أحد عشر عامًا على ثورة 17 فبراير الليبية المسارات، العثرات،…

يتناول الكتاب أسباب ثورة السابع عشر من فبراير/شباط 2011، ويوثق أبرز المحطات التي اتخذتها هذه الثورة خلال الأحد عشر عامًا الماضية (2011 – 2022)، ويناقش العثرات التي اعترضت مسار التحول الديمقراطي ودور العامليْن الداخلي والخارجي في ذلك وما أفضت إليه هذه العثرات من احتراب أهلي، ويُقيِّم المؤلف في كتابه الجهود التي بُذلت لإعادة الأمن والسلم إلى ليبيا، ويسلِّط الضوء على مصالح القوى الإقليمية والدولية والمواقف التي اتخذتها من الثورة الليبية وأثر ذلك في تطور الأحداث ومآلاتها.

تأليف: السنوسي بسيكري

ه 1443 م – 2022 آذار النسخة الأولى: مارس/

3 5 ................................................................................ مقدمة 7 .......................................... الفصل الأول: الثورة.. دوافع وإرهاصات 9 ............................................................... أولا: الواقع السياسي 17 . .......................................................... ثانيا: الواقع الاقتصادي 24 . ................................................ ثالثا: الواقع الاجتماعي والثقافي 33 . ................ الفصل الثاني: اندلاع الثورة.. استجابة الداخل وتفاعل الخارج 34 . .................................... أولا: الشرارة الأولى وأصداؤها في الداخل 44 . ........................................ ثانيا: الموقف الدولي من الثورة والنظام 55 . ........... الفصل الثالث: سلطة الثورة والتأسيس لمرحلة الانتقال الديمقراطي 59 . ............................... أولا: خطة المجلس الوطني للانتقال والاستقرار 64 . ............. ثانيا: مساهمة المكونات السياسية والمجتمعية في مرحلة الانتقال 66 . ............................................ ثالثا: الدعم الدولي السياسي والفني 75 . ................. الفصل الرابع: المسار الانتقالي بعد انتخاب المؤتمر الوطني.. 76 . ............................... أولا: قانون الانتخابات ودور المفوضية والنتائج 80 . ................................. ثانيا: المؤتمر الوطني وإجراءات تنظيم السلطة 86 . ........................................ ثالثا: المؤتمر الوطني والمسار التأسيسي 100 .................................. رابعا: ضياع بوصلة التأسيس بالمؤتمر الوطني 123 .................... الفصل الخامس: الانقسام السياسي ومشروع عسكرة الدولة 123 ............................................... أولا: إرهاصات الانقسام السياسي 131 ............................. ثانيا: عملية الكرامة والمنعطف الأخطر منذ الثورة 142 ......................................... ثالثا: انتخاب البرلمان وملامح الانقسام

156 ....................................... رابعا: الحوار السياسي ومسوداته الخمس 175 ..... م 2021 الفصل السادس: اتجاهات الأزمة الليبية بعد خارطة طريق جنيف 175 ....................... أولا: مقاربة جديدة في مواجهة أزمة ما بعد الصخيرات 183 .......................... ثانيا: حكومة الوحدة الوطنية وتحديات إنجاز المهمة 194 ....................................... ثالثا: تعثر المسارات والبحث عن مخرج 199 .......................................... رابعا: مظاهر التأزيم بعد تنفيذ الاتفاق 202 ........................................... خامسا: حفتر ومقاومة التوافق الجديد 203 ...................... سادسا: معضلة الأساس الدستوري والقانوني للانتخابات 212 .....ٌ سابعا: الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي بعد عشر سنوات ونَيْف 214 .............................................. ثامنا: السبيل لاحتواء الأزمة الليبية 217 ........................................................................... الخاتمة 223 ................................................................. المصادر والراجع

4

مقدمة يســلط هذا الكتاب الضوء على وقائع وأحداث تخص الشــأن الليبي منذ م حتى التوافق على حكومة 2011 اندلاع ثورة السابع عشر من فبراير/شباط عام الوحــدة الوطنية التي من أبرز مهامها تهيئة الظروف لإجراء انتخابات عامة كان م، 2021 من المفترض أن تُجرَى في الرابع والعشرين من ديسمبر/كانون الأول وتم تأجيلها. ولا يقف الكتاب عند مجرد سرد الوقائع والأحداث، بل يتجه إلى قراءتها، ويولي اهتماما للوقوف على طبيعة الأزمة الليبية ومحركات النزاع الذي عاد بعد اســتقرار نسبي استمرّ عامين إثر نجاح الثورة في إسقاط النظام وتقديم بديل ديمقراطي. ولا ينفك تقييم الوقائع والأحداث والنظر في دوافع الصراع الذي تصاعد م والبحــث في مواقف مختلف الأطراف 2014 مــع إطــ ق عملية الكرامة عام السياســية والعســكرية الفاعلــة والمبادرات التي طرحت لاحتــواء الصراع، لا ينفك تقييمها عن رأيي ونظرتي الخاصة للمشهد وتقديري لتوجهات ومنطلقات أطــراف النزاع، إلا أني اجتهــدت في أن أكون موضوعيا؛ إذ لم أتردد في إيراد مختلــف المواقف بغض النظر عن من صدرت عنه، وتقييمها وفقا لمعيار مدى إسهام تلك المواقف والأشخاص في إذكاء النزاع والانحراف عن مسار احتواء الصراع والإخفاق في التساوق مع أصلح المقاربات لمعالجة مختلف المختنقات السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية. ولأن الغاية الأساســية من هذا الجهد أن يقف المهتم بالشــأن الليبي على الصــورة العامة للمشــهد وتطور الأحداث باتجاه التأزيم خاصة بعد الانقســام م، فقد انتقلت في 2014 السياســي الذي وقع عقب انتخاب مجلس النواب عام تتبع تطورات الأوضاع في ليبيا بداية من الوقوف على إرهاصات الثورة، مرورا بالوقائع التي تصف بداية تفجرها وما صاحب ذلك من أحداث توثق التفاعلات الداخليــة والخارجيــة المتصلة بها، منتقلا إلى المراحل التي تلت ذلك بالتركيز علــى رصد وتقييم مقاربة الانتقال الديمقراطي التي أطّرها الإعلان الدســتوري م ونســج على 2011 الذي صاغه المجلس الوطني الانتقالي في أغســطس/آب

5

منوالهــا المؤتمر الوطني العام ومن بعــده مجلس النواب ثم اتفاق الصخيرات م. 2021 وصولا إلى اتفاق جنيف في يناير/ كانون الثاني هناك جهود بحثية عديدة تناولت المســألة الليبية بعد ثورة فبراير اتســمت بالموضوعية والعمق في قراءة أســباب النزاع وتداعياته، إلا أنها تناولت فترات محدودة من عمر الأزمة الليبية بعد الثورة. وأزعم أن هذا الكتاب يتميز بتغطيته لأهم المحطات والواقع والأحداث خلال الســنوات العشــر الماضية التي تلت تفجر الثورة، معتمدا على كم كبير من المصادر وعلى ذاكرتي الخاصة وما وثقته من وقائع وأحداث وكوني منغمسًا في الحالة الليبية ومتتبعًا وراصدًا للتطورات عبر الظهور الإعلامي المكثف ومن خلال إصدار كتابين حول ليبيا وعشــرات الورقات البحثية ومئات المقالات التي نشرت في مواقع محلية وعربية. لقد كان اهتمامي كبيرا وأنا أعد هذا الكتاب أن أقف على أســباب التأزيم ومحركات النزاع ومهيجات الصراع، ذلك لأن بحثها والوقوف عليها يساعد كثيرا على فهم طبيعة الأزمة الليبية ويسهل الوصول إلى البدائل الصحيحة لمعالجتها، وهــو الأمــر الذي قاربته وأنا أتناول الملفات المهمة والمواضيع الشــائكة التي كانت عنوانا للنزاع. إن الباحث لمرحلة ما بعد الثورة وبعد مضي أكثر من عشــر ســنوات على اندلاعها ســيجد في الكتاب ما يلبي متطلبات بحثه، ويمكن القول إن الكتاب يمكن أن يكون مرجعا لهذه الفترة؛ إذ تتوفر فيه تغطية أهم الأحداث والوقائع، مع التوثيق لتلك الأحداث والوقائع بحسب ما توفر من مصادر. وسيجد الباحث أن الكتاب استعان بعشرات الكتب والدراسات والتقارير التي عُنيت بهذه الفترة الزمنية، باللغتين العربية والإنجليزية، وقد تم إدراجها في قائمة المراجع. وأخيرا فبرغم فرحي بأن أصل إلى ما وصلت إليه عبر عمل استمر أشهرا طوالا، فإني أعتقد أنه جهد بشري يعتريه النقص ويخضع لقاعدة القصور البشري التــي تتنافــى والكمال، ولا يفوتني في هذه الســانحة أن أشــكر مركز الجزيرة للدراســات على دعوته لي للبحث في هذه الفترة الحافلة من عمر ليبيا، راجيا من الله أن يكون جهدا نافعا. السنوسي بسيكري

