القومي اﳉديدة ( 2 ) .

1- Franco-German Observatory of the Indo-Pacific, German Institute for Global and Area Studies, May 2022, https://www.giga-hamburg.de/en/events/conferences-and- workshops/franco-german-observatory-of-the-indo-pacific. accessed August 28, 2022. 2- He Kai, Three Faces of the Indo- Pacific: Understanding the “IndoPacific” from an IR Theory Perspective, East Asia journal, Vol 35, N 0 2, (Griffith university, Queensland, Australia, 2018). P. 2.

29

املبحث الثاني:

عوامل تبلور الهوية والبنية الجيوبوليتيكية والجيواقتصادية للهندوباسيفيك

ارتبط ظهور وتبلور مفهوم اهلندوابسيفيك ﲜملة من العوامل والتطورات اإلسرتاتيجية، املتعلقة أساسا ا ابلتطور ﰲ التفكري اإلسرتاتيجي ﲡاه املنطقة من طرف القوى املهتمة هبا، ابملوازاة مع التحوالت رتاتيجي من العامل، الكربى ﰲ إدراكات القوى العاملية لذلك النطاق اﳉيوس بوصفه فضاء جديدا للتفاعالت واملصاحل املتضاربة واملتقاطعة، سواء تعلق اﻷمر ابلقوى املتبنية للمفهوم، أو تلك الﱵ تعارضه، وتعتربه مفهوما مصطنعا، يعكس مصاحل قوى بعضها من خارج املنطقة. كان لقوى العوملة املتنامية، وتزايد التجارة، والتعامل املتبادل بني فواع ل متعددة، كسرت اﳊدود القدمية، وفتحت قنوات اتصال جديدة، والتجند الكبري على ضفﱵ احمليطني، دورها ﰲ تشكيل مقاربة مركبة، ﰲ فضاء ﳛتوي على أكثر طرق املواصالت البحرية حيوية، وأكثر الدول اكتظاظا ابلسكان، والطلب اﻷكرب على الطاقة، وهو مرشح ﻷن تكون مركز العامل سياسيا واقتصاد . اي وقبل دخول اهلندوابسيفيك دائرة اﳋطاب اﳉيوبوليتيكي واﳉيوسرتاتيجي، كان مفهوم آسيا الباسيفيك أو آسيا احمليط اهلادي (Asia Pacific Concept) ، هو السائد منذ أواخر الثمانينيات من القرن العشرين، للداللة على املناطق الﱵ شهدت أسواقا صاعدة، عرفت منوا اق تصاداي كبريا، وكان أتسيس منظمة أ و منتدى التعاون االقتصادي آلسيا احمليط ا ي هلاد (APEC) سنة 1989 ، إيذاان بتبﲏ مفهوم ذا حمليط اهلادي، الذي كان آسيا ا طابع اقتصادي ابﻷساس وليس أمنيا ، وعلى العكس من ذلك ﳚمع

30

اهلندوابسيفيك بني احمليطني اهلندي واهلادي، والكتلة الربية الﱵ ﲢيط هبما ﰲ مسرح جغراﰲ واحد ومتصل، ويشمل البعدين االقتصادي واﻷمﲏ اإلسرتاتيجي معا ( 1 ) . اﳋ ريطة رقم ( 02 :) هلندوابسيفيك الفرق بني املدى اﳉغرايف آلسيا الباسيفيك وا

مل اصدر: ﲢالف "أوكوس" .. الصراع الصيﲏ اﻷمريكي يدخل مرحلة جديدة، نشرية الت دولة، العدد مآ 24 • 24 أكتوبر/ تشرين اﻷول 2021 . شوهد يوم 30 نوفم / رب تشرين الثاﱐ 2022 . ﰲ: https://www.asbab.com/wp-content/uploads/2021/11/24.pdf وكان هذا التطور مدفوعا مبجموعة من التحوالت ﰲ موازين القوى، وظهور شبكة تفاعالت ومصاحل جديدة ﰲ املنطقة املمتدة من احمليط اهلادي شرق ا إﱃ احمليط اهلندي غراب ، وتعب ا ري عن تبلور مصاحل مشرتكة بني القوى اﻷساسية اﳊليفة ﰲ املنطقة وهي الوالايت املتحدة اﻷمريكية والياابن واهلند وأسرتاليا، ومتثلت أهم العوامل الدافعة ﳓو هذا التطور اإلسرتاتيجي النوعي، ﰲ صعود اهلند وتزايد حضورها إقليميا، مبا ﰲ ذلك امتداد مصاﳊها ﳓو احمليط اهلادي، ابلتزامن مع تنامي ال نفوذ الصيﲏ وﲡاوزه ملنطقة آسيا احمليط اهلادي، وامتداده إﱃ غاية احمليط اهلندي، وتشابك وتعقد التهديدات واملخاطر واملصاحل املشرتكة بني دول املنطقة، وكان وصول إدارة دوانلد ترامب ﰲ الوالايت

1- Gamini Keerawella. Op. Cit. P. 73.

