العدد 15 – أغسطس آب 2022

صدر عن مركز الجزيرة للدراسات العدد الخامس عشر من مجلة لباب، ويركز بشكل عام على قضايا البلدان العربية، سواء في المجال الإستراتيجي أو الاتصالي والإعلامي؛ حيث تتوزع الدراسات ما بين المغرب والعراق وقطر، وما بين دراسات إستراتيجية وإعلامية ومتابعات وقراءة في كتاب.

L U B A B ﻟﻠﺪراﺳﺎت اﻻﺳﺘﺮاﺗﯿﺠﯿﺔ واﻹﻋﻼﻣﯿﺔ دورﯾﺔ ﻣﺤﮑﻤﺔ ﺗﺼﺪر ﻋﻦ ﻣﺮﮐﺰ اﻟﺠﺰﯾﺮة ﻟﻠﺪراﺳﺎت 2022 - أﻏﺴﻄﺲ/آب 15 اﻟﺴﻨﺔ اﻟﺮاﺑﻌﺔ - اﻟﻌﺪد

رﺋﯿﺲ اﻟﺘﺤﺮﯾﺮ د. ﻣﺤﻤﺪ اﳌﺨﺘﺎر اﻟﺨﻠﯿﻞ

ﻣﺪﯾﺮ اﻟﺘﺤﺮﯾﺮ أ.د. ﻟﻘﺎء ﻣﮑﻲ

ﺳﮑﺮﺗﯿﺮ اﻟﺘﺤﺮﯾﺮ د. ﻣﺤﻤﺪ اﻟﺮاﺟﻲ

هﯿﺌﺔ اﻟﺘﺤﺮﯾﺮ د. ﻋﺰ اﻟﺪﯾﻦ ﻋﺒﺪ اﳌﻮﻟﯽ اﻟﻌﻨﻮد أﺣﻤﺪ آل ﺛﺎﻧﻲ د. ﻓﺎﻃﻤﺔ اﻟﺼﻤﺎدي د. ﺳﯿﺪي أﺣﻤﺪ وﻟﺪ اﻷﻣﯿﺮ د. ﺷﻔﯿﻖ ﺷﻘﯿﺮ د. ﻋـﺒﺪاﻟﻠﻪ اﻟﻌـﻤـﺎدي د. اﻟﺤﺎج ﻣﺤﻤﺪ اﻟﻨﺎﺳﻚ اﻟﺤﻮاس ﺗﻘﯿﺔ ﻣﺤﻤﺪ ﻋﺒﺪ اﻟﻌﺎﻃﻲ ﯾﺎرا اﻟﻨﺠﺎر

اﳌﺮاﺟﻊ اﻟﻠﻐﻮي إﺳﻼم ﻋﺒﺪ اﻟﺘﻮاب

دراسات وأبحاث

Studies and Research

عبد الحكيم أبو اللوز السلفية الدعوية يف املغرب بين الراديكالية واالعتدال نوزاد عبد الرحمن الهيتي تقييم األداء السياسي واألمني واملؤسسي للعراق يف املؤشرات الدولية

Abdelhakim Aboullouz Salafism in Morocco between Radicalism and Moderation

11

Nowzad Abdulrahman Alhiti Assessing the Political, Security and Institutional Performance of Iraq in International Indicators

35

عائشة بلحاج حرية املعتقد بين الرؤى الفلسفية والسياسية

Aicha Belhaj Freedom of Belief: Between Philosophical and Political Visions

71

خالد مبارك آل شايف - وائل عبد العال - عبد املطلب صديق مكي

Mutasim Babiker Mustafa Communication Research in the Arab World and its Efficiency in Enriching Theoretical Media Knowledge The Role of the Qatari Press in Covering the Shura Council Elections (October 2021): An Analytical Study of Samples from Al Raya and Al Sharq Khalid Mubarak Al-Shafi - Wael Abdelal - Abdelmotalab Saddiq Makki

معتصم بابكر مصطفى بحوث االتصال يف العالم العربي وفاعليتها يف إثراء املعرفة اإلعالمية النظرية دور الصحافة القطرية يف تغطية انتخابات مجلس الشورى (أكتوبر/ ): دراسة تحليلية 2021 تشرين األول لعينة من صحيفتي "الراية" و"الشرق"

97

119

متابعات

Follow-ups

محمد زكي أبو عره معاهدات السالم والتطبيع اإلبراهيمية يف أحكام القانون الدولي ومبدأ التكافؤ

Mohammed Zaki Abu Arra Abrahamic Peace and Normalisation Treaties in International Law Provisions and the Principle of Equality

155

قراءة يف كتاب

Book Review

نزار الفراوي ست أطروحات من أجل الديمقراطية املستمرة

Nizar Lafraoui Six thèses pour la démocratie continue

193

5 |

افتتاحية العدد

(لباب) والتنويع في الحقول المعرفية منذ صدور عددها األول، تحرص (لباب) على توزيع مناســب لعناوين الدراســات وموضوعاتهــا في كل عدد منها، وتركز بشــكل عام على االهتمــام بقضايا البلدان العربية، سواء في المجال االستراتيجي أو االتصالي واإلعالمي. وفي العدد الخامس عشر من (لباب)، نواصل هذه اآللية، حيث تتوزع الدراسات ما بين المغرب والعراق وقطر، وما بين دراسات إستراتيجية وإعالمية ومتابعات وقراءة في كتاب. الســلفية الدعوية " من المغرب، كتب الدكتور عبد الحكيم أبو اللوز دراســة بعنوان ، عالج فيها من خالل الســلفية، اإلشــكال " فــي المغرب بين الراديكالية واالعتدال الــذي يواجــه كل عقيدة دينية، فكما أن االشــتراك في االنتماء إلــى العقيدة يحقق تماسكًا أخالقيًّا كبيرًا، فإن االختالف الذي يحدث في فهم أحد عناصر هذه العقيدة يفرز تقاطبًا حديًّا. وفيما يخص الســلفية، يفترض الباحث وجود مســار واضح نحو االعتدال عند السلفية أمْلته حوادث تفاعلت معها السلفية بإيجابية، لكن هذا المسار ظل مواجهًا براديكالية شديدة. فقد ظل هذا التغير محكومًا بعقائد سابقة وواقعًا في منطقها المتســم بالتصلب تجاه الظواهر واألشــخاص المخالفين حتى وإن كانوا من الناطقين باســم أصوات أخرى للســلفية. وخلصت الدراسة إلى أن بعض األحداث السياســية التي شهدها المغرب وتضييق الســلطات على بعض أنشطته دفعت التيار السلفي إلى مراجعة بعض أفكاره ومواقفه السياسية. تقييم األداء " وحــول العراق كتب الدكتور نوزاد عبد الرحمن الهيتي دراســة بعنوان ، وقد تناول فيها تحليل " السياسي واألمني والمؤسسي للعراق في المؤشرات الدولية األداء السياسي واألمني لجمهورية العراق في المؤشرات الدولية، مبيِّنًا جوانب ضعف هذا األداء في كل مؤشــر من المؤشــرات الواردة في تقارير عدد من المؤسســات الدولية وقياس فجوة األداء بين العراق والدول المتقدمة، واعتمد األسلوب الوصفي التحليلــي في تقييم األداء المذكور. وخلص البحــث إلى أن العراق مطالب باتخاذ

| 6

مجموعة من الخطوات لتحســين أدائه في المجاالت المذكورة، ومنها تشكيل فريق من الجهات المعنية بالمؤشــرات األمنية والسياســية والمؤسسية تكون مهمته دراسة كافــة المؤشــرات، وتحديد جوانب القوة والضعف فــي أداء العراق في المجاالت المذكورة، وآليات وسبل تحسينه واإلجراءات المطلوبة، وذلك لتحقيق رؤية العراق . 2030 حرية المعتقد بين الرؤى الفلســفية " الدكتورة عائشــة بلحاج كتبت دراســة بعنوان ، جاء في مقدمتها أنها تسعى إلى مقاربة حرية العقيدة من أوجه مختلفة، " والسياسية وتتطرق لعائق التعصب الذي يحول دون ذلك، مُحدِّدة أسباب نزعات التعصب في عالــم حديث يتصف بالتعددية، ومنطلقة من روح المجتمع الحديث في اعتناق قيم التسامح، وفك االشتباك العقائدي، بما يجعل من إدارة الصراع عملية تدبير ضرورية للنزاعات القائمة على االختالف في المعتقد. وتناقش الدراســة أيضًا جدل العالمية والخصوصية، الذي يُرفع أحيانًا لالعتراض على إقرار حرية المعتقد، وتشير إلى أهمية اإلصالح الديني في المجتمعات العربية، باعتباره رافعة أساسية لتكوين شخصية الفرد المتســامح الذي ال يرى في حرية المعتقد اعتداء على كينونته. وخلص البحث إلى أن حريــة المعتقــد ال يمكن اختزالها في قوانين، إنما ينبغي تغيير نمط الحياة وذلك عبر إعادة النظر في المناهج الدراسية. دور الصحافة القطرية في " ومن قطر، وفي الحقل اإلعالمي، ننشــر دراســة بعنوان ): دراسة تحليلية لعينة 2021 تغطية انتخابات مجلس الشورى (أكتوبر/تشرين األول ، شارك في كتابتها كل من الدكتور خالد مبارك آل " من صحيفتي (الراية) و(الشرق) شافي، والدكتور وائل عبد العال، والدكتور عبد المطلب صديق مكي. تهدف الدراسة إلى تحليل دور الصحافة القطرية في تغطية انتخابات مجلس الشورى، ، من حيث مضمون الرســائل اإلعالمية 2021 التي جرت في أكتوبر/تشــرين األول المختلفة وكيفية تغطيتها لتلك االنتخابات. كما تســعى إلى تحليل التغطية اإلخبارية لالنتخابات عبر مؤشرات كمِّية وكيفية تسهم في تحديد أبعاد مشكلة الدراسة وتوفر البيانات الكافية لإلجابة عن تساؤالتها. وسلَّطت الضوء على مميزات سياسة االتصال المناسبة في تغطية االنتخابات أثناء الحمالت االنتخابية وتلك المتعلقة بالرأي العام في قطر. ووظَّفت الدراسة المنهج التحليلي الوصفي وجمعت بين األسلوب الكمي والنوعي لتحديد دور الصحافة في تغطية انتخابات مجلس الشورى، وتقديم وصف