6

الفصل الأول الثورة.. دوافع وإرهاصات

الثــورة الليبية كانت صدى لثورات الربيع العربي التي ســبقتها، ولقد كان التغيير الذي وقع في تونس ومصر حافزا كبيرا لانتفاضة الليبيين، ولا ريب في أن نقل وقائع الثورتين التونسية والمصرية على الفضائيات بكل حيثياتها المثيرة حرك نوازع الليبيين للانتفاض، ولعبت وســائل التواصل الاجتماعي دورا مهما في اندلاع شرارة الثورة ثم أخذها زخما كبيرا. ولأن الثورات العربية كانت ردا على واقع سياســي واقتصادي واجتماعي متردّ، فقد توافرت الحالة الليبية على دوافع كافية للثورة على النظام. ) في Mary Fitzgerald تقــول الصحفيــة الأيرلندية مــاري فيتزجيرالــد ( ندرك جيدا أنه " تعليــق علــى كتاب عاصفة الرمال، ليبيا من القذافي إلى الثورة: لفهــم الدوافع التي أدت إلــى الانتفاضة، يجب فهم ما الذي حصل في العقود . ((( " المنصرمة ويذهب الباحث التونسي منصف وناس إلى أن عنف النظام السابق، بغض النظر أكان ثوريا أو أيديولوجيا، ساهم وبشكل رئيسي في مراكمة الأحقاد التي . ((( م 2011 شكلت البيئة الحاضنة للانفجار في فبراير/شباط فما من شــك في أن ثورة الســابع عشــر من فبراير كانت تعبيرا عن حالة الســخط لإفرازات أربعين سنة من حكم نظام القذافي، وأن السيل الهادر الذي عبر عن نفسه بأوجه مختلفة من الغضب والرغبة في التغيير الجذري إنما تراكم بسبب ممارســات كانت مظاهرها كبتًا سياسيّا وترديًا اقتصاديّا وتخلفًا اجتماعيّا وثقافيّا. وبالنظر إلى واقع الدول التي شهدت ثورات، وتلك التي لم يقع فيها شيء ترجمة هنادي مزبودي، دار الفرجاني، " عاصفة الرمال: ليبيا من القذافي إلى الثورة " هيلسوم، ليندسي ((( ، الغلاف الخلفي للكتاب. 2014 طرابلس 19 مص 2018 الدار المتوسطية للنشر تونس " ليبيا التي رأيت ليبيا التي أرى " وناس، منصف (((

7

مشابه، نجد أن العوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية أسهمت، مجتمعة أو متفرقة، في التغيير الذي وقع، وليبيا مثال لاجتماع كل العوامل. فليبيا دولة غنية بالنفط وكانت حتى سبعينيات القرن الماضي في مستويات اقتصادية واجتماعية متقدمة إلى أن أصاب واقعها السياسي والاجتماعي والثقافي التردي الذي تعانيه الآن، وذلك بســبب السياســات الفاشــلة التي اتبعها نظام العقيد معمر القذافي والتي استمرت لعقود. من ناحية أخرى، فإن القذافي مثّل حالة مستفزة لليبيين، فهو الحاكم المطلق الذي لا يحكم والســيد المطاع الذي يســوس الجميع بالعصا والجزرة إلا أنه ليس رئيسا، ولو كان كذلك لألقى بالاستقالة على وجوه الليبيين كما صرّح في . ((( م بالاستئصال 2011 الخطاب الذي هدد فيه المنتفضين ضده في فبراير/شباط هذا علاوة على شــطحاته الفكرية والسياســية التي قدمت تفســيرات غير منطقية لكثير من الأحداث ومقاربات تتعدى المقبول لحل نزاعات ومشكلات، ومنها آراؤه في الدين وخياراته في إدارة الدولة وتوجيه المجتمع، وشــخصنته لكثير من الأحداث واتخاذ موقف بناء على هذا الأساس سواء على الصعيدين . ((( المحلي أو الخارجي يضاف إلى ذلك ســعي القذافي للقيام بــدور أكبر مما تتيحه له الجغرافيا والديمغرافيــا الليبيــة التــي اعتبرها أضيق من قدراته كقيــادي وزعيم ولا تليق بإمكانياته كمصلح عالمي، فمن القومية العربية بنكهة ناصرية متشددة، إلى القيادة الأممية، فالزعامة الإفريقية وملك ملوك إفريقيا. ثــم تحوله من زعيم يقارع الأنظمة الغربية ويتحداها ويثوّر الجموع ضدها طوال ثلاثة عقود، إلى التســليم والرضوخ لشــروطها المهينة من أجل رفع قيود الاستيراد والتصدير التي فرضت على البلاد لما يزيد عن عشر سنوات بداية من م واعترافه بارتكاب جرائم ضد مصالح غربية واضطراره لدفع مليارات 1992 عام (1) https://www.youtube.com/watch?v=RSh6QAs_my8 - من ذلك مثلا تعاطيه مع الأزمة التي نشبت مع سويسرا الاتحادية حينما سخط من تعامل السلطات ((( بها مع ابنه هنيبال في واقعة الاعتداء على خادمه، إذ طلب من مندوب ليبيا لدى الأمم المتحدة آنداك جاد الله الطلحي تقديم التماس رسمي لمجلس الأمن، إبان عضوية ليبيا فيه، يطالب بتقسيم سويسرا إلى ثلاث دول.

8

الدولارات تعويضا عن ذلك والســماح للشــركات الغربية بالعودة والتحكم في مفاصل الاقتصاد خاصة قطاع النفط. لقد هز رضوخ القذافي الصورة التي رســمها في مخيال شــريحة واســعة من الليبيين للزعيم الشــجاع الذي يقارع الدول العظمى بكل بأس، فكان لهذا الانكسار أثره في النيل من هيبته والانتفاض عليه. م وإنه بالإمكان 2003 إن القــول باتجــاه وضع البلاد إلى الأفضل منذ عام الاستدراك على العقود العجاف فيه تبسيط مجحف يصل إلى حد التضليل؛ ذلك أن الاتجاه لم يكن إصلاحا يسهم في معالجة الواقع المتردي ويؤسس لاستقرار الذي ظهر في تلك الآونة كان " ليبيا الغد " دائم وتنمية مســتدامة، فإن مشــروع أقــرب إلــى عملية تجميل لصورة النظام وقد تم إيقافه بعد أن تحقق المنشــود وهــو إعــادة تأهيل النظام وإدماجه في المجتمع الدولي، وقد ظهر الوجه الآخر لفكر وســلوك نجل القذافي ســيف الإسلام الذي كان يقود ذلك المشروع وأنه ربيب الدكتاتورية ونموذج للتسلط والعنف وذلك في الأشهر الأولى للثورة، أما مشاريع التنمية فقد تأكد أن الفساد يتلبس بالكثير منها وأنها تفتقر إلى مقومات الاســتدامة. ولأن الإصلاح السياسي والحقوقي كان شكليا دون تغيير في عقل ، فإن الوضع لم يكن متجها إلى تغيير أو تقدم يتسم بالثبات والديمومة، ((( النظام ومن ثم فقد ظلت أسباب الثورة عليه متوفرة. وقد راكمت هذه العوامل مجتمعة حالة الشك الذي انتقل إلى سخط تراكم لعقود ليشكل وقودا لغضبة عارمة مثلت نفسها في الثورة. وسنتتبع في هذا الفصل الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي الليبي الذي ســبق تفجر الثورة وكان عاملا رئيســا في تطور الأحداث فيما بعد م. 2011 فبراير/شباط أولا: الواقع السياسي م وكانت البلاد تشــهد استقرارا 1969 وصل معمر القذافي إلى الحكم عام سياسيا وتتجه صوب التحول الاقتصادي والاجتماعي وفق هامش من الديمقراطية (1) Wehrey, Frederic " The Burning Shores: Inside the battle for New Libya " Farrar Straus and Group, New York ebook 2018 page 24

9

والحريــات العامــة يمكن القول إنه كان مقبولا وقابلا للتطور، دون إغفال الأثر السلبي للتحديات التي واجهت تأسيس الدولة بعد الاستقلال والخلافات ذات الطابع الجهوي والسياســي حــول مواقف الملــك وأداء الحكومات المتعاقبة والعلاقة بالإنجليز والأمريكان. فبرغم الصلاحيات الواسعة التي تمتع بها الملك، والنفوذ الذي حظيت به الحاشــية، وأثر ذلك على المشاركة الشعبية وعلى المعارضة والرأي العام، فإن م أسس لمنظومة سياسية بآليات ديمقراطية، فالبرلمان 1951 الدستور الذي أقر عام كان منتخبا انتخابا شــعبيا، كما كانت الســاحة السياسية والفكرية تعج بالنشاط، ولم يؤد قرار الملك حظر الأحزاب إلى إلغاء الجماعات الفكرية والسياسية من المشــهد، فقد كانت التيارات الفكرية من إســ ميين بتعدد اختياراتهم، وقوميين بمختلف تكويناتهم، تعمل على الساحة ورموزها معروفة وتقوم بنشاطاتها على الملأ، كما كانت الصحافة الحرة نشــطة وتعمل بشــكل ملحوظ وتؤدي دورها باعتبارها ســلطة رابعة، ولم يحل التقدير الكبير للملك إدريس ســليل الحركة السنوســية التي يعود إليها فضل قيادة الجهاد ضد المســتعمر الإيطالي ثم ريادة الانتقــال نحو بناء ليبيا الحديثة دون انتقاده في مناســبات عدة ومعارضة بعض مواقفه في شــكل بيانات أو مظاهرات كما وقع في أحداث يناير/كانون الثاني م التي خرج فيها طلبة المدارس والجامعة الليبية محتجين على ما اعتبروه 1963 موقفا ســلبيا للملك تجاه الأحداث السياســية في المنطقة العربية، فكانت نتائج الصدام بين المتظاهرين والشــرطة سببا مباشرا لاستقالة الحكومة التي شُهِد لها ((( بتحقيق إنجازات كبيرة. م، ص 1966 دار الثقافة بيروت، " ليبيا الحديثة: دراسة في تطورها السياسي " انظر: خدوري، مجيد، ((( . ويذكر في هذا الصدد أيضا أن ليبيا دعمتزمن المملكة القضايا العربية وكان الموقف الليبي من 358 مقاومة الجزائريين للمستعمر الفرنسي مميزا وكذلك القضية الفلسطينية، ويأخذ القوميون في المنطقة العربية على الملك قبوله بالقواعد الأجنبية في البلاد، وكان موقف القاهرة زمن عبد الناصر ضاغطا على الملكمنخلال التأثير على الرأي العام الليبي، فعلىسبيل المثال حدث أن تغيب الملك إدريس م وصدر عن القمة قرارات أسهمت في 1963 عن القمة العربية التي انعقدت في ديسمبر/كانون الأول خروج مظاهرات في بنغازي وطرابلس، وواجهت الشرطة الطلاب المتظاهرين بالقوة وسقط منهم عدد بين قتيل وجريح، ولأن الملك رفضطلب رئيس الحكومة إقالة رئيس الشرطة أبوقويطين، فقد قرر رئيس الحكومة، محي الدين فكيني، الاستقالة.

