يبحث الكتاب معضلة الفراغ الاستراتيجي والتجزئة (1971- 2018)) فيما يقوم بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية من علاقات قبل إنشاء المجلس وبعد تأسيسه. كما يتناول مسارات التعاون والصراع في تلك العلاقات، وتطورها خلال العقود الثلاثة الأخيرة من القرن العشرين، ومطلع الألفية الثالثة، وكذلك العوامل المحلية والإقليمية والدولية التي أثَّرت وتؤثر فيها سلبيًّا أو إيجابيًّا. ويسعى الكتاب لمؤلفه، الدكتور محمد صالح المسفر، بصفة عامة إلى محاولة فهم العلاقات الخليجية-الخليجية وتقييمها في إطار التداخل بينها وبين السياسات الإقليمية والدولية ودراسة اتجاهاتها والبحث في مصير الدول الخليجية.
فوزية طلحا
الطبعة الأولى: تشرين الثاني / نوفمبر 2018 م - 1440 هـ
ردمك 978-614-01-2648-0
جميع الحقوق محفوظة
الدوحة - قطر هواتف: 1810494 - 1810491 - 1810349 ( 871 )+ فاكس: 1914114 ( 871 - )+ البريد الإلكتروني: E-mail: jcforstudies@aljazeera.net
يمنع نسخ أو استعمال أي جزء من هذا الكتاب بأية وسيلة تصويرية أو إلكترونية أو ميكانيكية بما في ذلك التسجيل الفوتوغ ارفي والتسجيل على أشرطة أو أق ارص مقروءة أو بأية وسيلة نشر أخرى بما فيها حفظ المعلومات، واسترجاعها من دون إذن خطي من الناشر.
التنضيد وفرز الألوان: أبجد غ ارفيكس ، بيروت - هاتف (+9611) 785107 الطباعة: مطابع الدار العربية للعلو م ، بيروت - هاتف (+9611) 786233
3 5 . ......................................................................................................................................... مقدمة 9 . .................................................... الفصل الأول: أسس الدولة الحديثة ونماذجها الغربية 11 ........................................................................................................ أسس الدولة الحديثة -1 13 ........................................................... أشكال العلمانية في الدول الديمقراطية الغربية -2 15 ............................................................................. الإسلاميون وعلمانية الدولة الحديثة -3 19 ............................. " التوحيد والإصلاح " الفصل الثاني: صورة الدولة في فكر حركة 22 ............................................................ والعمل السياسي " التوحيد والإصلاح " حركة -1 24 ...... " الدولة الإسلامية " وحلم " الخلافة " بين حكم " التوحيد والإصلاح " حركة -2 24 .......................................... بين الإلزامية الدينية وإمكانية التجاوز " الخلافة " حكم 1-2 31 ............................... بين النقد والاحتفاء بالخصوصية " الدولة الإسلامية " مشروع 2-2 36 ............................................... الدولة الحديثة بين الإشادة بمنجزاتها ونقد استبدادها -3 45 .................................................... " التوحيد والإصلاح " الدولة المنشودة لدى حركة -4 49 .................................................................. حكم الدولة الحديثة بين الفكر والممارسة -5 53 ................................................ " النهضة " الفصل الثالث: صورة الدولة في فكر حركة 55 .................................................................................... : النشأة والتطور " النهضة " حركة -1 58 .............................. الحكم الإسلامي: بين الحنين للخلافة وحلم الدولة الإسلامية -2 58 ....................................................................... حكم الخلافة بين النقد وحنين العودة 1-2 65 ................................................................ حلم الدولة الإسلامية: بين المثال والواقع 2-2
71 ....................................................... الدولة الحديثة بين نقد استبدادها وترسيخ كيانها -3 82 .................................................................. حكم الدولة الحديثة بين الفكر والممارسة -4 86 ............................................... " النهضة " و " التوحيد والإصلاح " مقارنة بين حركتي -5 91 ....................................................................................................................................... خاتمة 93 .................................................................................................................................... المراجع
4
المقدمة يكتسي موضوع الدولة وشكلها وطبيعتها والأسس التي تنبني عليها أهمية كبرى في الفكر العربي المعاصر لأن تغير معالم المنطقة العربية ارتبط بتغير شــكل الحكم ، وتثبيت نموذج جديد 1924 والدولة، خاصة بعد سقوط حكم الخلافة الإسلامية عام للدولة يتمثل في الدولة القُطرية الحديثة التي تميزت بمحاكاتها على مســتوى الشكل نموذج الدولة الغربية. أما على مستوى الجوهر، فإن القيم الحداثية لم تترسخ بالشكل المطلوب في الدولة العربية الحديثة، بل بقيت سطحية توظّف فقط كواجهة للاستهلاك الخارجي؛ الأمر الذي كرّس أزمة الدولة العربية القطرية، وشكّل أحد أسباب فشلها. ومن أهم إفرازات التحول الاجتماعي والسياسي الذي عرفته المنطقة العربية نشأة الحركات الإســ مية، التي استهدف مشروعها الأساس استرجاع حكم الشريعة الذي عصفت به علمانية الدولة الحديثة، حسب رأي مؤسسيها الأوائل، وقد انقسمت وفق تصورها لهذا المشروع إلى نوعين من الحركات الإسلامية: حركات إســ مية حالمة في أدبياتها باستنســاخ نموذج حكم الخلافة، الذي – 1 رأت فيــه نموذجًــا مثاليّا للحكم الإســ مي، المحافظ على وحدة الأمة الإســ مية، والمنســجم مع مبادئ الشــريعة، فــي حين رأت في نموذج الدولــة القُطرية الحديثة نموذجًا مفرّقًا لوحدة الأمة الإســ مية، حامً لمبادئ حداثية متعارضة مع الشــريعة، لهذا ظل عداؤها لها مستمرّا وثابتًا، لأنها رفضتها شكً وجوهرًا. حركات إســ مية حالمة ببناء نموذج الدولة الإسلامية الحديثة، التي تحاكي – 2 على مســتوى الشــكل النموذج الغربي في السيادة على رقعة جغرافية محددة، معترفة بذلك بنظام القطرية، ولكنها تستلهم على مستوى الجوهر قيم الدين الإسلامي، وتؤكد على التوافق مع مقاصد الشريعة، انسجامًا مع مرجعيتها الإسلامية، إلا أنها تحرص في الآن نفسه على التوافق مع مبادئ الحداثة، انسجامًا مع طبيعة الدولة الحديثة. وتمثــل حركة «التوحيــد والإصلاح» المغربيــة مع حزبها «العدالــة والتنمية»، وحركة «النهضة» التونسية نموذجين للنوع الثاني لأن هذه الحركات تميزت بالوسطية والاعتــدال، كما أنها قامت بعــدة مراجعات اتجهت نحو التصالح مع الدولة الحديثة
5