31

املتحدة اﻷمريكية، إيذاان ابلتحول الواسع وشبه الكامل إﱃ اعتماد مفه وم اهلندوابسيفيك بدال من آسيا الباسيفيك ( 1 ) . ويعكس ملفهوم املُتـَبَﲎ هذا التغري ﰲ ا من آسيا الباسيفيك إﱃ اهلندوابسيفيك، الدور الذي يؤديه التغري ﰲ سلوك الدفاع واإلسرتاتيجية عند بعض القوى الرئيسية ﰲ املنطقة، ﰲ تشكيل نطاقات مل، فقد كان يُنظ َر تفاعل جديدة، وبلورة تصورات ﳐتلفة ﳋريطة العا تقليداي إﱃ ا حمليطني اهلندي واهلادي ﳎاال على أهنما ا رتاتيجي ن إس ن منفص نال هل ابسيفيك يشكل ا يط ان اندي ، ولكن ﰲ إطار اندو حمل هل واهلادي فضاء اقتصاداي وإسرتاتيجيا واحدا ومرتابطا ( 2 ) . ويشري استعمال املصطلح كذلك، إﱃ ن يات وإدراكات وحساابت ﳐتلف الدول ﰲ املنطقة، فالتحول من استعمال آسيا الباسيفيك إﱃ اهلندوابسيفيك له دالالت كبرية، فهو يؤشر على الديناميكيات املتغرية ﳊساابت القوى اإلقليمية ﰲ املنطقة، ليبقى اهلندوابسيفيك ﳏل اختبار ملعرفة ما إذا كان قادرا على مجع ﳐتلف املصادر وموازنة عالقات القوى ﰲ املنطقة ( 3 ) ، وهكذا حل مفهوم اهلندوابسيفيك تدرﳚيا ﳏل مفهوم "آسيا الباسيفيك"، الذي هيمن على اﻷدبيات اإلسرتاتيجية إﱃ غاية هناية العقد اﻷول من القرن اﳊادي والعشرين ( 4 ) . اﳉ دول رقم ( 01 :) أهم الفوارق بني آسيا الباسيفيك واهلندوابسيفيك عناصر املقارنة آسيا الباسيفيك هلندوابسيفيك ا

اهلندوابسيفيك جيمع احمليطني اهلندي واهلادي معا، ابإلضافة إﱃ الكتل الربية احمليطة هبما ، وال يزال ﳎ ال اهلندوابسيفيك غري ﳏدد بدقة، غري أنه ميتد عموما من سواحل شرق

مفهوم آسيا الباسيفيك يتعلق بذلك اﳉزء من قارة آسيا هلادي ، و ي املطل على احمليط ا تشكل من ثالثة أقاليم رئيسية، مشال شرق آسيا، وجنوب شرق آسيا، وأوقيانوسيا (جنوب غرب الباسيفيك).

النطاق

1 - محمد فايز فرحات، "ا - إلندو باسيفيك" بوصفه مسرحا جديدا للسياسات الدولية وتأثيره في منطقة الخليج العربي"، ورقة بحثية صادرة عن مركز اإلمارات للسياسات، أبو ظبي، 9 يونيو/حزيران ،2020 شوهد يوم 22 سبتمبر/أيلول : 2022 في https://bit.ly/3F3l41u 2- Gamini Keerawella. Op. Cit. P. 73. 3- Vignesh Ram. Op. Cit. p. 24. 4 - محمد فايز فرحات، "ا - إلندو باسيفيك" بوصفه مسرحا جديدا للسياسات الدولية وتأثيره في منطقة الخليج العربي"، مرجع سابق.