7 |

تحليلي لهذا الدور. وكشــفت الدراســة حقائق ذات دالالت موضوعية تجيب عن أسئلة تتعلق بدور الصحافة المطبوعة ومقدار تأثيرها في ظل االنتشار الواسع لصحافة المجتمع بمنصاتها التفاعلية المختلفة. بحوث االتصال في العالم " في الحقل اإلعالمي أيضًا يتضمن العدد دراســة بعنوان للدكتور معتصم بابكر مصطفى. " العربي وفاعليتها في إثراء المعرفة اإلعالمية النظرية وتهدف الدراســة إلى رصد اإلسهامات العربية في التنظير وإثراء المعرفة اإلعالمية، والوقوف على أهم اإلشــكاليات المنهجية والنظريــة التي تواجه باحثي اإلعالم في المنطقــة العربيــة وتحليل أســبابها، وبيان كيفية معالجتهــا أو التقليل منها. ومن ثم استشــراف توجهــات التيارات البحثية الســائدة فيما يتعلــق بمنحى بحوث اإلعالم واالتصال في ضوء مستجدات ثورة االتصال وتقانة المعلومات الحالية. وعبر توظیف منهج التقارير السردية خلصت الدراسة إلى أن المكتبة العربية تعاني قصورًا في مجال التنظيــر اإلعالمي واالتصالي، باســتثناء بعض األعمال البحثية، وأرجعت الدراســة أســباب ذلك إلى العديد من اإلشكاليات التي تتعلق باختيار الموضوعات والمناهج واألدوات البحثية، وقلَّة المبادرات التي تســعى إلى إثراء المجال اإلبستمولوجي في مجال علوم اإلعالم واالتصال. معاهدات " فــي حقــل (متابعات) يكتب الباحث محمد زكي أبو عره دراســة بعنوان ، وتهدف إلى " الســ م والتطبيع اإلبراهيمية في أحكام القانون الدولي ومبدأ التكافؤ تقديــم قراءة تحليلية لبنود معاهدة الســ م والتطبيع اإلبراهيمية وجذور العالقة بين أطرافها، ودور الراعي الرسمي لعملية التطبيع ممث ًل في الواليات المتحدة األميركية، وذلــك من منظور أحكام القانون الدولــي العام وميثاق األمم المتحدة واتفاقية فيينا لقانون المعاهدات ووفقًا لمبدأ المســاواة والتكافؤ بين الدول وأطراف المعاهدات. كما تبحث الدراســة آثــار المعاهدة اإلبراهيمية على القضية والحقوق الفلســطينية، وما قد تشــكِّله من انتهاك ألحكام القانون الدولي والشــرعية الدولية، الســيما ذات العالقة المباشــرة بحظر ضم أراضي الغير بالقوة واســتغالل ثروات األقاليم الواقعة تحت االحتالل ومنع اســتنزاف ثرواتها. وخلصت الدراســة إلى أن مخاطر التطبيع مع االحتالل اإلســرائيلي ال تتوقف على القضية الفلســطينية، بل تمتد لتهديد األمن العربي وتفكيك للهوية العربية واإلسالمية، كما أن التطبيع إنجاز استراتيجي مجاني لالحتالل اإلسرائيلي مقابل إضعاف وتشتيت لفرص اإلجماع العربي وإضعاف كبير

| 8

لموقف القضية الفلسطينية. وفي حقل (قراءة في كتاب) يكتب الدكتور نزار الفراوي قراءته المســتفيضة لكتاب ، " ست أطروحات من أجل الديمقراطية المستمرة " صدر حديثًا باللغة الفرنسية عنوانه ويؤكــد الفــراوي في قراءته أن الكتاب يســتقى أفكاره من وحــي أزمة الديمقراطية التمثيلية التي تعيشها فرنسا بمظاهرها المتعددة التي تجسدها االحتقانات االجتماعية واالستقطابات السياسية وتنامي النزعات الشعبوية. وفي كتابه يطرح الخبير الدســتوري، دومينيك روسو، مقاربته لهذه األزمة في صيغة الذي وضعه منذ " الديمقراطية المستمرة " أطروحات إصالحية محددة تنهض بمفهوم بداية التســعينات. ويقترح المُؤَلِّف ســتة مسالك لإلصالح الجوهري يمكن توزيعها بين محورين كبيرين؛ يتعلق أحدهما بالعمل على استعادة الموقع المركزي للمواطن في التعبير عن اإلرادة العامة وصناعة السياســات العامة، وثانيهما باعتماد تعديالت مؤسســاتية تعيد التوازن للنظام السياســي بتموقع جديد للسلطة الرئاسية والحكومية والبرلمانية والقضائية.

دراسات وأبحاث

السلفية الدعوية يف املغرب بين الراديكالية واالعتدال

Salafism in Morocco between Radicalism and Moderation * Abdelhakim Aboullouz عبد الحكيم أبو اللوز -

ملخص: تعالــج الدراســة، مــن خــال الســلفية، اإلشــكال الــذي يواجــه كل عقيــدة دينيــة، فكمـا أن االشـتراك يف االنتمـاء إلـى العقيـدة يحقـق تماسـكًا أخلقيًّــا كبيـرًا، فـإن االختـاف الـذي يحـدث يف فهـم أحـد عناصـر هـذه العقيـدة يفـرز تقاطبًــا حديًّــا. وفيمـا يخـص السـلفية، تفتـرض الدراسـة وجـود مسـار واضـح نحـو االعتـدال عنـد السـلفية أمْلتـه حـوادث تفاعلـت معهـا السـلفية بإيجابيـة، لكـن هـذا املسـار ظـل مواجهـًـا براديكاليـة شـديدة. فقـد ظـل هـذا التغيـر محكومًــا بعقائـد سـابقة وواقعًــا يف منطقهــا املتســم بالتصلــب تجــاه الظواهــر واألشــخاص املخالفيــن حتــى وإن كانـوا مـن الناطقيـن باسـم أصـوات أخـرى للسـلفية. وخلصـت الدراسـة إلـى أن بعـض األحـداث السياسـية التـي شـهدها املغـرب وتضييـق السـلطات ىلع بعـض أنشـطته دفعـت التيـار السـلفي إلـى مراجعـة بعـض أفـكاره ومواقفـه السياسـية. السلفية، التصلب، الراديكالية، االعتدال، الدعوة. كلمات مفتاحية: Abstract: This study treats the problem facing every religious belief: just as belonging to a belief achieves great moral coherence, the difference that occurs in understanding one of the elements of a doctrine results in severe polarisation. With regards to Salafism, we assume that there is a clear path towards moderation dictated by circumstances that Salafism interacted with positively. But this path continued to face a severe radicalism, as the change remained governed by previous beliefs and an intransigent logic towards phenomena and people that oppose, even if they speak on behalf of

د. عبـد الحكيـم أبـو اللـوز، أسـتاذ القانـون العـام بكليـة العلـوم القانونيـة واالقتصاديـة واالجتماعيـة، جامعـة ابـن * زهـر، أكاديـر، املغـرب. Dr. Abdelhakim Aboullouz, Professor of Public Law at Ibn Zohr University, Morocco.

other voices of Salafism. The study concludes that certain political events in Morocco and the restriction of authorities of Salafists’ activities pushed Salafists to review some of their ideas and political positions. Keywords: Salafism, Rigidity, Moderation, Dawah.

13 |

مقدمة في هذا البحث ال تعد الســلفية نزعة دينية فحســب، بل أيديولوجيا تقوم بالمعارضة الشديدة للتطويرات التي طرأت على مستويين من مستويات الدين: المستوى الفكري والتعبــدي، فقد تهتــم بعض اتجاهات هذه األيديولوجيا بعمليــة إعادة تقنين الدين على المســتوى العقائدي، هادفة إلى الترشــيد الميتافيزيقي واألخالقي للعقائد كما هي موجودة بالفعل. وتنشــط ســلفيات أخرى على المستوى التعبدي، فتعمل على إعادة تقنين الشــعائر الدينية بتوحيد نماذجها، وكلماتها، وإشاراتها وإجراءاتها، لكي .) 1 تتم المحافظة على النشاط الشعائري األصلي في مواجهة البدع المستجدة( إن المصطلح الديني الذي يوظِّفه الســلفيون لوصف نشــاطهم هو الدعوة، إنه عمل نضالي وسيلته األساسية الوعظ الديني البعيد كل البعد عن اإلعداد والتأهيل السياسيين (السلفية المسيَّسة)، وهو عمل دائم ومستمر؛ فالسلفية ال تقبل فتور معتقداتها، ولذلك تجد نفسها مدعوة إلى بدل مجهود متواصل لبث أفكارها عن طريق تلقينها. إن تصنيف السلفية الدعوية أيديولوجيًّا يدفعنا إلى تجاوز كل تحليل يقف عند حدود االســتعراض الموضوعاتي لمذهبية الســلفية ويجبرنا على السير تجاه تحليل مساحة الثابــت والمتحرك فيها، ليس بغرض الخــوض فيما يثيره الموضوع عادة من نقاش ديني أو فلسفي، بل للتعرف على الطريقة التي جرى بها تأويل المعاني للحفاظ على السلطة الخطابية أو النتزاعها. إلى حد بعيد بحيــث تكون تعاليمها مجموعة " راديكالية " إن الســلفية الدعويــة هي منغلقة من الشــعائر والموجبات والممنوعات تنبني على ما يشــكِّل حجر الزاوية في كل ديانــة، ذلــك الفرق بين المقدس والمدنس... لكنــه وبفعل الزمن والتجديدات المتالحقــة... تظهر مواقف جديدة تُخرج الراديكاليات من طبيعتها، ليجري الســير بالتنظيــم إلــى حركات فكرية تصحيحية تهدف إلى إحــداث التغيير في إطار الواقع وممكناته. وبســبب هذه الراديكالية تبقى العقائد الدينية عصيَّة على التغيير وتتحوَّل بسبب ذلك إلى أيديولوجية باردة وفاترة، لكن اصطدامها بالواقع، يدفع كثيرًا من المجددين إلى ، " االعتدال " التي يخفونها تحت ســتار شعار " المراجعة المســتمرة " إحداث نوع من