ومبادئهــا الحداثية، وقد بدا ذلك جليّا في أدبياتها التي زخرت بمعاني الإشــادة بهذه الدولة والاعتراف بأفضالها السياسية والإنسانية، والمتمثلة في توفير الأمن والاستقرار لشعوبها، وتوفير الحقوق الإنسانية والسياسية، خاصة في نموذجها الغربي، الذي يعتبر مهد ولادة الدولة الحديثة. وتعد المشــاركة السياســية في حكم الدولة الحديثة، أكبر الأدلــة على هذا التصالح، لأن هذه الحركات آمنت بالإصلاح من داخل مؤسســات الدولة السياسية لا من خارجها. وقد شــكّلت التجربة السياســية للأحزاب الإسلامية المتشــبعة بفكر الحركات المنبثقــة عنها اختبارًا حقيقيّا لخطابهــا وتمثلاتها حول الدولة، خاصة بعد أن أتيحت لها فرصة ممارســة الحكم بعد ثورات ما ســمي «بالربيع العربي»؛ حيث اختبروا عن قــرب طبيعة الدولــة الحديثة، وأدركوا كنه حقيقتها التي تتطلــب التكيف مع مبادئها ومؤسســاتها، كما وضعت التجربة الإسلاميين أمام تحديين كبيرين؛ يتجلى الأول في اختبار قدرتهم على تنزيل رؤيتهم الإسلامية للسياسة والحياة داخل دولة حديثة قامت على أســس حداثية. أما التحدي الثاني، فيتمثل في اختبار مدى قدرتهم على النجاح في تســيير مؤسسات الدولة في ظل سيطرة الخطاب الأخلاقي والديني على أدبياهم، وفي ظل خصوصية نظام الحكم الذي يتولى قيادة دولهم القطرية الحديثة. لهذا، تغري تجربة الإسلاميين في الحكم، بخوض مغامرة البحث والتنقيب في أدبيات الحركات الإسلامية التي انطلقوا منها، وتشبعوا بفكرها ومبادئها، بهدف رصد معالم الصورة الذهنية التي رسمها الإسلاميون عن الدولة الحديثة قصد الوقوف على مكامــن الخلل والتناقض في هذه التمثلات، ومكامن القوة والإيجابية، وكذا إمكانات التنزيل على سطح الواقع، هذا إلى جانب رصد التطور الذي عرفه خطاب الحركات الإســ مية في اتجاه التصالح مع الدولة الحديثة، وإلى أي حد نجحوا في الانســجام والتوافــق مــع هذه الدولة ســواء على مســتوى الخطاب أو الممارســة. وقد اتخذنا كنموذجين للدراســة كّ من حركة «التوحيد والإصلاح» المغربية مع حزبها «العدالة والتنميــة»، وحركة «النهضة» التونســية، لأن هذه الحركات نظّــرت للدولة وعلاقتها بالدين، وخاضت تجربة حكم الدولة الحديثة. وإذا تساءلنا عن مدى أهمية هذه الدراسة التي ترصد صورة الدولة الحديثة في فكر الحركات الإسلامية، فإن الجواب يكمن في جاذبية هذه الحركات وتنظيمها الجيد، وقدرتها الكبيرة على الاستقطاب، مما جعل منها قوى وازنة في الدول العربية، وأتاح
6
لأحزابها فرصة المشاركة في حكم الدولة الحديثة في تونس والمغرب، بعد ثورات ما سمي بـ»الربيع العربي»؛ الأمر الذي وضع الإسلاميين أمام تحد كبير يتمثل في اختبار مقولاتهم حول الدولة والحكم، من خلال وضع خطابهم على محك التجربة. وهو ما دفعنا لفحص هذا الخطاب لاســتكناه طبيعة التمثلات التي بنتها الحركات الإســ مية حــول الدولــة الحديثة -التي عارضتها في الماضي-، وكيف تحولت بعض الحركات الإســ مية في اتجاه التصالح معها بعد خوض غمار التجربة السياســية خصوصًا، مما يمكّننا من الاقتراب أكثر من هذه التجربة السياســية للإســ ميين لسبر أغوارها وفك رموزها، للدفع بها نحو مزيد من الفهم والتطور. ودراستنا هذه لا تزعم انفرادها بتناول موضوع علاقة الإسلاميين بالدولة الحديثة، بل هناك دراسات متميزة قاربت هذه العلاقة من زوايا مختلفة، نذكر منها كتاب «الدولة المســتحيلة» لوائل حلاق والذي رصد فيه إمكانات قبول أو إنشــاء الإسلاميين لدولة حديثة ليتوصل إلى خلاصات من أهمها اســتحالة تحقيق ذلك لأن طبيعة هذه الدولة المادية وأسســها الحداثية تتناقض مع ما نظّر له الفكر الإســ مي منذ ســنين طويلة، وما يؤاخذ عليه في هذه الدراسة أنه أوصد الباب أمام أية محاولة لإنشاء دولة حديثة إسلامية. كما تناول إســماعيل الشــطي نفس العلاقة بين الإسلاميين والدولة، من خلال كتابه «الإسلاميون والدولة الحديثة» والذي ركز فيه على التحديات والصعوبات التي تواجــه الإســ ميين في حكم الدولــة الحديثة، مركزًا على المجتمــع الدولي الغربي المتحكم في شؤون الدول العربية الإسلامية والمسيّر لسياساتها المختلفة، وقد تميزت دراســته هذه بطرح جدي وســليم للعوائق الحقيقية التي تواجه التيارات الإسلامية في حكم الدولة الحديثة، لكن دراسته تميزت بطغيان الروح الاستسلامية للواقع دون طرح أي بديل مقنع لتجاوز هذه التحديات والمعيقات. وهناك دراسات أخرى تناولت علاقة الديني والسياسي في تصور الإسلاميين للدولة، لكن الأقلام ما زالت شحيحة في هذا المجال. وما يميز دراستنا ويسمها بالجدة هو رصدها للتطور الفكري الذي عرفته بعض الحركات الإســ مية تجاه الدولة، وتناولها لتجربتهم الآنية في حكم الدولة الحديثة. ومن أهم الإشكالات التي نسعى لمقاربتها فحص مدى استيعاب الحركات الإسلامية المتصالحة مع الدولة الحديثة لصيرورة تشكل هذه الأخيرة وأسسها الفلسفية ومبادئها الحداثية، وإلى أي حد توافقت مع طبيعة هذه الدولة وتكيفت مع أسســها الحداثية،
7
وأهم المراجعات التي قامت بها هذه الحركات لتحقيق هذا التصالح، وكيف انعكست تمثلات الحركات الإسلامية عن الدولة الحديثة على واقع التجربة والممارسة السياسية للأحزاب الإسلامية المنبثقة عنها والحاملة لقيمها ومبادئها. أمــا المنهج المعتمد في هذه الدراســة فهو المنهج الوصفــي التحليلي، لرصد الظاهــرة المدروســة من كل الجوانب، وتمحيصهــا وفحصها، حيث يتم تحليل ونقد الخطاب الذي يعكس تمثلات الحركات الإســ مية للدولة الحديثة، ســواء الخطاب الشفهي أو المكتوب، من مصادره الأصلية، هذا إلى جانب تفعيل آلية المقارنة للخروج بنتائج علمية مهمة. وبالنسبة للمادة العلمية التي تم الاعتماد عليها فترتكز على كتابات الإســ ميين، وخطاباتهم الشــفهية، وحواراتهم الصحفية، وتســجيلاتهم الصوتية. مع الاعتماد على الدراسات التي تناولت خطاب الإسلاميين بالدراسة والتحليل والنقد.
8
الفصل الأول الغربية ونماذجها الحديثة الدولة أسس
، كشكل جديد 1648 برزت الدولة الحديثة في أوروبا بعد معاهدة وستفاليا، سنة من الحكم، يرتكز على مفهوم الســيادة داخل رقعة جغرافية محددة، يقطنها مواطنون يدينون بالولاء لهذه الدولة. وقد جاءت ولادتها في العالم الغربي بعد مخاض عســير عاشــت فيه أوروبا ســنوات طويلة تحت حكم الإمبراطوريات المستبدة؛ حيث عانت من الحروب الدينية الطويلة القاسية، وتحكم الإقطاعيين ورجال الكنيسة الذين استغلوا الدين لقهر الناس واســتعبادهم، فقامت الثورات ضدهم لتشــكل أرضية خصبة لنشأة كيان سياسي تأسس على سيادة الدولة والشعب لا الكنيسة والملوك، خاصة بعد تطور العلوم وانتعاش الفكر الفلسفي والسياسي الذي شكّل ثورة فكرية أغنى رصيدَها عدد كبير من العلماء والفلاســفة، من أمثال: «جون جاك روسو»، و»مونتسكيو»، و»ماكس فيبر»... وغيرهم من الذين وضعوا حجر الأساس لبناء أسس وقوانين الدولة الحديثة. -أسس الدولة الحديثة 1 لقــد عرفــت الدولة الحديثة غربية المنشــأ تطورًا كبيرًا عبــر التاريخ، وأضحت نمطًا للحكم يسود العالم الذي انتقل من حكم الإمبراطورية الشامل إلى حكم الدولة المتميز بخصائصه السياســية المختلفة عن أنماط الحكم الســابقة، لأنها شكّلت ثورة على مستوى الشكل والجوهر. وتقوم أركان الدولة الحديثة على ثلاثة عناصر أساسية، تتمثل في وجود الشعب والإقليم والسلطة؛ إذ تعتبر «منظمة سياسية إقليمية، بحيث تكون وحدها دون أية سلطة أخــرى صاحبة الاختصاص التشــريعي والإداري والقضائي في إقليمها، وهو ما يميز الدولة الحديثة عن الدول في العصور القديمة والوســطى حيث ســاد نظام شــخصية القوانين. والإقليم هو أحد الركائز لاســتقلال ســلطة الدولة السياسية، هذا الاستقلال . ((( الذي يعتبر المدخل الضروري لفكرة السيادة» ومن أهم الأســس الحداثية التي ترتكز عليها الدولة الحديثة إلى جانب الســيادة والســلطة والجهاز البيروقراطي والدستور والقانون نجد حقوق المواطنة التي اكتسبت
، الطبعة الأولى (بيروت، دار الملايين، نوفمبر/تشرين الدولة الحديثة إعلام واستعلام الحسن، حسن، ((( . 19 )،ص 1981 الثاني
11
