العدد الرابع من مجلة لباب

صدر عن مركز الجزيرة للدراسات العدد الرابع من مجلة "لباب" التي تعنى بالدراسات الاستراتيجية والإعلامية. وتضمَّن العدد الجديد دراسات تصدت لمجموعة من القضايا، يرتبط بعضها بجوهر الأزمات الراهنة في منطقتنا، وهي تتلمَّس في ذلك التعامل مع ما يتصل بحساسيات تاريخية واجتماعية في دول كثيرة، وكذلك التعقيدات التي ترافق العلاقات السياسية والأمنية، لاسيما في خضم الصراعات الأهلية والإقليمية المتعددة والمتشابكة.

3 |

المحتويات

٥ افتتاحية العدد الجيوبوليتيك الشيعي والمخيلة الجيوستراتيجية الإيرانية: مجالات التأثير وبناء النفوذ ١١ فراس إلياس....................................... ا ً إشكالية العلاقة بين التحديث والاستقرار السياسي: الحالة الجزائرية نموذج 49...................................... صادق حجال : من الانبعاث إلى الإنكار 2019 -1839 صراع الهوية فيجنوب اليمن 81................................. فيصل الحذيفي حالة الحريات الإعلامية في العالم العربي وتأثيرها في المجال العام 119................................... حسناء حسين دور المجتمع الصحفيفي مراحل الانتقال السياسي بالعالم العربي 155.............................. نور الدين بكيس التجاذب الأميركي-الإيراني وتأصيل جاذبية القوة المحورية في الشرق الأوسط 191.......................... فراس عباس هاشم دول مجلس التعاون الخليجي وروسيا الاتحادية: شراكة اقتصادية أم منافسة؟ 221.................. عبد الكريم جابر شنجار قراءة في كتاب الحرب الحضارية لن تقع 253....................................... نزار الفراوي فعاليات سؤال الديمقراطية: فحص العلاقات المدنية-العسكرية في المجتمعات الإسلامية 283.................................. الحواس تقية

5 |

افتتاحية العدد

العمق المعرفي في مواجهة طوفان المعلومات

فــي عددهــا الرابــع تحــاول (لبــاب) التصــدي للقضايــا الجوهريــة التــي تغــوص فــي ـس فـي ذلـك التعامـل مـع مـا يتصـل َّ عمـق الأزمـات الراهنـة فـي منطقتنـا، وهـي تتلم بحساســيات تاريخيــة واجتماعيــة فــي دول كثيــرة، وكذلــك التعقيــدات التــي ترافــق العلاقــات السياســية والأمنيــة، لاســيما فــي خضــم الصراعــات الأهليــة والإقليميــة المتعــددة والمتشــابكة. إن واحــدة مــن أهــم مشــكلات الوعــي بالأحــداث الراهنــة، هــي ســطحية التنــاول، والحجـم الكبيـر لـآراء والتحليـ ت، وكذلـك المواقـف المتداخلـة، سـواء مـن خـ ل وسـائل الإعـ م، أو مـن خـ ل وسـائل التواصـل الاجتماعـي والإعـ م الجديـد. لقـد ب هـذا الطوفـان المعلوماتـي فـي خلـق نمـط معرفـي غيـر متـوازن وغيـر موضوعـي َّ تسـب ره ـا الشـكل ِّ قر ُ عـن تراك ـم الضـخ المعرف ـي باتجاه ـات ي ً ف ـي أحسـن الأحـوال، فضـ سـة لـه، وقـد نتـج ِّ س َ ؤ ُ الخارجـي للأحـداث وليـس التفاصيـل العميقـة الناتجـة عنـه أو الم عــن ذلــك بطبيعــة الحــال، تضخيــم للوعــي المنحــاز وتكريــس للانقســامات علــى ً مسـتوى الـدول أو إقلي ـم الشـرق الأوسـط، وإضافـة سـبب آخـر لمـا هـو حاصـل فعـ مـن صراعـات، وربمـا إث ـارة أخـرى.

| 6

لهـا الأول، دور المنشـورات العلميـة الأكاديميـة ْ و َ لقـد اسـتوعبت (لبـاب) وهـي تكمـل ح فـي تقـديم جرعـات معرفيـة متوازنـة وعميقـة للجمهـور النخبـوي أو العـام، فـي محاولـة لخل ـق نمـط مـن التفكي ـر والمناقشـة الفكري ـة خـارج قي ـود الأيديولوجي ـا أو التسـييس أو ــم فــي بعــض تفاصيــل َّ المرجعيــات الدينيــة أو العرقيــة أو الطائفيــة التــي باتــت تتحك العلاقـات داخـل هـذا الإقليـم. وف ـي ه ـذا الع ـدد، س ـيجد الق ـارئ الك ـريم دراس ـة مهم ـة ح ـول “صـراع الهوي ـة ف ـي جن ـوب اليم ـن” تلام ـس الج ـدل المث ـار ح ـول قضي ـة جن ـوب اليم ـن، وتجاذباته ـا ب ـن الوحـدة والانفصـال، ولكنهـا لا تتدخـل فيـه أو تسـتند إليـه، بـل تناقـش جوهـر الفكـرة م الباحـث مـن خـ ل ذلـك موقفـه ِّ قـد ُ وأصولهـا التاريخيـة والاجتماعيـة والثقافيـة، لي العلمـي مـن هـذا الجـدل. إن التركيــز علــى موضــوع الهويــة، مــع تجنــب الخــوض فــي الصــراع السياســي أو الأيديولوجـي، يوفـر للقـارئ فرصـة للتعـرف بشـكل دقيـق علـى حقيقـة هـذه القضيـة وجوهرهــا مــن غيــر الوقــوع فــي دائــرة الاســتهداف الدعائــي، وهنــا تكمــن أهميــة ا لوع ـي الجمه ـور العرب ـي بتن ـاول ً ه ـذا النم ـط المعرف ـي ال ـذي يح ـاول أن يك ـون راف ـد موضوعــات ذات تأثيــر راهــن علــى حياتــه ومســتقبله ومواقفــه. موضـوع آخـر تناولـه العـدد الرابـع مـن لبـاب عنوانـه “الجيوبوليتيـك الشـيعي وعلاقتـه بالمخيل ـة الاسـتراتيجية الإيراني ـة”، ويكتسـب هـذا الموضـوع أهميت ـه م ـن وجـود إي ـران ـا فـي اشـتباك جيوسياسـي عميـق مـع دول فـي المنطقـة أو مـع قـوى دوليـة أبرزهـا ً طرف ر أو يفتــرض مــن اســتخدام طهــران للجغرافيــا الشــيعية َّ قــد ُ الولايــات المتحــدة، ومــا ي كرافعـة عقائديـة للفعـل السياسـي أو الاختـراق الأمنـي. وبغـض النظـر عـن السـرديات التـي يطلقهـا هـذا الطـرف أو ذاك فـي خضـم هـذا الصـراع متعـدد الأوجه والسـاحات،

البحث العلمي وسط الأحداث الجارية

7 |

ا سـواء ّ ً ف ـإن النم ـط الطائف ـي للحـراك السياسـي أو للصـراع م ـع إي ـران، يبق ـى أساسـي فـي الخطـاب الدعائـي أو فـي الاحتـكاك الأمنـي الخشـن أو الحـروب التـي تجـري عبـر عـد طائفـي معلـن وواضـح. ُ الإقليـم بـأدوات وشـعارات ذات ب لق ـد أس ـفر ه ـذا النم ـط م ـن الصراع ـات ع ـن خل ـق ش ـروخ وتصدع ـات عميق ـة ف ـي البني ـات الاجتماعي ـة ف ـي بل ـدان عربي ـة مهم ـة، وانس ـحب ذل ـك عل ـى زي ـادة ف ـرص الصراعــات المســتقبلية، لاســيما مــع التداعيــات الإنســانية لتلــك الصراعــات، ومــن أبرزه ـا التغيي ـرات الديمغرافي ـة، وحـالات اللجـوء والن ـزوح الجماع ـي الضخـم لملاي ـن الأشــخاص. وفـي الدراسـة المهمـة الموسـومة بـ”إشـكالية العلاقة بـن التحديث والاسـتقرار السياسـي: ــا”، يحــاول الباحــث تفســير علاقــة التنافــر أو التناقــض بــن ً الحالــة الجزائريــة نموذج ـج ِ اج َ ُ ـا مـن فرضيـة ً التحديـث الاجتماعـي والاسـتقرار السياسـي فـي الجزائـر، منطلق ـا فـي تعزيـز الاسـتقرار السياسـي واسـتدامته؛ ففـي حـال ً بـأن التحديـث لا يسـهم دائم اقتصـر التحديـث علـى الجانـب الاجتماعـي والاقتصـادي دون السياسـي فـإن احتماليـة ا فـي حـال فقـدان ّ ً يحـول دون اسـتقرار البـ د تكـون مرتفعـة جـد ٍ ل إلـى عائـق َّ أن يتحـو النظــام السياســي للشــرعية التــي يعتمدهــا، كالشــرعية القائمــة علــى تلبيــة المطالــب الاجتماعي ـة، ومحارب ـة الع ـدو الخارجـي أو عل ـى الشـرعية الديني ـة. لذل ـك، فالحـراك ، والـذي أدى إلـى غايـة 2019 فبراير/شـباط 22 الاجتماعـي الـذي تشـهده البـ د، منـذ اللحظـة إلـى تنحـي الرئيـس عبـد العزيـز بوتفليقـة عـن الحكـم وعـدد كبيـر مـن رمـوز النظـام، كان نتيجـة لهـذه المفارقـة ب ـن التحدي ـث الاجتماعـي والاسـتقرار السياسـي. ـا دراسـتان إعلاميتـان مهمتـان، كلتاهمـا تحـاولان أن تغوصـا بعمق ً وفـي هـذا العـدد أيض وموضوعيـة فـي مهمـات الإعـ م وأدواره فـي مراحـل التحـول السياسـي، أو مـا تؤسسـه

| 8

الحري ـات الإعلامي ـة م ـن تداعي ـات عل ـى الحركـة الاجتماعي ـة العام ـة، سـواء ارتبطـت بالسـلوك الاجتماعـي أو بالعمـل السياسـي والفكـري. وتتنـاول الدراسـة الأولـى “حالـة الحريــات الإعلاميــة فــي العالــم العربــي وتأثيرهــا فــي المجــال العــام”، وتبحــث فــي اسـتراتيجيات السـلطة وآلياتهـا فـي التضييـق علـى الممارسـة الإعلاميـة وكيـف أسـهمت تلـك السـياقات السياسـية والاجتماعيـة والتكنولوجيـة لصـالح الرهانـات التـي وضعتهـا؛ حيـث تسـتند الأنظمـة المتسـلطة فـي المجتمعـات العربيـة بشـكل رئيـس فـي سياسـة قمع الحريـات الإعلاميـة علـى هشاشـة وضبابيـة وازدواجيـة منظومـة المعلومـات (الرقميـة) في المجتمعـات المعاصـرة التـي لا تـزال تخضـع بشـكل كبيـر لرهانـات ومصـالح مجموعـة مـن الفاعلـن والقـوى العالميـة. وقـد راهنـت هـذه الأنظمـة علـى ظاهـرة ارتفـاع جاذبيـة ـة َ ك َ ر ْ ب َ ف ُ ل ـة والم ِّ “نظري ـات المؤامـرة” والتلاعـب بالمعلومـات أو المعلومـات المغلوطـة والمضل والإش ـاعات ل ـدى مس ـتخدمي الإنترن ـت ووس ـائل التواصـل الاجتماع ـي ف ـي المنطق ـة كأداة رئيسـة فـي تدعيـم سياسـتها القمعيـة. وتسـتقصي الدراسـة الثاني ـة المعنون ـة بــ”دور المجتم ـع الصحف ـي ف ـي مراحـل الانتق ـال ن ِّ السياســي بالعالــم العربــي”، إشــكالية العلاقــة التبادلية-التأثيريــة بــن هــذا المكــو المجتمعـي وتحـولات عمليـة التغييـر الاجتماعـي والسياسـي الجاريـة فـي معظـم الـدول العربيـة واتجاهاتهـا وتجاربهـا المختلفـة، مـن خـ ل محاولـة الإجابـة عـن الأسـئلة التاليـة: كيــف تفاعــل المجتمــع الصحفــي مــع تجــارب التحــول السياســي فــي المجتمعــات العربي ـة؟ ومـا الـذي صن ـع التمايـز علـى مسـتوى مرافقـة المجتمـع الصحفـي لمحـاولات التأسـيس للتحـول الديمقراطـي؟ ومـا مـدى مسـاهمة مسـارات التحـول السياسـي فـي إنت ـاج وتجدي ـد النخـب القيادي ـة والموجه ـة؟ وفـي العـدد دراسـات أخـرى، منهـا: “التجـاذب الإيراني-الأميركـي وتأصي ـل جاذبي ـة

9 |

القـوة المحوريـة فـي المنطقـة”، ويحلـل منهجيـا العناصـر الأساسـية لتصاعـد القـوة الصلبـة فـي طبيعـة التفاعـ ت الأميركية-الإيرانيـة ومحاولـة التأثيـر المتبـادل فـي ظـل تصـورات بشــأن قــدرة كل طــرف علــى ردع الآخــر أو إرغامــه علــى الانصيــاع لرغباتــه، وفــي العــدد كذلــك دراســة بعنــوان “دول مجلــس التعــاون الخليجــي وروســيا الاتحاديــة: شـراكة أم منافسـة؟”، وسـعى لبن ـاء تصـورات أولي ـة لصي ـغ العلاق ـة ب ـن دول مجل ـس م المنه ـج الوصف ـي ِ خد ُ التع ـاون الخليجـي وروسـيا الاتحادي ـة وبخاصـة قطـر، فيم ـا اسـت التحليل ـي لع ـرض خلفي ـة العلاق ـات الاقتصادي ـة ب ـن الطرف ـن، وبي ـان واقعه ـا الحال ـي واتجاهاته ـا، ف ـي ضـوء البيان ـات والإحصـاءات المتاحـة.