| 14

وعندما يصبح التفاوت كبيرًا جدًّا بين هذا أو المراجعة وبين المنطلقات األولية للدين، فإنه يوجد دائمًا بعض المؤمنين الذي ينهضون ضد هذه التغيير الذي يعدونه خيانة. وفي المحصلة، ينفجر وعاء السلفية ويصبح واقعها متسمًا بالتعدد فتظهر مجموعات كثيرة من المنتســبين للســلفية تختلف مواقفهم من الواقع إلى درجة التناقض أحيانًا. كمــا قد يختلف مجموعة من الدعاة في مســالكهم الدعوية ومناهجهم الحركية مع تبنِّيهم جميعًا للســلفية، لكننا نعتقد بصالحيــة معياري الراديكالية واالعتدال للتمييز بين التيارات التي تتجاذب السلفية. فما مظاهر الراديكالية في السلفية؟ وهل مؤشرات االعتدال الجديدة معرفية أم عرضية؟ . تعدد مفاهيم التوحيد 1 يجد مبدأ التوحيد تَحَقُّقَه عند السلفية، عبر قضيتين رئيستين متالزمتين: إبطال البدع والتقليد والعودة إلى جادة الدين، ومن ثم تحقِّق السلفية ذاتها من خالل عقيدة التوحيد كما وضعها القرآن وفهمها السلف، بحيث يكون السلفي من سَلِم من الشبهات في االعتقادات، خاصة في مســائل اإليمان بالله ومالئكته وكتبه ورســله واليوم اآلخر، وكذلك في مسائل القدر وفضائل الصحابة. إن كــون التوحيــد مبدأ ناظمًا للعقيدة الســلفية يدفعنا إلــى مقارنة هذه األخيرة مع أصوات إســ مية انطلقت من المبدأ نفســه لكن بأفهام وتوظيفات مختلفة، فبالرغم مــن انطالق العديد من الدعوات اإلســ مية من فكــرة التوحيد، واندراجها كأولوية في مشــاريعها اإلصالحية، إال أن الفكرة ال تكتسب نفس المعنى وال تؤسس لنفس توحيد " األهداف. وتبدأ هذه األصوات مشاريعها باإلشارة إلى التوحيد، والذي يعني الخالق بإخالص بالعبودية له وتوحيده بتوحيد المرجعية العليا لكتابه ولسُنَّة نبيه صلَّى اتباع نهج يؤمن بضرورة التحاور والتشاور " ، إال أنها تزيد بأنه يجب " الله عليه وسلَّم والتعــاون واالئتالف بين المســلمين أهــل التوحيد والقبلة، أيًّــا كانت االختالفات .) 2 ( " بينهم إن مجتمعنا يعاني من استشــراء ســرطاني للفرقــة واألنانية " لكنهــا تزيــد بالقول: واالنقسامية والتشرذم والتفكك، ولم ينج الدعاة وجماعاتهم من تأثيرات هذا الواقع وانعكاســاته، ولم ينجحوا بعد.. في التخلص من آثاره، مما يحتم إيالء األمر مزيدًا من العناية واأللوية والعالج. وهو ما ســعينا إلى التنبيه عليه وااللتزام به من خالل .) 3 ( " كلمة التوحيد

15 |

وجلي من المقتطف انصراف الكالم إلى معان ال يشكِّل مبدأ التوحيد بمعناه الديني ســوى مقدمة مســوِّغة لهدف سياســي هو توحيد الدعاة والمبشرين في صف واحد . وبذاك يتجاوز مبدأ التوحيد ما يعنيه " األعراض الســرطانية " لمعالجة المجتمع من في السياق السلفي ليكون أقرب لفكرة الوحدة ذات الداللة السياسية. أما بعض المثقفين الســلفيين، فيسلك منحى آخر في تفسيرهم لمعنى التوحيد، رغم أنه ال يخلو من تبســيط، فبما أن الله أعطى اإلنســان العالم الطبيعي ليكتشــفه، فإن معرفة الله إذن ال تتيســر من خالل االلتزام بمدوَّنة جاهزة من األســماء والصفات فحســب، بل إن معرفة الحق ال تتأتى ســوى باالشــتغال في حقل العلوم المحضة والطبيعة. لذلك نجد أنه في مقابل اإلحاالت الكثيرة على مقوالت السلف المتصلة بالوحدانية عند الســلفيين، تمتلئ كتابات اإلسالميين باألمثلة واالستشهادات العلمية .) 4 على وحدانية الله وعظمته( ومــن الصيــغ الجديدة التي تعطى فكرة التوحيد ما يراه مثقف إســ مي مغربي من أن للتوحيــد داللــة أكثر من مجرد رابط عبودية، إنهــا تتجاوز ذلك لتعطي مختلف فال إلــه إال الله، هي تعبير عمَّا يجده المؤمن في قلبه " مظاهــر التديــن بعدًا جماليًّا: من تعلق بربه، أي ال محبة إال لله، وال مرهوب إال الله، وال يمأل عليه عمارة قلبه إال الله، فلو تابعت الممارســات الدينية في ســائر تفاصيل اإلسالم لوجدتها جميعًا .) 5 ( " عمًل وجدانيًّا إطالق العنان لهذه التجربة الوجدانية قد " وفي تمييز لفكرته عن الصوفية، يقول: إن .) 6 ( " يؤدي إلى تجاوز النصوص التي هي حدود الله، لضبط هذا الفيض الوجداني في مقابل هذه االستخدامات لمفهوم التوحيد، فإن كونه مبدأ ناظمًا للخطاب السلفي أدَّى إلــى تمدد المكــوِّن العقدي في هذا الخطاب مما أعطــاه طابعًا خاصًّا مقارنة بالمشاريع الدعوية األخرى التي ال تكاد يتردد هذا المكون إال في مقدمة مشروعها دون التفصيل فيه أو جعله هدفًا نهائيًّا لما يتضمنه من غايات. وضع صياغة نموذجية ترتكز " ومن داخل التيار الســلفي نفســه، نجد اتجاهًا يروم: على الرصيد المتوافر والكفيلة بإعطاء منهج جديد في البناء العقدي، فالمطلوب إذن .) 7 ( " حركة تجديدية تتفاعل فيها الدعوة السلفية الموروثة مع الواقع الجديد المتغير وفي الواقع، فإن هذا اإلعالن ال يتجاوز سقف النوايا بحيث يعود هذا التيار ليطرح موضوع التوحيد كما هو مصوغ في التصور الســلفي العام. ففي كل مناســبة، يرى

| 16

هــذا التيار، البــد أن يكون التوحيد موضوع حديث وتذكرة أيًّا كان شــاغل الدعاة واهتماماتهم. وانطالقًا من هذا التوجيه، تحرص المنابر السلفية القائمة على التعريف بالتراث اإلســ مي علــى الدعوة إلى التوحيد في اهتماماتهــا المتوزعة بين العقيدة .) 8 والحديث والفقه واألدب والتراجم والمواعظ...( لكن المالحظ أن مثل هذه النداءات الســلفية الداعية إلى التوحيد تظل مفتقرة إلى التأصيل النظري والتأسيس الفلسفي؛ إذ ال تتعدى كونها نداء إلى توسيع الدعوة إلى التوحيد ليكون موضوعًا حاضرًا في كل أنشطة الداعية وتحركاته التي قد تبدو بعيدة عن العقيدة. ولقد أدى هذا النقص إلى ارتباك فكري جعل الخطاب الســلفي ينقسم إلــى اتجاهين يرتبان عن مفهومهما المختلف للتوحيد نتائج تتصل بطرقهما الدعوية العامة: - االتجــاه التقليــدي الذي يرى أن للتوحيد منطقًا خاصًّــا يجعل طرق الدعوة إليه توقيفية، أي إنه يجب اتباع ســيرة الســلف الصالح في تبليغ التوحيد مهما اختلفت ظروف الدعوة. - اتجــاه جديــد يــرى أن التوحيد ما انفك يكون شــاغ ًل للداعي في كل ســكناته وحركاته، وأن طرق الدعوة إليه مســألة توفيقية تتماشــى مع ظروف الزمان والمكان والمقام والمقال. . مناقشة مفهوم البدعة 2 وعلــى الرغــم من كل ما يتســم به الخطاب الســلفي من وضوح مــن حيث مبدئه (التوحيد) إال أنه يبقى مع ذلك قاب ًل للتأويل البحثي الذي يرمي إلى اكتشاف رمزيته؛ ذلــك أن الحقــل الداللي الذي يفتح عليه مفهوم التوحيد ال يقف عند هذا الموقف األصولي في االعتقاد (االعتقاد بالله كما أخبر به نفســه من غير تأويل)، وإنما يمتد ليشمل ضوابط للممارسة الدينية. فإذا كان اإلسالم يقيم العقيدة على مقولة التوحيد، فإن السلوك العبادي ينضبط بهذا المبدأ انضباطًا مطلقًا ال مجال فيه إلشراك غير الله في العبادة بأية طريقة، سواء كانت عبادة أو تقربًا أو دعاء. هكذا يُعد ضبط الممارسة العبادية ومحاربة البدعة مطمحًا أساسيًّا لمجموع النزعات السلفية بحيث تدرج مجموعة أهداف أساسية تصب في خانة إقرار العبادة الصحيحة ومحاربة البدعة، ومن هذه األهداف:

17 |

- محاولة إحياء السنن التي نُسيت في األمة وإقامتها بد ًل من البدع والمحدثات التي دخلت من غير الباب الرئيس على حين غفلة منها. - محاربة البدع بكل صورها وذلك عن طريق الدعوة بالتي هي أحسن. - توعيــة األمــة وتعريفها بواقعها وتحذيرها من اإللحاد والشــرك وكل االنحرافات العقدية والخلقية. - ربط الناس بسيرة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في كل لحظات الحياة. وعلى المستوى الميداني، تتجسد هذه األهداف من خالل سلوكيات نموذجية يجب أن يجســدها األتباع، فليســت هذه الســلوكيات قصدًا مصرَّحًا به من طرف السلفية فحســب، بل تعمل على إثارتها لدى األتباع باســتمرار، بشــكل يجعل من األهداف البيداغوجية الكبرى لدى السلفية هو أن يعكس أداء األتباع ذلك السلوك النموذجي المرغوب فيه والتعبير عنه بواسطة سلوكيات قابلة للمالحظة. فالسلفي الحقيقي هو ذلك الشخص الذي يحرص على ظاهر األشياء، وال يقبل أن يُنسب إلى التدين شيء بِدعي مخالف لما هو نمطي ومحدد بقواعد. وفي القاموس السلفي تُطلق كلمة بدعة على كل تلك التجديدات الطارئة على مستوى العبادة، والتي تفتقر إلى شــرعية نصِّية واضحة، لكن لما كان عموم المعيار الديني يرصد كل تجاوز للعبادات الشــرعية في مفهوم البدعة فيجب تفســير هذا المفهوم وتوضيحه وتمييز اســتخدامه من طرف السلفيين عن المعنى الذي يكتسبه عند باقي اتجاهات الدعوة األخرى. فعند الســلفيين، يعنــي مفهوم البدعة المحدثات التي ال أصل لها في القرآن وســلوك الصحابة. أما اســتعماالته من طرف الفقهاء، فانصرفت ،) 9 إلى اتجاه آخر ليعني كل مساس بالعناصر التي تمس خصائص اإلسالم المحلي( وذلــك علــى خلفية أن كل طعن في التقليد العبادي من شــأنه أن يحدث تشويشًــا وتصدعًــا في صفوف الجماعة، ولذلك رأى هؤالء أنه من المصلحة المحافظة على الخصوصيات التي تطبع الممارسة العبادية مهما كانت درجتها من الصحة أو الضعف .) 10 مقارنة مع العبادات الرسمية( ويوظِّف الســلفيون مفهوم البدعة كثيرًا في حديثهم عن وســائل الدعوة، خصوصًا عندمــا يريدون تمييــز منهجيتهم الدعوية عن منهجية أطراف دعوية أخرى. فإذا كان الكثيــر مــن هذه األطراف يرى أن تلك الوســائل إنما هي اجتهادية، بما يعني حرية الداعية في اختيار ما يراه مناسبًا من الوسائل التي تحقق الصالح والهداية للمدعوين،

| 18

ال يقبل السلفيون ذلك ويصرون على كون وسائل الدعوة مبنية كلها على التوقيف؛ ذلك أن حال األمة اإلسالمية ال يصلح عندهم إال بما صلح به األولون وأصلحوا. فالطريق إلى إصالح الناس هو السبيل الذي درج عليه النبي صلَّى عليه وسلَّم ودرج عليه صحابته. وهذه الســبل هي على سبيل التحديد: الخطب المشروعة، مثل خطبة الجمعة والعيدين، والحلقات العلمية، واإلفتاء، والجهاد في ســبيل الله، والنصيحة ألئمة المســلمين وعامتهم. أما غيرها من الوســائل التي تستعملها الحركات الدعوية األخرى فهي بدعية، مثل الســماع المجرد، وتلحين القصائد، والتغني بها، والتمثيل والمســرحيات، وغيرها مما اعتاد عليه اإلسالميون في أنشطتهم الدعوية. والخالصة أنه ال يجوز بحال اتخاذ وسائل دعوية غير شرعية ال دليل عليها في السنَّة وال سوابق لها عند الصحابة. يدل هذا االختالف على وجود نوع من التدين المحدَّد بدقة لدى الســلفيين، فبينما يلزم الســلفيون أنفســهم بأنواع محددة من العبادات الحصرية، ويعارضون كل تدين متسامح إزاء التطويرات التي تطرأ على الصيغ العبادية األصلية. ومن داخل االتجاه السلفي نفسه، نجد اختالفًا في درجة االنتصار لصيغ معينة من العبادات، فإزاء القول الســلفي التقليدي بأن األصل في وسائل الدعوة هو التوقيف، يرى االتجاه المعتدل خالف ذلك، ويعتبر أن روح العبادة وســرها ليس هو أن يؤديها المســلم على وجه )، منتقدًا 11 مخصوص، بل هو امتثال أوامر رســول الله واإلذعان لشــرع الله تعالى( بذلك االتجاه األول بدعوى أن محاربة البدع وذمها أصبح في نظره أكثر أهمية من التربيــة على العبادات الصحيحة.. ومناديًا بضرورة التدرج في الدعوة وعدم الصدع بها، والتوجه نحو تكوين نخب من شأنها أن تمارس الدعوة على نطاق أوسع. ومن جانبهم، يتَّهم السلفيون التقليديون هذا التيار على خلفية تساهله في نبذ البدع وقبوله التعاون مع المبتدعين، فضًل عن إغفال إصالح عقائد العامة. أما بخصوص التيار السلفي الجهادي، فهو يقيم سُلَّمًا تفضيليًّا بين مختلف العبادات، فيُعــد الجهاد، وليس محاربة البدعــة العبادية، هو روح العبادة وأن اإلقبال عليه هو الذي يحدد درجة االنتماء إلى اإلسالم مميِّزًا بذلك بين المسلم العادي الذي يؤدي ). وبذلك 12 فرائضــه التعبديــة، والمؤمن الذي يؤدي عبادة العبــادات وهي الجهاد( اســتطاع أقطاب الســلفية الجهادية أن يزيدوا من راديكالية األفكار السلفية التقليدية لكي تصبح ســامية ومرغوبة بحماس، لكونها ال تقف عند التأدية الصحيحة للشعائر

19 |

اليوميــة ومجابهــة البدع، ولكنها تتعدى ذلك لتؤهل الفرد للقيام بأعمال أكثر إيمانية تُنفذ ببطولة. وعلى العموم، يبقى هذا االختالف بين التيارات السلفية استثنائيًّا؛ إذ ينصرف عموم الخطاب الســلفي إلى التشديد في ذم البدعة وردها، يدل على ذلك استخدامه بضع نعوت في مواجهته المجدِّدين في مجال العبادة، ومنها: االبتداع والزندقة والضالل.. ففي جواب للشــيخ صالح بن عبد الله الفوزان، أحد الرموز الســلفية المعروفة، عن المبتدعة أشد، ألن البدعة أشد من " سؤال: أيهما أشد: العصاة أم المبتدعة؟ أجاب: المعصية، والبدعة أحب إلى الشيطان من المعصية، ألن العاصي يتوب، أما المبتدع فقليــ مــا يتوب؛ ألنه يظن أنه على حق، بخالف العاصي، فإنه يعلم أنه عاص وأنه مرتكــب لمعصية. أما المبتدع، فإنه يــرى أنه مطيع، وأنه على طاعة فلذلك صارت البدعة والعياذ بالله شــرًّا من المعصية، ولذلك يحذِّر الســلف من مجالسة المبتدعة، ) إال على وجه فيه فائدة شرعية 13 ( " ألنهم يؤثرون على من جالسهم، وخطرهم شديد .) 14 مثل دعوتهم إلى اإلسالم الصحيح، وتوضيح الحق لهم لعلهم يرجعون( وبشــكل اســتثنائي جدًّا، أجاز بعض العلماء الســلفيين مســايرة المبتدعين إذا لحق الشــخص ضرر من إظهارها، مثل التظاهر بالســدل في الصالة واللباس اإلفرنجي، لكنهــم ال يســمحون بذلك عندما يتعلق األمــر بالطقس-الفريضة، مثل حلق اللحية أو تهذيبهــا مهما بلغ الضرر الناجم عن االلتزام بهذه الطقوس، وذلك تطبيقًا لقاعدة يجوز اتباع المبتدعة في األمور التي ليست بواجب، وال يجوز ذلك " السلفية القائلة: .) 15 ( " فيما هو واجب . عقيدة متصلبة 3 تؤمن السلفية بمبدأين يشكِّالن منبع هذا التصلب: - رفض الشرك واإلصرار على التوحيد الذي يجب أن يخضع له كل سلوك بشري، بحيث يشكِّل مبدأ التوحيد المقياس الذي تقاس به شرعية كل التصرفات والمواقف واألفعال والمقوالت حتى ولو لم تكن بالضرورة دينية. فأي نوع من التفكير والفعل ). وبذلك تضع الســلفية المســلم 16 ال ينطلق من التوحيد هو نوع من عبادة الذات( أمام طريقين ال ثالث لهما فإما أن يكون سلفيًّا أو ال يكون مسلمًا بإطالق. - الرؤيــة الصارمة جدًّا والملتزمة بحرفية القرآن وفق التقليد الحنبلي، والذي يجعل

| 20

كل شيء يعود إلى منطوق القرآن والسنة. فرغم أن السلفية ال تكفر التفسيرات المرنة للتــراث الفقهي (المدارس الفقهية األربعــة)، إال أنها تبدو أكثر صرامة في مواجهة التراث الفقهي المعاصر الذي ال يســير وفق اإلرث الفقهي وينادي بمراعاة الظروف ، الذي يقول فيه ربيع المدخلي، أحد الشيوخ " بفقه الواقع " المســتجدة أو ما يســمى إن أغرب ما يقوم به المتحمســون لفقه الواقع يقدمونه إلى " الســلفيين الســعوديين: الناس وكأنه أشــرف العلوم وأهمها وهو في الحقيقة ال يســمى علمًا وال فقهًا، فأين المؤلِّفون فيه؟! أين علماؤه وفقهاؤه في السابق والالحق؟! أين مدارسه؟!.. إن فقه الواقع ال يختلف عن مبدأ الصوفية في التفريق بين الشريعة والحقيقة..، ويعتمد على أخبار الصحف التي تحترف الكذب وتقوم على الجهل والهوى والمبالغات وتحريف .) 17 ( " الكتاب والسُّنَّة وبهذا تكون الســلفية محاولة نشــطة لتكوين أرثوذكسية واحدة لكافة البشر، نوع من اإلصرار على تأســيس مذهب فقهي متجانس مع العقيدة، وثورة على اإلرث الديني الكالســيكي واعتماد اإلســ م النصوصي الذي يحيل على القرآن والسنة نمطًا لكل .) 18 تفكير وسلوك( يــؤدي االنطــ ق من هذين المبدأين إلى اتصاف الســلفية بطابع عام، يجعلها نمطًا فكريًّا أحادي الطبيعة، ومجموعة من المقوالت القاطعة والحاســمة المكتفية بذاتها التي ال حاجة لها إلى منبِّه خارجي يوقظ وعي الذات الســلفية، بل بمجرد الرجوع إلى تعاليم الســلف، وااللتزام بمعيار ثابت وقيم متجانســة موحدة ال يمكن دحضها تيولوجيًّــا إال من خالل مناهج خارجة عنها وبالخصوص حجج التاريخ واالجتماع، في حين تســتطيع األيديولوجيا تفســير وإعادة تأويل كل المناهج األخرى بما يالئم اتجاهها العقدي والفكري، وذلك عبر سلسلة من عمليات الحِجاج الدوغمائي، مما يؤدي إلى توسيع سقف العقيدة إلى حد أنها تتحول ذاتها لمنظومة فقهية شاملة تبدِّع المخالِف وتناصبه العداء. وبالنظر إلى ظروف نشــأة السلفية، يتوازى هذا النمط من الفكر والممارسة مع نمط التي تشــكِّل " البنى التحتية " مــن البيئــة الجغرافية االجتماعية المتميزة، أو لنقل من القاعدة المادية االجتماعية لبنى هذا النوع من الفكر. فالســلفية تجد بيئتها الطبيعية في البادية والريف وفي الربوع اإلسالمية الداخلية والنائية؛ حيث المؤثرات األجنبية الوافدة ضعيفة أو معدومة، وحيث نمط الحياة االجتماعية واإلنتاجية بسيط ال يتطلب