10

ومن المهم التنبيه إلى أن الحقوق كانت مصانة نســبيا، إذ لم تنفذ عقوبة عاما إلا 18 الإعدام لأســباب سياســية خلال حكم الملك إدريس الذي استمر مــرة واحــدة، حيث أعدم ابن عم الملك وابن أخي زوجته بعد إدانته بقتل أحد المســؤولين الكبار المقربين من الملك، ولم تعرف فترة حكم الملك اعتقالات سياسية إلا في أضيق نطاق، وفي الغالب خضعت عمليات الاعتقال للإجراءات القانونية ولم تسجل انتهاكات عنيفة من تعذيب وغيره لأسباب سياسية أو متعلقة بحرية الرأي والتعبير، إلا في حالات كانت استثناء. أمــام هــذه الصفحة التي يمكن القول إن البياض ظاهر فيها وســوداها لم يحل دون نصاعتها، كان حكم العقيد معمر القذافي منذ سنواته الأولى استبداديا بامتياز، وتحول من طور إلى آخر في الدكتاتورية خلال أربعة عقود ليصل إلى نسخة فريدة في التسلط وقمع المعارضين بوحشية. فقد جمّد القذافي الدستور، وألغى المنظومة السياسية وفي مقدمتها مجلس الســلطة العليا في البلاد، واستفرد القذافي " مجلس قيادة الثورة " النواب، وصار بقيادة المجلس بعد ســنوات قليلة لينتقــل إلى تطبيق رؤيته الخاصة فيما عرف ، التي كانت شكلا صوريا للديمقراطية. فقد ظل القذافي هو " ســلطة الشــعب " بـ م 1978 الذي تشــكل عام " مؤتمر الشــعب العام " الحاكم المطلق، إذ صدر عن -وهو يعادل البرلمانات في الأنظمة الديمقراطية- قرار باعتبار توجيهات القذافي واجبة التنفيذ، واعتاد القذافي أن يوجه خطابا لأعضاء مؤتمر الشــعب العام في كل دورة من دورات انعقاده ليحدد لهم الأولويات والاتجاه العام لإدارة الدولة وكيفية التعاطي مع المشاكل والمستجدات الداخلية والخارجية. أما على مســتوى حراك المجتمع المدني، فقد قامت ثورة فبراير/شــباط والمسجل من الجمعيات الأهلية في ليبيا لا يتعدى عشرين جمعية، يدير 2011 أغلبهــا أفراد من الســلطة الحاكمة أو مقربون منهــا وموالون لها، وصدر قانون م، أي بعد أقل مــن ثلاثة أعوام من وصول القذافي 1972 تجريــم الحزبيــة عام للســلطة، ووفقًا لهــذا القانون يواجه من يقوم أو يدعو إلى تشــكيل الأحزاب والأنشــطة الحزبية عقوبة الإعدام، وتمت ملاحقة التيارات الفكرية والسياســية بعنف، وواجه قادة الفكر والنشــطاء السياســيون إجراءات مشددة كالتصفية أو

11

الســجن أو النفي، ونجا من ذلك من اضطر إلى الانزواء والخروج من مســرح . ((( الأحداث في جمود وصمت تام وأعاد نظام القذافي إلى الذاكرة الليبية ســنوات بطش الاســتعمار الإيطالي بعد أن نصب المشــانق في الســاحات العامة ونقلها على شاشات التلفاز، وقد تــورط هذا النظام في جرائم مصادرة أموال المعارضين وهدم بيوتهم وتعذيبهم . ((( والتنكيل بهم وواجهت الصحافة المســتقلة موجة الإقصاء والعنف ذاتها، فقد صودرت كافــة الصحــف الخاصة، وواجه الصحفيــون والإعلاميون المســتقلون مصير النشــطاء السياســيين، واقتصر العمل الصحفي على الصحــف الحكومية التي كانت في مجملها مؤدلجة تعتمد رؤية ومشــروع النظام الحاكم، وتروج للفكر بأجزائه الثلاثة، حيث انطلقت ((( الجماهيري الذي ضمّنه القذافي كتابه الأخضر بالنظرية " التبشير " حركة اللجان الثورية، وهي بمثابة الحزب السياسي الحاكم، في العالمية الثالثة وفكر القذافي، وتحكمت في العمل الصحفي والإعلامي، وكانت التي تضم في تصورها كافة " القــوى الرجعية " أداة الســلطة في القمع وملاحقة التيارات الفكرية وحتى المســتقلين الذين لم ترق لهم توجهات النظام الحاكم. وقد تورطت اللجان الثورية في ممارسات وحشية وكانت ذراع القذافي في فرض إرادته وأفكاره. وقــد كثرت في عهد القذافي حالات الإعدام لخصومه السياســيين، فعلى م، 1976 سبيل المثال أعدم ثلاثة من معارضيه شنقا في ميدان عام ببنغازي عام لم يكن من قبيل المبالغة توصيف الكاتب الصحفي غسان شربل لموقف العقيد القذافي من الآخرين ((( في بلاد القائد التاريخي لا مكان للحياة.. تعمل في خدمته فيغرقك بعطاياه أو يسد جوعك " بقوله بالفتات، تبتعد عنه فيحل عليك غضبه، وإن جاهرت بعدائك تنتظرك رصاصة أو شاحنة موتورة أو في خيمة القذافي: رفاق العقيد يكشفون خبايا " تتعفن في ظلام سجن شربل. انظر: شربل، غسان . 12 م صـ 2013 ، رياض الريس للكتاب والنشر، بيروت، " عهده م، 2019 ديسمبر/كانون الأول 15 موقع عين ليبيا " ملف حقوق الإنسان " انظر: معيوف، أحمد ((( shorturl . at / ehHLM نظرية عالمية " ، طرح فيه ما سماه 1976 كتاب مشهور، أصدره العقيد معمر القذافي في سبتمبر/ أيلول ((( ؛ ترفض الماركسية والرأسمالية وتقدم بديلا ثالثا لهما، وينقسم إلى ثلاثة أجزاء تتناول الأمور " ثالثة السياسية والاقتصادية والاجتماعية. (المحرر)

12

وأعدم عشــرات الضباط الذين ساندوا عمر المحيشي أحد أعضاء مجلس قيادة م، ثم إعدامات من تم وصفهم 1977 الثورة في محاولة الانقلاب على رفقائه عام بالقوى الرجعية في جامعتي بنغازي وطرابلس أمام الطلاب منتصف الثمانينيات، وكاتــب هذه الكلمات كان شــاهدا على بعضهــا، وإعدامات لعناصر من جبهة شــنقا فــي الميادين العامة في العديد من المدن في الشــرق والغرب ((( الإنقاذ من المنتســبين 9 ، وإعدام 1984 والجنــوب فيما عرف بأحداث مايو/أيار عام " سليمان الضراط " للتيار الإســ مي بعضهم نفذ فيهم الحكم شــنقا في مجمع م، ثم 1987 الرياضــي وســط بنغازي بعد تجميع عدد كبير مــن المواطنين عام إعــدام من اتهموا بالمشــاركة فيمــا عرف بانتفاضة أكتوبر/تشــرين الأول عام ومعظمهم ينتسبون إلى قبيلة ورفلة، وهدم بيوتهم وتشريد عوائلهم. ((( م 1993 هذا فضلا عن العشــرات الذين قضوا تحت التعذيب في الســجون خلال الســبعينيات والثمانينيات والتســعينيات، وبينهم رموز سياسية واجتماعية بارزة مثل الشيخ البشتي، والمحامي محمد حمي، ورجل الأعمال مصطفى بن عمران وغيرهم كثير. اختطــاف رجل الدولة المعروف والسياســي المخضــرم والحقوقي البارز م وجلبه إلى طرابلس وتصفيته 1993 الدكتــور منصور الكيخيا من القاهــرة عام ثم الاحتفاظ بجثمانه في ثلاجة للموتى نحو عشــرين ســنة في مزرعة للقذافي يعكس مدى توحش القذافي ونظامه في مواجة المعارضين ((( وعائلتــه بطرابلس السياسيين. ومن المعلوم أن الكيخيا انتهج خطا سياسيا مرنا في مواجهة النظام ولم يجد غضاضة في الحوار معه لأجل إقرار إصلاحات تنقذ البلاد من التردي السياسي والاقتصادي الذي عرفته طيلة سنوات حكم القذافي. وكانت واقعة ســجن بوســليم بالعاصمة طرابلس مثالا صارخا على قمع م وضم معظم الشخصيات الليبية المبرزة في 1981 جبهة الإنقاذ تنظيم سياسي معارض تأسس عام ((( الخارج، وقد اختارت الجبهة الدكتور محمد المقريف رئيسا لها واستمر كذلك حتى قيام الثورة م. 2021 وانتخابه رئيسا للمؤتمر الوطني العام سنة هي حركة عسكرية هدفت إلى الإطاحة بالقذافي قادها عدد من الضباط، معظمهم من قبيلة ورفلة في ((( الغرب الليبي. م 2018 دار الرواد، طرابلس، " منصور رشيد الكيخيا: سيرته ومواقفه وقصة اغتياله " السنكي، شكري ((( . 389 ص