بعــد الثورة الفرنســية معنى جديــدًا يرتبط بالحق في المشــاركة العامــة، والحقوق والواجبات المتســاوية، وانتقال تمثل الســيادة إلى تمثلها فــي المواطنين؛ فأصبحت «الدولــة الحديثــة دولة مواطنين؛ حيث يحظى كل منهم بحقوق المواطنة، التي تعني، في ما تعني، المساواة بينهم في الحقوق والواجبات، والتي تؤكد ولاء المواطن لوطنه، وعلاقته بدولته ومجتمعه من خلال الجنســية والعادات والتقاليد...لهذا، تعتبر الدولة الحديثة، دولة حقوق الإنســان، وحقوق الجماعات الإنسانية، بدون تمييز على أسس . ((( الجنس واللون والعرق والقوم...» وأهم ما يميز الدولة الحديثة- رغم تملكها حق الســيادة والســلطة- أنها ترتبط بالمجتمــع الدولي والنظام الدولــي العالمي، وتمتلك حقوقًا قانونية بالنســبة للدول الأخــرى. فالدولة الحديثة هي «وحدة أساســية في النظــام الدولي العالمي الحديث، وتعتبر مفهومًا قانونيّا وسياســيّا يكتســي أهمية أساســية في دراسة العلاقات الدولية، حسب ما يقتضيه القانون الدولي، فكل الدول لها شخصية قانونية سواء كانت صغيرة أو كبيرة؛ إذ إن كل دولة يفرض عليها أن تستوفي معايير أساسية معينة ليتم الاعتراف بها كعضو في النظام الدولي العالمي حيث يجب أن يكون لها حدود معينة وســكان دائمون وحكومة تمتلك القدرة على الســيطرة الفعلية على أراضيها، وتتمكن في الآن ، فرغم تمتع الدولة الحديثة بسلطة ((( نفسه من إنشاء علاقات دولية مع الدول الأخرى» ذاتية، إلا أنها خاضعة للقانون الدولي والنظام العالمي الجديد، وهي جزء لا يتجزأ من المجتمع الدولي الذي يفرض عليها الالتزام بقواعد محددة وقوانين ملزمة. إضافــة لما ســبق، تعد العلمانية أحد أهم أســس الدولــة الحديثة؛ حيث انبثق المصطلــح فــي عصر التنوير بأوروبا بعد أن تم اســتغلال الدين من طرف الكنيســة لبسط نفوذها وإحراز الثروة، وقد نجم عن الثورة على هذه الأخيرة أن بزغت الدولة الحديثــة ذات التوجهــات العلمانية، الدنيوية الماديــة، حيث تم فصل الأمور الدنيوية عــن الأمور الدينية، واســتقل كل مجال بخصائصــه، ومُنع تدخل أحدهما في الآخر، وأضحت بذلك الدنيوية أو العلمانية من أهم تشــكيلات الدولة الحديثة التي أحدثت Max Weber, Economy and Soceity: An Outline of Interpretive Sociology, Edited by ((( Guenther Roth and Claus Wittich ; Translators EphraimFischoff, 2 vols. (Berkely: University of Californiapress, 1978)، vol. 1, p. 55–56 Paul Wilkinson, International Relations, A Very short Introduction, 2007, OUP.P.15 (((
12
حســب هابرماس «القطيعة مع التسويغ الديني للشرعنة، القائمة على تأسيس الشرعية السياسية على تقاليد دينية- كنسية؛ مما أحدث نزاعًا كبيرًا في الوسط الفكري والفلسفي . ورغم ((( . وذلك شكّل انعطافة في فهم شرعية النظام من عدمها» 19 استمر حتى القرن ارتكاز العديد من الدول الحديثة الغربية على العلمانية كمبدأ أساســي في دســاتيرها، إلا أنها اتخذت أشــكاً مختلفة في علاقتها بالدين والمؤسســات الدينية، لهذا رصد
الدارسون وجود علمانيات متنوعة لا علمانية واحدة. -أشكال العلمانية في الدول الديمقراطية الغربية 2
تعتبــر العلمانيــة أحد أبرز مقومات الدولة الحديثة لأنها ترتكز على فصل الدين عن الدولة والذي يبدأ «بنشوء السيادة، ومقدمها إخضاع الدين للسلطة الزمنية وتغلّب منطق الدولة، وجوهرها التشــريع المســتقل والســيادة على الشعب والأرض ونشوء الأجهزة البيروقراطية.. إن فرز منطق الدولة ونشوء الدولة الوطنية هما الخطوة الثانية . ((( في علمنة الدولة» رغم قيام الدول الديمقراطية الغربية على مبدأ العلمانية المرتكز على فصل الدولة عن الدين، إلا أن هذا الفصل قد اتخذ أشكاً مختلفة، لأن هذه الدول لم ترسم نمطًا واحدًا في علاقتها بالدين بل اختلفت المسافة بينهما باختلاف الدول والأيديولوجيات والتجربــة التاريخية التي تميز كل دولة عن الأخرى. لذا، نجد العديد من الدارســين يميزون بين أنواع من العلمانيات وســمت الدولة الغربية الحديثة، فمنهم من ميّز بين علمانية صلبة وعلمانية رخوة؛ حيث لا يكتفي النوع الأول من العلمانية «بفصل الدولة عن الدين، بل يتخذ موقفًا سلبيّا من التدين على المستوى الاجتماعي، وينظر بإيجابية إلى انحســار الإيمان، أقله في المجال العــام، أما العلمانية الرخوة فتعتمد على حياد الدولة دينيّا، وتســامحها تجاه تعدد الأديان والمذاهب وحرية ممارستها، وحرية الفرد ،) 2002 هابرماس، يورغن، بعد ماركس، ترجمة محمد ميلاد، الطبعة الأولى، (دمشق، دار الحوار، ((( ، نقً عن علي المحمداوي عبود، الإشكالية السياسية للحداثة من فلسفة الذات إلى 202 - 200 ص )،ص 2011 ، (الرباط، منشورات الاختلاف، دار الأمان، 1 فلسفة التواصل هابرماس أنموذجًا، الطبعة . 273 - 272 بشارة، عزمي، الدين والعلمانية في سياق تاريخي، الطبعة الأولى، (بيروت، المركز العربي للأبحاث ((( . 9 )، الجزء الثاني، المجلد الثاني،ص 2015 ودراسة السياسات، يناير/كانون الثاني،
13
. وفي نفس الاتجاه تم التمييز بين علمانية حازمة وعلمانية سلبية؛ ((( في اختيار عقيدته» «حيث تتطلب العلمانية الحازمة من الدولة أن تؤدي دورًا حازمًا إزاء استبعاد الدين من المحيط العام وحصره في نطاق المحيط الخاص، في حين تتطلب العلمانية السلبية أن يكون الدور الذي تؤديه الدولة دورًا سلبيّا يفسح المجال أمام فكرة ظهور الدين على المســتوى العام، ومن هنا هي عبارة عن عقيدة شــاملة، بينما تعطي العلمانية الســلبية . ((( الأفضلية للموقف الحيادي حيال تلك العقائد» بناء على ما ســبق، يمكن أن نوازي بيــن نوعين من العلمانية، الصلبة الحازمة، والرخوة الســلبية، على أســاس أن النوع الأول تميز بالتشدد والتطرف تجاه الدين في حين يتميز النوع الثاني بنوع من الحياد والمرونة. ويمكن أن نمثل للنوع الأول بنموذج لائكية الدولة الفرنسية التي تعرّف نفسها بأنها «جمهورية علمانية ديمقراطية غير قابلة للتقســيم»، وقد فصلت كليّا بين الكنيســة والدولة، وجعلت كل الكنائس ســواء أمام القانون الفرنسي، ومنعتها من التدخل في تنظيم مؤسسات الدولة أو تسييرها. ورغم أن دستور الدولة يكفل حرية المعتقد إلا أن الرموز الدينية ممنوع تداولها داخل المجتمع، وذلــك في إطار عــدم المفاضلة بين الأديان (رفض الحجاب في المدارس نموذجًا). كما شــكّلت العلمانية الحازمة في المكســيك «الأيديولوجية المهيمنة على الرغم من ؛ ((( الاعتراضــات التي أبداها المحافظون الذين ينادون برؤية أكثر عمومية إزاء الدين» فقد أوقفت دعمها المادي للكنائس، كما منعت تدخلها في مؤسسات الدولة. أما نموذج العلمانية الرخوة أو الســلبية فتمثله هولندا والهند وبلجيكا وإنجلترا والنمســا...وغيرها من الدول التي تميزت بعلاقة غير متوترة مع الدين حيث اعترفت فــي قوانينها بالكنائس، واحترمت الممارســة الدينية في المجال العام، ولم تتخذ أي إجراءات عدائية ضد أي دين؛ فرغم «المناقشــات التي ثارت مؤخرًا بشأن المهاجرين المســلمين تقدم هولندا (مث ً) نموذجًا مســتقرّا للعلاقة بين الدولة والدين يســتوعب . ((( الجماعات الدينية كافة على اختلافها» . 283 المرجع السابق،ص ((( ت كورو، أحمد، العلمانية وسياسات الدولة تجاه الدين: الولايات المتحدة-فرنسا-تركيا، ترجمة ((( . 33 م)،ص 2012 ندى السيد، الطبعة الأولى، (بيروت، الشبكة العربية للأبحاث والنشر،
34 المرجع السابق،ص ((( 34 المرجع السابق،ص (((
14
كمــا تمثّــل الولايات المتحدة أيضًا نموذج العلمانية غيــر المتطرفة، لأن الدين شــكّل عنصرًا أساســيّا في حياة المواطن الأميركي، ودستور الدولة ينص على أنه لا يجوز للكونغرس أن يســنّ أي قانون في شــأن تأســيس دين من الأديان أو منع حرية ممارسته؛ مما يعني أن العلمانية في الولايات المتحدة «هي في المقام الأول عبارة عن ، ((( قضية حقوق فردية أكثر من كونها عقيدة شــاملة قامت لتحدد إطار الحياة الطيبة» والحكومة بذلك تكفل حرية الممارســة الدينية فــي مختلف الولايات والفيدراليات، وتمنع إصدار أي قوانين تعيق حرية الممارسة الدينية وفق المعتقدات الخاصة بكل فرد أو جماعة. كما أن القيم الأميركية ترتكز على قواعد دينية، لهذا نجد الخطاب الديني حاضــرًا في الفتــرات الانتخابية، وفي الولايات المتحدة عمومًا «يتجنب السياســيون وصف أنفســهم بالعلمانيين لأنهم يعتبــرون أن هذا الوصف يمس بموقفهم الإيجابي عمومًــا من الدين، أو من احترامهم للروحانية، فدلالة المفردة في المجتمع الأميركي . ((( تكاد تتساوى والموقف السلبي من الدين» ويشيد عدد من الدارسين بأفضلية النموذج العلماني الرخو والمرن مقارنة بالنموذج العلماني الصارم والمتشدد، لهذا تتم الإشادة بالنموذج الأميركي؛ إذ يرى عزمي بشارة أن «المــكان المثالي للقاء رغبة المتدينين فــي التحرر من الدولة مع رغبة العلمانيين فــي التحــرر من الدين هو الولايات المتحدة الأميركية؛ ففيها نشــأ عمليّا الفصل بين الدين والدولة حصرًا، وليس الاكتفاء بإخضاع الدين للدولة، خلافًا لإقصاء الدين من ، والإشادة بالنموذج الأميركي هنا قد ((( الحيز العام الذي تطور إليه الأنموذج الفرنسي» يكــون فيها بعض المبالغة، خاصة في الوقت الحالي حيث تضييق الخناق على بعض رغم تنوع أشــكال العلمانيــة واختلاف نماذجها المهيكلــة للدولة الديمقراطية الحديثــة إلا أن ارتكازهــا على فصل الدّين عن الدولة (بغــضّ النظر عن طبيعة هذا الفصل) شكّل نقطة خلاف بين المفكرين المسلمين الذين انتقل إلى بلدانهم النموذج . 36 المرجع السابق،ص ((( . 9 بشارة عزمي، الدين والعلمانية في سياق تاريخي،ص ((( . 283 المرجع السابق،ص ((( المسلمين القادمين من دول إسلامية بعينها. -الإسلاميون وعلمانية الدولة الحديثة 3