21 |

حلو ًل تركيبية وزيادات. ولهذا يســود هذا النمط الفكري األحادي الطبيعة، والقاطع الحاســم، والملتزم بمعيار ثابت وقيم متجانسة وموحدة، على عكس الفكر التوفيقي الذي ينشأ في العواصم واألمصار ومناطق العمران والمراكز التجارية ونقاط التبادل .) 19 الحضاري والتفاعل الثقافي( فعلى مســتوى الشــكل، يظهر التصلب فيما يعتقده السلفيون من كون اللغة توقيفية، .. يجب االلتزام بما في الكتاب والسُّــنَّة والمأثور عن الســلف الصالح " بمعنى أنه: من األلفاظ والمصطلحات، وأن يُترك كل لفظ مبتدع، أما استعمال مصطلحات غير .) 20 ( " السلف فليس إال فتحًا للمجال أمام المبغضين والضالين ويؤدي ذلك لدى السلفيين إلى: - محاربة أي طريق يُدخل على اللغة العربية ما ليس فيها. - عدم الكالم بغير اللغة العربية أو إدخال كلمات أعجمية فيها. - عدم الحاجة إلى غير اللغة العربية في كل أمور الدين والدنيا. من المفروض، إذن، أن يعبِّر الخطاب الســلفي عن نفســه باللغة نفسها التي عبَّر بها الســلف عن فهمه للقرآن والسُّــنَّة؛ ذلك أن الشــرع لم يقرر التعاليم من موجبات وممنوعات فحسب، بل حدَّد اللغة أيضًا، ولهذا يجب استعمالها كما استعملها الشرع وليس بمعانيها العرفية التي تتطور وتتغير بحســب البيئة االجتماعية، وهو ما يقتضي معرفة لغة الصحابة وتعلمها وهجر ما استجد من تعبيرات حديثة. ويؤدي ما ينتج عن هذه النظرة إلى اللغة من تصلب مفاهيمي ومصطلحي إلى برمجة الفكــر فــي قوالب خطابية صارمة ينتج عنها اســتعمال المخزون المفاهيمي الجامد نفســه الذي يجري توظيفه باســتمرار، بحيث يُجابَه أي استعمال لمفردات معاصرة بتأنيب شديد باعتباره خروجًا على الدين ذاته. وهكذا، فإن التصلب العقائدي للسلفية يُحــدث تغيرًا في العالقة مع الدين؛ إذ يُحــدث تصلبًا في المفاهيم والتعبيرات مما يجعل اللغة السلفية فقيرة معلوماتيًّا، لكنها فعالة في الحفاظ على وحدة المتن والحد مــن التأثيرات االجتماعية على مجمل التنظيم، والتي من الممكن أن يحدثها إدخال ). وال تدل لغة بهذا الشكل على حضور نظرة معينة للعالم 21 مفاهيم وتعبيرات جديدة( فحسب، بل إنها تنظم الفكر بشكل يقلِّل تفاعل الذهن مع ظواهر الواقع المتغيرة. يرافــق هذا التصلب اللغوي قدر من العنف الرمزي يتخلَّل الخطاب، فهناك عدوانية لفظيــة تتمظهر فــي كثير من التعابير القدحية تجاه الظواهر واألشــخاص، لغة تُبقي

| 22

). فمن وراء البنية االصطالحية للخطاب 22 التابع في حالة تعبئة نفسية دائمة للصراع( السلفي تختبئ روح ثورية رافضة ألي من أنواع التفاعل مع أحد أبرز مظاهر الوجود اإلنســاني وهو اللغة، فبقدر ما يبدو الخطاب الســلفي اصطالحيًّا في بعض مقاطعه، بقدر ما يبدو صارمًا بل وحتى ثوريًّا في طرق تعبيره، متأثرًا في ذلك بالتحديد الصارم للتوحيد ذلك المبدأ االعتقادي الذي ينطلق منه على مستوى المضمون. وعلى مستوى المضمون، يظهر التصلب وتزيد حدته من كون أن تلقين األيديولوجيا يجري عبر التحذير من الشبهات والبدع واألخطاء العقائدية ومن القائمين بها، فيشب التابــع على مهاجمة البدعيين وعلــى حب الجرأة وهو يخوض في هذه األمور منذ بداية التحاقه بالحركة، فقد اعتبر ابن تيمية الراد على أهل البدع مجاهدًا، وبيان حال الرجل يصوم " )، وقد قيل ألحمد بن حنبل: 23 أهل البدع وتحذير األمة منهم واجبًا( ويصلي ويعتكف أحب إليك أو يتكلم في أهل البدع؟ فقال: إذا قام وصلى واعتكف .) 24 ( " فإنما هو لنفسه، وإذا تكلم في أهل البدع فإنما هو من المسلمين، وهذا أفضل ومن أهم ما ينجم عن التحذير من البدع: - رفض ما يؤسِّس شرعيته على مجرد العادة والعرف. - رفــض الكرامــة، أي االعتقاد بقدرة بعض األفــراد الذين يتمتعون بقدرات خارقة تجعلهم قادرين على التوسط بين البشر والسماء. - رفض التقارب مع األديان األخرى. - رفــض تقليد العلماء وكافة االجتهادات ســواء كانت زيادات منهجية (كالمذاهب األربعة) أو ثقافية (الفلســفة)، أو الهوتية (التصوف)، أو مؤسسية (مؤسسات رجال .) 25 ( " المذهبية الجامدة " الدين). بمعنى آخر، إعمال القطيعة مع عشرة قرون من وقد ضرب الشــيخ محمد بن عبد الرحمــن المغراوي، زعيم جمعية الدعوة للقرآن والسُّنَّة، مثاًل للتصلب في وجه المخالفين في وصفه لسيد قطب ولجماعة اإلخوان قطب هو أحد المنحرفين الذين خرَّجتهم مدرسة اإلخوان ما بين " المســلمين قائ ًلً: داعية على تكفير المســلمين، وما بين داعية على التقريب بين الكفر واإلســ م، وما بيــن داعية إلى التقريب بين الرفض والسُّــنَّة، وكلهم أجمعــوا على محاربة المنهج الســلفي المبارك، وأما ســيد قطب فقد جمع أعظم الســيئات: وقوعًــا في األنبياء والرسل، ووقوعًا في صحابة رسول الله، ووقوعًا في الحلول... أما بالنسبة لعقيدته فانظر رحمك الله إلى هذا القلم " ). ويضيف: 26 ( " في الصفات، فقد وقع في التأويل

23 |

النتن، كيف يصف صحابييْن جليليْن بالنفاق بالركون على الكذب والغش والخديعة.. بالله عليك أيها القارئ كيف تفلح دعوة تقف مثل هذه المواقف المخزية تجاه حملة الدعوة المحمدية.. زيادة على أنها غارقة في أوحال الحزبية والبدع المقيتة، وكل ما .) 27 ( " لهذا الرجل من الطامات والباليا العقدية؟! يؤدي التصلب العقدي بالســلفيين إلى تصلب فكري يفتقر إلى المرونة وإلى القدرة علــى بحث األمور من جوانب متعددة ومنظورات ومســتويات شــمولية، ويحجب الرؤية النسبية في األشياء والظواهر لصالح االقتصار على ذم االهتمام بالحقائق التي تتعارض مع الحكم المسبق الذي تحمله العقيدة على الشيء، ومن مبادئ السلفية في ال يجب ذكر محاسن أحد من أهل المبادئ الهدامة والمشبوهة من " هذا الشأن أنه: مضلين وبدعيين وحزبيين، ألننا إذا ذكرناها فإن هذا يغرِّر بالناس، فيحســنون الظن .) 28 ( " فيهم فيُقبلون على مبادئهم.. ويكون ثناؤه أشد من ضالله ولهذا االنغالق وظيفة دفاعية في الخطاب الســلفي، فعبره تحافظ األيديولوجيا على تماسكها وتحمي نفسها من التجديدات التي تظهر على خطابات دينية أخرى. هكذا يؤدي التصلب في الخطاب الســلفي إلى خطاب ســجن نفســه داخل قاموس مذهبيته الشــاملة المميزة له، مقيمًا عالقات نظرية وعملية مع مشروعه الخاص غاية إيجابية وحيدة، متقب ًل للشر والسلب عاملين خارجيين مشخصين في أجزاء اجتماعية وسياسية نقيضة له، بحيث تماثل هذه الطريقة بين الشر والخصم، تدعمه وتكثفه في حضــور سياســي اجتماعي، كما لو أن األمر يتعلق بكيــان، بحضور مغاير وخاص، )، والتي يجب عدم االختالط بها 29 فالشــر إذن كامن في كل الجبهات الخارجيــة( اكتســاب شــيء من أخــ ق المدعوين والذي قد ينتج عــن المخالطة أو " لتفادي: .) 30 ( " المشابهة والمشاهدة واالطالع الفكري على ثقافة اآلخرين ونحو ذلك إن كثرة اعتناء الرموز السلفية بالجرح والتعديل (وهو علم إسالمي لتحقيق األحاديث من خالل تعقب الرواة وتحديد مراتب الرواة وأحوالهم)، وإقبال األتباع الســلفيين عليه، وكثرة اشتغالهم به أدى إلى تسرب منهجه إلى االهتمامات األخرى في الخطاب الســلفي بحيث يقع تمييز المخاطبين كما يتميز الرواة عن بعضهم البعض (كذَّاب، مُدَلِّــس...)، فيقــع التنبيه على الدوام إلى المخالفين مــن المبتدعين والتحذير منهم تمامًــا كمــا يقف علماء الجرح والتعديل على جــرم طائفة من الرواة بحق الحديث .) 31 حتى ال يغتر بهم أحد استنادًا إلى ما قرَّرته السُّنَّة بصريح العبارة(