13

ووحشية النظام السابق لمن لا يرضى عنهم ويصنفهم معارضين، فقد تم إطلاق النار في أحد ساحات السجن المذكور على السجناء بعد تجميعهم ليتم الإجهاز سجينا، كلهم أو جلهم من الإسلامين، وذلك في شهر يونيو/حزيران 1268 على م. والجدير بالذكر أن المغدورين لم يحاكموا ولم يتوفر لهم أبسط حقوق 1996 الدفاع عن أنفسهم أمام القضاء، وقد لاقوا خلال سنوات سجنهم الطويلة معاملة . ((( قاسية جدا وقــد تكتم النظام على الحادثة نحو ســت ســنوات، واعترف بها بعد أن نجحت المعارضة في الخارج في الكشف عن كثير من تفاصيلها، وكان لضغوط أهالي الضحايا في الداخل إســهام في الكشــف رسميا عن الواقعة مع سيناريو إخراجــي مخالف للحقيقة وذلــك لتجنب الملاحقة الدولية، فقد ادعى القذافي في خطاب متلفز أن الســجناء تمردوا وقاموا بتعذيب وقتل الحراس وفر منهم المئات خارج السجن. دوليا تبنى النظام الســابق نهجا سياســيا يدور في فلك المعســكر الشرقي الشــيوعي وذلك منذ الســنوات الأولى من وصوله للســلطة، واســتغل المظلة السوفياتية ليمد ذراعيه ويواجه الأنظمة الغربية، الولايات المتحدة وأوروبا، من خــ ل دعم الحركات الانفصالية والمناوئــة لأنظمة أوروبية كما هو الحال مع الجيش الجمهوري الأيرلندي، وحركة الباسك في إسبانيا، أو مصادمة دول حليفة لها بدعم المنظمات المعارضة كمنظمة السندانيستا في نيكارغوا، أو التورط في أعمال عدائية على الأراضي الأوروبية كتفجير ملهى لابيل في ألمانيا، أو ملاحقة أهداف عســكرية ومدنية خارج أراضيها كتفجير الطائرة الفرنســية فوق النيجر، والطائرة التابعة لشــركة بــان الأمريكية فوق قرية لوكربي بإســكتلندا بالمملكة المتحدة وذلك حســب ما قضت به المحكمة الأســكتلندية، يضاف إلى ذلك خرق القوانين في تلك الدول باســتهداف عناصر المعارضة الليبية في الخارج حيث نفذ سلســلة من التصفيات الجســدية لنشطاء سياسيين وإعلاميين ورجال . ((( أعمال ليبيين في العديد من العواصم الغربية والعربية shorturl . at / dfnEF م، 2016 أكتوبر/تشرين الأول 10 مجزرة سجن بوسليم، الجزيرة نت، ((( م 2021 إبريل/نيسان 7 عاما.. أحداث إبريل ذكرى أليمة في الذاكرة الليبية، بواية الوسط، 44 بعد مرور ((( http :// alwasat . ly / news / libya / 316675?author = 1

14

القذافي كان متشــددا تجاه المعارضين لنظامه في الخارج وحدد الموقف منهــم في خطابات عــدة ألقاها خلال الثمانينيات من القرن الماضي منها قوله: . ((( " سنقتلهم، سنسبي نساءهم، ونيتم أطفالهم، ونرمل زوجاتهم " قاد هذا السلوك العدائي للنظام إلى فرض قيود مشددة عليه وعزله إقليميا ودوليا، وقد شــكلت الضغوط التي تعرض لها أحد أهم أســباب تراجع النظام عن سياساته العدائية للغرب بل الانفتاح على العواصم الغربية وتسوية الخلافات العالقة من خلال تســليم المتهمين في تفجير لوكربي ودفع التعويضات الكبيرة لضحايا الطائرتين الأمريكية والفرنســية وضحايا ملهى لابيل والتعويض كذلك . ((( 1984 عن قتل الشرطية البريطانية إيفون فليتشر عام ولقد كان لهذا الســلوك أثره الســلبي على الليبيين خاصة الذين انتهكت حقوقهــم بالســجن والتعذيب ومصــادرة ممتلكاتهم أو فقــدوا أقرباء لهم في السجون ولم يتم إنصافهم وتعويضهم على الشكل السخي الذي تم به تعويض ضحايا العمليات التخريبية خارج الأراضي الليبية. سيف الإسلام القذافي والانفتاح المحدود تبنى سيف الإسلام معمر القذافي، الابن الثاني للقذافي في الترتيب، مقاربة الانفتاح في الداخل والخارج، ونجح في إنهاء عزلة نظام والده من خلال تسوية الملفات العالقة، واتجه وفق مقاربته لتحقيق إصلاحات سياسية وتطوير اقتصادي وتنموي، فقد قام بحلحلة أهم قضايا السجناء السياسيين، ملف جماعة الإخوان وملف الجماعة الإسلامية المقاتلة، الذي انتهى بالإفراج عن كل أعضاء الأولى وأبرز قادة الثانية فضلا عن العديد من أعضائها. حاول سيف الإسلام تمرير دستور للبلاد وضعه ثلة من الخبراء والنشطاء 178 مصدر سابقص " في خيمة القذافي " شربل ((( كانت الشرطية البريطانية إيفون فليتشر ضمن آخرين يؤمنون مظاهرة معارضة لنظام حكم العقيد ((( ، وقد أطلق عليها الرصاص من داخل السفارة 1984 معمر القذافي أمام السفارة الليبية في لندن عام كما أطلق على المتظاهرين، وسقطت قتيلة، بحسب تحقيقات الشرطة البريطانية. ينظر: بريطانيا ، تاريخ الدخول 2015 / 11 / 19 ، رويترز، 1984 تقبض على ليبي في قضية قتل شرطية في لندن عام . (المحرر) shorturl . at / iGKOU ، 2021 / 9 / 13

15

الليبيين، وبرغم أن مشروع الدستور وضع القذافي في مكانة لا يمكن المساس بهــا فإنــه وُوجه بالرفض مــن قبل العقيد بتحريض من قيــادات بارزة من بقايا ، وتم التحفظ على " الحرس القديم " حركة اللجان الثورية، أو ممن أطلق عليهم المسودة، وكذلك رُفضت فكرة المنابر السياسية التي اعتبرها النافذون من الدائرة المقربة من القذافي خرقا للعقيدة السياســية للنظام وأنها ستكون واجهة خادعة للأحزاب السياســية، ولم يمض وقت طويل حتى صــودرت القنوات الفضائية والصحف الخاصة التي أنشــأها ســيف الإسلام، الأمر الذي عزز الفرضية التي تقول بأن التوجه الانفتاحي الذي بشّــر به ســيف الإســ م هو من قبيل تبادل الأدوار لمجابهة الضغوط الدولية، أو كما يؤكد أحد المقربين من سيف الإسلام كانت الدعوة إلى الإصلاح والمناداة به عبر " الذين عملوا في إحدى مؤسساته: الدور المحدد لســيف الإســ م القذافي مناسبة لسحب البساط من تحت أقدام المعارضة التي نادت بإســقاط النظام، وأيضا استيعاب الإسلاميين وتجيير ذلك ، دون اســتبعاد فرضية اســتغلال النزعة التجديدية التي ((( " لخدمة أهداف النظام راقت للابن لأجل تقديم صورة مختلفة للنظام، وانقلب عليها الأب بعد أن طبع علاقاته مع الغرب وصار في مأمن من الملاحقة. ويدعم حجج من قالوا إن مشــروع ســيف الإسلام كان خادما لنظام حكم م بداية من 2011 والده وليس مناقضا له موقف الابن من أحداث فبراير/شــباط خطــاب التهديد في أول ظهور لســيف بعد تفجر الثــورة مرورا بتحريضه على الثــوار ونعتهــم بالجرذان وصولا إلى إعلانه تقســيم الليبيين إلى درجتين، وأن خير ليبيا ونفطها والحكم فيها كل ذلك ســيكون للمناطق والقبائل التي وقفت مع النظام ضد الثورة، أما مواطنو الدرجة الثانية فهم سكان المدن التي انتفضت . ((( م وما بعده 2011 في فبراير/شباط

مص 2013 الصواني، يوسف ليبيا الثورة وتحديات بناء الدولة، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت ((( 65 (2) https://m.facebook.com/almanaraFM/videos/ - ثانيــة - ودرجة - أولى - درجة - مواطنين - ليبيا 456230489188131//?locale2=ne_NP

16

ثانيا: الواقع الاقتصادي م، وكانت يومها من أكثر دول العالم فقرا، 1952 نالت ليبيا استقلالها عام واعتمدت الحكومات بعد الاســتقلال بشكل كامل على المساعدات الخارجية ، ((( م 1960 - 1952 مليون جنيها إسترلينيا، وذلك في الأعوام 30 التي بلغت نحو ولم يتغير الوضع إلا بعد اكتشاف النفط وإنتاجه وتصديره بكميات اقتصادية منذ م. 1963 عام لقــد كان مــن أبرز مظاهر إخفاق نظام العقيد القذافي الفشــلُ في تحقيق التنمية، والانحدارُ بالوضع الاقتصادي والمعيشــي لليبيين إلى مســتنقع الأزمة. فلقد استلم البلاد وهي على عتبة الانطلاق الاقتصادي وذلك بعد النتائج المهمة م، التي رُصد 1968 - 1963 للخطة الخمســية الأولى في التاريخ المعاصر لليبيا مليون جنيه، إلا أن الزيادة المطردة في إنتاج وتصدير النفط ســمحت 169 لها بإنفاق نحو ثلاثة أضعاف المبلغ المخصص للخطة تقريبا، وكان لقرار الحكومة ((( من عوائد النفط لصالح مشاريع التنمية الاقتصادية والاجتماعية % 70 تخصيص ، وشهدت ((( للعاملين بالقطاع العام % 100 أثرُه في ارتفاع مستوى الدخول، بنسبة البلاد نقلة على مستوى القطاعات الحيوية من إسكان ومرافق وصحة وتعليم. فقد وضعت الخطة الأســاس لخروج البلاد من ربقة التخلف الاقتصادي والاجتماعي والفقر المدقع إلى رحابة الرفاه الاقتصادي والاجتماعي، وصممت -م، لتبني على ما تحقق في سابقتها، بتحقق 1974 م 1969 الخطة الخمسية الثانية قفزة تنموية وفق الأهداف المرســومة، ولكن إســقاط النظام الملكي حال دون تنفيذها. سار النظام الجديد على المنوال التخطيطي ذاته خلال السنوات الأولى من حكمه، حيث ارتفعت مخصصات الخطط التنموية الثلاث اللاحقة وهي الخطة - 1981 ، والخطة الخمسية 1980 - 1976 ، والخطة الخمسية 1975 - 1973 الثلاثية جلالة، مبروك، ليبيا بين بناء الدولة ومحدودية الموارد، مجلة جامعة صبراتة العلمية، العدد الرابع ((( م 2018 377 ص " ليبيا الحديثة " خدوري ((( م 2018 مبروك، ليبيا بين بناء الدولة ومحدودية الموارد العدد الرابع (((