هيئة التحرير

11 |

الجيوبوليتيك الشيعي والمخيلة الجيوستراتيجية الإيرانية مجالات التأثير وبناء النفوذ

* فراس إلياس

مقدمة لت الملامــح الأولــى للجيوبوليتيــك الشــيعي مــع انتصــار الثــورة الإيرانيــة عــام َّ تشــك ، وال ـذي اسـتند إل ـى طبيع ـة النظ ـام الثيوقراط ـي الدين ـي بقي ـادة المرشـد الأعل ـى 1979 للثـورة الإيرانيـة، آيـة الله الخمينـي، ويمكـن القـول فـي هـذا الإطـار بـأن الثـورة الإيرانيـة مـن جهـة، ونشـوء حـزب الله اللبنانـي مـن جهـة أخـرى، قـد وضعـا الجغرافيـا السياسـية الش ـيعية ف ـي صـدارة المش ـهد السياس ـي الإقليم ـي والدول ـي، كم ـا أعط ـت الخطاب ـات الدينية-الثوريــة التــي كان يرددهــا الخمينــي، والشــعارات السياســية التــي كان يرفعهــا ق ـادة الحـرس الث ـوري، ق ـوة دف ـع كبي ـرة للمجتمع ـات الشـيعية ف ـي العال ـم الإسـ مي لتستشــعر وجودهــا السياســي، والهــدف مــن وراء ذلــك هــو تشــكيل حركــة شــيعية عاب ـرة للحـدود الوطني ـة مرتبط ـة بدول ـة القل ـب المذهبي/إي ـران.

* د. فراس إلياس، تدريسي في كلية العلوم السياسية بجامعة الموصل، متخصص في شؤون الأمن القومي والدراسات الإيرانية.

| 12

ـرة للمجتمعـات الشـيعية بطبيعـة جيوسياسـية، ِّ إن الجيوبوليتي ـك الشـيعي هـو حال ـة معب فهــو تعبيــر عــن الجغرافيــا الشــيعية المؤثــرة فــي علاقــات القــوة الدوليــة، عــن طريــق الدفـع بالمجتمعـات الشـيعية إلـى الارتب ـاط بالمركزيـة الإيراني ـة، ومـن ثـم تشـكيل قـوة ـر عـن ذل ـك محمـد جـواد لاريجان ـي، مـن أن إي ـران قطـب َّ دولي ـة صاعـدة، كمـا عب دولـي يسـعى إلـى إعـادة تشـكيل النظـام الدولـي علـى أسـاس التعدديـة القطبيـة، أي إن الجيوبوليتيـك الشـيعي هـو بالأسـاس مشـروع جيوسـتراتيجي إيرانـي، يعكـس طبيعـة الافتراضــات الجيوبوليتيكيــة التــي نــادى بهــا المفكــر الاســتراتيجي، هالفــورد جــون The( ) ف ـي نظريت ـه الجيوسـتراتيجية: قل ـب الأرض Halford John Mackinder( ماكين ـدر )، وهـي فكـرة اسـتعارتها الث ـورة الإيراني ـة لتشـكيل مركزي ـة شـيعية Heartland Theory فــي العالــم الإســ مي، تســتند بالأســاس إلــى إيــران باعتبارهــا “دولــة أم القــرى”، ونظامه ـا السياسـي القائ ـم عل ـى نظري ـة ولاي ـة الفقي ـه المطلق ـة. إن تشـكيل حرك ـة شـيعية عاب ـرة للحـدود الوطني ـة وتعظي ـم المجـالات الجيوسـتراتيجية ، أجب ـرت إي ـران 2003 للجيوبوليتي ـك الش ـيعي بع ـد الاحت ـ ل الأميرك ـي للع ـراق ع ـام علـى تسـخير مقدراتهـا الوطنيـة لتحقيـق وجـود خارطـة شـيعية متمايـزة عـن الخارطـة السـنية ف ـي العال ـم الإسـ مي، وعل ـى الرغـم م ـن النجاحـات الكب ـرى الت ـي حققته ـا الاسـتراتيجية الإيرانيـة فـي جغرافيـا ممتـدة مـن أفغانسـتان حتـى شـمال إفريقيـا، وذلـك بفعـل محـركات فعلهـا الاسـتراتيجي والعسـكري والاقتصـادي والأيديولوجـي، إلا أنهـا لـت الجيوبوليتيـك الشـيعي بعـض الشـيء، والتـي يأتـي فـي َّ واجهـت تحديـات كبـرى عط مقدمتهـا الـدور الإيرانـي فـي تصاعـد حـدة الصراعـات الطائفيـة والمذهبيـة، والمنافسـة الجيوبوليتيكيـة لإيـران فـي العالـم الإسـ مي، وعلـى الرغـم مـن أن المشـروع السياسـي الإيرانــي هــو مشــروع اســتراتيجي مــن حيــث الشــكل، إلا أن جوهــره هــو مشــروع

13 |

الجيوبوليتيك الشيعي والمخيلة الجيوستراتيجية الإيرانية

ا لبنـاء المجـال ً عقائـدي يهـدف إلـى احتـواء العالـم الإسـ مي بدولـه ومجتمعاتـه، سـعي الحي ـوي الإيران ـي. ـل أهميـة هـذه الدراسـة فـي كونها محاولـة لإعـادة قـراءة الافتراضات الاسـتراتيجية َّ تتمث الإيرانيــة المتعلقــة بالجيوبوليتيــك الشــيعي، عبــر البحــث فــي طبيعــة وواقــع الأدوار الإيرانيـة، وانعكاسـات ذلـك بالنهايـة علـى محصلـة الفعـل الاسـتراتيجي الإيرانـي، بمـا يتماشـى مـع دواعـي تحقيـق رؤيـة واضحـة لطبيعـة الأدوار الإيرانيـة الشـاملة، لاسـيما وأن ا فـي الشـرق الأوسـط، وانعـكاس طبيعـة هـذا التأثيـر ً مـن القـوى الأكثـر تأثيـر ُّ ـد َ ع ُ إيـران ت علـى الخارطـة الجيوسـتراتيجية الدوليـة. وفي ضوء ذلك تنطلق إشكالية الدراسة من تساؤلات رئيسة عدة، وهي: ل ضـرورة لبن ـاء المج ـال َّ ـك َ ل الجيوبوليتي ـك الش ـيعي الي ـوم؟ وكي ـف ش َّ ـك َ ش َ - كي ـف ت الحي ـوي الإيران ـي؟ ل الجيوبوليتي ـك الشـيعي ضـرورة اسـتراتيجية-دينية لإي ـران، أم إن ـه مجـرد ِّ ـك َ ش ُ - هـل ي حال ـة براغماتي ـة لتوظي ـف المجتمع ـات الشـيعية ف ـي خدمـة أهدفهـا وسياسـاتها؟ فـي ضـوء الإجابـة علـى هـذه التسـاؤلات المركزيـة، تذهـب فرضيـة الدراسـة إلـى إعطـاء نظـرة شـاملة عـن الاسـتراتيجية الإيرانيـة فـي محاولـة لاستكشـاف كل الجوانـب الصريحة ل ملامـح الاسـتراتيجية الإيرانيـة فـي إطـار الجيوبوليتيك الشـيعي. ِّ ـك َ ش ُ والضمنيـة التـي ت ل افتراضــات ِّ شــك ُ ومــن أجــل التوصــل إلــى فهــم واضــح للمقتربــات العامــة التــي ت الجيوبوليتيـك الشـيعي، اعتمـدت الدراسـة علـى المنهـج التاريخـي للبحـث فـي الـدور ال ـذي لعبت ـه أيديولوجي ـا الث ـورة الإسـ مية ف ـي بل ـورة الجيوبوليتي ـك الشـيعي، ومنه ـج التحلي ـل النظمـي مـن خـ ل التطـرق إل ـى الأنسـاق النظري ـة والفكري ـة الت ـي أسـهمت ا المنهـج الوصفـي، وذلـك عـن طريـق البحـث فـي ً فـي بـروز هـذا الجيوبوليتيـك. وأخيـر

| 14

السياسـات الإيراني ـة ف ـي إط ـار ه ـذا الجيوبوليتي ـك، وق ـد فرضـت مجـالات الدراسـة وأبعادهـا هـذا التعـدد المنهجـي. ـل الإطـار العـام ِّ ا مـن المحـاور الرئيسـة التـي تمث ً فـي حـن شـملت هيكليـة الدراسـة عـدد للبحـث، عبـر البـدء بنظـرة عامـة وموجـزة عـن الإطـار العـام لهـذه الدراسـة، ومـن ثـم الإحاطـة بالجزئي ـات التخصصي ـة المتغي ـرة، الت ـي تحي ـط بـكل جوانبهـا علـى امت ـدادات الجيوبوليتيـك الشـيعي، ومـن ثـم مناقشـة جدليـات الحالـة الإيرانيـة وتأثيراتهـا، ودورهـا ا ً فـي تشـكيل المقاربـات الاسـتراتيجية المطروحـة لتحقيـق الجيوبوليتيـك الشـيعي، وأخيـر البحـث فـي التحديـات الكبـرى التـي تواجـه هـذا الجيوبوليتيـك وأهدافـه. .مدخل نظري عام لفهم الجيوبوليتيك الشيعي 1 ـ ت النظري ـة الت ـي وصـل إليهـا ُّ ل مفهـوم الجيوبوليتي ـك الشـيعي أحـد أب ـرز التمث َّ شـك العقـل الاسـتراتيجي الإيرانـي فـي القـرن الحـادي والعشـرين، وتكفـي الإشـارة إلـى أن الفكـر الاسـتراتيجي الإيرانـي صـاغ العديـد مـن نظريـات التمـدد والهيمنـة المسـتندة إلـى ـرت َّ مقومـات القـوة الجيوبوليتيكيـة الإيرانيـة فـي مختلـف مراحلهـا التاريخيـة، والتـي عب عـن إمكانيـات الفعـل الاسـتراتيجي الطامـح لبنـاء المجـال الحيـوي الإيرانـي. وفيمــا يتعلــق بمفهــوم الجيوبوليتيــك الشــيعي، نلحــظ أن الباحــث الفرنســي، فرانســوا )، هـو أول مـن اسـتخدم هـذا المفهـوم عندمـا نشـر كتابـه باللغـة Francois Thual( تـوال ، وتمـت ترجمتـه إلى الفارسـية 1995 الفرنسـية بعنـوان “الجيوبوليتيـك الشـيعي”، فـي عـام ، وحسـن 2000 بـل علـي رضـا قاسـم أغـا، عـام ِ ـر ثـ ث مـرات فـي إيـران، مـن ق ِ ش ُ ون ؛ إذ أشــار إلــى أن المذهــب الشــيعي 2003 ، وقطيــون ياســر، عــام 2001 ســادو، عــام ـر علـى ِّ مفهـوم ذو طبيعـة جيوبوليتيكيـة، علـى اعتبـار أن مجـالات الشـيعة الجغرافيـة تؤث