15
جاهزًا دون أية ســيرورة تاريخية، ودون اســتيعاب عميق لمبادئ الحداثة؛ الأمر الذي عمّق أزمة الدولة العربية التي شهدت تغيرات كبرى بعد سقوط حكم الخلافة الإسلامية ؛ حيث التحول من حكم دار الإسلام إلى حكم الدولة الحديثة. 1924 سنة ومن أهم إفرازات هذا التحول نشــأة الحركات الإســ مية التي اتخذت شعاري «تطبيق الشــريعة» و»الإســ م هو الحل» شــعارًا لها، لهذا ناصبت العلمانية العداء، وجادلت في أســس الحداثة، مثل: الحريات الفردية، والديمقراطية، والمواطنة... كما رفضت شكل الدولة الجديد، باعتباره سبب تفرقة المسلمين، ودافعت عن عودة نظام الخلافة ودار الإسلام معتبرة إياه النموذج الملائم للحفاظ على وحدة المسلمين. إلا أن بعض الحركات الإســ مية راجعت مواقفها في العقود الأخيرة، وتصالحت بشكل كبيــر مع أســس الدولة الحديثة ومبادئها، ويتعلق الأمــر بحركة «التوحيد والإصلاح» المغربية، وحزب «العدالة والتنمية» المنبثق عنها، وكذا حركة «النهضة» التونسية، حيث اتخذ هذا التيار الإسلامي الموسوم بالاعتدال إجراءات حازمة لوضع مسافة بين الديني والسياسي انسجامًا مع طبيعة الدولة الحديثة وأسسها. وقد تم بذلك التوافق مع مبدأ ناصبته الحركات الإســ مية العداء زمنًا طوي ً، ويتعلق الأمر بمبدأ العلمانية، خاصة في صيغته المعتدلة، لا المتطرفة، حيث تحولوا من رسم صورة قاتمة عن هذا المبدأ الحداثي، إلى الدفاع عنه، واعتباره ضحية سوء الفهم، بل والإشادة بأفضاله في حماية الدين من تسلط الدولة. ولم يكتف رواد حركة «التوحيد والإصلاح» بالتنظير لأفضال التمايز بين الديني والسياسي، بل طبقوه على المستوى الواقعي من خلال الفصل بين مؤسستين، مؤسسة حركة «التوحيد والإصلاح» المتخصصة في العمل التربوي والدعوي، ومؤسسة حزب «العدالة والتنمية» المتخصصة في المجال السياسي، وقد تم ذلك منذ بداية الانخراط في العمل السياسي، وعيًا من هؤلاء الإسلاميين المغاربة بمسألتين أساسيتين، هما: الوعي بخصوصية الدولة المغربية الحديثة، الخاضعة لنظام إمارة المؤمنين؛ حيث يدخل الشــأن الديني في مهام الملك، الذي يُعد حاميًا للدين في الدســتور المغربي، ومن ثم لا مجال لمنافســته في هذا الشــأن من طرف أي حزب، حتى لو كان يحمل مرجعية دينية. الوعي بطبيعة الممارســة السياســية داخل دولة حديثة تفرض وضع حدود بين السياسي والديني لتجنب المعيقات والصعوبات التي تفرضها طبيعة هذه الدولة، التي
16
لا تؤمــن إلا بالإنجــاز والعطاء، وتحقيق أكبر قدر من المصالح للمواطنين، بعيدًا عن أية أيديولوجيا دينية. لهذا، تعتبر خطوة الفصل بين الدعوي والسياســي لدى الحركة والحزب، ضمانًا لنوع من الاســتمرارية في المشاركة السياسية، لأنها ترفع عن هؤلاء الإسلاميين نسبيّا تهمة معارضيهم باستغلال الدين لتحقيق أهداف سياسية، أو الطموح لإنشاء دولة دينية. وقد ســار على هذا النهج حزب «النهضة»، ولو بشــكل متأخر زمنيّا عن حزب «العدالــة والتنمية» المغربي، فتخلى عن العمل الدعوي والديني، الذي تركه للمجتمع المدنــي، مكتفيًا بالتخصص في العمل السياســي، معلنًا نفســه حزبًا سياســيّا وطنيّا ديمقراطيّا، همه الأســاس إنشــاء برامج تنموية اقتصادية واجتماعية، تنهض بالدولة، وتحقق للمواطنين نوعًا من الاستقرار المادي. وإذا كانت خطوة الفصل بين الدعوي والسياسي لدى هذا التيار من الإسلاميين قد أمّنت اســتمرارهم السياســي، وطمأنت نسبيّا أعداءهم داخل الدولة وخارجها، إلا أنها جرّت عليهم انتقادات كبيرة، خاصة من طرف التيارات السلفية، والفئات الشعبية المناصِرة لمشــروعهم الإسلامي الذي شكّل أساس وهدف وجودهم، والذي اختفت معالمه رويدًا رويدًا بعد ولوج تجربة الحكم، فأصبحوا يلقبون بالعلمانيين الجدد، أو تيار الإسلاميين العلماني. ونظــرًا لتصدر هذا التيار الإســ مي المتمثل في «حركــة التوحيد والإصلاح» المغربية، وحركة «النهضة» التونسية للمشهد السياسي في السنوات الأخيرة، في سابقة تاريخية بالدول العربية الإســ مية بعد ثورات ما سمي بـ»الربيع العربي»، فقد استلزم الأمر رصد تمثلهم للدولة الحديثة التي أضحى حكمها أمرًا واقعًا؛ وذلك للوقوف على طبيعة هذه التمثلات التي تؤثر بشكل إيجابي أو سلبي على الأداء السياسي للأحزاب الإسلامية المنبثقة عنها، كما أن دراسة هذه التمثلات من شأنها أن تقرب لنا الصورة عن مدى انســجام فكر الحركات الإســ مية -موضوع الدراســة- مع طبيعة الدولة الحديثة أو مدى تعارضه معها، لنتمكن في النهاية من مقاربة تجربتهم السياسية ونقدها.
17
الفصل الثاني " التوحيد والإصلاح " صورة الدولة في فكر حركة
تمهيد تميزت الحركات الإسلامية في المغرب بالتنوع والتعدد، إلا أن حركتين إسلاميتين تميزتا بانتشارهما الواسع داخل المجتمع، وهما: حركة «التوحيد والإصلاح»، وحركة «العدل والإحســان». ورغم اشــتراك الحركتين في نفس المرجعية، وتبنيهما المشروع الإسلامي إلا أن اختلافهما يكاد يكون جذريّا، على مستوى المنهج والفكر والممارسة. وقد تم اختيار حركة «التوحيد والإصلاح» تحديدًا لدراسة تمثلاتها حول الدولة الحديثة، لأنها عرفت مسارًا تطوريّا وتحوً نوعيّا في تمثلها للدولة؛ حيث انتقلت من معاداة «الدولة الحديثة» إلى الدفاع عنها، والاندماج في مؤسســاتها، معترفة بمكاسب هذا الكيان السياســي الحديث، وأسســه السياســية، وما كان ذلك ليتم إلا بعد القيام بالعديــد من المراجعات الفكرية، والتي صبّ معظمها في ســياق التكيف والاندماج مع كيان «الدولة الحديثة»، محاوِلة في الآن نفسه توجيه هذا الكيان وترشيده للتكيف مع مقاصد الشــريعة الإســ مية؛ الأمر الذي يبدو جليّا في أدبيات الحركة السياســية، وما دوّنته أقلام رواد هذه الحركة من أمثال: أحمد الريسوني، وسعد الدين العثماني، ومحمــد يتيم...وغيرهم، حيث يظهر لديهــم جليّا الرغبة في تخليق «الدولة الحديثة» وأسلمتها من خلال جعلها متوافقة مع مقاصد الشريعة. ومن شــأن المشاركة السياســية لحزب «العدالة والتنمية» في تسيير أول حكومة مغربية بعد ثورات ما سُمي بالربيع العربي، أن تضع فكر وتمثلات الحركة في محك التجربــة، علــى اعتبــار أن رواد الحزب قد نهلوا من فكر الحركــة، بل إن عددًا من رواد الحركة، هم من أسّسوا الحزب، وأشرفوا على تسييره، ورغم حفاظهم على نفس المرجعية، والأسس الفكرية، إلا أنهم فَصَلوا وميّزوا بين تخصصات كل مؤسسة على حدة: مؤسسة الحزب ومؤسسة الحركة. ومن شأن دراستنا لتمثلات حركة «التوحيد والإصلاح» للدولة الحديثة، أن تمكّننا مــن الوقوف على حجم التصالح مع هــذه الدولة، ومدى تطابق مراجعات الحركة مع طبيعتها، وكذا الوقوف على طبيعة الممارســة السياســية لحزب «العدالة والتنمية» الذي يتشــبع بنفس المرجعية والأســس الفكرية، ومن ثم رصد مدى الانسجام الحاصل بين الفكر المتصالح نسبيّا مع الدولة الحديثة، والممارسة السياسية داخل هذا الكيان الحديث.