17

، وكانت نتائج الخطتين الأوليين مهمة، غير أن التحول الاشــتراكي الذي 1986 م، وما صاحبه من تدهور في مستوى إنتاج وأسعار 1976 أخذ في التبلور منذ عام النفط منتصف الثمانينيات، المصدر الرئيسي لتمويل خطط التنمية، انعكس سلبا علــى نتائــج الخطة الأخيرة، ليتوقف بعدها التخطيــط الاقتصادي لما يزيد عن عقدين من الزمن. لقد تســبب تبني مقولات الكتاب الأخضر في جزئه الاقتصادي، التي هي في جوهرها اتجاه اشــتراكي، في انحرف المســار التخطيطي ودخلت البلاد في أزمتها الاقتصادية التي لا تزال مظاهرها وآثارها قائمة إلى يومنا هذا. تحول قاد إلى خلل هيكلي مشكلة الاقتصاد الليبي أنه اقتصاد ريعي يعتمد على سلعة ناضبة في تمويل من % 80 كافة أوجه النفقات العامة، وأنه المصدر الرئيس المباشــر لدخل نحو الليبييــن في شــكل مرتبات من الخزانة العامة. هــذا النمط من أنماط الاقتصاد تكرس بفعل السياســات الخاطئة للنظام السابق، التي قادت إلى تعزيز الاعتماد على النفط، والفشــل في بناء قاعدة اقتصادية متنوعة تخفف من الاعتماد على الخام الأســود وترفع من مســاهمة القطاعات غير النفطية فــي الناتج المحلي الإجمالي. لقد اندفع القذافي بحماس لتنفيذ مقاربته الاشتراكية نهاية عقد السبعينيات ومطلع الثمانينيات فقام بإزاحة القطاع الخاص من المشهد وأمم الشركات الخاصة بكافة أنواعها، وقفل الكثير من المحال التجارية، فأصيب القطاع الخاص بالشلل وقــد كان واعــدا ويقوم بدوره كرديف ومكمل للقطاع العام في إدارة النشــاط الاقتصادي. ولأجل أن يغطي القطاع العام الفراغ الخدمي والتجاري والصناعي تم إنشــاء عشرات بل المئات من الشركات والمؤسسات العامة في مجال البناء والتشــييد والتجارة في مختلف المجالات من مواد غذائية وخضراوات وفواكه وملابس ومواد منزلية ومواد كهربائية وصحية ومواد البناء، وتأسســت المصانع التــي تقوم بتجميع الأجهزة الكهربائية والآلات الزراعية وســيارات النقل العام والشــاحنات، وقس على ذلك شــركات الخدمات من فنادق وشــركات السفر والســياحة، ومؤسســات النقل والمواصلات. وشــجع على هذا الاتجاه ارتفاع

18

دولارا للبرميل، وكذلك الوفرة 39 أســعار النفط نهاية الســبعينيات لتصل إلى دولار 6 في إنتاجه. غير أن الصدمة النفطية، التي أوصلت سعر بريل النفط إلى منتصف الثمانينيات، ثم الفشل في إدارة تلك المؤسسات الضخمة ذهبَا بالإنفاق الهائل على القطاع العام أدراج الرياح. التحول إلى النموذج الاشــتراكي المتشــدد حشر الاقتصاد الليبي في زاوية التأزيم والركود، فبعد عقد من الزمان أصبحت خزانة الدولة مثقلة بفاتورة إنفاق عام كبير، وتراكمت خســائر الشــركات العامة التي حلت محل القطاع الخاص في كافة الأنشــطة كما ســبقت الإشارة إليه، وعرفت الموازنة عجزًا خلال عقد % 120 من الموازنة ونحو % 160 م نحو 1986 الثمانينيــات حيث بلغ الدين العام 7 . 8 ، وقد تراجع خلال التســعينيات ليبلغ نحو ((( مــن الناتج المحلي الإجمالي من الناتج الإجمالي، ويعود هذا التراجع في أحد أهم % 70 مليارات دينار وبنسبة أســبابه إلى الركود وسياسة التقشف بعد فرض قيود على الصادرات والواردات م. 1992 بقرار من مجلس الأمن وعقوبات من قبل الولايات المتحدة منذ عام خسائر كبيرة وعلى ســبيل المثال فقد بلغت خســائر الشركة العامة للأسواق، وهي من كبريات شــركات القطاع العام التي تأسســت نهاية عقد السبعينيات لتحل محل تجارة المواد الغذائية والملابس في القطاع الخاص، بلغت خســائرها بعد عشر مليار 1 . 2 مليون دينار ليبي (وهو مــا يعادل 400 ســنوات من تأسيســها نحــو دولار حســب ســعر صرف الدينار تلك الفترة). وكان هذا حال معظم شركات القطاع العام، مما حدا بالقذافي إلى التراجع على استحياء عن أفكاره الاشتراكية والسماح بتصفية عدد كبير من شركات القطاع العام وبعودة القطاع الخاص في ولكن بطريقة مشوهة لم تسهم في تحقيق " الموزع الفرد " و " تشــاركيات " شــكل التــوازن بين القطاعين العام والخــاص، ومن ثم أخفق التحول المرتبك في أن يكون رافدا للاقتصاد الوطني.

25 ،ص 2008 بسيكري، السنوسي، أوراق في الاقتصاد الليبي، مكتبة وهبة القاهرة (((

19

تداعيات تفوق الحصر كان من نتائج مرحلة التحول الاشــتراكي أن تحملت الخزانة العامة عبء التوظيــف لوحدها ليشــكل القطــاع العام الملاذ الأول والأخيــر للباحثين عن من القادرين على العمل. ولتصبح نسبة المرتبات % 80 وظائف بنسبة تصل إلى مــن الميزانيــة العامة مع نهاية عقد الثمانينيات وبداية التســعينيات ما يزيد على ، وظل هذا الوضع سائدا حتى الوقت الراهن. % 40 يضاف إلى ما سبق توجيه كم كبير من إيرادات النفط إلى الإنفاق العسكري وشــراء السلاح بكميات كبيرة، حيث بلغ ما تم إنفاقه حتى منتصف الثمانينيات مليار دولار أميركي. وكانت نتائــج الإدارة الخاطئة للاقتصاد الوطني 80 نحــو وللكم الهائل من الموارد ما يلي: خســائر كبيرة في أموال الشــركات والمؤسســات التي لم يكن لها مردود اقتصادي ثم تصفية معظم الشــركات والمشروعات التي تم إنشاؤها خلال عقد الثمانينيات. استمرار الاعتماد على النفط موردا أساسيا ورئيسيا للإيرادات وفي تمويل .% 90 النفقات بنسبة تتعدى ترهــل القطــاع العام وضعف إنتاجيته وضعف إنتاجيــة العامل والموظف بالتبعية، وارتفاع فاتورة إدارته حيث تشكل نفقات تسيير الجهاز الحكومي نسبة من الميزانية العامة في المتوسط. % 15 تزيد على صغر حجم القطاع الخاص وضعف مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي، في أحســن الأحوال، وذلك جراء تأميم أغلب % 8 إذ أصبحت لا تتعدى نســبة م، 1979 نشاطات القطاع الخاص من بناء وتشييد وتجارة وتصنيع بداية من عام من القــوى العاملة ومصدرا جيدا % 70 بعــد أن كان يمثــل وعاء توظيف لنحو للإيرادات السيادية غير النفطية. وظل الاقتصاد الليبي رهينا لإنتاج النفط وأســعاره في السوق العالمي منذ السنوات الأولى لاكتشافه وتصديره بكميات اقتصادية مطلع الستينيات من القرن الماضي، ولم تنجح مساعي تخفيف الاعتماد عليه وإحلال قطاعات أخرى محله طوال فترة حكم القذافي التي استمرت ما يزيد على أربعين عاما.

20

ضخامة الجهاز الإداري الحكومي أشرنا إلى أن تبني الاشتراكية على النهج الذي اتبعه القذافي بتأميم القطاع الخاص أدى إلى تضخم القطاع العام بشكل كبير، وصار هو الملاذ لكل البالغين ســن العمل الوظيفي، حتى تعاظمت الخدمة المدنية ليصل عدد موظفي الدولة إلى نحو مليونين، أي نحو ثلث عدد الســكان، وهي نســبة كبيرة جدا، ويرتبط ذلك بمحدودية الإنتاجية للموظفين والعمال، ويوضح كيف شكل تضخم الجهاز الإداري أحد أهم أســباب المختنق الاقتصادي والاجتماعي الذي واجهته البلاد منذ عقود. ولأن أعداد المتدفقين إلى القطاع العام في ازدياد، ولصغر وضعف القطاع الخاص الذي ظل محدود الأثر والمســاهمة فــي الناتج القومي، فقد صار بند منذ التســعينيات، كما سبق % 40 المرتبات في الميزانية كبيرا حيث شــكل نحو الإشارة إليه. عدم كفاءة الإنفاق التنموي 120 بلغــت نفقات التنمية خلال ثلاثة عقود حتى نهاية التســعينيات نحو ، وبلغت التعاقدات للمشــروعات التنموية في قطاعات الإســكان ((( مليار دولار والمرافــق والكهرباء والخدمات العامة من تعليــم وصحة وغيرها خلال العقد الأول مــن الألفية الثالثة ما يعــادل المبلغ المذكور، إلا أن رداءة البنية التحتية، وعدم كفاية وكفاءة المشــروعات التي تعتمد عليها الخدمات العامة من إسكان وكهرباء ومياه ومرافق عامة ومواصلات واتصالات وتعليم وصحة يكشــف عن عدم جدوى ما تم إنفاقه. معضلة الإنفاق الاستهلاكي الكبير في ظل أزمة الإي اردات دخــل الاقتصاد الليبي أزمته الأولى في منتصف الثمانينيات، بعد ما عُرف ، ولأن التوســع الضخم في الإنفاق على مشــروعات ((( بالصدمة النفطية الثانية 29 بسيكري مرجع سابقص ((( بين العرب وإسرائيل، إذ استخدمت الدول 1973 الصدمة النفطية الأولى كانت في أعقاب حرب ((( العربية المصدرة للنفط البترول سلاحًا فقاطعت به الدول التي تدعم إسرائيل مما أدى إلى ارتفاع