15 |

الجيوبوليتيك الشيعي والمخيلة الجيوستراتيجية الإيرانية

علاقـات القـوة فـي جميـع أنحـاء العالـم. فعلـى سـبيل المثـال، يتمتـع الشـيعة فـي الخليـج العرب ـي بأهمي ـة جيوبوليتيكي ـة، وذل ـك لوقوعهـم عل ـى جغرافي ـا الطاقـة العالمي ـة، وهـو أم ـر حي ـوي لبق ـاء العال ـم ونم ـوه الاقتصـادي، وم ـن ث ـم م ـن الضـروري أخـذ التوزي ـع الجغراف ـي للشـيعة ومواقعهـم، وكذل ـك ن ـوع معتقداتهـم ف ـي الاعتب ـار، ويخل ـص إل ـى أن ظاه ـرة التش ـيع أصبح ـت ف ـي واق ـع الأم ـر مح ـور الكثي ـر م ـن النزاع ـات الإقليمي ـة والدولي ـة؛ إذ يقي ـم معظـم الشـيعة ف ـي مراكـز جغرافي ـة سياسـية حساسـة ف ـي العال ـم، ممـا منحهـم الق ـدرة عل ـى القي ـام ب ـأدوار مؤث ـرة، وذل ـك باسـتخدام الخلفي ـة التاريخي ـة .)1( الشـيعية وتوزيعهـم الجغرافـي ومراكـز قوتهـم مـن وجهـة نظـر جيوبوليتيكي ـة ــا آخــر للجيوبوليتيــك الشــيعي ً كمــا قدمــت الباحثــة الإيرانيــة، مايــل أفشــار، تعريف ، بعنــوان “الجغرافيــا السياســية الشــيعية”، 2004 فــي مقالــة نشــرتها فــي يونيو/حزيــران وأشـارت إلـى أنـه فـي مرحلـة مـا بعـد الحـرب البـاردة، بـرزت نظريـات نقديـة جديـدة، أخـذت تـدرس علـم الجيوبوليتيـك دراسـة نقديـة، “وبطـرح نظريـة صامويـل هنتنغتـون عــن صــدام الحضــارات، رأينــا عمليــة تســييس للهويــات الثقافيــة والإثنيــة والدينيــة ا ً ا مركـز ً ـل الأسـاس للهويـة الشـيعية، يمكـن اعتبارهـا إذ ِّ والجيوسياسـية، وبمـا أن إيـران تمث .)2(” للعال ـم الش ـيعي فـي حـن تحـدث الباحـث الإيرانـي، محمـد رضـا حافظ نيـا، عـن الجيوبوليتيك الشـيعي بقولـه: إنـه مفهـوم محـدد للبنيـة الإنسـانية والمجتمـع الدينـي الـذي لـه هويـة دينية شـيعية فـي العالـم، بمعنـى الصـراع الإنسـاني الشـيعي فـي العالـم، مـن أجـل إعـادة بنـاء الهويـة والتماسـك الدينـي علـى نطـاق عالمـي، وبنـاء المركزيـة الشـيعية فـي العالـم مسـتوحى ـا إلـى حساسـية الهيـاكل الإقليميـة ً مـن موقـع القيـادة الإيرانيـة؛ الأمـر الـذي أدى أيض المنافســة، وردود فعلهــا الحــادة علــى الهيــكل الشــيعي، ويبــدو أن التكويــن الشــيعي

| 16

يواصـل نضالـه السياسـي لتحقيـق مكانتـه الطبيعيـة فـي الشـرق الأوسـط وجنـوب غـرب آســيا. ويضيــف: يبــدو أن مفهــوم الجيوبوليتيــك الشــيعي مفهــوم هجــن، شــأنه فــي ي، والجيوبوليتي ـك الكاثوليكـي، ِّ ـن ُّ ذل ـك شـأن مفاهي ـم أخـرى مث ـل الجيوبوليتي ـك الس والجيوبوليتيـك اليهـودي، والجيوبوليتيـك الهندوسـي، والجيوبوليتيـك الفرنكوفونـي، وما إلـى ذلـك، علـى اعتبـار أن جميـع هـذه المفاهيـم مبنيـة علـى هيـاكل بشـرية “دينيـة، .)3(” عنصريـة، عرقيـة، سياسـية، طبقيـة ومكانيـة... إلخ ل الركيــزة ِّ وبصــورة عامــة، يشــير مفهــوم الجيوبوليتيــك الشــيعي إلــى أن إيــران تشــك الأساسـية للعالـم الشـيعي ضمـن إطـار الجيوبوليتيـك الإسـ مي، وتأتـي فكـرة المركزيـة الشـيعية هنـا بنفـس الصيغـة التـي طرحهـا المفكـر الاسـتراتيجي، هالفـورد جـون ماكيندر، ن مـن نقطـة مركزيـة هـي أوراسـيا، وتحيـط َّ عندمـا صـاغ نظريـة قلـب الأرض، التـي تتكـو بهـا مجـالات حيويـة أخـرى مرتبطـة بهـا، وهـو مـا يمكـن تناولـه فـي إطـار الجيوبوليتيـك الشـيعي عـن طريـق العديـد مـن النظريـات الجيوبوليتيكيـة التـي تم طرحهـا، والتـي يأتـي فــي مقدمتهـا نظريـة “دولـة أم القـرى” التــي طرحهــا لاريجانـي، والـذي اعتبـر فيهـا أن ـر لنفـس الفكــرة ِّ ل الركيــزة الأساسـية للعالـم الشـيعي، وهـو فـي ذلـك يؤط ِّ إيـران تشـك التـي نـادى بهـا ماكينــدر عندمـا تكلـم عـن المنطقـة المحوريـة فـي العالـم. ) يوضح بنيوية الجيوبوليتيك الشيعي 1( الشكل رقم ﺣﻴﻮﻳﺔ ﺃﺧﺮﻯ ﻣﺮﺗﺒﻄﺔ »ﺎ، ﻭﻫﻮ ﻣﺎ ﳝﻜﻦ ﺗﻨﺎﻭﻟﻪ ﰲ ﺇﻃﺎﺭ ﺍﳉﻴﻮﺑﻮﻟﻴﺘﻴﻚ ﺍﻟﺸﻴﻌﻲ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ ﺍﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﻈﺮﻳﺎﺕ ﺍﳉﻴﻮﺑﻮﻟﻴﺘﻴ ﻜﻴﺔ ﺍﻟﱵ ﰎ ﻃﺮﺣﻬﺎ، ﻭﺍﻟﱵ ﻳﺄﰐ ﰲ ﻣﻘﺪﻣﺘﻬﺎ ﻧﻈﺮﻳﺔ " ﺩﻭﻟﺔ ﺃﻡ ﺍﻟﻘﺮﻯ " ﺍﻟﱵ ﻃﺮﺣﻬﺎ ﻻﺭﳚ ﺎﱐ، ﻭﺍﻟﺬﻱ ﺍﻋﺘﱪ ﻓﻴﻬﺎ ﺃﻥ ﺇﻳﺮﺍﻥ ﺗﺸﻜﱢ ﻞ ﺍﻟﺮﻛﻴﺰﺓ ﺍﻷﺳﺎﺳﻴﺔ ﻟﻠﻌﺎﱂ ﺍﻟﺸﻴﻌﻲ، ﻭﻫﻮ ﰲ ﺫﻟﻚ ﻳﺆﻃﱢ ﺮ ﻟﻨﻔﺲ ﺍﻟﻔﻜﺮﺓ ﺍﻟﱵ ﻧﺎﺩﻯ » ﺎ ﻣﺎﻛﻴﻨﺪﺭ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﻜﻠﻢ ﻋﻦ ﺍﳌﻨﻄﻘﺔ ﺍﶈﻮﺭﻳﺔ ﰲ ﺍﻟﻌﺎﱂ. ﺍﻟﺸﻜﻞ ﺭﻗﻢ ) (1 ﻳﻮﺿﺢ ﺑﻨﻴﻮﻳﺔ ﺍﳉﻴﻮﺑﻮﻟﻴﺘﻴﻚ ﺍﻟﺸﻴﻌﻲ

ﺍﳉﻴﻮﺑﻮﻟﻴﺘﻴﻚ ﺍﻟﺸﻴﻌﻲ

ﺍﻟﻔﻀﺎﺀ ﺍﳉﻐﺮﺍﰲ

ﺍﻟﻘﺪﺭﺍﺕ ﺍﻟﺸﺎﻣﻠﺔ

ﺍﻟﺜﻮﺭﺓ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ

ﺍﳉﻐﺮﺍﻓﻴﺎ

ﺍﻟﻘﺪﺭﺍﺕ

ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﺎﺕ

ﺍﳉﻴﻮﺑﻮﻟﻴﺘﻴﻚ

ﺎﻻﺕ ﺍﳉﻴﻮﺳﺘﺮﺍﺗﻴﺠﻴﺔ ﺍﳊﻴﻮﻳﺔ ﺍﻟﱵ ﲢﻴﻂ ﺑﻪ، ﻭﺍﻟﱵ ﺗﺸﻜﱢ l ﻭﻳﺮﺗﺒﻂ ﻣﻔﻬﻮﻡ ﺍﳉﻴﻮﺑﻮﻟﻴﺘﻴﻚ ﺍﻟﺸﻴﻌﻲ ﺑﺎﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ ﺍ ﻞ ﺍﻣﺘﺪﺍﺩﺍﺕ ﺟﻐﺮﺍﻓﻴﺔ ﻟﻠﻤﺠﺎﻝ ﺍﳊﻴﻮﻱ ﺍﻹﻳﺮﺍﱐ، ﻭﳝﻜﻦ ﺗﺼﻨﻴﻔﻬﺎ ﺇﱃ ﲬﺴﺔ ﳎﺎﻻﺕ ﺟﻴﻮﺳﺘﺮﺍﺗﻴﺠﻴﺔ ، ﻫ ﻲ: "ﺩﻭﻝ ﺍﶈﻴﻂ l ﺍﻟﺸﻴﻌﻲ، ﺩﻭﻝ ﺍ ﺎﻝ ﺍﳊﻴﻮﻱ ﺍﻟﺸﻴﻌﻲ، ﺩﻭﻝ ﺧﺎﺿﻌﺔ ﻟﺘﺄﺛﲑ ﺳﻴﺎﺳﺔ ﺍﻟﺘﺸﻴﻊ، ﺩﻭﻝ ﺧﺎﺿﻌﺔ ﻟﺘﺄﺛﲑ ﺍﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑﲔ ﺇﻳﺮﺍﻥ ﺎﻻﺕ ﺍﳉﻴﻮﺳﺘﺮﺍﺗﻴﺠﻴﺔ ﺃﺑﻌﺎﺩ ﺟﻐﺮﺍﻓﻴﺔ ﳏﺪﺩﺓ l ﻭﺍﻟﻄﺮﻕ ﺍﻟﺼﻮﻓﻴﺔ، ﺩﻭﻝ ﺍﻟﺸﺘﺎﺕ ﺍﻟﺸﻴﻌﻲ"، ﻭﻟﻜﻞ ﳎﺎﻝ ﻣﻦ ﻫﺬﻩ ﺍ ﻭﻣﺘﺪﺍﺧﻠﺔ ﰲ ﺑﻌﺾ ﺍﻷﺣﻴﺎﻥ.