32

إفريقيا، إﱃ غرب الباسيفيك، مرورا مب سطحات ومناطق مائية عديدة. مفهوم متطور، ومعظم احملللني ينظرون إليه على أنه فكرة ميكن أن تنقل القوة والنفوذ من الغرب ﳓو الشرق. مفهوم جيمع بني البعدين االقتصادي واألمﲏ اإلسرتاتيجي، يشمل منطقة هبا طرق مواصالت حبرية هامة، وتتمحور تفاعالهتا حول األمن البحري والتعاون. - أهم ﲡمع فيه هو منتدى اﳊوار األمﲏ الرابعي (كواد) غري الرمسي، الذي يضم الوال ّيت املتحدة األمريكية، وأسرتاليا، واهلند، والياابن. - عدم وجود هيكل مؤسسي واحد جيمع كل دول املنطقة.

يف العام اﳉغرا

فكرة مطروحة، مدعومة من طرف قوى آسيا الباسيفيك،

ألهنم كانوا يبحثون عن مصطلح لوصف منطقتهم املشرتكة.

طبيعة الفكرة

مفهوم اقتصادي ابألساس، يشمل منطقة هبا أسواق

منو اقتصادي سريع. صاعدة، ودول ذات

طبيعة املفهوم

حمل هل منتدى التعاون االقتصادي آلسيا ايط اادي ( APEC ) ، هو اهليئة املؤسسية الوحيدة اليت تشمل ومتثل دول املنطقة.

اهليكل املؤسسي لكل منطقة

اهلند مكون وقوة رئيسية يف نطاق

اهلند ليست جزءا من مفهوم ونطاق آسيا الباسيفيك.

وضع اهلند

اهلندوابسيفيك.

املصدر: Arfa Javid, What is the difference between The Indo-Pacific and The Asia-Pacific? February 9, 2021. https://www.jagranjosh.com/general-knowledge/indo-pacific-vs-asia-pacific-1612883032-1. accessed November 25, 2022 وأييت هذا ال تحول املفاهيمي واإلسرتاتيجي ﲝسب عدد من التحليالت تعب ا ري عن ﳊظة اترﳜية وإسرتاتيجية هامة يشهدها عامل اليوم، وذلك بصعود الشرق من جديد ﰲ مقابل تراجع الغرب؛فبعد أن كانت الرايدة اﳊضارية واالقتصادية لصاحل الشرق وقارة آسيا ابلتحديد منذ 300 سنة خلت، حني كان ن صيب الصني واهلند ﳎتمعت من ني الناتج اإلمجاﱄ العاملي يفوق النصف ﰲ القرن الثامن عشر ( 1 ) ، جاءت الثورة الصناعية ﰲ أورواب واﳊركة االستعمارية الواسعة الﱵ مشلت دوال آسيوية على رأسها اهلند والصني، لتعلن انتقال الرايدة لصاحل الغرب ممثال ﰲ الدول الصناعية واالستعم ارية اﻷوروبية الكربى خاصة بريطانيا وفرنسا، مث ﲢولت السيطرة والقيادة بعدها لصاحل الوالايت املتحدة اﻷمريكية،

1- Gurpreet S. Khurana, What is the Indo-Pacific? The New Geopolitics of the Asia-Centred Rim Land . Op. Cit. p. 155.

33

لتعود دائرة الرايدة تدرﳚيا ﳓو الشرق ﳎددا، انطالقا من صعود ما عرف ابلنمور اآلسيوية، والطفرة االقتصادية والتكنولوجية املعجزة ﰲ الياابن، لتتلقف ب عدها الصني واهلند مشعل قيادة عودة الشرق اﳉديدة ( 1 ) . يتجسد هذا االنتقال للقوة ﳓو الشرق، ﰲ زايدة نصيبه ﰲ ﳐتلف املؤشرات العاملية اهلامة االقتصادية واملالية والبشرية، ﰲ مقابل تراجع الغرب ﰲ نفس ملؤشرات؛ فقد ا تراجع نصيب الوالايت املتحدة اﻷمريكية وأورواب الغربية من سكان العامل من 20 % ﰲ الستينيات إﱃ 12 % ﰲ مطلع اﻷلفية اﳉديدة، وسوف ينخفض أكثر إﱃ 9 % ني ﲝلول منتصف القرن اﳊاﱄ، ﰲ ح يشكل مليارات البشر ﰲ آسيا 60 % من سكان العامل، ويقودون ثورة الفتة ورائعة ﰲ اﳊيوية االقتصادية ﲝسب "هيلموت مشيث" املستشار اﻷملاﱐ اﻷسبق. فما بدأ بصعود الياابن، واستمر بنمو النمور اآلسيوية، يكمله اآلن الصينيون واهلنود. ويكفي أن نعلم أن الصني استطاعت ﰲ 12 عاما فقط، أن تضاعف نصيب الفرد فيها من الناتج احمللي اإلمجاﱄ، ﰲ حين استغرقت بريطانيا 60 عاما لتحقيق ذلك، وا لوالايت املتحدة اﻷمريكية 40 عاما ( 2 ) . لقد أكد مفكرون غربيون وعلى رأسهم "زبيغنيو برﳚينسكي" ) (Zbigniew Brzezinski ﰲ كتابه الشهري "رقعة الشطرنج الكربى"، أن ميزة القوى اآلسيوية العريقة هي قدرهتا على بعث نفسها من جديد، معطيا مثاال ابلصني، وما مييزها من قدرة عرب اترﳜها على القيام بعمليات ﲡديد دورية، أو عمليات إحياء وترميم نشيطة، لتكون بذلك ﳐتلفة متاما عن اإلمرباطورايت اﻷخرى ( 3 ) . ﳛدث هذا التجديد واإلحياء اآلسيوي، ﰲ الوقت الذي أخذ فيه الغرب ﲝسب "جابور شتاينجارت"، يتحول إﱃ نسخة مصغرة من نفسه، فقد بدأ سكانه ينكمشون ويشيخون معا،