21

القطاع العام ضاعف الاعتماد على الخزانة العامة في كل شيء، عرف الاقتصاد الليبــي عجــز الموازنة والدين العام، ثم أدت المناكفــة مع الأنظمة الغربية إلى فرض قيود على أنشــطة مهمة من الاقتصاد في مقدمتها قطاع النفط، فتعاظمت آثــار الأزمــة وعجزت الخزانة العامة عن ســداد المرتبات التــي صار تأخيرها لعدة أشــهر أمرا اعتياديا، فضلا عن اقتصار تمويل الأنشــطة التجارية والصناعية والإنشائية على سداد المرتبات، فأصيب الاقتصاد بانكماش وجمود، ووقع نقص شــديد حتى في الســلع الأساسية، وتدنى ســعر صرف الدينار وظهرت السوق الموازية للعملات، ولم يتغير الوضع إلا بعد تسوية النظام مشاكله السياسية مع الأنظمة الغربية، إذ رُفعت القيود عن الاستيراد والتصدير الليبي وشهد الاقتصاد انتعاشا كدرت صفوَه إدارةٌ غير رشيدة للموارد وتفشي الفساد بعد الانفتاح على الاقتصاد العالمي والشــروع في تنفيذ مشــروعات تنموية ضخمة، دون أن يغير ذلك من مستويات دخول المواطنين المتدنية التي لم تشهد تغيرا إلا بعد تفجر . 2011 ثورة السابع عشر من فبراير/شباط والقصــد أن نمــط إدارة الاقتصــاد الليبي منذ الثمانينيــات جعله اقتصادا اســتهلاكيا بامتياز، حيث تشــكل النفقات الاستهلاكية (المرتبات، نفقات تسيير الجهاز الإداري الحكومي، الدعم الســلعي ودعم الوقود وما في حكمها) نحو من الإنفاق العام في الميزانيات العامة، واســتمر هذا الوضع حتى الوقت % 90 الراهن. مفارقة المؤش ارت الاقتصادية والاجتماعية يحتج كثيرون في مقدمتهم أنصار النظام السابق من أن تحولات اقتصادية واجتماعية مهمة وقعت خلال حكم القذافي لليبيا تؤيدها الأرقام، فبعد أن كانت ) على المســتوى العالمي في التنمية البشــرية سنة 64 تحتل المرتبة رقم ( " ليبيا ) 55 ، ثم المركز ( 2001 ) في تقرير سنة 61 م، تقـــدمت إلى المركز رقم ( 2000 م، مع احتفاظها عبر 2010 ) في تقرير عام 52 م، فالمركز ( 2009 فــي تقريــر عام الســنوات الثلاث الأخيــرة بالمركز الأول على المســتوى الأفريقي في التنمية ارتفعتعلى إثرها الأسعار مرة 1979 أسعاره العالمية، وحينما نجحت الثورة الإسلامية في إيران عام مما مثّلصدمة ثانية للمستهلك الغربي. (المحرر) 1973 أخرى وتضاعفت مقارنة بما كانت عليه عام

22

46 البشــرية. ومــن ناحية أخرى ارتفع العمر المتوقع عنــد الميلاد للذكور من 48 م وارتفع عند الإناث من 2001 ســنة في عام 77 م إلى 1970 ســنة في عام سنة في نفــس الفترة. وبلغ معدل نصيب الفرد من الدخل القومي 80 ســنة إلى دولارا أمريكيا. وعلى الصعيد التعليمي بلغت نســب من 7290 نحو 2007 عام كما ارتفعت % 88 . 31 ســنة فأكثر) نحو 15 يعرف القراءة والكتابة من البالغين ( نســبة استيعاب الطلاب الليبيين في المراحل التعليمية المختلفة، وكذلك وجود جامعة منتشــرة في أنحاء البلاد (مع مراعاة أن الخدمات التعليمية المقدمة 15 بتلك الجامعات أقل بكثير من البنية التحتية المــتوفرة بها). وعلى صعيد الأمن الاجتماعــي تمتعت ليبيا بدرجة كبيرة من الأمن الاجتماعي، بفضل سياســات الدعم الســلعي والتأمين الصحي، وكذا الأمــن الجنائي في ظل القبضة الأمنية للنظــام، وذلك رغــم تنامي معدلات الجريمة في العقديــن الأخيرين، وهو ما عــزاه البعض لتدفق المهاجرين الأفارقة على ليبيا تمهيدا للهجرة إلى أوروبا أو م، أشــاد صندوق النقد الدولي 2007 للاســتقرار فيها، وفي تقرير نُشــر في عام بالســلطات الليبية لإنجازاتها في مجال التنويع الاقتصادي، مشــيرا إلىى النمو ) % 4 . 7 ) والنمو القوي في إنتاج النفط ( % 7 . 5 الســريع في النشــاط غير النفطي ( . ((( " 2006 في عام ومع التأكيد على أن تطورا مهما في مؤشــرات التنمية البشــرية وقع خلال حكم النظام القذافي، فإن الســؤال الأهم هو: هل تعكس تلك المؤشرات كثرة موارد البلاد وقلة عدد السكان والفرص التي أتيحت لها بعد الانطلاق من قاع الفقر خلال خمسينيات القرن الماضي؟ والجواب أن قيمة الموارد مقارنة بحجم السكان كان يمكن أن تحقق معدلات أفضل بكثير مما تحقق. مــن ناحية أخرى، ما هي دلالة هذه الأرقام وأثرها في المجال السياســي والاقتصــادي والاجتماعي؟ ولماذا لم تظهر هذه المؤشــرات في شــكل تغيير حقيقي في هيكل الاقتصاد الذي يعتمد على النفط مصدرا وحيدا ورئيسا للدخل وللإنفاق العام؟ ولماذا لم تنعكس المؤشرات الإيجابية في التعليم والصحة على ، الهيئة العامة " قراءة في أسباب الصراع المسلح في ليبيا ومساراته المحتملة " مهدي، محمد عاشور ((( shorturl . at / hvwIN للاستعلامات،

23

مساهمة المواطنين في تنويع الاقتصاد وتحسين الإنتاج؟ علاوة على ما سبق، وبالنظر إلى أثر زيادة الناتج المحلي وارتفاع مؤشرات التنمية، والتحجج بأن دخل الفرد في ليبيا من أعلى الدخول في أفريقيا وفي كثير م، وكأن المواطن 2007 دولار عام 7300 مــن بلدان العالــم العربي إذ بلغ نحو الليبي يتقاضى هذا المبلغ فعليا، علاوة على ذلك فإن متوسط الدخول الحقيقية لليبيين لم يتعد نصف هذا المبلغ، كما أن مستوى الخدمات التعليمية والصحية لم يكن بالجودة التي تلائم الموارد الليبية. يضــاف إلى ذلك تســاؤل مشــروع وهو: هل تمــت المحافظة على تلك المؤشــرات؟ ذلــك أن قيمتها تلاشــت تماما تقريبا مع الأزمــات التي مني بها الاقتصاد الليبي بعد التحولات الجذرية غير المدروسة التي شهدتها البلاد، كما سبق شرحه وتفصيله أعلاه. فما قيمة أن يكون مؤشــر الانتظام في المدارس الأعلى في إفريقيا، لكن مخرجات العملية التعليمية متدنية جدا؟ وهذا واقع التعليم العام في ليبيا الذي لا يجادل فيه أحد. وما قيمة أن يكون العلاج مجانا في المستشفيات الحكومية، لكن الخدمات الطبية فيها ســيئة جدا حتى إن قطاعا كبيرا من الليبيين من ذوي الدخل المحدود لم يثقوا فيها وفضلوا بيع ما يملكون طلبا للعلاج في بلدان مثل تونس ومصر والأردن التي لا تملك ما تملكه ليبيا من ثروات؟ ثالثا: الواقع الاجتماعي والثقافي مؤشــر التنميــة الاقتصادية والاجتماعية الذي اعتمدتــه الأمم المتحدة لا يقصر الرفاه على مســتوى الدخل الفردي كما كان ســائدا حتى التسعينيات من القرن المنصرم، حيث انتقل المؤشر الأممي إلى إضافة الصحة والتعليم لتحديد مســتوى الرفاه الحقيقي، ذلك أن دولة كليبيا يرتفع فيها مستوى الدخل الفردي بسبب قلة عدد السكان وارتفاع الدخل العام وكونها دولة منتجة ومصدرة للنفط، ويمكن أن تصنف دولة رفاه اعتمادا على مؤشر الدخل الفردي، إلا أن مستويَي التعليم والصحة متدنيان ولا يعكسان الثراء الذي تظهره تدفقات إيرادات النفط، وبهذا يكون التقييم القائم على مستوى دخل الفرد قاصرا وسلبيا. حســاب مستوى دخل الفرد عبر قسمة الناتج . مســتوى الدخل الفردي: 1