17 |

الجيوبوليتيك الشيعي والمخيلة الجيوستراتيجية الإيرانية

ويرتبـط مفهـوم الجيوبوليتيـك الشـيعي بالعديـد مـن المجـالات الجيوسـتراتيجية الحيويـة ل امتـدادات جغرافيـة للمجـال الحيـوي الإيرانـي، ويمكـن ِّ التـي تحيـط بـه، والتـي تشـك تصنيفهـا إلـى خمسـة مجـالات جيوسـتراتيجية، هـي: “دول المحيـط الشـيعي، دول المجال الحيـوي الشـيعي، دول خاضعـة لتأثيـر سياسـة التشـيع، دول خاضعـة لتأثيـر العلاقـة بـن إي ـران والطـرق الصوفي ـة، دول الشـتات الشـيعي”، ول ـكل مجـال مـن هـذه المجـالات الجيوسـتراتيجية أبعـاد جغرافيـة محـددة ومتداخلـة فـي بعـض الأحيـان. ) يبيّن المجالات الجيوستراتيجية للجيوبوليتيك الشيعي 2( الشكل رقم ﺍﻟﺸﻜﻞ ﺭﻗﻢ ) c (2 ﻳﺒﻴﻦ ﺎﻻﺕ ﺍﳉﻴﻮﺳ f ﺍ ﺘﺮﺍﺗﻴﺠﻴﺔ ﻟﻠﺠﻴﻮﺑﻮﻟﻴﺘﻴﻚ ﺍﻟﺸﻴﻌﻲ

ﺩﻭل ﺍﻟﺸﺘﺎﺕ ﺍﻟﺸﻴﻌﻲ

ﺩﻭل ﺨﺎﻀﻌﺔ ﻟﺘﺄﺜﻴﺭ ﺍﻟﻌﻼﻗﺔ ﺒﻴﻥ ﺇﻴﺭﺍﻥ ﻭﺍﻟﻁﺭﻕ ﺍﻟﺼﻭﻓﻴﺔ ﺩﻭل ﺨﺎﻀﻌﺔ ﻟﺘﺄﺜﻴﺭ ﺴﻴﺎﺴﺔ ﺍﻟﺘﺸﻴﻊ ﺩﻭل ﺍﻟﻤﺠﺎل ﺍﻟﺤﻴﻭﻱ ﺍﻟﺸﻴﻌﻲ ﺩﻭل ﺍﻟﻤﺤﻴﻁ ﺍﻟﺸﻴﻌﻲ ﺩﻭﻟﺔ ﺍﻟﻘﻠﺏ

ﺍﻟﻤﺫﻫﺒﻲ - ﺇﻴﺭﺍﻥ

ﺇﻥ ﺍﳉﻴﻮﺑﻮﻟﻴﺘﻴﻚ ﺍﻟﺸﻴﻌﻲ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺮﻏﻢ ﻣﻦ ﺣﺪﺍﺛﺘﻪ، ﺇﻻ ﺃ ﻧﻪ ﺷﻜﱠ ﻞ ﻫﺪﻓﹰﺎ ∏ ﺍﺳﺘﺮﺍﺗﻴﺠﻴ ﺎ ﻟﻄﺎﳌﺎ ﻋﻤﻠﺖ ﻋﻠﻰ ﲢﻘﻴﻘﻪ ﺍﳉﻤﻬﻮﺭﻳﺔ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﰲ ﺇﻳﺮﺍﻥ، ﻓﻜﻞ ﺍﻟﻄﺮﻭﺣﺎﺕ ﺍﻟﻔﻜﺮﻳﺔ ﺍﻟﱵ ﻧﺎﺩﻯ »ﺎ ﺍﳋﻤﻴﲏ ﺟﺎﺀﺕ ﰲ ﺇﻃﺎﺭ ﲢﻘﻴﻖ ﻫﺬﺍ ﺍﳌﺴﻌﻰ ﺍ ﻻﺳﺘﺮﺍﺗﻴﺠﻲ ﺍﻹﻳﺮﺍﱐ، ﺍﻟﺬﻱ ﳝﺜﱢﻞ ﰲ ﺍﻟﻨﻬﺎﻳﺔ ﺍﻟﻠﺒﻨﺔ ﺍﻷﺳﺎﺳﻴﺔ ﻟﺘﺸﻜﻴﻞ ﺍﻹﻣﱪﺍﻃﻮﺭﻳﺔ ﺍﻟﺸﻴﻌﻴﺔ ﺍﻟﻌﺎﳌﻴﺔ، ﺍﻟﱵ ﻳﻘﻮﺩﻫﺎ ﺍﻟﻮﱄ ﺍﻟﻔﻘﻴ ﻪ ﰲ ﺇﻳﺮﺍﻥ، ﻓﺤﱴ ﻓﻜﺮﺓ ﻭﻻﻳﺔ ﺍﻟﻔﻘﻴﻪ ﻫﻨﺎ ﺗﺄﰐ ﺿﻤﻦ ﺳﻴﺎﻕ ﺍﺳﺘﺮﺍﺗﻴﺠﻲ ﻳﻬﺪﻑ ﺇﱃ ﺇﳚﺎﺩ ﺣﺎﻟﺔ ﺭﺑﻂ ﺑﲔ ﻓ ﻜ ﺮﺓ ﺍﳌﺮﻛﺰﻳﺔ ﺍﻟﺸﻴﻌﻴﺔ ﺍﻟﻌﺎﳌﻴﺔ -ﺇﻳﺮﺍﻥ، ﻭ ﻣﺮﻛﺰﻳﺔ ﺻﻨﻊ ﺍﻟﻘﺮﺍﺭ -ﻭﻻﻳﺔ ﺍ ﻟﻔﻘﻴﻪ، ﺍﻟﺬﻱ ﳝﺜﱢ ﻞ ﻣﺮﻛﺰ ﺍﻟﺸﺮﻋﻴﺔ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﰲ ﺍﻟ ﻌﺎﱂ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ

| 18

ا ّ ً ـا اس ـتراتيجي ً ل هدف َّ إن الجيوبوليتي ـك الش ـيعي عل ـى الرغ ـم م ـن حداثت ـه، إلا أن ـه شـك لطالمـا عملـت علـى تحقيقـه الجمهوريـة الإسـ مية فـي إيـران، فـكل الطروحـات الفكرية التـي نـادى بهـا الخمينـي جـاءت فـي إطـار تحقيـق هـذا المسـعى الاسـتراتيجي الإيرانـي، ـل فـي النهايـة اللبنـة الأساسـية لتشـكيل الإمبراطوريـة الشـيعية العالميـة، التـي ِّ الـذي يمث يقودهـا الولـي الفقيـه فـي إيـران، فحتـى فكـرة ولايـة الفقيـه هنـا تأتـي ضمـن سـياق اسـتراتيجي يهـدف إلـى إيجـاد حالـة ربـط بـن فكـرة المركزيـة الشـيعية العالمية-إيـران، ـل مركـز الشـرعية السياسـية فـي العالـم ِّ ومركزيـة صنـع القرار-ولايـة الفقيـه، الـذي يمث ت َّ فـي ذلـك إلـى الظـروف التاريخيـة والسياسـية التـي مـر ً الإسـ مي الشـيعي، مسـتندة .)4( بهـا أيديولوجيـا الإسـ م السياسـي الشـيعي فـي إيـران ـا للتطـورات الاسـتراتيجية الت ـي شـهدتها إي ـران، ً الجيوبوليتي ـك الشـيعي، وفق َّ لق ـد م ـر :)5( بث ـ ث مراحـل أساسـية، هـي - المرحل ـة الأول ـى: ضع ـف الجيوبوليتي ـك الش ـيعي “من ـذ الق ـرن التاس ـع عش ـر وحت ـى .”1979 الثــورة الإيرانيــة، عــام ،1979 - المرحلــة الثانيــة: إحيــاء الجيوبوليتيــك الشــيعي “مــن الثــورة الإيرانيــة، عــام ، تاريــخ احتــ ل العــراق”. 3200 وحتــى عــام وحت ـى الي ـوم، وهـو 2003 - المرحل ـة الثالث ـة: صع ـود الجيوبوليتي ـك الشـيعي من ـذ عـام ل بـروز الهويـة السياسـية الشـيعية فـي العـراق، ورفـع الضغـط عـن َّ التاريـخ الـذي شـك لون ثلثـي سـكانها، مـا أوجـد فرصـة للشـيعة للوصـول ِّ شـيعة هـذه الدولـة الذيـن يشـك ـا عل ـى شـيعة المنطق ـة بالكام ـل، عل ـى نحـو أدى إل ـى ً للسـلطة وهـو م ـا انعكـس إيجاب توسـع النفـوذ الإقليمـي لإيـران بعـد احتـ ل العـراق، وزيـادة مطالـب الشـيعة فـي دول المنطقـة تحـت تأثيـر وضـع العـراق.

19 |

الجيوبوليتيك الشيعي والمخيلة الجيوستراتيجية الإيرانية

ـا لفهـم التطـور الكبيـر الـذي أصـاب ّ ً ا عام ً ل إطـار َّ إن مفهـوم الجيوبوليتيـك الشـيعي شـك الفكـر الاسـتراتيجي الإيرانـي من ـذ انتصـار الثـورة فـي إيـران، بحيـث أصبـح المخطـط الاس ـتراتيجي ف ـي إي ـران ي ـدرس الحـدود الجغرافي ـة المحيط ـة بإي ـران وأبعاده ـا المختلف ـة نـه مـن تحقيـق أهـداف الأمـن القومـي الإيرانـي، في بنـاء مركزية ِّ ك ُ قـراءة جيو-مذهبيـة شـيعية إيراني ـة فـي إطـار العالـم الإسـ مي، الـذي يشـهد الي ـوم منافسـة جيوبوليتيكي ـة لـة لمذاهـب وأفـكار إسـ مية تختلـف وتتفـق مـع ِّ بـن العديـد مـن القـوى الإقليميـة الممث الجيوبوليتيـك الشـيعي مـن حيـث الأهـداف والوسـائل. وبالتوافــق مــع مــا تم ذكــره فــي أعــ ه، وجــدت إيــران نفســها ملزمــة بالقيــام بــدور ــا مــن ً مركــزي لإعــادة صياغــة الجغرافيــا المذهبيــة فــي العالــم الإســ مي، انطلاق الأسـس التـي يقـوم عليهـا الجيوبوليتيـك الشـيعي، بهـدف بنـاء المجـال الحيـوي الشـيعي ل إيـران مركـز القلـب بالنسـبة لـه، والمجتمعـات الشـيعية الأخـرى بمنزلـة ِّ شـك ُ الـذي ست ــرو ِّ الأطــراف، وهــو مــا يتوافــق مــع الســياقات الجيوبوليتيكيــة التــي نــادى بهــا مفك Friedrich Rat� زل � ك راتـ � هم فريدريـ � ى رأسـ � ث، وعلـ � ر الحديـ � ي العصـ � ك فـ � الجيوبوليتيـ ( )، وهالفــورد جــون ماكينــدر، ونيكــولاس Rudolf Kjellen( )، ورودولــف كيلــن zel .)Nicholas J. Spykman( ســبيكمان .في النظرية الجيوبوليتيكية الشيعية 2 بــرز العديــد مــن النظريــات ُ إن عمليــة البحــث فــي النظريــة الجيوبوليتيكيــة الشــيعية ت والمشـاريع الجيوسـتراتيجية الإيرانيـة ذات المغـزى التوسـعي الممتـد خـارج المـدى الجغرافي الإيرانـي؛ إذ أعطـى الموقـع الجيوبوليتيكـي لإيـران ميـزة جغرافيـة كبيـرة، بحيـث جعـل منهـا همـزة اتصـال محوريـة للمجتمعـات الشـيعية بـن شـرق العالـم وغربـه، ووفـق هـذا

| 20

ي الأطراف، ِّ غـذ ُ المنظـور فهـي معنيـة بـأن تكـون نقطـة الارتـكاز للقلـب المذهبـي الـذي ي عـن امتلاكهـا مـوارد ضخمـة دعمـت موقعهـا المذهبـي الإقليمـي والدولـي؛ ً هـذا فضـ الأمـر الـذي جعلهـا مؤهلـة لممارسـة تأثيـر علـى المجتمعـات الشـيعية التـي تعيـش فـي إطـار الجيوبوليتيـك الشـيعي. . نظرية القومية-الإسلامية 1.2 حــت فــي إطــار التنظيــر ِ ر ُ ــل نظريــة القومية-الإســ مية أولــى النظريــات التــي ط ِّ تمث للجيوبوليتيـك الشـيعي، وقـد وضعهـا مهـدي بـازركان، أول رئيـس حكومـة فـي إيـران، بع ـد نج ـاح الث ـورة الإيراني ـة بقي ـادة الخمين ـي، وكان اله ـدف الرئي ـس م ـن وراء ط ـرح هـذه النظريـة هـو إيجـاد منافـذ اسـتراتيجية جديـدة لإيـران فـي إطـار العالـم الإسـ مي؛ ا لطبيعـة الشـعارات الإسـ مية التـي رفعتهـا الثـورة الإيرانيـة، فـإن ذلـك يعنـي ً إذ نظـر بــأن الطموحــات التوســعية لإيــران ســتبقى حبيســة المجــالات الحيويــة الشــيعية، دون أن تمتــد إلــى الــدول ذات البعــد القومــي، والحديــث هنــا عــن دول آســيا الوســطى والقوقـاز وجنـوب شـرق آسـيا، التـي تشـترك مـع إيـران فـي مشـتركات قوميـة عديـدة. إن ب ـازركان، وعل ـى الرغـم م ـن عـدم صم ـود نظريت ـه أم ـام التي ـار المحاف ـظ ف ـي إي ـران ا ليبراليـة مـن شـأنها التأثيـر علـى مناصبهـم ً الـذي كان يريـد الإطاحـة بـه، لتبنيـه أفـكار ونفوذهـم، نجـح فـي طـرح نظريتـه فـي خضـم المـد الثـوري الـذي عاشـته إيـران بعـد الث ـورة. . نظرية تصدير الثورة الإيرانية 2.2 ـلطة ولايـة ُ ـا بعالميـة س ً ـا وثيق ً فهـا الخمينـي، ارتباط َّ يرتبـط مفهـوم تصديـر الثـورة، كمـا عر الفقيـه، وولايـة الفقيـه كمـا يؤمـن بهـا ويفسـرها، تفـرض سـلطانها علـى جميـع الـدول