21
- حركة "التوحيد والإصلاح" والعمل السياسي 1 انتقلت حركة التوحيد والإصلاح من العمل الدعوي إلى العمل السياســي بعد ، والذي تحول 1998 اندماجها مع حزب «الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية» سنة فيمــا بعد إلى حزب جديد ذي مرجعية إســ مية هو حــزب «العدالة والتنمية» الذي تخصص في المجال السياســي، في حين اقتصرت مهام حركة «التوحيد والإصلاح» على الجانب الدعوي والتربوي. ومن أهم أســباب المشــاركة السياسية في تسيير مؤسســات الدولة: الرغبة في الإصلاح والتغيير من داخل المؤسسات وليس من خارجها، دون الخضوع التام لهذه الدولة أو التسليم لها، وهو ما أكده أحمد الحمداوي بإقراره أن «خيار المشاركة ليس خيــار الارتخاء والذوبان والتســليم بالواقع، بل هو خيار اليقظة المســتمرة، والعمل الــدؤوب، إنه خيار المكابدة والمخالطة للنــاس ولهمومهم، والصبر على أذاهم، إنه خيار المواجهة للمشــاكل، والمجابهة للمتاعب، ومكابدة المشــاق، ومدافعة الفساد، . ((( والدفع في اتجاه الإصلاح» وقد تميزت حركة «التوحيد والإصلاح» بالنظرة التجديدية للدين عن طريق تجذير «فكر إسلامي إصلاحي حقيقي يقوم على تغليب روح الاجتهاد والتجديد الديني بناء . لهذا، تتخذ أغلب الإنتاجات الفكرية لرواد ((( على مقاصد الشــريعة وروحها العامة» حركة «التوحيد والإصلاح» من فقه المقاصد الشرعية عند الشاطبي سندًا لها. وقــد اعتبــر محمد الحمــداوي روح التجديد والمراجعات التــي ميزت حركة «التوحيد والإصلاح»، والنقد الذاتي المســتمر أحد أســرار نجاحها خلافًا للحركات الأخــرى؛ حيــث أقرّ بأن «الكثيــر من إخفاقات الحركات الإســ مية، وما تعانيه من احتقانــات داخلية ومشــاكل تنظيمية وأحيانًا انشــقاقات واضطرابات، يرتبط في جزء . ((( كبير منه بضعف وضآلة ثقافة المراجعة في أوساطها» ولعــل أهم ما انفردت به حركــة «التوحيد والإصلاح» في تجديدها واجتهادها، الحمداوي، محمد، العمل الإسلامي: دائل وخيارات، سلسلة فقه الإصلاح، الطبعة الأولى، ((( . 101 )،ص 2016 (المغرب، طوب بريس، ((( عماد، عبد الغني، الإسلاميون بين الثورة والدولة، الطبعة الأولى، (بيروت، مركز دراسات الوحدة . 177 )ص 2013 العربية، . 48 الحمداوي، العمل الإسلامي: دائل وخيارات، سلسلة فقه الإصلاح،ص (((
22
فصلها بين العمل السياسي الحزبي والعمل الدعوي التربوي، من خلال إنشائها لحزب «العدالة والتنمية» المنفصل عن حركة «التوحيد والإصلاح»، فالحزب مهامه سياسية، والحركة مهامها دعوية تربوية، وقد بيّن محمد الحمداوي أن هذا التمايز في مجالات العمل، يرتبط بخصوصية كل ميدان على حدة فالمغاربة «حينما يصوتون على «العدالة والتنمية» ينتظرون منه إنجازات على مستوى برامج ومقترحات في تدبير الشأن العام، يعني برلمان، بلدية، أغلبية، حكومة، معارضة...وهذا الأمر هو مجال خاص بالحزب، لــن تجــده في جدول أعمال حركة «التوحيد والإصلاح» ولا قيادتها، رغم أنها حركة دعوية ولها مواقف سياسية في القضايا الكبرى للأمة، فإن قضايا الحزبية وقضايا تدبير . ولعل ((( الشأن العام تبقى مجاً لاشتغال الحزب، فهناك تمايز بين الحركة والحزب» عملية الفصل بين الدعوي والسياسي التي قام بها هذا التيار قد أسهمت إلى حد كبير في انتعاشه سياسيّا، وقبوله دوليّا، بعد اطمئنان التيارات اليسارية والعلمانية نسبيّا على استقلالية القرارات السياسية لحزب «العدالة والتنمية». وإذا كانــت حركة «التوحيــد والإصلاح» قد تأثرت في بدايات نشــأتها بحركة «الإخوان المسلمون»، فإن حزب «العدالة والتنمية» قد تجاوز نسبيّا فكر هذه الحركة؛ حيث بدا تأثره واضحًا بحزب «العدالة والتنمية» التركي، فهما يتشــابهان في الاســم، ويتخذان نفس الشــعار الحزبي، وهو «المصباح». ولعل ما أبهر الحزب المغربي في التجربة التركية، نجاح الحزب في الاندماج مع دولة حديثة علمانية، وقدرته على تحقيق إنجازات اقتصادية هائلة. لهذا، اتجهت مراجعات الحزب المغربي نحو الاستفادة من التجربة التركية في هذا المجال. هذه المراجعات الفكرية التي قامت بها حركة «التوحيد والإصلاح» تدفعنا للتساؤل عن موقف مفكريها ومنظريها من الدولة القُطرية الحديثة، التي قبلوا بالعمل داخل مؤسساتها، وتراجعوا عن قلب نظامها في أدبياتهم السياسية، فهل الأمر مجردضرورة تاريخية ومسألة نفعية برغماتية أم أن الأمر يتعلق بتغير جذري في وعي هذه الحركة الإسلامية لتنحو نحو الحداثة، والقبول الكلي بنظام الدولة الحديثة وأسسها؟ وللإجابة على هذا التساؤل، لابد من استقراء مواقف حركة «التوحيد والإصلاح» من حكم الخلافة السابق للدولة الحديثة، وكذا مواقفها من حلم «الدولة الإسلامية» الذي حفل به خطاب الحركات الإسلامية زمنًا طوي ً. الحمداوي، محمد، في العلاقة بين الجماعة والحزب، الطبعة الأولى، (دار الكلمة للنشر والتوزيع، ((( . 27 - 25 ) ،صص 2013
23
- حركة "التوحيد والإصلاح" بين حكم "الخلافة" وحلم "الدولة 2 الإسلامية" تأرجحت مواقف الحركات الإســ مية عمومًا بيــن اعتبار حكم الخلافة واجبًا شرعيّا يجب العمل على استرجاعه، أو اعتباره اجتهادًا بشريّا يمكن تجاوزه، كما رأت في مشروع «الدولة الإسلامية» بديً ممكنًا لحكم الخلافة، يستطيع أن يحتوي نظامين سياســيين مختلفين، بل متناقضين أحيانًا، وهما: نظام الخلافة ونظام الدولة الحديثة، بحيث يأخذ من هذه الأخيرة الشكل السياسي الحديث، ويعتمد في الجوهر والمبادئ أحكام نظام الخلافة، وهي العملية التي توصف بأسلمة «الدولة الحديثة». فهل اتخذت «حركة التوحيد والإصلاح» نفس المنحى، أم أن الأمر كان لديها مختلفًا؟ حكم "الخلافة" بين الإلزامية الدينية وإمكانية التجاوز 1-2 ترفــض حركة «التوحيــد والإصلاح» اعتماد مقولة الخلافــة في العصر الحالي باعتبارهــا مجرد مصطلح يســمي نوع الســلطة القائمة، وليس نظامًا سياســيّا جاهزًا مفروضًا على المســلمين اتباعه. فأحمد الريســوني لا يرى فيها إلا «مجرد اســم من الأســماء ومصطلح من المصطلحات، ليس واجبَ الاستعمال ولا واجب الاجتناب، يمكن أن نعبّر به وبغيره، ويمكن أن نُسقطه وننساه. فالمبادئ والمقاصد هي المعتبرة ، كما يرى فيها ســعد الدين العثماني لفظًا يرادف الســلطة أو ((( وهي المعوّل عليها» . ((( السلطان فحسب، ولا يمثّل نظامًا سياسيّا جاهزًا محددًا فنظام الخلافة -حســب هذه الحركة- لا يســتند إلى أدلة شــرعية؛ إذ لا وجود لمصطلح الخلافة -حسب أحمد الريسوني- «في القرآن وصحيح السنة، بل «الخلافة» نفســها ليســت نظامًا، بل هو معنى إجمالي أجمع المسلمون على شرعيته وضرورته، ولفظ «الخليفة» هو لقب يعبّر عن القائد، يمكن أن يستبدل بالرئيس، أو الإمام، واسم الخلافة لا يحيل على نظام شرعي محدد موصوف، ولا حتى عن تجربة تاريخية موحدة ((( استمارة بحث ميداني حول موضوع «تمثلات الإسلاميين للدولة الحديثة»أجراها الباحث مع أحمد . 2015 - 7 - 12 الريسوني، عضو حركة التوحيد والإصلاح، عبر البريد الإليكتروني بتاريخ العثماني سعد الدين، الدولة المدنية في ظل مقاصد الشريعة، فسائل، الموقع الرسمي لسعد الدين ((( . http :// www . fassael . ma / index . php / 2015 ) 2015 - 9 - 15 العثماني (الدخول بتاريخ
24