1-Pankaj Vashisht, Indo-Pacific Strategies: What do They Entail for India, Discussion Paper N° 274, (New Delhi, Research and Information System for Developing Countries, October 2022). p. 1. 2 - جابور شتاينجارت، الحرب من أجل الثروة: القصة الحقيقية للعولمة أو لماذا يتحطم العالم المسطح؟ ترجمة: ع مد الء أح صالح، (القاهرة، مجموعة النيل العربية، 2011 )، ص ص .23 ،22 3 - زبيغنيو بريجينسكي، رقعة الشطرنج الكبرى: السيطرة األمريكية وما يترتب عليها جيوستراتيجيا، (مركز الدراسات العسكرية، الطبعة الثانية، 1999 )، ص ص .11-9

34

Page 1 Page 2 Page 3 Page 4 Page 5 Page 6 Page 7 Page 8 Page 9 Page 10 Page 11 Page 12 Page 13 Page 14 Page 15 Page 16 Page 17 Page 18 Page 19 Page 20 Page 21 Page 22 Page 23 Page 24 Page 25 Page 26 Page 27 Page 28 Page 29 Page 30 Page 31 Page 32 Page 33 Page 34 Page 35 Page 36 Page 37 Page 38 Page 39 Page 40 Page 41 Page 42 Page 43 Page 44 Page 45 Page 46 Page 47 Page 48 Page 49 Page 50 Page 51 Page 52 Page 53 Page 54 Page 55 Page 56 Page 57 Page 58 Page 59 Page 60 Page 61 Page 62 Page 63 Page 64 Page 65 Page 66 Page 67 Page 68 Page 69 Page 70 Page 71 Page 72 Page 73 Page 74 Page 75 Page 76 Page 77 Page 78 Page 79 Page 80 Page 81 Page 82 Page 83 Page 84 Page 85 Page 86 Page 87 Page 88 Page 89 Page 90 Page 91 Page 92 Page 93 Page 94 Page 95 Page 96 Page 97 Page 98 Page 99 Page 100 Page 101 Page 102 Page 103 Page 104 Page 105 Page 106 Page 107 Page 108 Page 109 Page 110 Page 111 Page 112 Page 113 Page 114 Page 115 Page 116 Page 117 Page 118 Page 119 Page 120 Page 121 Page 122 Page 123 Page 124 Page 125 Page 126 Page 127 Page 128 Page 129 Page 130 Page 131 Page 132 Page 133 Page 134 Page 135 Page 136 Page 137 Page 138 Page 139 Page 140 Page 141 Page 142 Page 143 Page 144 Page 145 Page 146 Page 147 Page 148 Page 149 Page 150 Page 151 Page 152 Page 153 Page 154 Page 155 Page 156 Page 157 Page 158 Page 159 Page 160 Page 161 Page 162 Page 163 Page 164 Page 165 Page 166 Page 167 Page 168 Page 169 Page 170 Page 171 Page 172 Page 173 Page 174 Page 175 Page 176 Page 177 Page 178 Page 179 Page 180 Page 181 Page 182 Page 183 Page 184 Page 185 Page 186 Page 187 Page 188 Page 189 Page 190 Page 191 Page 192 Page 193 Page 194 Page 195 Page 196 Page 197 Page 198 Page 199 Page 200

Made with FlippingBook Online newsletter