21 |

الجيوبوليتيك الشيعي والمخيلة الجيوستراتيجية الإيرانية

وتخضـع لطاعتهـا الأمـة الإسـ مية، وتبسـط نفوذهـا علـى الجميـع، لا تلـزم نفسـها بـأي قانـون دولـي، ولا يعنيهـا حرمـة جـوار أو معاهـدة حـدود، فـ سـيادة تحـول دون فـرض م مصطلـح ِّ الأمـر الواقـع، ولا اسـتقلال يمنـع عبـور الولايـة إلـى الـدول الأخـرى. ويقـد تصديـر الثـورة دلالات أخـرى، فهـو مـرادف لكلمـة “الفتـح” فـي المفهـوم الإسـ مي، ـا مـن ً أي إعـادة فتـح بـ د الإسـ م وإخضاعهـا بالقـوة لحكـم الولـي الفقيـه، وانطلاق المهمـة الإلهي ـة المقدسـة الملق ـاة عل ـى عات ـق الول ـي الفقي ـه، ف ـإن إقامـة دول ـة الإسـ م النهـوض لتحقيقـه، ومـن واجـب َّ العالميـة ضـرورة شـرعية لازمـة، وهـدف واقعـي يتعـن الجمهوريـة الإسـ مية فـي إيـران أن تضـم إلـى أحضانهـا المسـلمي أينمـا كانـوا فـي هـذا .)6( العالـم، وتصديـر ثورتهـا إلـى كل أقاليمـه . نظرية دولة أم القرى 3.2 تشــير نظريــة “دولــة أم القــرى”، كمــا صاغهــا لاريجانــي، فــي كتابــه “مقــولات فــي الاسـتراتيجية الوطنيـة الإيرانيـة”، إلـى أن إيـران سـتكون مركـز العالـم الإسـ مي، ومـن ـا تك ـون ل ـه الس ـلطة والولاي ـة عل ـى ً ـل الدول ـة القائ ـدة الت ـي تف ـرز زعيم ِّ ث ـم فه ـي تمث ـا، علـى اعتبـار أن الديـن يقتضـي تشـكيل أمـة إسـ مية واحـدة، ً الأمـة الإسـ مية جميع واختيـار حكومـة لتمثيـل هـذه الأمـة، وعلـى هـذا الأسـاس ليـس مـن مصلحـة الأمـة ). وم ـن ث ـم ف ـإن 7( الإسـ مية أن تبق ـى متفرق ـة، لأن اله ـدف ه ـو الوحـدة الإسـ مية ــل ِّ ا للأمــة الإســ مية، وإن هزيمتهــا تمث ً انتصــار ُّ ــد َ ع ُ انتصــار “دولــة أم القرى-إيــران” ي ـا للأمـة الإسـ مية، فالحفـاظ علـى “دولـة أم القرى-إيـران” يعنـي الحفـاظ علـى ً انهزام نظــام الحكومــة الإســ مية، والــذي يشــمل كل أراضــي الدولــة الإســ مية الواحــدة، .)8( لت “دول ـة أم الق ـرى”، الت ـي سـتقود هـذه الأمـة َّ والت ـي بسـببها تشـك

| 22

. نظرية دولة المهدي العالمية 4.2 م نظريــة المهدويــة، إلا أن الرئيــس الإيرانــي الســابق، محمــود َ ــد ِ علــى الرغــم مــن ق أحم ـدي نج ـاد، جعله ـا نظري ـة سياس ـية يتح ـرك منه ـا؛ فق ـد اعتب ـر أن حكومت ـه ه ـي حكومـة مؤقتـة، تهيـئ الأرضيـة المناسـبة لقيـام حكومـة المهـدي العالميـة. ففـي كلمـة لـه ، قـال: “إن الجمهوريـة الإسـ مية ونظـام 2005 أمـام مؤتمـر المهدويـة فـي طهـران، عـام ولايـة الفقيـه ليـس لهمـا أيـة مهمـة أخـرى سـوى التحضيـر لإنشـاء حكومـة عالميـة... ). وكانـت رؤيتـه للحكومـة 9(”.... إذ سـيدير الإمـام المهـدي الكـون عبـر هـذه الحكومـة ـل الأسـاس لدول ـة المه ـدي العالمي ـة، والت ـي لاب ـد له ـا ِّ الإسـ مية تنطل ـق م ـن أنه ـا تمث مـن توفيـر جميـع مقومـات القـوة لنهوضهـا ونجاحهـا، وإن عـدم تحقيـق هـذه الأهـداف

يعنـي بقاءهـا كعقبـات رئيسـة أمـام قيـام حكومـة المهـدي العالميـة. . مشروع الشرق الأوسط الإسلامي-الإيراني 5.2

لمشـروع ً ل مشـروع الشـرق الأوسـط الإسـ مي-الإيراني، الـذي طرحتـه إيـران بدي َّ شـك الشــرق الأوســط-الأميركي خــ ل فتــرة الرئيــس الإيرانــي الأســبق، محمــد خاتمــي، أحــدث المشــاريع الجيوبوليتيكيــة التــي تســتهدف ربــط المجتمعــات الشــيعية وباقــي الح ـركات الإس ـ مية بدول ـة القل ـب المذهبي-إي ـران. ويمك ـن تعري ـف مش ـروع الش ـرق الأوسـط الإسـ مي-الإيراني بأنـه “مشـروع هيمنـة إيرانـي باسـم المذهـب الشـيعي ككل، الهـدف من ـه انت ـزاع إي ـران للمب ـادرة التاريخي ـة أو مهـام القي ـادة الإسـ مية فـي العالـم الإسـ مي، وبنـاء إطـار مقـاوم باسمهـم علـى المسـتوى الإقليمـي الواسـع، الـذي تعيـش فيـه شـعوب إسـ مية، وفـي هـذه الحالـة يكـون هـدف اسـتخدام تعبيـر الشـرق الأوسـط للتغطيــة علــى عمليــة بنــاء مجــال حيــوي مذهبــي، يقــوم علــى الهيمنــة أو القيــادة

23 |

الجيوبوليتيك الشيعي والمخيلة الجيوستراتيجية الإيرانية

.)10(” السياسـية للدول ـة الإيراني ـة .انبعاث الجيوبوليتيك الشيعي والتوسع المذهبي الإيراني 3 ل البدايـة العمليـة للتحـول الكبيـر الـذي َّ ، شـك 1979 إن انتصـار الثـورة فـي إيـران، عـام أصـاب الفكـر الاسـتراتيجي الإيرانـي؛ إذ ازدهـرت الإمكانيـات الكامنـة داخل الإسـ م السياسـي الشـيعي، واكتسـبت الطروحـات الجيوبوليتيكي ـة للخمين ـي ق ـوة سياسـية ف ـي ا للموقـع الجيوبوليتيكـي المميـز الـذي تمتلكـه إيـران مـن جهـة، ومـن ً إيـران، وذلـك نظـر جهـة ثانيـة لاحتوائهـا علـى احتياطيـات هائلـة مـن الطاقـة فـي منطقـة الخليـج العربـي مـن الشـيعة فـي العالـم، وهـو 40% عـن تشـكيلها مـا يقـرب مـن ً وبحـر قزويـن، فضـ ا للعالـم الشـيعي مـن جهـة ثالثـة، ومـن ثـم فـإن نجـاح الثـورة الإيرانيـة ً مـا جعلهـا مركـز فيهـا كانـت لـه آثـار بعيـدة المـدى فـي العالـم الإسـ مي مـن جهـة رابعـة. إن مـن الأسـباب الرئيسـة التـي دفعـت إيـران للتحـول مـن الجيوبوليتيـك الإيرانـي إلـى الجيوبوليتيــك الشــيعي، هــي التطــورات السياســية التــي شــهدها العالــم الإســ مي، ا ف ـي ال ـدول الت ـي تحت ـوي عل ـى مجتمع ـات ش ـيعية ب ـدأت تستش ـعر وجوده ـا ً وتحدي ـد السياسـي، وتناغمـت مـع الأجـواء الثوري ـة الت ـي أنتجتهـا الث ـورة ف ـي إي ـران، وأعطـت دفعـة معنويـة للمجتمعـات الشـيعية فـي البلـدان الأخـرى، كمـا هـي الحـال فـي لبنـان ـأ الأجـواء السياسـية فـي هذه َّ والعـراق وأفغانسـتان والبحريـن والسـعودية وباكسـتان، وهي البلـدان للخـروج مـن حالـة رفـض العمـل السياسـي، والبحـث عـن فرصـة لتصحيـح الخطـأ التاريخـي الـذي وقعـوا فيـه. وبعـد هـذا التطـور السياسـي النسـبي الـذي أصـاب ـا فـي لعـب ّ ً الجيوبوليتيـك الشـيعي، نجـح الشـيعة فـي معظـم دول المنطقـة العربيـة تدريجي ا، والمشـاركة الفاعلـة فـي الهيـاكل السياسـية لهـذه البلـدان. ً دور أكثـر تأثيـر

| 24

إن الإمكانـات الجوهريـة للإسـ م الشـيعي، ووجـود عوامـل سياسـية مثيـرة داخـل هـذا نـت مـن تقـديم تفسـير ثـوري جديـد للإسـ م. ومـن ناحيـة أخـرى، فـإن َّ المذهـب، مك وجـود معتقـدات مـن قبيـل الدفـاع عـن المسـتضعفي، والعدالـة الاجتماعيـة، وسـلطة الرجــل الصــالح، والوعــد الإلهــي بقــدوم الإمــام المهــدي، وجميــع هــذه التفســيرات مهـا الخمين ـي عل ـى أنهـا الاسـتراتيجية َّ ا للإسـ م الشـيعي، وقد ً ـا جدي ـد ً أعطـت مفهوم علـى ذلـك ً تبـع مـن أجـل إقامـة الحكومـة الإسـ مية العالميـة، وبنـاء ُ التـي ينبغـي أن ت ا فـي منطقة الشـرق الأوسـط، ّ ً ا وسياسـي ّ ً بـدأت المجتمعـات الشـيعية تنظـم نفسـها عسـكري ـا فـي مرحلـة مـا قبـل الثـورة فـي إيـران. ً وهـو مـا لـم يكـن ممكن ) فـي كتابـه “المقاومـة الشـيعية والثـورة”، إلـى أن Martin Kramer( ويشـير مارتـن كرامـر ـا مـن أقـوى مفاهيـم التمـرد ً المجتمعـات الشـيعية أنتجـت، فـي الوقـت الحاضـر، بعض الثـوري، بحيـث أصبـح هنـاك اليـوم حـزام شـيعي يغطـي أجـزاء مـن لبنـان، وسـوريا، والعـراق، وأفغانسـتان، والسـعودية، والكويـت، والبحريـن، وإيـران، وباكسـتان والهنـد، ـل ِّ وينقسـم هـذا الحـزام إلـى أغلبية-أقليـة شـيعية فـي بلـدان مختلفـة، وهـو بحـد ذاتـه يمث .)11( ا فـي اسـتراتيجية المجـال الحيـوي الشـيعي-الإيراني ً ا كبيـر ً تطـور ا للخصائـص الجيوبوليتيكيـة للبلـدان الواقعـة فـي إطـار الجيوبوليتيـك الشـيعي، فقد ً ونظـر الـة فـي َّ تم وصـف هيكلهـا الطبيعـي والإنسـاني والدينـي والسياسـي كوحـدة نشـطة وفع النظـام العالمـي؛ إذ شـغلت مواضيـع مثـل المـوارد والسـكان والموقـع الاسـتراتيجي دول المنطقـة عـن قضايـا عالميـة مهمـة، مثـل الطاقـة، والعمليـات العسـكرية والاسـتراتيجية، والصراعــات والاتجاهــات الدينيــة، والأمــن الدولــي والتجــارة العالميــة. فعلــى ســبيل المثـال، يقـع الشـيعة فـي الخليـج العربـي فـي منطقة حساسـة للغايـة مـن الناحيـة الجغرافية ا ً والسياسـية؛ إذ يـؤدي الخليـج العربـي باعتبـاره أكبـر مسـتودع للنفـط فـي العالـم، دور