| 24

تبدو الســلفية من خالل هذا التصلب بنية عنف نائمة يشــترك فيها جميع التيارات الســلفية، فال يكاد التمييز بين هذه التيــارات يظهر عند مقارنة بعضها بالبعض على مستوى بنية الخطاب، اللهم إال على مستوى ما يفتح عليه هذا الخطاب من سلوكيات، وباألخص فيما يتعلق بالشرط الموضوعي المتمثل في الموقف من السلطة السياسية تحديدًا، ويكاد هذا الشــرط يشكِّل المفصل المميز بين الخطاب الواقف عند حدود العنف أو ذاك المتبني للعنف المادي؛ ذلك أن الحل الديني الذي يصرِّح به خطاب الحركات السلفية المسماة معتدلة، وإن لم يكن ثوريًّا بالمعنى المادي، إال أنه كذلك من الناحية الرمزية، فالشــعور بابتعاد المجتمع عن الدين الصحيح يؤدي إلى تفاديه .) 32 للعيش على شكل طوائف منعزلة من حيث وجودها الرمزي( إن التصلب هو أيضًا صفة ســلوكية للتابع الســلفي، بما هو نتيجة لعمليات التنميط ) بما فيها 33 التــي تقوم بها األيديولوجيا تجاه األشــخاص أو الجماعات الخارجية( الجماعات الســلفية األخرى نفســها؛ مما يولِّد درجة من التعصب والتمييز تظهر من خــ ل العدوان اللفظي بيــن الجماعات. هكذا يؤدي التصلب دورًا اجتماعيًّا بحيث يجمع األفراد تحت قواعد عامة واحدة مما يؤدي إلى انسجام المجموعة. ولهذا التصلب انعكاسات مهمة؛ إذ إنه سمة تستغرق مختلف األنشطة السلفية بشكل مباشر أو غير مباشر، ومن مظاهر ذلك أن معظم دروس الطائفة موجه نحو التحذير من البدع والطوائف المتبنية لها بشــكل ينتج عنه هجوم شــرس على مجموعة من صيغ اإلسالم: - اإلســ م الشــعبي متمث ًل فيما ترسَّب في المجتمع المغربي من عادات دينية، مثل االحتفــال بعيد المولد النبوي وزيارة المقابر والحضرات الصوفية وتقديس األولياء، وغيرها من المظاهر التي تُعد في النظر السلفي منافية إلسالم السلف حسب المذهب السلفي. انحرافات " - اإلســ م الحركي متمث ًل في الحركات اإلســ مية، لما قامت عليه من عقدية ومخالفات لمنهج الدعوة القائم على أولوية مهمة اإلصالح العقائدي والتربوي .) 34 ( " وهامشية اإلصالح السياسي مقارنة مع هذه المهمة العبادية الذي يسلك منهج التوفيق في كل األمور الدينية بما فيها العقائدية " - اإلسالم العالم . " والعبادية بشكل أضاع معه رسالة الدعوة - اإلسالم الرسمي لتعصبه لمذهب واحد دون سائر المذاهب.

25 |

وعلى عكس مقولة: البُعد عن مواطن الخالف التي تشــكِّل مبدأ ناظمًا في خطاب وعمل الكثير من الحركات اإلســ مية، يقول الســلفيون بوجوب التشديد على هذه المواطــن وإبرازهــا، ألن الســكوت عنها يفتح األبواب أمام التســاهل في الموقف مــن البدعــة والمبتدعة، خصوصًا في جانب العقيدة والتربية الدينية، وترى الســلفية أن موقــف الحركات اإلســ مية من موضوع الخالف دليــل على عدم اهتمام تلك ). ويظهــر التصلب أيضًا 35 الحــركات بجانــب العقيــدة والدعوة والتربيــة الدينية( في تعامل الســلفية مع نتاج المدارس العقائدية اإلســ مية المخالفة لها (األشعرية، بيان الحق إزاءها واجب ديني وكتمانه " المعتزلــة، المرجئة، الباطنية...)؛ وذلــك أن مشــابهة لليهود والنصارى والســكوت على ما في الكتب من ضالل وباطل خيانة ). لكن السلفيين المغاربة يركزون على 36 ( " لله ولرسوله ولكتابه ولجميع المسلمين الصوفية باعتبارها نمط التدين المســيطر، بحيث يذهب النقد بعيدًا إلى حد وصف ...هدم الكيان اإلســ مي وتشــتيت شمله وتمزيق وحدته " الصوفية بأنها تيار هدفه: . " وتشويه صورته وثقافته وإدخال أهله في متاهة ال يمكن أن يخرجوا منها وبفعل هذا التصلب، تشــكِّل الســلفية بناء أيديولوجيًّا متماسكًا ومنسجمًا مع منطلقه االعتقــادي، لكن الســائد في الجبهات المناوئة للســلفية هي الــردود المنطلقة من الخلفيات الدينية. فعلى ســبيل المثال، يُعد أحمد بن الصديق الغماري أبرز العلماء المغاربة الذين كلفوا أنفسهم الرد على المذهبية السلفية، وقد قام بذلك انطالقًا من توجهه الصوفي ورغبته في االنتصار له، مما جعل ردَّه يتســم بالنبرة العدائية نفســها والغلظــة فــي القول، فبداية وجَّه الغماري نقده لرمــوز المذهب، وفي مقدمتهم ابن .. كان ولوعًا بالجدل شــغوفًا باالنتصار لرأيه وهواه محبًّا " تيميــة، الذي قــال عنه: .) 37 ( "ً للظهور على الخصوم بكل وسيلة وطريق سواء كان حقًّا أم باطًل ركيكة بليدة مفخمة " وقــال أيضًــا في أحد األئمة الســلفيين (الطحاوي): إن لغتــه معقدة... الطحاوي لوال حفظه وســعة روايته وكثرة إيراده للطرق الغريبة واألســانيد المتعددة لما استحق أن يُذكر بخير على اإلطالق لفرط تعصبه البالغ إلى حد المقت .) 38 ( " والضالل والعياذ بالله علماء الظاهــر الذين يظنون أنهم العلماء " كمــا يصف الغماري كل رموز الســلفية بـ . وفي النهاية، ينتهي إلى استعراض مزايا " الوارثون جه ًل منهم واغترارًا وادعاء وافتراء علماء الظاهر أهل الرســوم وإن بلغوا في التقوى " الصوفية مقارنة بالســلفية؛ إذ قال:

| 26

والصالح والزهد والورع ما عساهم أن يبلغوا كأحمد بن حنبل فإنهم البد أن يسمعوا .) 39 ( " من الصوفية معارف ال تخطر ببالهم . االعتدال الجديد وحدوده 4 بمدينة الدار البيضاء العديد من رموز التيار 2003 مايو/أيار 16 لقد أوقعت تفجيرات السلفي تحت ضغط إيجاد التبريرات لمواقفهم المتشددة واختياراتهم الفكرية، ونتيجة لذلك، ظهر اتجاهان للتعاطي مع المستجدات: - اتجاه تقليدي دفعه هذا النقاش إلى المزيد من التصلب ويقوم عليه حاملو العقيدة السلفية والساهرون على حمايتها نصًّا وروحًا، بالدفاع عن توجههم والتصدي للسهام الموجهة إليه، سواء أكان من السلفيين اإلصالحيين أم من الجهاديين. - ســلفية جديدة تحاول إعادة تفســير بعض نصوص التراث الســلفي بالتركيز على جوانبه المتســامحة القليلة والمهملة. وقد لوحظ علــى هذا الخطاب الجديد نزعته الذرائعية القوية، وتظل هامشية بالنظر إلى رسوخ النظرة السلفية التقليدية في األذهان. ، تعرض التيار الســلفي المتحان جديد بعد أن أغلقت الســلطات 2008 وفي صيف المغربيــة مقــرات دور القرآن التابعة للتنظيمات الســلفية بداعــي عملها المعاكس ). ويُعد هذا 40 لالختيارات الرســمية في العقيدة (األشــعرية) والمذهب (المالكي)( اإلغالق اإلجراء الصريح والمباشــر إزاء الســلفية الدعوية في المغرب، وقد اتخذته السلطة إثر الضجة اإلعالمية التي صاحبت زواج الصغيرة ذات تسع السنوات، التي صدرت عن المغراوي زعيم تنظيم الدعوة إلى القرآن والسُّنَّة. لقد جعلت هذه األحداث الســلفيين يدركون أهمية أن تكون لدعوتهم أذرع سياسية وحقوقية، وقد تطلَّب منهم ذلك تغيير قناعاتهم الرافضة للعمل السياسي والتنظيمي. فبراير/شباط. وبعد 20 بدأ الســلوك الجديد يظهر بالمشــاركة في مســيرات حركة ، عن 2011 مارس/آذار 9 الترحيب الكبير باآلفاق التي فتحها الخطاب الملكي، في التعديل الدستوري وتصويتهم لصالحه، وفي سياق هذه الديناميكية، أسس السلفيون ) أو 41 كيانات حقوقية، ومنها اللجنة المشــتركة للدفاع عن المعتقلين اإلســ ميين( ) بغية رفع الضيم الذي لحق السلفيين. وفي الواقع فقد غيَّرت 42 تعاملوا مع أخرى( ) من قناعات الســلفيين بخصوص 43 ( 2003 مايو/أيار 16 أحــداث الدار البيضــاء، العمل السياســي الذي كانوا يختصرونه في مبدأ عدم الخروج على ولي األمر؛ مما