. وهم ((( أو متشابهة، بل هي أنماط عديدة، تختلف باختلاف الدول والأقطار والأفراد» في ذلك يختلفون مع جماعة «العدل والإحسان» المغربية التي ترى أن للخلافة سندًا شــرعيّا من الســنة النبوية؛ حيث بشّر النبي صلّى الله عليه وسلّم بعودة حكم الخلافة مــن خلال الحديث المروي عن حذيفة، رضي الله عنه، «تكون النبوة فيكم ما شــاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شــاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكًا عاضّا فيكون ما شاء الله أن يكون، ثم يرفعها إذا شاء الله أن يرفعها، ثم تكون ملكًا جبرية فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على . ((( منهاج النبوة» وقــد اعتبــر أحمد الريســوني أن هذا الحديث «لا يخلو من هشاشــة في ثبوته وصحته، وأقصى ما يقوله فيه أهل الاختصاص هو أنه «حَسَــنُ الإســناد». ومثل هذا لا يُبنى عليه شــيء من الأحكام الغليظة والأمور الجســيمة، وقصارى ما يصلح له هو التبشير وبث الأمل، أما إذا جد الجد وعظمت الأمور، فلابد من أدلة صحيحة متينة، . ((( وإلا فلا» لهذا، أســقطت هذه الحركة الإســ مية حكم الخلافة الإلزامية الدينية، باعتباره ليس واجبًا شــرعيّا، وحكمًا أصيً في الإســ م؛ إذ ليس عندنا في الإسلام -حسب أحمد الريسوني- «نظام» سياسي معين، لا باسمه ولا بهياكله الدستورية، ولا بترتيباته القانونيــة، لأن مجال السياســة والحكــم والدولة والإدارة العامــة، محكوم بالمبادئ والقواعد الكلية، وليس بأحكام تفصيلية منصوصة، ولو كان للإســ م نظام سياســي محــدد وثابت، لمــا كان صالحًا لكل زمان ومكان. فمن عظمة الإســ م وصلاحيته المتجــددة، أنــه أتى بأحكام مفصّلة ثابتة في المجالات الجوهرية المســتقرة في حياة الإنســان، في حين اكتفى بجملة من القواعد والمقاصد والمبادئ العامة، فيما طبيعته . 84 ) ،ص 2013 ، (القاهرة، دار الكلمة للنشر والتوزيع، 2 الريسوني، أحمد، فقه الثورة، الطبعة ((( ) والطيالسي والبيهقي في منهاج النبوة، والطبري، والحديثصححه العراقي في 18031 رواه أحمد ( ((( )، والألباني في السلسلة الصحيحة، وحسنه الأرناؤوط. 175 محجة القرب ( يوليو/تموز 7 الريسوني، أحمد، الخلافة على منهاج النبوة والخلافة على منهاج داعش، الجزيرة نت، ((( . http :// www . aljazeera . net )، 2015 مايو/أيار 10 ( تاريخ الدخول 2014
25
. فالدولة -وفق هذه الرؤية- تُبنى على مقاصد ((( التغير والتنوع والقابلية لأكثر من وجه الدين ومبادئه المتمثلة في العدل والمســاواة والشــورى، واحترام كرامة الإنسان، ولا تتأسس على الشكل الخارجي. وما دامت المبادئ والمقاصد هي المعتبرة وهي المعوّل عليها، فلا يهم الاســم الذي يوصف به الحكم -حسب أحمد الريسوني- حتى لو كان اسم «الدولة الحديثة»، فكل الأسماء مقبولة، ما دام الحكم يراعي مقاصد الدين، «سواء تمت باسم الخلافة، أو الإمارة، أو باســم الديموقراطية، أو باســم الجمهورية، أو باسم الدولة الحديثة أو الدولة المدنية...، السؤال عن المضمون والمحتوى والصبغة والأثر، وليس لذلك اسم . الأمر نفســه أكده ســعد الدين العثماني ((( محدد ولا نمط مقدس ولا شــكلٌ ثابت» عندما أقرّ بأن نظام الخلافة لا يعد نظامًا سياسيّا محددًا، بل هو مجرد تجربة سياسية تاريخية، وليست نموذجًا يقاس عليه، لأن مصطلحاته السياسية ليست جزءًا من الشرع، مما يفتح الباب واســعًا أمام الإبداع، والاســتفادة من التجربة البشــرية، وهو أمر يليق . ((( بدين الإسلام الذي يمتنع أن يفرض نمطًا واحدًا جامدًا للدولة وللممارسة السياسية تعبّر مواقف حركة «التوحيد والإصلاح» إذن عن انفتاح هذا التيار السياسي على أنماط جديدة من الحكم، دون الاقتصار على نموذج معين، سواء تمثل هذا النموذج في الخلافة أو غيرها. بل أمر الحكم في رأي منظّريها خاضع للاجتهاد البشري، لأن نموذج الخلافة نفسه يعد -حسب هذه الحركة- ابن بيئته، مرتبطًا بالظروف التاريخية التي نشأ فيها، متأثرًا بالتجارب السياسية المعاصرة له. لهــذا، يلاحظ ســعد الدين العثماني على الخطاب الإســ مي تأثــره بالتجربة السياسية التاريخية للمسلمين على المستويين النظري والتطبيقي والمتمثلة في -تجربة الخلافة-، في حين شهدت البشرية تطورات هائلة في مناهج المعرفة ومقارباتها، وفي ، (القاهرة، دار الكلمة للنشر 3 الريسوني، أحمد، الفكر الإسلامي وقضايانا السياسية المعاصرة، الطبعة ((( . 17 16 )،صص- 2014 والتوزيع، استمارة بحث ميداني حول موضوع «تمثلات الإسلاميين للدولة الحديثة»أجراها الباحث مع أحمد ((( . 2015 - 7 - 12 الريسوني، عضو حركة التوحيد والإصلاح، عبر البريد الإليكتروني بتاريخ العثماني، سعد الدين، الدولة المدنية في ظل مقاصد الشريعة: الخلافة نظام إسلامي شرعي أم تجربة ((( سبتمبر/أيلول 15 م،( تاريخ الدخول 2014 أكتوبر 17 تاريخية، حركة التوحيد والإصلاح، الأربعاء / آراء-وتحليلات/دراسات-وأبحاث، http :// alislah . ma ) 2015
26
أطر الحياة وتنظيم المجتمعات بما يجعل مجمل اجتهادات الفقه السياســي التقليدي متجاوزة وغير متناســبة مع ذلك التطور، وفي أحايين كثيرة تؤدي بالواقع إلى عكس المراد الشرعي. لأن العلوم الاجتماعية وفي مقدمتها علوم السياسة عرفت تطورًا كبيرًا، سواء من حيث القيم العامة والمناهج المؤسّسة، أو من حيث النظم والآليات، وهو ما . الأمر نفسه يستنكره محمد يتيم، عندما ينتقد الفكر ((( لا يمكن إغفاله أو الانعزال عنه الإســ مي المعاصر الحالم بتكرار تجربة الخلفاء الراشــدين، والذي يسجن نفسه في هذا الخيار، حيث بقي متأرجحًا «بين النموذج المثالي، أي نموذج الخلافة الراشــدة، وبيــن النموذج الواقعي، أي تبرير شــرعية الســلطان المتغلــب، درءًا للفتنة وترجيحًا . ((( لمصلحة الاستقرار، دون أن يتجه إلى التفكير في ضوابط وآليات ترشيد الخلافة» وبذلــك، ينتقد منظّرو حركة «التوحيد والإصلاح» التراث الفقهي الذي شــغف بحكم الخلافة، الذي يعد ابن زمانه، ويســتنكرون حلم بعض الإسلاميين المعاصرين بتكرار النموذج، ويدعون في الآن نفسه إلى الانخراط في المنظومة السياسية الحديثة، والتي عرفت تطورًا هائً لا يمكن إنكاره أو تجاوزه، وما المنظومة السياسية الحديثة إلا «الدولة الحديثة» وأسسها، مما يعبّر عن توافق تام مع هذا النوع من الدول المنسجم في نظرهم مع تطور العلم والحياة. وهو ما أكده سعد الدين العثماني عندما ألحّ على ضرورة «الخروج بالفقه السياسي الإسلامي من «الدولة الجامعة» بمختلف مسمياتها، والمطابقة لأمة العقيدة، لتأســيس فكرة الدولة بمفهومها المعاصر، دون أن يعني ذلك . ((( عدم العمل على الخروج من حالة التجزئة، لكن بمعايير سياسية مصلحية توافقية» وما الدولة الجامعة إلا دولة «الخلافة» التي وحدت المســلمين على أســاس الانتماء العقائدي، ولن يتم التأســيس للدولة المعاصرة -حســب العثماني- والتي ترتكز على أساس السيادة في إطار جغرافي محدد، إلا بالخروج من فكرة «الخلافة» التي سكنت نفس المرجع. ((( ، (القاهرة، دار الكلمة للنشر والتوزيع، 1 ((( يتيم، محمد، الحركة الإسلامية بين الثقافي والسياسي، الطبعة . 46 )،ص 2013 العثماني، سعد الدين، الدولة المدنية في ظل مقاصد الشريعة: النموذج الفقهي للدولة والسياق ((( http :// www . ،) 2015 سبتمبر/أيلول 15 ،( تاريخ الدخول 2014 الحضاري، فسائل، أكتوبر . fassael . ma / index . php / 2015
27
الخطاب الإســ مي زمنًا طوي ً، دون أن يعني ذلك الإجهاز على الرغبة في الوحدة بين الأقطار العربية الإسلامية. وبذلك، تكون هذه الحركة الإســ مية قد نحــت بفكرها نحو التحديث، ملقية بنفســها بكل أريحية في أحضان الدولة الحديثة التي تعد في رأيهم تطورًا سياســيّا لا منــاص من التوافق معــه وقبوله، كضرورة حتمية من جهــة، وكمعطى تاريخي أثبت جدارته السياسية من جهة أخرى. رافضة في الآن نفسه الانغماس في الماضي والركون له على اعتبار أن النظام السياســي وليد عصره وظروفه التاريخية، وليس نسخة نمطية تتكرر في كل الأزمنة. هــذا التوجه نحــو الدولة الحديثة، الذي نلمســه في خطاب حركــة «التوحيد والإصلاح» لا يعني عدم الاعتراف بأهمية الخلافة الراشــدة باعتبارها تجربة تاريخية «لهــا في النفــس كل الإجلال والتقدير لكــن هذا لا يجعلها تجربــة تتجاوز الزمان والمكان والملابســات التي أملتها، ما دامت الممارســة السياسية النبوية نفسها نسبية، فهي أيضًا تجربة نســبية تبرز أسلوبًا للتفاعل مع الواقع الإسلامي المتغير وليس جزءًا . ((( من الدين» موقف هذه الحركة الإسلامية لم يقف عند فكرة تجاوز حلم استرداد نظام الخلافة، بل انتقل إلى نقد هفواته السياســية؛ إذ يؤكد محمد يتيم أن الخلافة الراشــدة كشــكل من أشكال الحكم، ونموذج تطبيقي لقيم الإسلام، لم تشكّل سوى صورة من الصور الممكنة، وقد لا تكون النموذج الأمثل أو الوحيد على المستوى القانوني والدستوري وضبط آليات التداول على السلطة؛ حيث اعتمدت تلك التجربة في نجاحها بالدرجة الأولى على السمو الديني والأخلاقي للخلفاء، بينما عاشت حالة فراغ دستوري على مســتوى الآليات الضابطة لانتقال الســلطة بشكل ســلمي وهو الفراغ الذي ملأه كل خليفة بطريقته الخاصة وتعاملت معه الجماعة الإســ مية باعتباره حالة طارئة، ورغم تمام الرشد الديني والأخلاقي للخلافة والخلفاء الراشدين، فقد خلّف ذلك الفراغ ثغرة استغلها ضعاف النفوس و»السيئون» لغرس حالة من عدم الاستقرار السياسي، ونفذوا منها لزرع بذور «الفتنة الكبرى» التي اعترضت سبيل الدولة الإسلامية الناشئة. وما كان