25 |

الجيوبوليتيك الشيعي والمخيلة الجيوستراتيجية الإيرانية

ـا فـي المصيـر الاقتصـادي العالمـي، ومـع ذلـك فـإن أهميـة هـذه المنطقـة لا تقتصـر ً حاسم علــى وجــود مواردهــا النفطيــة والمعدنيــة الكبيــرة، بــل إن الــدور السياســي للخليــج ـا. ً العربـي مـن حيـث أهميتـه الأيديولوجيـة والجيوبوليتيكيـة والاسـتراتيجية واضـح أيض ) فــي كتابــه “الشــيعة Graham Fuller( م، يقــول غراهــام فولــر َّ وفــي ســياق مــا تقــد العـرب، المسـلمون المنسـيون”: مـن الناحيـة النظريـة، يمكـن للشـيعة العـرب إلـى جانـب إي ـران، أن يس ـيطروا عل ـى معظ ـم م ـوارد النف ـط ف ـي الخلي ـج العرب ـي، ف ـإذا م ـا تمك ـن الشـيعة مـن الوصـول إل ـى مراكـز مؤث ـرة للسـلطة فـي منطقـة الخلي ـج العرب ـي، عندهـا يمكـن للمـرء تحليـل وفهـم الحساسـية مـن تصاعـد الهويـة الشـيعية، ودورهـا فـي نجـاح .)12( الجيوبوليتيــك الشــيعي وتكشـف نظـرة عامـة علـى الظـروف الاقتصاديـة والسياسـية والديمغرافيـة للمجتمعـات الشـيعية فـي العالـم الإسـ مي، أنـه لا يوجـد شـيعة يتمتعـون بالسـلطة المطلقة فـي أي بلد باسـتثناء إيـران، ويعيـش معظمهـم فـي حالـة مـن الاضطـراب الاجتماعـي والسياسـي، وقــد أدى هــذا الوضــع إلــى احتجاجــات سياســية مــن قبــل المجتمعــات الشــيعية، وتصاعــدت هــذه الاحتجاجــات بدورهــا مــع تصاعــد الوعــي الاجتماعــي الشــيعي. وفـي هـذا الصـدد، كان للتطـورات الإقليميـة والدوليـة تأثيـر كبيـر علـى اسـتمرار هـذه ـا ً الاحتجاجـات، وعل ـى وجـه الخصـوص، فتح ـت الث ـورة ف ـي إي ـران وانتصاره ـا آفاق ف ـي الصـراع مـن أجـل ً جدي ـدة للشـيعة ف ـي العال ـم الإسـ مي، وجعلتهـم أكث ـر أمـ تغيي ـر الوضـع الراهـن. .الهوية الشيعية العابرة للحدود الوطنية والجيوبوليتيك الشيعي 4 إن التركيـز البنائـي علـى الهويـة، وخاصـة الهويـات العابـرة للحـدود الوطنيـة مثـل الهويـة

| 26

الشـيعية، إلـى جانـب التفاعـل بينهـا وبـن مركـز الجيوبوليتيـك الشـيعي-إيران، والبحـث فـي بنيـة هـذه الهويـة وجوانبهـا المعياريـة والثقافيـة فـي إطـار النظـام الدولـي، لـه الكثيـر بهـا الجيوبوليتيـك َّ مـن الفوائـد النظريـة لوصـف وشـرح التطـورات السياسـية التـي مـر الش ـيعي. فف ـي منطق ـة الش ـرق الأوس ـط، تتع ـرض الهوي ـات العاب ـرة للح ـدود الوطني ـة للخطـر، ممـا يحـد مـن سـلوك الدولـة، فالتحليـل البنائـي لصعـود الشـيعة فـي العالـم الإسـ مي، يشـير إلـى عمليـة تدريجيـة مـن أسـفل إلـى أعلـى، أي مـن مراحـل مـا قبـل الثـورة إلـى مـا بعـد نجـاح هـذه الثـورة، بحيـث أصبحـت الهويـة الشـيعية اليـوم قـادرة علـى تغييـر النظـام الإقليمـي عبـر نشـر هويـات مذهبيـة جديـدة فـي العالـم الإسـ مي عـن طريـق سياسـات التشـيع. ويمكـن القـول هن ـا: إن هن ـاك ثلاث ـة عوامـل أسـهمت فـي إحي ـاء الشـيعة فـي منطقـة ـا: تقويـة الشـيعة ً : تقويـة الشـيعة فـي لبنـان والعـراق، وثاني ً الشـرق الأوسـط، وهـي: أو ـا: صع ـود إي ـران ً الآخري ـن ف ـي السـعودية والكوي ـت والإمـارات العربي ـة المتحـدة، وثالث السياسـي والمذهبـي. هـذه العوامـل الثلاثـة عـززت القـوة الشـيعية فـي الشـرق الأوسـط، ا فـي معادلاتهـا الإقليميـة والدوليـة؛ إذ أصبحـت هنـاك علاقة منفعـة متبادلة ً ولعبهـا دور بـن صعـود مكانـة إيـران السياسـية، وأدوار حلفائهـا فـي منطقـة الشـرق الأوسـط، وهـو ز مكانـة الهويـة الشـيعية فـي السـاحة السياسـية الإقليميـة والدوليـة. َّ مـا عـز ونشــير هنــا إلــى أن هنــاك اختلافــات سياســية بــن الهويــات الشــيعية فــي المنطقــة حــول كيفيــة الوصــول للســلطة، ففــي الوقــت الــذي وجــد فيــه الخمينــي أن الســبيل الوحيـد للوصـول للسـلطة هـو الثـورة، دعـا العديـد مـن الزعمـاء الدينيـن الشـيعة فـي الع ـراق أتباعه ـم إل ـى الالت ـزام بقواع ـد الديمقراطي ـة ف ـي سـياق الصـراع عل ـى السـلطة ، والسـبب الرئيسـي فـي ذلـك، هـو وجـود 2003 بعـد الاحتـ ل الأميركـي للعـراق عـام

27 |

الجيوبوليتيك الشيعي والمخيلة الجيوستراتيجية الإيرانية

أغلبي ـة ش ـيعية ف ـي الع ـراق، وكذل ـك فع ـل الش ـيعة ف ـي البحري ـن، ف ـي حـن نجـد أن ـة لإثبـات الهويـة الشـيعية َّ حـزب الله والحوثيـن وجـدا فـي العمـل المسـلح ضـرورة ملح فـي لبن ـان واليمـن. ا ً وفـي هـذا السـياق، مـن المهـم التفريـق بـن النزعـة الشـيعية فـوق الوطنيـة بوصفهـا تيـار ا، والتشـيع فـوق الوطنـي بوصفـه هويـة دينيـة، ولاسـيما فـي حـالات المواجهـة ّ ً سياسـي مـع الهويـة السـنية، أو المشـتركات العقائديـة التـي تسـهم فـي إعـادة إنتـاج تلـك الهويـة لجماعـة متخيل ـة فـوق وطني ـة، أو فـي المؤسسـات الديني ـة الت ـي تقـوم بمـا يشـبه ال ـدور )، وهـو يتنـاول وظيفـة حراسـة هويـة Anthony Smith( الـذي تحـدث عنـه أنتونـي سميـث .)13( الجماعـة عبـر إنتـاج سياسـات للتعامـل معهـا ويدخـل فـي إطـار الهويـات الشـيعية العابـرة للحـدود الوطنيـة بـروز “محـور المقاومـة”، ل فـي بـادئ الأمـر مـن إيـران والعـراق وسـوريا، ليتحـول فـي مرحلـة َّ والـذي كان يتشـك مـا بعـد الربيـع العربـي إلـى محـور يضـم جماعـات وحـركات مسـلحة غيـر دولتيـة إلـى جانـب الـدول المذكـورة، ولعـل هـذا التحـول فـي نمـط التفكيـر الأمنـي الإيرانـي، جـاء نتيجـة التحـول فـي نمـط توزيـع مفـردات القـوة فـي الشـرق الأوسـط، علـى اعتبـار أن ـا بعـد بـروز العديـد مـن الجماعـات ً ممارسـتها لـم تعـد مقصـورة علـى الـدول، خصوص المسـلحة مثـل تنظيـم “الدولـة الإسـ مية” وجبهـة فتـح الشـام وغيرهـا، التـي مارسـت ا. ً السـلطة والإدارة فـي مناطـق نفوذهـا وسـيطرتها سـابق وم ـن ث ـم، ف ـإن الدعـم الإيران ـي للجماعـات المسـلحة ف ـي اليمـن، والع ـراق، ولبن ـان وس ـوريا، يأت ـي ضم ـن توجـه إيران ـي ع ـام، ب ـأن الضـرورات الاس ـتراتيجية ف ـي الق ـرن الح ـادي والعش ـرين، تقتض ـي إج ـراء تح ـول ف ـي نم ـط العم ـل الاس ـتراتيجي الإقليم ـي، وتوظي ـف المزي ـد مـن هـذه الكيان ـات والتنظيمـات، لسـد الشـواغر الاسـتراتيجية الت ـي

| 28

ا ف ـي الع ـراق وسـوريا- عل ـى ترابه ـا الوطن ـي، ً فه ـا انهي ـار سـيادة ال ـدول -وتحدي ـد َّ خل وهـو مـا يشـير إليـه الانتشـار الواسـع لعـدد الفصائـل المسـلحة فـي العـراق علـى سـبيل عـن تجنيـد مجموعـات أجنبيـة مثـل ألويـة “فاطميـون” الأفغانيـة، وألويـة ً المثـال، فضـ “زينبيـون” الباكسـتانية العاملـة فـي سـوريا، وتحظـى كل هـذه الجماعـات بدعـم شـعبي ـا الجنـاح العسـكري للحـركات الاجتماعيـة التـي بـرزت فـي ً ل غالب ِّ واسـع، لأنهـا تشـك .)14( ـا عل ـى اخت ـ ف مذاهبهـا ً ا واضح ً البل ـدان الت ـي تمتل ـك فيهـا إي ـران نفـوذ فق ـد زادت جه ـود الحـرس الث ـوري الإيران ـي لتشـكيل حركـة شـيعية عاب ـرة للحـدود، تتألـف مـن جماعـات متشـددة ونشـطة فـي الشـرق الأوسـط وجنـوب شـرق آسـيا، مـن ـب الهوي ـات الطائفي ـة بع ـد قي ـام ث ـورات الربي ـع العرب ـي، ث ـم ج ـاءت الأح ـداث ُّ تصل فـي سـوريا والبحريـن، التـي ترافقـت مـع صعـود تنظيـم الدولـة فـي العـراق، والتدخـل العسـكري بقيـادة السـعودية ضـد الحوثيـن فـي اليمـن، ليسـهم فـي الشـحذ الجماعـي للهويــة المذهبيــة فــي صفــوف شــيعة منطقــة الشــرق الأوســط، وقــد لاحــظ توبــي نبثقـة ممـا وصفـه بــالمجال العـام الشـيعي؛ ُ ) هـذه الظاهـرة الم Toby Matthiesen( ماثييسـن خدمت لإس ـباغ القداس ـة عل ـى الصراع ـات ف ـي س ـوريا ُ إذ انتش ـرت الرم ـوز الت ـي اس ـت والعــراق “علــى نطــاق واســع عبــر وســائط التواصــل الاجتماعــي والأقنيــة الفضائيــة .)15(” ز الهوي ـات الطائفي ـة العاب ـرة للحـدود الوطني ـة َّ الشـيعية.. م ـا عـز لا شـك فـي أن المذهـب الشـيعي محـوري فـي السياسـات الإيرانيـة الداخليـة، بيـد أن ـا، فالهويـة الدينيـة ومعتقداتهـا ً بصماتـه فـي الاسـتراتيجية الإيرانيـة الخارجيـة أقـل وضوح ليهـا، فالديـن عامـل مـن ُ ـر علـى المقاربـة الإيرانيـة للسياسـات الخارجيـة، لكنهـا لا ِّ تؤث ـا مـا لا يكـون احتسـابه ً العوامـل العديـدة التـي ترفـد السـلوك الخارجـي الإيرانـي، وغالب ف ـي صـدارة الاعتب ـارات ولا حت ـى الثانوي ـة منه ـا، لأن إي ـران دول ـة مذهبي ـة. صحي ـح