27 |

جعلهــم يعيدون النظــر في عملهم وتطوير آليات أخرى وأهمها اآلليات السياســية كثيرًا من المواقع التي مورس فيها " والحقوقيــة. ففــي نقد ذاتي، يالحظ أحدهم أن: التشــنج والغلظة وعدم األناة والصبر تراجعت فيها الدعوة وهانت فيها كلمة الحق، ألن النفوس التي تحملها لم تترب على هذا الخلق الرفيع، وقد ال تعرف إال التشدد مسلكًا والتيئيس شعارًا... لذلك ترى مثل هذه النفوس الهزائم انتصارًا واالنتكاسات تقدمًا، فانقلبت حقيقة الدعوة إلى ســوق مــن البغضاء والفرقة والجدال حول أمور ). ويصف داعية آخر حال 44 ( " مــا وضعت مواضعها الحقة لنظهر نصاعتها وأحقيتها الكثير من الدعاة الذين يتبرؤون من كل مخالف ناقض رأيه رأيهم أو عاكس اختياره اختيارهم، وال يتورعون من غمزه في عقيدته وعدالته، بل يمتنعون حتى عن السالم .) 45 عليه، باعتباره بهذه المخالفة صار في عداد المبتدعة( وحتــى ال يظهــر نقدهم الذاتي صدى لالنشــقاق التنظيمي يحــاول هؤالء التأصيل للمرونة من باب أنها ليست تنازًل عن مقتضيات المذهب على عكس أولئك الذين ممارســة لواجب البراء والهجر بشــكل عفوي بعيدًا عن اإلطار " يرون في التصلب: .) 46 ( " العلمي الواجب التزامه عند مزاولة أي عبادة فبعد أن كان االجتهاد عند الســلفيين ال يعدو أن يكون قيامًا بعمليات متواصلة من النقد الشــديد الذي يتم على أســاس التقليد ومحاكاة ما يعتبرونه نماذج صحيحة، أصبح يعني التقليل من حدة النقد وعدم توظيفه خارج الضوابط العلمية والمحددات الشــرعية. وفي كلتا الحالتين، فإن النقد ال يعني التنازل عن شــيء في المذهب. لقد ال تدَّعي الحقيقة المطلقة فيما تقول وتنشــر، وإن كانت تؤمن " أصبحت الســلفية: .) 47 ( " بحقيقة ما تقول، وال تلزم أحدًا باعتناق أفكارها، أو االنحياز لمضامينها وجلي من هذا أن النقد ال يتجه إلى صميم المعتقد وجوهر الفكر، وإنما إلى صدوره من أطراف غير مؤهلة وإشــهاره في وجه فئات ال يجوز شــرعًا وال عق ًل ممارســة التصلــب إزاءها، ومثل ذلك أن التكفير، وهو أقصى درجات التصلب، ال يوجَّه إلى .) 48 من خالف الحق عن تأويل أو جهل، وإنما إلى من عرف ذلك الحق وعاند( إن التصلب حســب االتجاهات الســلفية المعتدلة قائم على معتقدات خاطئة سائدة عنــد بعــض تيارات الدعوة حول ما يُعد من صميم المعتقد الســلفي، لذا ترى هذه االتجاهــات أن التفقه في منطلقات هذه الدعوة ومناهجها هو الكفيل بتجاوز النظرة الجامدة، فما يجب أن يشــكِّل الشغل الشــاغل للتنظيمات السلفية -حسب هؤالء-

| 28

هو الحرص على تكوين المهارات الكفيلة بتقديم الســلفية في حلل جديدة تناســب التصورات والذهنيات الجديدة. والحقيقــة أن الدعــوات الجديدة نحو اعتماد المرونة فــي الحكم والتقييم الصادرة من الســلفيين ال تعدو أن تكون تصويبًا لهذا التصلب وليس انتقاصًا من حدَّته، إنها إعادة توجيه له، وفيما عدا ذلك يبقى التصلب ســمة مميزة لخطاب الناطقين باســم هذا التوجه الديني. فهو إذن كامن على المســتوى النظري ومختلف في وروده في مجال الممارسة حسب نوع النشاط الذي يستغرق كل تنظيم سلفي، فإذا كانت درجة التصلب قليلة عند التيارات المشــتغلة في مجال التعليم الديني، فإنه بارز عند تلك الناقدة للممارسة الدينية والهادفة إلى إصالحها بما يوافق المذهب السلفي. وبهذا يمكننا القول: إن التراث السلفي ال يحتفظ بالكثير من األفكار التي يمكن أن تســتند إليها النزعات المتســامحة الجديدة. ولذلك تقتصر عمليات النقد والمراجعة على مالمسة سطح الخطاب من دون المساس بأصول المعتقد وجوهر الفكر، والتي ال تهدف في نهاية المطاف سوى ضمان ديمومة المعتقد، وفتح منافذ أمام االنسدادات التي وصل إليها الخطاب. وعالوة على هذا االعتقاد الجديد، خفَّفت السلفية من إطالقية التصنيفات السابقة؛ إذ لم يعد السلفيون منعزلين عن المجتمع. إن هذا السلوك، وإن كان خاصية للسلفية فيما فبراير/شباط أصبح ال يرجِّح هذا 20 مضى، فإن المناخ االجتماعي السائد بعد حراك النزوع؛ ذلك أن أشكال التحالف السياسي السائدة دفعت في اتجاه تكوين جمعيات مدنية وسياســية فاعلة ومســتفيدة من قاعدتها االجتماعية وذات قراءة مغايرة الواقع. في المحصلة، فإننا نلحظ تحو ًل للسلفية من نزعة دينية راديكالية إلى حركة اجتماعية تــروم إحداث تغييرات في العالقات االجتماعية والتوازنات السياســية بغية الحفاظ على نفسها في ظل ظروف عالمية ومحلية لم تكن في صالح السلفية بعدما اقتصرت في السابق على ترشيد التدين فكرًا وسلوكًا. ففيما قبل، اكتفت الســلفية بجعل جُل نشــاطها منحصرًا في حلقات التدريس ونشر وتأليف الكتب وغيرها من المناشط المليئة بالوعظ الديني، وظل اهتمامها هو هداية األفراد والعمل على اســتقامتهم وليس الفعل الجماعي الذي يتوخى أهدافًا دنيوية، وهو ما جعلها تزدري السياســة وتبعدها من اهتماماتها، مثلها في ذلك مثل العديد من الحركات الدينية التي ال تهدف إلى االســتيالء على الســلطة أو التحوير الثوري

29 |

للمجتمع، بل تعمل على تكوين جماعة مؤمنين حقيقيين، وتقترح صيغة للحياة تكون التضامنات األهلية والجماعية فيها مؤسسة على التجربة الدينية الشخصية. إن ما حدث مع السلفية الدعوية هو المثال األكثر وضوحًا على التحول من التصلب إلى االعتدال؛ حيث برزت مواقف جديدة تنتقد بشدة التشدد الذي عرف به الموقف السلفي الكالسيكي إزاء المواقف واألشخاص والتنظيمات الموزاية. فقد قام التصلب القديم، وفقًا للنظرة الجديدة، على معتقدات خاطئة سائدة عند بعض تيارات السلفية ال تمثل بالضرورة الصوت الرسمي المعبِّر عن هذا التيار وليس من صميم المعتقد السلفي. وحسب المنطق الجديد، فإن الحاجة ماسَّة إلى تقديم السلفية بمنهج جديد حريص على تكوين المهارات التي يجب أن تتوافر لتقديم اإلسالم في صيغته السلفية في حلل جديدة تناسب التصورات والذهنيات الجديدة. الم ارجع ) عبد الحكيم أبو اللوز، الحركات السلفية في المغرب (بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، 1 ( . 40 )، ص 2013 الطبعة الثانية، . 11 )، ص 1999 (الرباط، طوب بريس، 2 ) من الميثاق التأسيسي لحركة التوحيد واإلصالح، ط 2 ( . 12 ) المرجع السابق، ص 3 ( ) للتوسع، انظر: 4 ( Olivier Roy, "Les nouveaux intellectuels islamistes, essai d’approche philosophique," in intellectuels et militants dans L’Islam contemporain, Sous la direction de Gilles Kepel et Yann Richard (Paris: Seuil, 1990), 261-283. ، 2021 يونيو/حزيران 15 ، فيســبوك، " جمالية الدين في جمالية التوحيد " ) فريــد األنصــاري، 5 ( . https :// bit . ly / 3NZTSUZ ،) 2021 أكتوبر/تشرين األول 24 (تاريخ الدخول: ) المرجع نفسه. 6 ( ، 214 ، البيان، (لندن، العدد " جيل الصحوة بين الجمــود واالنغالق " ) عبــد الرحمــن الزنيدي، 7 ( . 22 )، ص 2005 ، 20 سنة

| 30

) يعد ذلك بمنزلة خط تحريري عام لمجلة اإللماع الســلفية الناطقة بلســان جمعية الحافظ ابن 8 ( . 2004 و 2000 عبد البر (مراكش) وقد صدر لها أربعة أعداد ما بين أعوام الموجود في المذهب المالكي سندًا " ما جرى عليه العمل " ) يجد الفقهاء التقليديون في األصل 9 ( شرعيًّا لهذه الطقوس. حول توظيف الفقهاء التقليديين لمفهوم البدعة، راجع: Ali Mirad, Le réformisme musulman en Algérie, essai d’histoire religieuse et sociale (Paris: Mouton et Co, 1967), 230-231. ، جريدة ميثاق الرابطة، " التوجه الديني الملتزم وخصوصياته فــي المغرب " ) أحمــد بودهــان، 10 ( . 27 )، ص 2001 ديسمبر/كانون األول 7 ، 967 (رابطة علماء المغرب، العدد . 2019 نوفمبر/تشرين الثاني 25 ، خطبة الجمعة بمسجد الصديق، أكادير، " عيد الفطر " ) 11 ( (األردن، 1 ) عمر بن محمود أبو عمر (أبو قتادة)، الجهاد واالجتهاد: تأمالت في المنهج، ط 12 ( .) 1999 دار البيارق، ) صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان، األجوبة المفيدة: عن أسئلة المناهج الجديدة، (الرياض، 13 ( . 8 )، ص 1997 دار السلف، . 11 - 9 ) المرجع السابق، ص 14 ( ) محمد ناصر الدين األلباني، مسايرة الحكام، (مراكش، تسجيالت جمعية الدعوة إلى القرآن 15 ( . 591 والسنَّة)، رقم الشريط ) خالد أبو الفضل، الحداثة البشــعة والبشــاعة الحديثة: مقدمات، (المجلة المغاربية للكتاب، 16 ( . 29 )، ص 2005 ، صيف 34 العدد ) عن مجلة السنة نق ًل عن جريدة التجديد ضمن ملف، السلفية المغربية والتأثيرات المشرقية، 17 ( . 2002 ، أكتوبر/تشرين األول 492 العدد ) غيرفورد غيرتز، اإلســ م مالحظًا: التطور الديني في المغرب وإندونيســيا، ترجمة أبو بكر 18 ( . 25 )، ص 1993 باقادر (بيروت، دار المنتخب، (بيروت، المؤسســة العربية 1 ) محمــد جابــر األنصاري، الفكر العربي وصراع األضداد، ط 19 ( . 35 )، ص 1997 للدراسات والنشر،