24

المحلي الإجمالي على عدد السكان لا يعكس مستوى الدخول المتاحة لليبيين، بــل يمكن أن يكون مضللا بصورة كبيرة؛ ذلك أن سياســات إدارة المال العام وأوجه إنفاقه تخلص بنا إلى نتيجة معاكسة. فقد ظلت معضلة الحجم الكبير لمخصصات المرتبات في الميزانية العامة مقلقة للنظام الســابق، وكان من سياســات احتواء تضخم فاتورة المرتبات أن م الذي يقضي بتثبيت المرتبات. لقد أســهم 1981 لعام 15 صــدر القانــون رقم هذا القانون بدرجة كبيرة في تدني مســتوى عيش الليبيين، فالأســعار استمرت في الزيادة وكلفة العيش في الارتفاع إلا أنّ مستوى الدخول ثابت. ومــع اســتفحال الأزمة الاقتصادية منذ منتصــف الثمانينيات التي من أهم مظاهرها تدني القوة الشــرائية للدينار الليبي أمام ارتفاع ســعر صرف الدولار، ازداد الأثر السلبي لتدني مستوى الدخول، فعلى سبيل المثال لا يتجاوز مرتب دينارا، ومع وصول سعر صرف 190 الطبيب عند أول درجة إدارية بعد التعيين الــدولار نحو ثلاثة دنانير في فترات عدة خلال عقد الثمانينيات والتســعينيات دولارا 65 وحتــى الألفية الثالثة، فإن الدخل الحقيقي للطبيب أصبح في حدود فقط، مع التنبيه إلى ثبات القيمة بالدينار الليبي واختلاف مقابلها بالدولار لعدم ثبات سعر صرفه في السوق الموازي. اهتمت الحكومات المتعاقبة بعد الاستقلال بقطاع التعليم، . قطاع التعليم: 2 وتأسست المدارس الثانوية التي لم تكن متوفرة قبل الاستقلال، وافتتحت أولى م، ليكــون مقرها القصر الملكي، قصر 1955 الجامعــات في مدينة بنغازي عام المنار. وشهد القطاع توسعا كبيرا بعد وصول القذافي للحكم، فقد ازداد حجم الإنفاق على التعليم وافتتحت المدارس في مختلف المدن والقرى، وبدأ التوسع م، وانخفضت بشكل 2001 جامعة في عام 21 في تأسيس الجامعات لتصل إلى كبير الأمية، وبحسب تقرير التنمية البشرية لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي لعام للذكور % 91 . 3 ، أو % 80 . 8 م فــإن معــدل محو أمية الكبار ارتفع إلى نحو 2001 الصادر " التعليم للجميع " للإناث. وأظهر تقرير منظمة اليونســكو عن % 69 . 3 و ، وقال معهد 1993 مليون دينار ســنة 640 م، أن ميزانية التعليم بلغت 2000 عام من إجمالي % 2 , 7 اليونســكو للإحصاء إن الإنفاق العام على التعليم كان يمثل

25

، وأكدت دراســة أجراها البنــك الدولي أن الحصة 1999 الناتج المحلي ســنة المخصصــة للتعليم من إجمالي الناتج المحلي في ليبيا من أعلى الحصص في م، وأن نصيب نفقات التعليم من نفقات تشــغيل 1997 عام % 7 العالم إذ بلغت ((( ، وهي نسبة عالية قياساً بالمعايير الدولية. 2007 في عام % 27 القطاع العام بلغ والمفارقة هي أنه برغم الإنفاق الهائل والتوسع الكبير فإن مخرجات القطاع التعليمي ظلت محدودة ولا تتناغم مع متطلبات ســوق العمل، وشــهد التعليم ذلك أن التوسع الذي طرأ على التعليم " تدنيا ملحوظا منذ منتصف الثمانينيات، بجميــع مراحلــه قد انطوى على قدر كبير مــن مبادلة النوعية بالكم، فقد اقترن هذا التوسع بإهمال كبير للجوانب النوعية وأشار إلى تلك النقطة بوضوح تقرير . ((( " م 2011 التنافسية للعام وكان من أســباب تدهور التعليم الأثر الســلبي للتوجهات السياسية للنظام ومن ذلك عســكرة المدارس الثانوية وتحويلها إلى ما يشبه الثكنات العسكرية، وتغيير المناهج لتواكب الاتجاهات الفكرية للنظام، خاصة ما عرف بتثوير المناهج التعليمية، وثقافة التمرد التي اقترنت بالطبيعة الثورية للنظام وحرصه على نقلها إلى جميع الليبيين بما في ذلك طلاب المدارس والجامعات. وكان من أهم أســباب تردي التعليم أيضا تكدس العاملين فيه، فقد أصبح هذا القطاع الملاذ الأول لتوظيف أعداد كبيرة من خريجي الجامعات والمعاهد ألفا 550 العليــا والمتوســطة، حتى بلغ عــدد العاملين في قطاع التعليــم نحو م، تنقص معظمهم الخبرات المطلوبة لأداء رســالة المعلم التعليمية 2011 عــام والتربوية، وبلغت نسبة أعداد المعلمين إلى أعداد الطلبة نحو معلم واحد مقابل . ((( أربعة طلاب، وهي نسبة كبيرة جدا عالميا م 2019 يونيو/حزيران 12 ، أهرام كندا، " التعليم في ليبيا، مراحل تطوره وإلى أين وصل " عوض، هناء ((( /http://www.ahram-canada.com/156579 مركز دراسات الوحدة " تحديات المواءمة بين مخرجات التعليم وسوق العمل " الربيعي، فلاح ((( ، موقع مركز دراسات الوحدة العربية، 2017 ، مارس/ آذار 457 . مجلة المستقبل العربي العدد " العربية . shorturl . at / tyAR1 من دون تاريخ نشر. ورقة مقدمة إلى المؤتمر الوطني للتعليم طرابلس " المنظومة التعليمية في ليبيا " القلالي، عبد السلام ((( 2012 - education - system - libya - paper - dr - elqallali . pdf م 2012 / 9 / 17 - 15

26

ويســتنزف قطاع التعليم نحو ربع الباب الأول من الميزانية العامة، أي ما ، ويتجه قــدر ضئيل من ميزانية التعليم ((( يزيــد على خمســة مليارات دينار ليبي لبرامــج التطوير، وبرغم ضخامة المبلــغ المخصص للمرتبات، فإن العائد منها للمعلم قليل بسبب الأعداد الكبيرة من العاملين في القطاع كما سبق الإشارة إليه. ومــع ضعف الرقابة وحالة الإحباط العام بســبب تدني مرتبات المعلمين دولارا وفق 265 دينارا، أي ما يعادل 370 التي بلغت في المتوســط العام نحو م، وأقل من ذلك بكثير وفق تقديرات سعر 2010 السعر الرسمي وذلك حتى عام الدولار في السوق الموازية، فقد عمت القطاع الفوضى والتسيب وصارت ظاهرة الغش في الامتحانات شائعة، وضاعف من الأثر السلبي التوسع في التعليم الحر (الخاص) الذي لم يكن خاضعا لرقابة حكومية صارمة. شــكل قطاع الصحة أحد أبرز إخفاقات النظام الســابق، . قطاع الصحة: 3 فبرغم تطور مؤشرات الصحة العامة خلال العقد الأول من حكمه، فإن القطاع شــهد تدهورا كبيرا كان من أهم أســبابه انخفاضُ التمويل لأسباب سبق ذكرها، وتضخم القطاع بسبب تراكم العمالة التي تفوق البنية التحتية للصحة. كما مثل القطاع أحد أهم فضاءات الفساد، وكان من أبرز مؤشرات تردي الخدمات الطبية واتجاه الليبيين إلى الخارج طلبا للرعاية الصحية، حيث أصبحت تونس ومصر والأردن محطات للاستشفاء لتقدم الطب عندها مقارنة بالوضع في البلاد. من أبرز مؤشــرات الإخفاق في القطاع الصحي عدم تلبية الطلب المتزايد علــى الخدمــات الطبية خلال أربعــة عقود من حكم النظام الســابق بوفرة في المنشــآت الطبيــة، وكفاءة في الأداء. ففي مدينــة بنغازي التي تأتي في الترتيب الثاني من حيث عدد السكان بعد العاصمة ويعتمد على خدماتها كافة مدن وقرى الشرق وبعض مدن وقرى الجنوب، تم بناء مستشفى واحد فقط في عهد القذافي 30 ، الذي استغرق بناؤه ما يزيد على " 1200 " من أموال الدولة، وهو مستشفى الـ عاما. أما المستشــفيات الأربعة الأخرى في المدينة، فإن أحدها بناه المســتعمر واقع التعليم في ليبيا: المختنقات والتحديات وسبل المعالجة، المنظمة الليبية للسياسات ((( http :// loopsresearch . org / media / images م / 2016 إبريل/نيسان والإستراتيجيات، photofmkdgao2jn . pdf

27

الإيطالي وهو مستشفى الجمهورية، والثاني شيده الإنجليز زمن الإدارة البريطانية أكتوبر، والثالث تم بناؤه زمن 7 التي لم تدم إلا سبع سنوات فقط وهو مستشفى المملكة وهو مستشفى الجلاء، والرابع أنشئ بأموال الضمان الاجتماعي وليس الخزانة العامة وهو مستشــفى الهواري، مع التنبيه إلى أن عدد السكان تضاعف بــل زاد على الضعف بنصف خلال تلــك الفترة، والوضع لا يختلف كثيرا في العاصمة. تؤدي الحروب والأزمــات إلى كوارث كبيرة على . واقــع ثقافــي متردّ: 4 مختلف الصعد السياســية والاقتصادية والاجتماعيــة، لكنها بالمقابل قد تكون باعثا للفعل السياسي والثقافي البناء، ولقد كانت مرحلة ما بعد الاستعمار وفترة تأسيس ليبيا الحديثة شاهدة على ميلاد وعي فكري وثقافي مبشر. ولأن الاستقرار السياســي ثم التحول الاقتصادي ما بعد اكتشاف النفط كان عامل جذب لنخب متعلمة ومثقفة من بعض الدول العربية، ولأن المناخ السياسي يسمح نسبيا بتطور فكري وثقافي، شــهدت البلاد انطلاقا واعدا في مجال الفكر والثقافة والأدب، وتأسســت دور النشــر والمكتبات وتوســعت الأعمال الفكرية والأدبية ونشط المســرح وتطورت الأغنية والدراما الليبية لتســبق أخواتها في كثير من الدول العربية التي هي اليوم رائدة في عالم الفن. واجهت الحالة الثقافية والأدبية والفنية الواعدة القيود والانكســار بســبب سياســات نظام العقيد القذافي الإقصائية والانتقائية، خاصة بعد تطبيق مقولات الكتاب الأخضر نهاية الســبعينيات، فانحســر الإنتاج الفكري والثقافي والأدبي والفنــي والرياضي مع هيجان المد الثوري، وصارت الرواية والقصيدة والأغنية مجاراة لهوى النظام وشــعاراته. ثم عانت الســاحة الثقافية والأدبية من الإهمال ونقص التمويل بسبب تأزم الوضع الاقتصادي وشح الموارد المالية. وكما كان للنظام السابق مشكلة مع السياسي والصحفي والإعلامي الحر، كان له نفس الموقف مع المثقف والأديب والشــاعر والفنان الحر؛ لهذا أصبح هامــش الإنتاج والإبداع محدودا ومقصورا فــي الغالب على من يتناغمون مع ، ويتكيفون مع توجهات ورؤية السلطة الحاكمة. " الفكر الأخضر " لقد كان للنظام السابق خصوصية في التعاطي مع الفكر والأدب وروادهما