29 |

الجيوبوليتيك الشيعي والمخيلة الجيوستراتيجية الإيرانية

ا لدع ـم الش ـيعة ً أن الس ـمة الش ـيعية لإي ـران ق ـد تجع ـل الق ـادة الإيراني ـن أكث ـر اسـتعداد خـارج إيـران، لكـن بالمقابـل نجـد أن الجماعـات الشـيعية المواليـة لإيـران هـي الأخـرى وحي ـة والسياسـية للمرشـد ُّ بات ـت تعتب ـر نفسـها بالفع ـل رابطـة عالمي ـة تحـت السـلطة الر الأعل ـى الإيران ـي، عل ـي خامنئ ـي، ومث ـل هـذه ال ـرؤى تبل ـورت بفع ـل وحـدة الهـدف فـي نزاعـات المنطقـة التـي كلمـا طالـت، أصبحـت تسـتند أكثـر إلـى سياسـات الهويـة ـي أكثـر الروابـط بـن إيـران ووكلائهـا فـي العالـم ِّ عزز وينم ُ الطائفيـة، وهـذا بـدوره سـي .)16( الإسـ مي .الجيوبوليتيك الشيعي وطموح القوة العظمى 5 للتحول ً وجـدت إيـران فـي تدخلهـا وانغماسـها فـي شـؤون دول العالـم الإسـ مي سـبيلا ” هـذا الهـدف، وهـي 2005 عـرف باسـم “إي ـران ُ إل ـى “قـوة عظمـى”، وتجسـد وثيق ـة ت ؛ إذ تضـع التصـورات 1979 عتبـر أهـم وثيقـة قوميـة وطنيـة بعـد الدسـتور الإيرانـي عـام ُ ت ـا، والتـي تهـدف إلـى تحويـل إيـران إلـى ً المسـتقبلية للـدور الإيرانـي خـ ل عشـرين عام ا، ً نـواة مركزيـة ودولـة قائـدة فـي منطقـة جنـوب غـرب آسـيا “أي المنطقـة العربيـة تحديـد .)17(” التـي تشـمل شـبه الجزيـرة العربيـة وبـ د الشـام وسـيناء وتن ـص الوثيقـة عل ـى أن إي ـران سـتحظى بخصوصي ـة عل ـى المسـتوى الدول ـي، وتتحـول ـا فـي ّ ً إلـى قـوة دوليـة، ومصـدر إلهـام للعالـم الإسـ مي، علـى أن ينعكـس ذلـك إقليمي ـا، ّ ً ، لتحتـل إيـران المرتبـة الأولـى فـي منطقـة جنـوب غـرب آسـيا اقتصادي 2025 العـام ا فــي العالــم ً ومؤثــر ً ــا فاعــ ً ــا ولاعب ً م ِ ه ْ ل ُ ــا م ً ــا، وتصبــح نموذج ّ ً ــا وتكنولوجي ّ ً وعلمي ا إل ـى تعالي ـم الخمين ـي وأفـكاره، وبمـا يعكـس هويتهـا الإسـ مية- ً الإسـ مي، اسـتناد الثوريـة، وهـو مـا يتفـق مـع مـا تم صياغتـه تحـت اسـم نظريـة “دولـة أم القـرى”، التـي

| 30

تـرى فـي إيـران مركـز العالـم الإسـ مي، وهـي أسـاس الفكـر التوسـعي الناعـم والصلب عل ـى أس ـاطير ديني ـة وتاريخي ـة. وم ـن أجـل ترجم ـة ً ف ـي الاس ـتراتيجية الإيراني ـة، بن ـاء هـذه الاسـتراتيجية علـى أرض الواقـع، فـإن إيـران سـعت إلـى توظيـف التطـورات التـي ،2010 تشـهدها المنطقـة لصالحهـا، وحـن اندلعـت ث ـورات الربي ـع العرب ـي نهاي ـة عـام ا للثـورة الإيرانيـة، أو صحـوة إسـ مية ً حاولـت اسـتثمارها لصالحهـا، واعتبرتهـا امتـداد .)18( فـي المنطقـة العربيـة، كمـا أطلـق عليهـا خامنئـي إن التوجه ـات العام ـة لتحـول إي ـران لق ـوة عظمـى ف ـي العال ـم الإسـ مي، كان ـت ق ـد بـدأت منـذ اللحظـات الأولـى لنجـاح الثـورة فـي إيـران، عـن طريـق إعـ ن مبـدأ تصدير أ عليهـا إيـران فـي تحركاتهـا الإقليميـة، وسـعت مـن َّ الثـورة، وجعلـه الركيـزة التـي تتـوك ورائهـا إلـى إعطـاء زخـم اسـتراتيجي كبيـر لثورتهـا؛ إذ قسـمت دول العالـم إلى قسـمي: مســتكبرين ومســتضعفي؛ إذ نظــر الخمينــي ومــن معــه مــن قــادة الثــورة الجــدد إلــى ا دول الخليـج العربـي علـى أنهـا حليـف لقـوى الاسـتكبار ً دول الشـرق الأوسـط وتحديـد العالمـي، فدعـا إلـى تحويـل مدينتـي مكـة المكرمـة والمدينـة المنـورة إلـى مناطـق إسـ مية .)19(1988 مـت علـى إثـر ذلـك مؤتمـر دولـي فـي لنـدن عـام ِّ ظ ُ دوليـة، ون ض مكانتهـا ضمـن العالـم الإسـ مي، ْ ومـن ثـم، يمكـن القـول: إن إيـران ولغـرض فـر ف ـت البع ـد الدين ـي ف ـي خدم ـة اس ـتراتيجيتها الإقليمي ـة، وق ـد مه ـدت َّ كان ـت ق ـد وظ التنظيـرات السياسـية والفكريـة للخمينـي الاسـتراتيجية الإيرانيـة لـدور إقليمـي تدخلـي تكــون الغايــة النهائيــة منــه تحــول إيــران إلــى مركــز للعالــم الإســ مي، وهــو مــا عكس ـته نظري ـة “دول ـة أم الق ـرى” عل ـى أرض الواق ـع، فالدع ـم السياس ـي والعس ـكري لق ـوى وأحـزاب الإسـ م السياسـي الش ـيعي ف ـي الش ـرق الأوسـط اسـتند إل ـى الرؤي ـة السياســية للخمينــي؛ إذ يمكــن لإيــران أن تنفــذ بهــدوء مــن خــ ل هــذه الجماعــات

31 |

الجيوبوليتيك الشيعي والمخيلة الجيوستراتيجية الإيرانية

إلــى المجتمعــات الشــيعية فــي دول العالــم الإســ مي، ولتحقيــق ذلــك لــم تكتــف ـا، ً ع ـت الجغرافي ـا والاقتصـاد والق ـوة الناعم ـة أيض َّ إي ـران بالتنظي ـر السياسـي، وإنم ـا طو فأصبحــت مفــردات القــوة الإيرانيــة الشــاملة فــي خدمــة الجيوبوليتيــك الشــيعي. ف ـه الاحت ـ ل الأميرك ـي للع ـراق م ـن ف ـراغ َّ فق ـد عمل ـت إي ـران عل ـى اسـتغلال م ـا خل اسـتراتيجي ف ـي منطق ـة الخلي ـج العرب ـي لف ـرض مكانته ـا كق ـوة إقليمي ـة، بغي ـة تحقي ـق طموحاتهــا الأيديولوجيــة وأطماعهــا فــي الهيمنــة، وتخويــف جيرانهــا كهــدف علــى الم ـدى القري ـب، ث ـم ف ـرض سـيطرتها عل ـى العال ـم الإسـ مي كه ـدف عل ـى المسـتوى ـا لهم ـا، ً البعي ـد، وت ـرى الولاي ـات المتحـدة الأميركي ـة والغ ـرب ف ـي ه ـذا التوجـه تحدي وفـي أكثـر مـن موقـع، لأن إيـران ربمـا تسـعى إلـى تدشـن نفسـها كقـوة عظمـى إذا مـا .)20( حـدث تغيي ـر جـذري ف ـي مي ـزان الق ـوة الإقليم ـي لصالحه ـا لقــد بــرز الحديــث، وبشــكل لافــت، عــن قــوة الجيوبوليتيــك الشــيعي بعــد احتــ ل ، وقـد تزامـن ذلـك مـع وصـول تيـار سياسـي شـيعي إلـى السـلطة فـي 2003 العـراق عـام ، وتصاعـد الأحداث 2006 العـراق لأول مـرة، وصمـود حـزب الله فـي حـرب لبنـان عـام ، والانغم ـاس 2014 ، وتم ـرد الحوثي ـن ف ـي اليم ـن ع ـام 2011 الداخلي ـة البحريني ـة ع ـام العس ـكري الش ـديد ف ـي الأزمت ـن العراقي ـة والس ـورية بع ـد ب ـروز تنظي ـم الدول ـة. وق ـد أثـارت هـذه الإجـراءات الإيراني ـة مخـاوف العديـد مـن القـوى العربي ـة وعلـى رأسـها ـا مـن شـواهد تاريخيـة وحديثـة، وهـو مـا دفـع هـذه القـوى إلـى اتهـام ً السـعودية انطلاق إيـران بتبنـي أجنـدة توسـعية فـي المنطقـة العربيـة، تسـعى إلـى التأثيـر علـى الـدول ذات التعدديـة المذهبيـة، بغيـة زعزعـة اسـتقرارها وإثـارة الفـن والصراعـات الطائفيـة، أضـف إلـى ذلـك امتـ ك إيـران لخيـوط اللعبـة السياسـية فـي العـراق وسـوريا ولبنـان واليمـن، ا خدم ـة لمشـروعها المذهب ـي. وإذا كان ـت إي ـران ّ ً ا واسـتراتيجي ّ ً ومحاول ـة توظيفه ـا سياسـي

| 32

قـد تراجعـت عـن هـدف تصديـر الثـورة بالأسـاليب الصلبـة، فـإن دبلوماسـيتها الناعمـة مـا زال ـت تعمـل عل ـى تحقي ـق الغاي ـة ذاتهـا عـن طري ـق تسـخير الطائف ـة والمذهـب؛ إذ ترمـي مـن وراء ذلـك إلـى إقـرار نمـوذج سياسـي إسـ مي إيرانـي فـي السياسـة والحكم، للس ـيطرة عل ـى الخلي ـج العرب ـي، باعتب ـاره الس ـبيل الوحي ـد لقي ـام الحكوم ـة الإس ـ مية .)21( العالميـة فقـد أظهـرت إي ـران وعب ـر علاقاتهـا الاسـتراتيجية-المذهبية قـدرة فعلي ـة عل ـى فت ـح عـدة عـن إعطـاء نظامهـا السياسـي فرصـة التخلـص مـن ً جبهـات إقليميـة فـي آن واحـد، فضـ ا الاقتصاديـة والاجتماعيـة، عـن طريـق إعـادة ترجمـة وإنتـاج ً الضغـوط الداخليـة وتحديـد هــذه الضغــوط علــى شــكل اســتراتيجية تدخليــة تخــدم مشــروعها التوســعي فــي إطــار بذلـك ً المجـال الحيـوي الإيرانـي. إن إيـران سـعت نحـو إعـادة بنـاء دورهـا الدولـي، مسـتغلة جملـة مـن المتغيـرات التـي شـهدتها منطقـة الشـرق الأوسـط، بمـا تملكـه مـن إرث حضـاري نهـا مـن اسـتغلال ثقلهـا الجيوبوليتيكـي َّ وثقافـي وتأثيـر معنـوي علـى جوارهـا الجغرافـي، مك ـا أن التحـرك الإيرانـي الجديـد تجـاه العالـم ً لفـرض نفسـها كقـوة إقليميـة؛ إذ بـات واضح ) بالشـكل الـذي 22( الإسـ مي كان بهـدف الحفـاظ علـى أمنهـا وبنـاء دورهـا الجديـد فيـه ا مـن دورهـا الدولـي الـذي تطمـح إليـه. ً يجعـل الجيوبوليتيـك الشـيعي جـزء .التحديات الكبرى التي تواجه الجيوبوليتيك الشيعي 6 إن التحدي ـات الكب ـرى الت ـي تق ـف بوج ـه الجيوبوليتي ـك الش ـيعي لا تق ـل أهمي ـة ع ـن تلـك التـي تواجههـا إيـران اليـوم، سـواء أكان ذلـك علـى مسـتوى النظـام السياسـي، أم علـى مسـتوى السياسـة الخارجيـة، فـ يمكـن تنـاول الحالـة الإيرانيـة بصـورة متجزئـة، ا ف ـي طريق ـة التح ـرك الإيران ـي الخارج ـي. ّ ً اس ـتراتيجي ً عل ـى اعتب ـار أن هن ـاك تكام ـ