31 |

) مقتطف من مساهمة أحد تالميذ المعهد العلمي التابع لجمعية الدعوة إلى القرآن والسُّنَّة وقد 20 ( عُلِّقت على سبورة مساهمات المعهد. (21) Jean-Pierre Deconchy, L’orthodoxie religieuse (Paris: mouton, 1980), 62. (الدار 8 ) مصطفى حجازي، التخلف االجتماعي مدخل إلى سيكولوجية اإلنسان المقهور، ط 22 ( . 176 )، ص 2001 البيضاء، المركز الثقافي العربي، ) مجموعة فتاوى ابن تيمية، المجلد الرابع من مجموع الفتاوى، طريق اإلسالم، دون تاريخ، 23 ( . https :// bit . ly / 3zltocw ،) 2021 يناير/كانون الثاني 19 (تاريخ الدخول: . 236 ) المرجع السابق، ص 24 ( . 39 )، ص 2003 ) أوليفييه روا، عولمة اإلسالم، ترجمة الرا معلوف، (بيروت، دار الساقي، 25 ( (مراكش، مكتبة دار 1 ) محمد المغراوي، أهل اإلفك والبهتان الرادُّون عن السنة والقرآن، ط 26 ( . 37 )، ص 2001 القرآن، ) محمد المغراوي، من سب الصحابة ومعاوية فأمه هاوية، (القاهرة، مكتبة التراث اإلسالمي، 27 ( . 29 )، ص 1998 . 29 ) الفوزان، األجوبة المفيدة عن أسئلة المناهج الجديدة، مرجع سابق، ص 28 ( (الدار 1 ) جاك دريدا وآخرون، الدين في عالمنا، ترجمة محمد الهاللي وحسن العمراني، ط 29 ( . 116 )، ص 2004 البيضاء، دار توبقال للنشر، ) عبد الله بن رشــد الحوشــاني، منهج ابن تيمية في الدعوة إلى الله تعالى، (الرياض، مركز 30 ( . 431 ، ص 1 )، ج 1996 الدراسات واإلعالم، دار إشبيليا، . رواه مســلم والبخاري، " من كذب علي متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار " ) بنــاء علــى حديث 31 ( . 1291 الرقم ) يميز غلوك بين مختلف الطوائف الدينية بناء على الحل الذي تتبناه وترى فيه بدي ًل للوضع 32 ( وتلك " الحل الثوري " المعيــش. وقــد ميز في هذا النطاق بين الحركات التي تتبنى العنف المادي . للتوسع، انظر: " أو الحل التوفيقي " التي تتبنى التغيير المتدرج Charles Y. Glock, "Origine et évolution des groupes religieux," in Archives

| 32

des sciences sociales des religions, vol. 8, no.16, (1963): 29-38. ) أحمد زايد، ســيكولوجية العالقات بين الجماعات (الكويت، سلســلة عالم المعرفة، أبريل/ 33 ( . 75 )، ص 2006 نيسان ) على العكس من ذلك، يعد اإلعراض عن مشادات كالمية أو تصادم عملي مهما كانت درجة 34 ( عنفه مع الجماعات اإلســ مية األخرى إحدى الخصائص األساســية الستراتيجية العمل الميداني التي تتبناها جماعة العدل واإلحســان. ومما ال شــك فيه، فاألصول الصوفية للشــيخ عبد السالم ياســين هي التي تفســر هذا الخيار والجنوح النســبي نحو الهدوء والمجادلة البنَّاءة. انظر: محمد الطوزي، الملكية واإلســ م السياســي، ترجمة محمد حاتمي، خالد شكراوي (الدار البيضاء، نشر . 207 )، ص 1999 الفنك، (الرياض، 2 ) أحمد ســ م، نظرات في منهج اإلخوان المســلمين: دراسة نقدية إصالحية، ط 35 ( . 50 )، ص 1993 مكتبة الكوثر، ) محمد المغراوي، وقفات مع الكتاب المسمى دالئل الخيرات وما صح عن النبي في الصالة 36 ( . 3 )، ص 1990 عليه من دالئل الخيرات، (القاهرة، مكتبة التراث اإلسالمي، ، نق ًل عن مصطفى اليوســفي، تنبيه القاري 1 ) أحمد بن الصديق الغماري، البحر العميق، ج 37 ( . 53 )، ص 1996 إلى فضائح أحمد بن الصديق الغماري، (مراكش، . 42 ، نقًل عن المرجع السابق، ص 230 ) أحمد بن الصديق الغماري، البرهان الجلي، ص 38 ( ، 11 ، ص 3 ) أحمد بن الصديق الغماري، جؤنة العطار في طرف الفوائد ونوادر األخبار، ج 39 ( . 39 - 38 نقًل عن المرجع السابق، ص تُعد هذه الردود من أحمد بن الصديق جزءًا من معركة خصومة عقائدية كان أطرافها من السلفيين المغراوي ومحمد بوخبزة من جهة، والصدِّيقون الذين يمثلون االتجاه الصوفي في طنجة من جهة أخرى فض ًل عن أحمد بن الصديق، وعبد الحي وعبد الله، وعبد العزيز بن الصديق وباقي األفراد الذين ال يزالون نشــطين في الحقل الديني من جهة أخرى. وقد اعتذر محمد بوخبزة في المقابلة التي أجريناها معه بتطوان عن مدِّنا بالرسائل التي تبادلها في هذا الشأن مع عبد الله التليدي، أحد متصوفة طنجة، بدعوى تبعثرها وقلَّة المردود العلمي الممكن استخالصه منها. ) بعد سلسلة من التضييقيات المتتالية، يُعد هذا اإلغالق اإلجراء الصريح والمباشر إزاء السلفية 40 (

33 |

الدعوية في المغرب وقد اتخذته الســلطة إثر الضجة اإلعالمية التي صاحبت زواج الصغيرة ذات تسع السنوات التي صدرت عن محمد المغراوي زعيم جمعية الدعوة إلى القرآن والسُّنَّة. ، وهي 2011 مايو/أيار 14 ) تأسســت اللجنة المشــتركة للدفاع عن المعتقلين اإلسالميين في 41 ( لجنة حقوقية مغربية تشــكَّلت باألســاس للدفاع عن حق المعتقلين اإلســ ميين على خلفية قانون اإلرهاب لوضع حد لكل االنتهاكات والتجاوزات التي تلحقهم في الكرامة والحرية. لتفاصيل أكثر، . https :// bit . ly / 3xlqW47 انظر موقع اللجنة: ) وهي إما تنظيمات إسالمية (الكرامة، النصير) وإما علمانية (بيت الحكمة، الجمعية المغربية 42 ( لحقوق اإلنسان). قتي ًلً، واســتهدفت خمســة مواقع بالدار الدار البيضاء، 44 ) مجموع علميات إرهابية خلَّفت 43 ( انتحاريًّا. 14 ونفذها ، 25 ، الســنة 221 مجلة اإللماع (العدد " المســلمون ومرحلة الغربة " ) الحســين آيت ســعيد، 44 ( . 17 )، ص 2006 فبراير/شباط ) رشــيد مادون، من فقه االختالف على فقه االئتالف، سلســلة إلى من يهمه األمر، (مراكش: 45 ( . 6 )، ص 1999 المطبعة والوراقة الوطنية، . 5 ) المرجع السابق، ص 46 ( . 3 )، ص 2000 ، يوليو/تموز 1 ، السنة 1 ) االفتتاحية، مجلة اإللماع، (العدد 47 ( . 138 ) الفوزان، األجوبة المفيدة، مرجع سابق، ص 48 (

Page 1 Page 2 Page 3 Page 4 Page 5 Page 6 Page 7 Page 8 Page 9 Page 10 Page 11 Page 12 Page 13 Page 14 Page 15 Page 16 Page 17 Page 18 Page 19 Page 20 Page 21 Page 22 Page 23 Page 24 Page 25 Page 26 Page 27 Page 28 Page 29 Page 30 Page 31 Page 32 Page 33 Page 34 Page 35 Page 36 Page 37 Page 38 Page 39 Page 40 Page 41 Page 42 Page 43 Page 44 Page 45 Page 46 Page 47 Page 48 Page 49 Page 50 Page 51 Page 52 Page 53 Page 54 Page 55 Page 56 Page 57 Page 58 Page 59 Page 60 Page 61 Page 62 Page 63 Page 64 Page 65 Page 66 Page 67 Page 68 Page 69 Page 70 Page 71 Page 72 Page 73 Page 74 Page 75 Page 76 Page 77 Page 78 Page 79 Page 80 Page 81 Page 82 Page 83 Page 84 Page 85 Page 86 Page 87 Page 88 Page 89 Page 90 Page 91 Page 92 Page 93 Page 94 Page 95 Page 96 Page 97 Page 98 Page 99 Page 100 Page 101 Page 102 Page 103 Page 104 Page 105 Page 106 Page 107 Page 108 Page 109 Page 110 Page 111 Page 112 Page 113 Page 114 Page 115 Page 116 Page 117 Page 118 Page 119 Page 120 Page 121 Page 122 Page 123 Page 124 Page 125 Page 126 Page 127 Page 128 Page 129 Page 130 Page 131 Page 132 Page 133 Page 134 Page 135 Page 136 Page 137 Page 138 Page 139 Page 140 Page 141 Page 142 Page 143 Page 144 Page 145 Page 146 Page 147 Page 148 Page 149 Page 150 Page 151 Page 152 Page 153 Page 154 Page 155 Page 156 Page 157 Page 158 Page 159 Page 160 Page 161 Page 162 Page 163 Page 164 Page 165 Page 166 Page 167 Page 168 Page 169 Page 170 Page 171 Page 172 Page 173 Page 174 Page 175 Page 176 Page 177 Page 178 Page 179 Page 180 Page 181 Page 182 Page 183 Page 184 Page 185 Page 186 Page 187 Page 188 Page 189 Page 190 Page 191 Page 192 Page 193 Page 194 Page 195 Page 196 Page 197 Page 198 Page 199 Page 200

Made with FlippingBook Online newsletter