28

متميزاً في شططه، فلم يترك وسيلة إلا واستعملها؛ من وصم المثقفين " فقد كان بالعمالة للأجنبي، إلى الاتهام بالزندقة والخروج عن الدين، إلى الادعاء بانتماء المثقفين إلى مدارس فكرية هدامة، وهذه الأوصاف والاتهامات تستدعي الإعدام أو السجن أو النفي والتشريد. ولم يتورع في ابتكار مناهج وأنساق لثقافة مشوهة مزورة ومدجّنة حاول أن يغرسها بديلاً عن الثقافة الحقيقية، ويصنع عبرها أتباعا وأشــياعا يحارب بهم البقية الباقية التي أصرت على تحدي الســجون والتنكيل . ((( " والمطاردة وكان مــن علامــات التضييق على الحراك الثقافــي أنه عندما تصدر مجلة فكرية أو أدبية مستقلة وتناقش مواضيع جادة وتطرح آراء جريئة يبحث المعنيون عن علاقتها بالنظام، وينتظرون مصادرتها ومحاسبة المشرفين عليها إن لم يكن ، الأولى صدرت " عراجين " ، ومجلة " لا " لهم صلة بالسلطة، ومثال ذلك صحيفة خلال عقد التسعينيات والثانية في العقد الأول من الألفية الثالثة، فقد توقفتا عن الصدور بقرار من السلطة. الخلاصة ليــس مــن المبالغة أو التجني القول إن القذافي أســس للفوضى بشــكل متعمــد اتســاقا مع تفكيره وخياراتــه الفكرية، فهو من أنصــار التغيير الجذري والنهــج الانقلابي فــي الإدارة العامة للدولة، وفكرة تحريــض الجماهير على ممارسة السلطة في فلسفته اقترنت بالعنف والتمرد، وشعار الزحف على إدارات المؤسســات العامــة والخاصة وتغيير قيادتها عنوة هو ســلوك محمود والتعبير الصحيح عن الســلطة الشــعبية، وفق رؤية القذافي. وقــد كان الدكتور منصف إنها [أشــبه] بزراعة " وناس مصيبا حينما قال واصافا ممارســات نظام القذافي . ((( " جرعات قوية من العنف السياسي والمادي والرمزي صحيح أن القذافي اعترف بفشل هذا النهج وأقر بنتائجه الخطيرة في أكثر من مناسبة، إلا أنه لم يفعل أو يسمح بفعل الضروري لمأسسة الدولة ومعالجة التغيير الاقتصادي " و " الاشــتراكية " و " الســلطة الشــعبية " الآثــار المدمرة لثقافة shorturl . at / lCKM2 م، 2016 أغسطس/آب 11 اعبيد، علي، أزمة الثقافة في ليبيا، موقع عين ليبيا، ((( 18 ، مرجع سابق،ص " ليبيا التي رأيت ليبيا التي أرى " منصف (((

29

.. لذا فإنه من المنطقي القول إن حكم القذافي، علاوة على " والاجتماعي الثوري الكبت والقهر والعنف والإخفاق في تحقيق نقلة على مستوى الحكم ومؤسساته وعلاقة الســلطة بالمجتمع والفشــل في تحقيق الرفاه الاقتصادي والاجتماعي، تسبب في إصابة الدولة والمجتمع بحالة من الشلل والخلل في القيم والمفاهيم. لقد انحرف الاتجاه الفوضوي الذي تلبس به القذافي وجعله جزءا من ســلوك مؤسســات الدولة وثقافة المجتمع عن مســيرة التحديث الذي تبلورت ملامحه بوضــوح أكثــر قبيل مجيء القذافي للســلطة خاصة مرحلــة الإدارة البريطانية والمملكة، وانحدر بالبلاد إلى مستوى متدنّ من التخلف، لا تزال مظاهره وآثاره مشاهدة حتى الوقت الراهن. إنّ خطابــات وتصرفات وآراء القذافي الغريبة كانت محل ســخرية وتندر لغرابتها، وكانت غرابة تلك الآراء والتصرفات بادية في ملبســه ولغة جســده، ومواقفه في الملتقيات والمحافل العربية والدولية، وفي نظرته للدين والسياســة والاقتصاد والاجتماع والثقافة، وقراءته للتاريخ وتفســيره لما يجري حوله، ولم تكن شــخصية ومحدودة الأثر، بل وجدت مســاحتها وتأثيرها الأكبر في إدارة الدولة وتوجيه المجتمع، فكان نتاجها تشوهات كبيرة، أسهمت في التمرد عليه، ولا تزال نتائجها ظاهرة في الواقع المأساوي اليوم. إنها مشكلة الاعتقاد بامتلاك الفكر الأوحد والحق المطلق التي تلبس بها القذافي، فهي ورطة وجودية قاتلة للجميع: الحاكم والمحكوم، الشــعب والنخبة، كما يستخلص الباحث التونسي . ((( منصف وناس وبآليــة التحليل السياســي يمكن القول إن القذافي قوّض شــرعيته بيديه، وعرّض نظامه للسقوط باختياره، فالشرعية الثورية، التي اعتمد عليها في تثبيت يونيو/ 23 حكمه، والتي مثلت امتدادا للانقلابات الكبرى وفي مقدمتها انقلاب في مصر، تقوضت بسبب الصدام الذي وقع فيه القذافي مع كافة 1952 حزيران الأنظمة العربية ثم الأنظمة الغربية وإصراره على تزعم النظام العربي وفق رؤيته الراديكالية، أما ورقة مناصرة القضية الفلســطينية ومقارعة الكيان الصهيوني فقد انتهت إلى التسليم بوجود إسرائيل واقتسام الأرض والسلطة مع الفلسطينيين في . 39 مصدر سابقص " ليبيا التي رأيت " وناس (((

30

، كما انتهت شــرعية مواجهة الإمبريالية به إلى " إسراطين " مقترحه بإنشــاء دولة التسليم الكامل للضغوط والرضوخ المشين للمطالب والشروط الغربية في قضية لوكربي وملف الممرضات البلغاريات وأيضا ملف المصالح النفطية والاقتصادية كما فشــلت النظرية العالمية في أهم أركانها، وهما الركن ((( للشــركات الكبرى السياســي والركن الاقتصادي، فأصبح القذافي ونظامه بعد انهيار أسس شرعيته في مهب الريح، وعندما حانت الفرصة لإنعاشــه من خلال مشــروع ابنه سيف، انقلب على المشــروع، فتقوضت شرعيته وفقد فرصة الاستدراك والتغيير فكان ذلك من أهم أسباب الانتفاض عليه.

أدى نزاع نظام القذافي مع القوى الكبرى إلى فرضعقوبات عليه وخروج عدد من الشركات النفطية ((( الأمريكية والأوروبية من البلاد وتوقف أنشطة الاستكشاف، ولقد كانتحصص الشركات من ضمن أجندة التطبيع مع الغرب مطلع الألفية الثالثة.

31

Page 1 Page 2 Page 3 Page 4 Page 5 Page 6 Page 7 Page 8 Page 9 Page 10 Page 11 Page 12 Page 13 Page 14 Page 15 Page 16 Page 17 Page 18 Page 19 Page 20 Page 21 Page 22 Page 23 Page 24 Page 25 Page 26 Page 27 Page 28 Page 29 Page 30 Page 31 Page 32 Page 33 Page 34 Page 35 Page 36 Page 37 Page 38 Page 39 Page 40 Page 41 Page 42 Page 43 Page 44 Page 45 Page 46 Page 47 Page 48 Page 49 Page 50 Page 51 Page 52 Page 53 Page 54 Page 55 Page 56 Page 57 Page 58 Page 59 Page 60 Page 61 Page 62 Page 63 Page 64 Page 65 Page 66 Page 67 Page 68 Page 69 Page 70 Page 71 Page 72 Page 73 Page 74 Page 75 Page 76 Page 77 Page 78 Page 79 Page 80 Page 81 Page 82 Page 83 Page 84 Page 85 Page 86 Page 87 Page 88 Page 89 Page 90 Page 91 Page 92 Page 93 Page 94 Page 95 Page 96 Page 97 Page 98 Page 99 Page 100 Page 101 Page 102 Page 103 Page 104 Page 105 Page 106 Page 107 Page 108 Page 109 Page 110 Page 111 Page 112 Page 113 Page 114 Page 115 Page 116 Page 117 Page 118 Page 119 Page 120 Page 121 Page 122 Page 123 Page 124 Page 125 Page 126 Page 127 Page 128 Page 129 Page 130 Page 131 Page 132 Page 133 Page 134 Page 135 Page 136 Page 137 Page 138 Page 139 Page 140 Page 141 Page 142 Page 143 Page 144 Page 145 Page 146 Page 147 Page 148 Page 149 Page 150 Page 151 Page 152 Page 153 Page 154 Page 155 Page 156 Page 157 Page 158 Page 159 Page 160 Page 161 Page 162 Page 163 Page 164 Page 165 Page 166 Page 167 Page 168 Page 169 Page 170 Page 171 Page 172 Page 173 Page 174 Page 175 Page 176 Page 177 Page 178 Page 179 Page 180 Page 181 Page 182 Page 183 Page 184 Page 185 Page 186 Page 187 Page 188 Page 189 Page 190 Page 191 Page 192 Page 193 Page 194 Page 195 Page 196 Page 197 Page 198 Page 199 Page 200

Made with FlippingBook Online newsletter