33 |

الجيوبوليتيك الشيعي والمخيلة الجيوستراتيجية الإيرانية

وعل ـى مسـتوى الجيوبوليتي ـك الشـيعي، عمل ـت الاسـتراتيجية الإيراني ـة عل ـى اسـتخدام ـا، وذلـك ً ا وتطبيق ً الكثيـر مـن نقـاط قوتهـا فـي سـبيل ترسـيخ هـذا الجيوبوليتيـك فكـر بالاعتمـاد علـى مجموعـة مـن ركائـز القـوة الجيوبوليتيكيـة الإيرانيـة، كالموقـع الجغرافـي والنظـام السياسـي، والق ـدرة الاقتصادي ـة والعسـكرية، والق ـوة السـكانية، إلا أن جمي ـع ـن إي ـران م ـن تجـاوز تحدي ـات أخـرى هـي خـارج إطـار الق ـدرة ِّ هـذه الركائ ـز ل ـم تمك الإيرانيـة علـى التعاطـي معهـا، ومـن أبـرز هـذه التحديـات: : تحدي الصراع في الجغرافيا الإسلامية ً أولا ل الجغرافيـا الإسـ مية الميـدان الرئيـس للجيوبوليتيـك الشـيعي؛ إذ شـهدت هـذه ِّ تشـك الجغرافيــا حالــة مــن الانغمــاس الدولــي الــذي أنتــج بــدوره العديــد مــن الأزمــات ا أزمـات ً والإشـكالات الاسـتراتيجية التـي تعانـي منهـا دول العالـم الإسـ مي، وتحديـد الهويــة والانتمــاء والصراعــات العرقيــة والطائفيــة، وهــو مــا أدى بــدوره إلــى إنتــاج أزمـات علـى مسـتوى العلاقـات البينيـة بـن الـدول الإسـ مية؛ إذ تنظـر القـوى الدوليـة ا الولايــات المتحــدة الأميركيــة إلــى الجغرافيــا الإســ مية باعتبارهــا جغرافيــة ً وتحديــد صـراع واحتـواء، وهـو مـا أشـار إليـه المفكـر الاسـتراتيجي الأميركـي، صامويـل هنتنغتون بعن ـوان “صـدام الحضـارات”، 1993 )، ف ـي كتاب ـه الصـادر عـام Samuel Huntington( ـل فـي نظـره إحـدى حضـارات ِّ والـذي تحـدث فيـه عـن الحضـارة الإسـ مية التـي تمث المواجهـة؛ لأنهـا تحتـوي فـي داخلهـا علـى مجموعـة مـن القيـم والأفـكار التـي ترفـض الهيمنـة الأميركيـة، ومـن ثـم ينبغـي علـى الحضـارة الغربيـة الممثلـة بالولايـات المتحـدة الأميركيــة الاســتعداد لمواجهــة العــدو القــادم بعــد الاتحــاد الســوفيتي وهــي الحضــارة الإسـ مية، وهـو مـا أفـرز بـدوره عقب ـة أمـام حركـة الجيوبوليتي ـك الشـيعي.

| 34

كمـا أسـهمت حالـة الصـراع الطائفـي والمذهبـي فـي الجغرافيـا الإسـ مية فـي إنتـاج مـا يسـمى بـ”الجيوفوبيـا الشـيعية الصاعـدة”، والراميـة إلـى ابتـ ع الجغرافيـا الإسـ مية عبـر سـعي إيرانـي جـاد لـ”أيرنـة” العالـم الإسـ مي، وهـو مـا تؤكـده أيديولوجيـا الثـورة فـي إيـران، وعبـر مجموعـة مـن الآليـات الاسـتراتيجية منهـا فكـرة تصديـر الثـورة والدفـاع عـن المسـتضعفي، كمـا تبلـورت الارتـدادات الجيوبوليتيكيـة للصراعـات الدوليـة علـى الجيوبوليتيـك الشـيعي عبـر أطروحـة “الهـ ل الشـيعي” الـذي وضـع الجغرافيا الإسـ مية، ا السـنية، أمـام تحـدي وجـود تقـوده إيـران؛ الأمـر الـذي أدى إلـى ردات فعـل ً وتحديـد عكسـية قادهـا العديـد مـن الـدول الإسـ مية، ومنهـا السـعودية اليـوم، للوقـوف بوجـه لـه الاسـتراتيجية الإيرانيـة الشـاملة. ِّ هـذا التحـدي الوجـودي الـذي تمث وم ـن ث ـم، ف ـإن خاصي ـة الصـراع الت ـي ش ـهدتها الجغرافي ـا الإس ـ مية من ـذ الاحت ـ ل ، وهـو نفـس التاريـخ الـذي شـهد البدايـة العمليـة لتطبيـق 2003 الأميركـي للعـراق عـام طروحـات الجيوبوليتيـك الشـيعي، أنتـج الكثيـر مـن العقبـات الاسـتراتيجية أمـام إيـران، وم ـن أهمه ـا ب ـروز سياسـات المحـاور والتحالف ـات ذات الأبع ـاد الدولي ـة؛ الأم ـر ال ـذي ـد الكثيـر مـن الطموحـات الجيوسـتراتيجية الإيرانيـة فـي ربـط الخطـوط الجغرافيـة بمـا َّ حي تحتوي ـه مـن حـدود وبحـار بدول ـة القل ـب المذهبي-إي ـران. وعل ـى الرغـم مـن الإعـ ن الرسمـي الإيرانـي بـأن إيـران اليـوم تسـيطر علـى العديـد مـن الـدول العربيـة، وتوجـد فـي البحـر الأحمـر والبحـر الأبيـض المتوسـط حتـى المحيـط الأطلسـي، إلا أنهـا فـي النهايـة محاولـة هـروب إلـى الأمـام لتجـاوز العقبـات الجغرافيـة التـي تقـف بوجـه الجيوبوليتيـك ا عبـر الانتشـار الأميركـي فـي مجمـل الجغرافيـا الإسـ مية مـن ً الشـيعي اليـوم، وتحديـد جه ـة، والانغم ـاس الروس ـي والصين ـي والأوروب ـي ف ـي ش ـؤون العال ـم الإس ـ مي م ـن جهـة ثانيـة، والـدور السياسـي السـعودي والتركـي مـن جهـة ثالثـة.

35 |

الجيوبوليتيك الشيعي والمخيلة الجيوستراتيجية الإيرانية

: تحدي المنافسة الجيوبوليتيكية ً ثانيا ــا فــي جيوبوليتيــك الشــرق الأوســط، ليــس لاعتبــارات ّ ً ــا مركزي ً تحتــل إيــران موقع أيديولوجيـة بـل لاعتبـارات جيوبوليتيكيـة، يعـود ذلـك إلـى أن الرقعـة الجغرافيـة التـي توجـد عليهـا إيـران كانـت ومـا زالـت فـي قلـب المنطقـة ومركـز دائرتهـا المذهبيـة، ومـن ث ـم ف ـإن هـذا الموق ـع الجيوبوليتيكـي أت ـاح له ـا التواصـل م ـع العدي ـد م ـن المجتمع ـات الشـيعية أو القريب ـة مـن المذهـب الشـيعي، وهـو مـا اسـتغلته إي ـران لتحقي ـق امت ـدادات جيوبوليتيكيــة فــي مناطــق جغرافيــة بعيــدة عنهــا، وذلــك عبــر العديــد مــن مشــاريع الربـط الاسـتراتيجي سـواء أكانـت سياسـية أم اقتصاديـة، لاحتـواء المجـالات الجغرافيـة عب ـر سلسـلة مـن الأحـ ف العاب ـرة للمذهبي ـة. بل الأقطـاب الأخرى ِ ا مـن ق ً هـذا الواقـع أنتـج منافسـة جيوبوليتيكيـة أمـام إيـران، وتحديد ف ـي العال ـم الإس ـ مي، والحدي ـث هن ـا ع ـن تركي ـا والس ـعودية؛ إذ اندفع ـت الدولت ـان إلـى تبنـي سياسـات مواجهـة للمشـاريع الجيوسـتراتيجية الإيرانيـة، فإلـى جانـب إحيـاء الجغرافي ـا العثماني ـة م ـن قب ـل تركي ـا، ذهب ـت الس ـعودية إل ـى إحي ـاء مش ـروع المواجه ـة العربيــة، وذلــك عبــر صيغــة التحالــف العربــي فــي اليمــن، وفــي إطــار اســتراتيجية التضيي ـق الجيوبوليتيكـي عل ـى التمـدد الإقليمـي الإيران ـي، سـعت كلت ـا الدولت ـن إل ـى الوجـود فـي نفـس مناطـق الصـراع الت ـي توجـد فيهـا إي ـران سـواء أكان هـذا الوجـود ا فـي مناطـق الصـراع الرئيسـة كالعـراق وسـوريا ً بصـورة مباشـرة أم غيـر مباشـرة، وتحديـد باعتبارهمـا ركي ـزة التمـدد الجيوبوليتيكـي الإيران ـي. إن خاصي ـة المنافس ـة الجيوبوليتيكي ـة أدخل ـت الجيوبوليتي ـك الش ـيعي ف ـي حال ـة س ـبات ـا انعكـس ّ ً ا دولي ً ـا وأن هـذه المنافسـة أخـذت بعـد ً اسـتراتيجي لبعـض الوقـت، خصوص ا علـى الـدور الاسـتراتيجي الإيرانـي فـي الشـرق الأوسـط؛ إذ أدت الأدوار الأميركيـة ً سـلب

Page 1 Page 2 Page 3 Page 4 Page 5 Page 6 Page 7 Page 8 Page 9 Page 10 Page 11 Page 12 Page 13 Page 14 Page 15 Page 16 Page 17 Page 18 Page 19 Page 20 Page 21 Page 22 Page 23 Page 24 Page 25 Page 26 Page 27 Page 28 Page 29 Page 30 Page 31 Page 32 Page 33 Page 34 Page 35 Page 36 Page 37 Page 38 Page 39 Page 40 Page 41 Page 42 Page 43 Page 44 Page 45 Page 46 Page 47 Page 48 Page 49 Page 50 Page 51 Page 52 Page 53 Page 54 Page 55 Page 56 Page 57 Page 58 Page 59 Page 60 Page 61 Page 62 Page 63 Page 64 Page 65 Page 66 Page 67 Page 68 Page 69 Page 70 Page 71 Page 72 Page 73 Page 74 Page 75 Page 76 Page 77 Page 78 Page 79 Page 80 Page 81 Page 82 Page 83 Page 84 Page 85 Page 86 Page 87 Page 88 Page 89 Page 90 Page 91 Page 92 Page 93 Page 94 Page 95 Page 96 Page 97 Page 98 Page 99 Page 100 Page 101 Page 102 Page 103 Page 104 Page 105 Page 106 Page 107 Page 108 Page 109 Page 110 Page 111 Page 112 Page 113 Page 114 Page 115 Page 116 Page 117 Page 118 Page 119 Page 120 Page 121 Page 122 Page 123 Page 124 Page 125 Page 126 Page 127 Page 128 Page 129 Page 130 Page 131 Page 132 Page 133 Page 134 Page 135 Page 136 Page 137 Page 138 Page 139 Page 140 Page 141 Page 142 Page 143 Page 144 Page 145 Page 146 Page 147 Page 148 Page 149 Page 150 Page 151 Page 152 Page 153 Page 154 Page 155 Page 156 Page 157 Page 158 Page 159 Page 160 Page 161 Page 162 Page 163 Page 164 Page 165 Page 166 Page 167 Page 168 Page 169 Page 170 Page 171 Page 172 Page 173 Page 174 Page 175 Page 176 Page 177 Page 178 Page 179 Page 180 Page 181 Page 182 Page 183 Page 184 Page 185 Page 186 Page 187 Page 188 Page 189 Page 190 Page 191 Page 192 Page 193 Page 194 Page 195 Page 196 Page 197 Page 198 Page 199 Page 200

Made with FlippingBook Online newsletter