،) 2013 (القاهرة، دار الكلمة والنشر، 2 ((( العثماني، سعد الدين، الدين والسياسة تمييز لا فصل، الطبعة . 34 ص
28
ذلك ليقع لولا فقر التقنين الدســتوري لمسألة التداول على السلطة وتنظيم الاختلاف . ((( وتقنين حق النقد والمعارضة هذه الأفكار نفســها نجدها في كتاب محمد عابد الجابري «نقد العقل العربي» مما يؤكد استفادة رواد هذا التيار الإسلامي من فكر الجابري الذي اعتمد في دراساته على نقد هذه المرحلة التاريخية، ولكن دون أدنى إشارة من هؤلاء الباحثين إلى مصدر بعض المواقف التي تبنوها، فمحمد عابد الجابري يقرّ في الكتاب ســالف الذكر أن غياب المعالجة الفقهية لمسألة الحكم كان سببًا في حدوث فتنة كبيرة انتهت بانقلاب الخلافة إلى «ملك عضود» بعد الفراغ الدستوري الذي كشف نفسه من خلال الثغرات : ((( الدستورية التي تسببت فيما حدث من فتنة، والمتمثلة في - عدم تحديد طريقة مضبوطة لاختيار الخليفة. - عدم تحديد مدة ولاية الخليفة. - عدم تحديد اختصاصات الخليفة. إذ إن الاجتهادات لم تواكب التطورات التاريخية التي تفرض تطور نظام الحكم، فكانت الكلمة للسيف. وفي نفس الســياق النقدي لحكم الخلافة الراشــدة، قارن محمد جبرون، وهو أحد رموز حركة «التوحيد والإصلاح»، بين الخلافة الراشــدة والملك العضود، ورأى أن لكل واحد منهما حســناته وســيئاته، فدولة الخلافة حرصت أكثر من غيرها على ممارســة الأمة ســيادتها، لكنها في المقابل لم تسمح لها الأحوال ولم يتح لها الوقت الكافي لإرســاء قواعد عدالة موضوعية، قائمة على مفهوم واضح للشــريعة، وإنجاز معتبــر فــي مجال المعروف، وعلى العكس من ذلك نجحت دولة الملك العضود في تشــييد قواعد عدالة إســ مية موضوعية وتوســيع دائرة المعروف، لكنها عجزت عن . فما ينتقده محمد ((( إشــراك الأمة في القرار السياســي وحدت من ممارستها السيادية جبرون في مرحلة الخلفاء الراشــدين كونها لم تكرس قواعد سياســية ثابتة، في حين . 45 - 44 يتيم، الحركة الإسلامية بين الثقافي والسياسي،صص ((( ، (دار النشر المغرب، المركز الثقافي العربي، 1 عابد الجابري، محمد، العقل السياسي العربي، الطبعة ((( . 403 - 402 )،صص 1990 ، (المركز العربي 1 جبرون، محمد، مفهوم الدولة الإسلامية أزمة الأسس وحتمية الحداثة، الطبعة ((( . 350 )،ص 2014 للأبحاث ودراسة السياسات، سبتمبر/أيلول
29
نجحت دولة الملك العضود في ذلك، لكن سيادة الأمة غابت في هذه الأخيرة لصالح الاســتبداد، بعد أن كانت أمرًا معيشًــا في مرحلة «الخلافة الراشدة». الأمر الذي يؤكد جرأة أبناء هذه الحركة الإسلامية على نقد بعض الأمور التي تعتبر «تابوهات» تدخل في دائرة الممنوع بالنســبة لحركات إســ مية أخرى، من خلال نزع صفة القداسة عن هذه المرحلة التاريخية الموصوفة بالراشدة، على اعتبار أن كل التجارب البشرية خاضعة للمساءلة والنقد، لتتم الاستفادة من هذه الأخطاء في الواقع المعيش. رغم إعراض هذه الحركة الإسلامية عن استنساخ تجربة الخلافة بحذافيرها، إلا أنهــا بقيــت محافظة على روح هذا الحكم وقيمه فــي أدبياتها، ويظهر ذلك جليّا في الدعوة إلى إقامة الدين على صعيد الأمة، وتحقيق الوحدة بين الأقطار المســلمة؛ إذ يقر ميثاق حركة «التوحيد والإصلاح» أن «اهتمامنا بإقامة الدين على مستوى مجتمعنا ووطننــا، وإعطاءنا الأولوية لهذا الصعيد لا يلغي اهتمامنا وســعينا لإقامة الدين على مستوى الأمة، ذلك بتقديم ما نستطيعه -ولو كان رمزيّا- لدعم إقامة الدين على صعيد ، لأن القناعة المنطلق منها هي وحدة الأمة الإسلامية، ((( الأمة والدفع بها إلى الأمام» التي تعتبر في نظرهم فريضة شرعية، وضرورة واقعية، هذه القناعة التي تؤيدها الآيات القرآنية التي اســتدلوا بها، كقول الله ســبحانه وتعالى: «إِنّ هَٰذِهِ أُمّتُكُمْ أُمّةً وَاحِدَةً وَأَنَا ، فقد اعتبر ((( ، وقوله تعالى: «وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وََ تَفَرّقُوا» ((( رَبّكُمْ فَاعْبُدُونِ» ميثاق الحركة أن «الفُرقة التي أصابت المســلمين من أعظم المصائب والنكبات التي أدّت -ولا تزال تؤدي- إلى التراجع الديني والتدهور الاجتماعي والتخلف الاقتصادي والتشرذم السياسي، وأن أي توجه وحدوي في الأمة الإسلامية على مستوى الجماعات . ((( أو الأقطار يستوجب الدعم والتأييد» لهــذا، رأى بعــض الدارســين أن حلم تحقيــق الخلافة لدى حركــة «التوحيد والإصــ ح» مــا زال قائمًا، وراســخًا في وجدانه؛ فالغاية توحّــد الجماعات القُطرية للوصول إلى نظام الخلافة الإسلامية؛ إذ يقر المقرئ أبو زيد ذلك قائ ً: «كلنا يحلم أن تتوحد الجماعات الإسلامية، وتصبح جماعة إسلامية موحدة بتنظيم واحد وزعيم . 47 )ص 1998 حركة «التوحيد والإصلاح»، ميثاق حركة التوحيد والإصلاح، (طوب بريس، السنة ((( . 92 الأنبياء، الآية ((( . 103 آل عمران، الآية ((( . 48 حركة «التوحيد والإصلاح»، ميثاق حركة التوحيد والإصلاح،ص (((
30
واحــد وقيــادة واحدة، وكلنا يتمنى أنه عندما يفتح عينيــه من الحلم يجد ذلك واقعًا حقيقيّا، وآنذاك فإن الجواب عن السؤال، هو أن ننتمي إلى الجماعة الواحدة التي تنتظم كل الجماعــات في التراب الوطني، تمهيدًا لأن نتجاوز المرحلة القطرية الاضطرارية، فتنظم الجماعات الإســ مية على مســتوى الجهات، ثم تكون جماعة إسلامية واحدة . ((( على مستوى الأمة، لكي تؤسس خلافة إسلامية واحدة من طنجة إلى جاكرتا» الأمر نفســه يؤكده المختار العبدلاوي عندما يقر أن «التطبيق الحرفي والفوري للشريعة، وإقامة «دولة الخلافة» هو هاجس الحركات الإسلامية المغربية عمومًا، لأنها خرجت في معظمها من منطق «دستورنا القرآن»، لكنها لم تستطع بعد أن تبلور برنامجًا . إلا أننا لاحظنا أن الإنتاجات الفكرية لرواد حركة «التوحيد والإصلاح» ((( سياسيّا فعليّا» تؤكد التراجع عن العديد من المواقف والمبادئ التي شكّلت هذا المنطلق، منها إقامة «دولــة الخلافــة»، على اعتبــار أن الأمر أضحى متجــاوَزًا، وأن تطور العصر يفرض شروطه، والمتمثلة في التصالح والتوافق مع الواقع السياسي الذي يفرض نفسه، وهو واقع الدولة القطرية الحديثة، دون التخلي عن مبادئ الإسلام ومقاصده، والتي تشكّل المرجعية الأساس لهذه الحركة الإسلامية. أما حلم استرجاع نموذج الخلافة فهو أمر وارد لدى بعض أعضاء هذه الحركة الإســ مية، التي أفسحت مساحة للاختلاف بين أفرادها. لكن السياق العام الذي يسير فيه فكر هذه الحركة هو تجاوز مقولة «الخلافة» واعتبارها نظام حكم غير إجباري، بل دعا رواد الحركة لمسايرة روح العصر والتوافق مع نظام الحكم القائم، وهو الحكم الملكي في ظل الدولة القطرية الحديثة. مشروع "الدولة الإسلامية" بين النقد والاحتفاء بالخصوصية 2-2 إلى جانب نقد رواد حركة «التوحيد والإصلاح» لفكرة تبني الخطاب الإسلامي لمقولة «نظام الخلافة» كواقع سياســي يجب استنساخه في عصرنا الحالي، وجّه رواد هذا التيار الإسلامي سهام نقدهم لمقولة أخرى، لا تقل ترددًا في هذا الخطاب، وهي ، (الدار البيضاء،أفريقيا 1 الواريني، سعيد بن محمد حليم، الإسلاميون بالمغربوالديمقراطية، الطبعة ((( . 94 - 93 )،صص 2009 الشرق، العبدلاوي، المختار، الإسلاميون يضطلعون بشرف الدفاع عن القيم، نقً عن، بلال التليدي، ((( ، (منشورات التجديد، مجموعة 1 الإسلاميون والعلمانيون في المغرب والتعايش الممكن، الطبعة . 107 )،ص 2010 مقالات، مارس/آذار
31
مقولة «الدولة الإســ مية» باعتبارها حلمًا منشــودًا من طرف الإسلاميين لتغيير واقع الدولة العلمانية الكافرة في نظرهم، والمتجسدة في نموذج الدولة القطرية الحديثة. فقد اعتبر محمد يتيم أن من أســباب بروز فكرة إقامة «الدولة الإســ مية» لدى العديد من التيارات الإسلامية حادثة سقوط «الخلافة الإسلامية» في تركيا؛ الأمر الذي «أدى بالحركة الإســ مية المعاصرة للدخــول في صراعات واحتكاكات دموية أحيانًا مع أنظمة الحكم الوطنية أو القومية أو الاشــتراكية التي نُظر إليها على أســاس أنها . وهذا التحول ((( «أنظمة غير إســ مية» أو معادية لمشــروع إقامة «الدولة الإسلامية» من نظام الخلافة إلى نظام الدولة القطرية الحديثة، لم يلحق المغرب -حسب مفكري هذه الحركة الإسلامية- لأنه ظل مستقّ عن حكم الخلافة، واستمر دولة إسلامية لها كيانها المستقل. لهذا، يقر ســعد الدين العثماني بأن الحركة والحزب لم يســتعملا في خطابهما مصطلح الدولة الإسلامية «لأنها ترتبط -على الأقل- بسياق مشرقي عانى من صدمة ســقوط الخلافــة، ولا تنطبــق على الحالة المغربية وســياقاتها التاريخية والسياســية حيث الدولة المغربية المســتمرة اليوم كانت عبر التاريخ. فالعمل القائم لدى العلماء والمفكرين المغاربة هو إصلاح (الدولة الإسلامية) الموجودة وليس إقامة دولة أخرى . إذ إن الدولة المغربية التي قادها إدريس الأول منذ القرن الأول الهجري، ((( مكانها» . ((( هي نفسها التي استمرت إلى اليوم، ولا حديث عن استردادها لأنها لا زالت قائمة وما يؤكد اســتمرار هذه الدولة الإسلامية -حسب رواد هذه الحركة الإسلامية- هو تنصيص الدســتور على إســ مية الدولة المغربية، باعتباره مكسبًا كبيرًا للمغرب، وللحركات الإســ مية؛ حيث يمنح هذه الأخيرة مشــروعية التغيير في ظل الشــريعة الإســ مية. فقد رأى عبد الإله بنكيران أن التنصيص على إسلامية الدولة يضيف إلى الحركة الإســ مية مدخً آخر في التغيير هو المدخل الديني؛ إذ حين ينص دســتور الدولة على المرجعية الإسلامية، فمعنى ذلك أن كل القوانين دستوريّا، لا يمكنها أن تخالف الشــريعة الإســ مية. كما أكد على ضرورة مراجعة الرؤية التي كانت تحملها . 42 يتيم، الحركة الإسلامية بين الثقافي والسياسي،ص ((( ) ص 2013 ، (القاهرة، دار الكلمة، 2 العثماني، سعد الدين، الدين والسياسة تمييز لا فصل، الطبعة ((( . 118 . 43 نفس المرجع،ص (((
32
الحركة الإســ مية عن طبيعة الدولة، التي تعتبر مثل الإنســان المســلم، لا يمكن أن ننفي إسلامه بمجرد ارتكابه للمعاصي والانحرافات السلوكية، فالدولة نظريّا ودستوريّا إســ مية، لكن قد تشوب ممارســتها ومواقفها انحرافات عن الإسلام، ولكن هذا لا يجيز أبدًا نزع الشــرعية الدينية عنهــا ولا تكفيرها، وإنما المدخل الديني للتغيير أحد . ولعل هذا ما دفع بعض ((( أدوات إعادتها إلى صوابها والتزامها بمقتضى إســ ميتها الباحثين إلى القول بأن هذا الموقف يمثّل تخليًا عن أطروحة إقامة الدولة الإســ مية وتطبيق الشــريعة وإقامة الحدود، مقابل بلورة رؤية تعتبر الدولة الإســ مية قائمة في المغــرب فــي ظل إمارة المؤمنين، والتركيز بدل ذلك على قضايا الأســلمة والتخليق . ((( والهوية وغيرها وما دام أمر الدولة الإسلامية محسومًا في المغرب، باعتبار خصوصيته التاريخية، والدســتورية -حســب منظّري حركة «التوحيد والإصلاح»- فقد امتدت ســهام النقد لتطول حركات إسلامية أخرى، تستهدف إقامة «الدولة الإسلامية»، حيث اعتبر محمد يتيم أنها «لا تتجاوز مســتوى الشــعار العام، لا تبيّن لنا طبيعة هذه الدولة: هل هي دولة مركزية تشــمل كل الأقاليم الإســ مية من شــرق العالم الإسلامي إلى غربه، أم دولة فيدرالية؟ كما أنها لا تحدثنا عن شكل توزيع السلطات، وطبيعة سلطات الحاكم أو الخليفــة داخلها، وأشــكال الرقابة على الحاكميــن وكيفية اختيارهم ومدة ولايتهم والآليات الدســتورية التي تمكّن من تنصيبهم أو عزلهم. وعن النظام السياسي للدولة الإســ مية: هل سيكون شبيهًا بالنظام الرئاســي أم بالنظام النيابي؟ إلى غير ذلك من عشــرات القضايا التفصيلية المرتبطة ارتباطًا جوهريّا بإشكالية الدولة عامة، وبإشكالية . وهو رأي يبرز نقد محمد يتيم لعمومية الخطاب الإسلامي ((( الدولة الإسلامية خاصة» حول «الدولة الإســ مية»، وعدم دقته، موظّفًا في نقده آليات اشتغال الدولة الحديثة، ممــا يعبّر عن تأثره بمعجمها السياســي، وإعجابه بهــا، ويظهر ذلك جليّا في توظيف مصطلحات سياســية خاصة بها، مثل: (توزيع الســلطات، الآليات الدســتورية، نظام رئاسي...). بنكيران، عبد الإله، «الحركة الإسلامية وإشكالية المنهج»، نقً عن بلال التليدي، مراجعات الحركة ((( . 61 _ 60 )ص 2015 ، (الرباط، طوب بريس، السنة 1 الإسلامية المغربية، الطبعة مقتدر، رشيد، الإسلاميون: دراسات في السياسة والفكر، الطبعة الأولى، (الدار البيضاء، المركز ((( . 55 )،ص 2013 الثقافي العربية، . 47 يتيم، الحركة الإسلامية بين الثقافي والسياسي،ص (((
33
أما ســعد الدين العثماني، فقد نفى عن مصطلح «الدولة الإســ مية» المشروعية التاريخية، والمشروعية الدينية، على اعتبار أن المصطلح جديد الاستعمال، لم يرد في النصوص الشــرعية، ولا في كتابات الفقه أو الفكر السياســي في الحضارة الإسلامية. وهذا النوع من المصطلحات لا يعبّر عادة عن «حقائق دينية أو شرعية»، وإلا لوردت في نصوص قرآنية أو حديثية، ولكن تعبر عن تصور المســلمين حول ما يتوقون إلى أن يكون عليه واقعهم. كما أن التركيز على مصطلح «الدولة الإسلامية» في الخطاب الإسلامي إنما يعبر عن التأثر الشديد للفكر الإسلامي المعاصر بالفكر أيوالحديث الذي يعطي للدولة مكانة مركزية واستثنائية، وهو يبتعد عن المنهج القرآني الذي يركز على الأمة لا على «الدولة». لهذا، اعتبر أن عبارة «دولة إسلامية» غير دقيقة وملتبسة، كما يرى أنه لا ضير إذا عنينا بمصطلح «الدولة الإسلامية»: الدولة ذات الأكثرية المسلمة. لكن المعنى المنتقد لدى سعد الدين العثماني هو وصفها بالنموذج الشرعي المفروض دينيّا كالزكاة وغيرها من الفرائض الواجبة. لأن الدولة في الإســ م تُبنى على مبادئ ومقاصد، ولا تحيل على شــكل أو نمــوذج محدد لبنائها. وإذا كان مصطلح «الدولة الإســ مية» يستدعي تلقائيّا أشــكاً معينة للحكم في التاريخ الإسلامي، فهو لا يعبر إلا عن نماذج تاريخية، تتجاوزها الأمة بتغير ظروفها وســياقاتها، لأن طبيعة المجال . ((( السياسي تفرض الخضوع للاجتهاد البشري كما أقر سعد الدين العثماني بأن أغلب من يستعملون عبارة «الدولة الإسلامية» يربطونها بجعل الشــريعة مصدر القوانين، في حين أن بناء الدولة هو بناء سياســي، وليــس بالضــرورة مرتبطًا بطبيعة النظام القانوني أو مرجعيته التي ليســت في الحقيقة قضايا سياســية، بل هي نتيجة لممارســة مقتضيات بناء الدولة ومؤسساتها في أمة من الأمم. لهذا، يقترح كبديل عن عبارة «دولة إســ مية» معنى «دولة مقبولة إســ ميّا»، وهو المعنى نفســه الذي أعطاه العلماء لمصطلح «السياســة الشرعية»، أي السياسات المقبولة شــرعًا وليس المنصوص عليها. وقد ضرب مثً لذلك بممارســي التجارة المســلمين الذين يلتزمون بأحكام الشــرع في معاملاتهم، لكننا لا نتحدث عن «تجارة 2014 العثماني، سعد الدين، الدولة المدنية في ظل مقاصد الشريعة، حركة التوحيد والإصلاح، يونيو ((( /آراء-وتحليلات/دراسات- http :// alislah . ma ، ) 2015 سبتمبر/أيلول 15 ،( تاريخ الدخول وأبحاث،
34
Page 1 Page 2 Page 3 Page 4 Page 5 Page 6 Page 7 Page 8 Page 9 Page 10 Page 11 Page 12 Page 13 Page 14 Page 15 Page 16 Page 17 Page 18 Page 19 Page 20 Page 21 Page 22 Page 23 Page 24 Page 25 Page 26 Page 27 Page 28 Page 29 Page 30 Page 31 Page 32 Page 33 Page 34 Page 35 Page 36 Page 37 Page 38 Page 39 Page 40 Page 41 Page 42 Page 43 Page 44 Page 45 Page 46 Page 47 Page 48 Page 49 Page 50 Page 51 Page 52 Page 53 Page 54 Page 55 Page 56 Page 57 Page 58 Page 59 Page 60 Page 61 Page 62 Page 63 Page 64 Page 65 Page 66 Page 67 Page 68 Page 69 Page 70 Page 71 Page 72 Page 73 Page 74 Page 75 Page 76 Page 77 Page 78 Page 79 Page 80 Page 81 Page 82 Page 83 Page 84 Page 85 Page 86 Page 87 Page 88 Page 89 Page 90 Page 91 Page 92 Page 93 Page 94 Page 95 Page 96 Page 97 Page 98 Page 99 Page 100 Page 101 Page 102Made with FlippingBook Online newsletter